لماذا الهندوسية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك تصور و اعتقاد خاطئ عن الهندوسية في ثقافتنا العامة ، فهي عندنا تلك الديانة السخيفة التي نتندر بها بين الفينة و الاخرى فنقول عباد الابقار و عباد الفئران و ما الى ذلك. من جهة اخرى يسوق للبوذية على انها الديانة الصديقة للعلم البعيدة عن الخرافات فهي بذلك تلقى رواجا رائعا هذه الايام و معابدها منتشرة في كل الدول الاجنبية . الهندوسية ايضا منتشرة في الدول الاجنبية و لها عشاقها و لكنها في الثقافة العامة ديانة الخرافات و الاساطير . اما انا شخصيا فقد كنت ابتعد عن الهندوسية و عن القراءة فيها و ذلك لان من الصعب تفكيك الهندوسية الى ديانة و تقاليد فهي عادة تأتيك كوحدة واحدة و قد كنت لا اهتم بالثقافة الهندوسية . اضف الى ذلك ان الهندوسية تعاني من مشكلة الدجالين ففي الستينيات من القرن الماضي عندما كانت امريكا تعيش حالة من العطش الروحي جاء بعض المرتاضين من الهنود الى امريكا و بعد نجاح بعضهم و قوة تأثيره و اتباع بعض المشاهير له حاول البعض الاخر استغلال هذه الفرصة فجاء هو بنية جمع الموالين و التكسب من هذه المهنة فكثرت الفضائح المالية و الجنسية فلا غرابة ان يكون كل مرتاض هندي تحت السؤال الى ان تثبت براءته . المشكلة ان من الهندوسية ما يعرف بالتانترك و هي تعتبر الممارسات الجنسية طريقا من طرق النمو الروحي ، فلذلك قد يبرر لتلك الفضائح من هذا الباب. لذلك من الامور المميزة في البوذية ان بوذا كان صريحا في منع اي شكل من اشكال الممارسات الجنسية بين الرهبان ، و بذلك تصبح عملية تمييز الدجالين سهلة فكل راهب يستغل او يرتبط بإحداهن يكون مدعياً. هنا يجدر بي ان اشير الى نقطة ظريفة يذكرها رام داس و لا يوجد اختلاف في كونه خبيرا في هذا المجال ( عمليا و نظريا) . لقد ذكر رام داس ان تلك الفترة من الستينيات كان الامريكان يعيشون ثورة التحرر من الاعراف و بدأوا باستكشاف اشكال جديدة من العلاقات المفتوحة بعنوان الحب للكل و ما الى ذلك فكان من الصعب على بعض المرتاضين التعامل مع تلك النساء اللاتي يعشن حالة من الثورة الجنسية العارمة و الرغبة الملحة في الاستشكاف و التحرر . فهو بذلك يُحمل جزءا من المسؤولية على التلميذات انفسهن . اياً يكن الامر الى الان و الهندوسية تعاني من مشكلة كثرة الدجالين.
لنعد الى صلب الموضوع فالذين يقبلون بالبوذية يقبلون الهندوسية علموا بذلك او لم يعلموا فالبوذية تعتبر من الهندوسية الغير تقليدية و هي متأثرة جدا بالهندوسية و لا يمكن انكار هذا التأثر فأساس البوذية قائم على مسألة التناسخ الذي تقول به الهندوسية لكن الفرق ان بوذا في تعاليمه يدور في فلك كيفية الهروب من دائرة الولادة المجددة و لا يهتم كثيرا ببقية الامور التي تتكلم عنها الهندوسية التقليدية من مثل الآلهة و غير ذلك . من الممكن ان نقول ان بوذا يهتم بالجانب العملي و يسعى للخلاص و اما بقية الامور فهي امور ثانوية عنده و لكن من الاجحاف ان ننكر هذا الشيء في الهندوسية فالهندوسية و ان كانت مغرقة بالاساطير و الخرافات في الجانب النظري الا انها تتمتع بنظام عملي لا يقل شأنا عن الذي يقدمه بوذا بل قد أدعي انه متكامل اكثر و غني جدا و سيأتي تفصيله.
قبل الاسترسال يجب ان أحدد ما اعني بالهندوسية فالهندوسية ليست دينا بحدود معروفة كما في الاسلام مثلا ، فالذي يتكلم عن الهندوسية انما يتكلم عن مجموعة من الاديان تجمعها مظلة واحدة. الامر اشبه بمن يتكلم عن الاديان الابراهيمية ( اليهودية ، المسيحية ، الاسلام ) على انها دين واحد ! فهي و ان كانت تشترك في كثير من عقائدها و عباداتها الا انها مختلفة من جهات اخرى. لذلك من الصعب التكلم عن الهندوسية فأنت عندما تسألني عن اعتقاد الهندوسية في الآلهة عن اي هندوسية تحديدا تسألني ؟ فهناك من تقول بتعدد الآلهة و هناك من تعتقد بإله واحد و اخرى تنزه الله سبحانه و تعالى تنزيها شديدا فتجعله بعيدا عن تخيلات و ادراك العقول و البعض اتخذ من هذه حجة لان تقع العبادة لتنزلات و صور يدعي ان المنزه انزلها لتعبد لان البشر لا يمكنهم ان يعبدوا الله في صورته المنزهة.
مرة اخرى لماذا الهندوسية ؟ و تحديدا لماذا الهندوسية على البوذية ؟
سأذكر بعض الجوانب التي اراها شخصيا فأول ما يؤخذ على البوذية انها ديانة تشاؤمية جدا فهي تفترض ان الحياة عذاب و الم – اولى الحقائق النبيلة التي ذكرها بوذا - و قد وجدت ارتباكا شديدا في اجابات البوذيين على اشكال يطرحه بعض الغرب مفاده " انني لا ارى ان الحياة عذاب و الم و اني مسرور بحياتي و لا مشكلة عندي في ان عيش حياتي و اموت حينما يحين اجلي ! " . هذا التساؤل البسيط يضطر البوذيين الى الاستعانة بمسألة التناسخ و انك قد تولد كمخلوق ادنى من الانسان فيجب استغلال فترة ولادتك كإنسان كي تتحرر من دائرة الولادة المجددة . طبعا هكذا جواب بعيد كل البعد عن اقناع من لا يعتقد بكل هذه الامور ابتداءً. هذه من النقاط التي تميزت بها الطاوية فهي تحتفل بالحياة بكل اشكالها فهي بذلك تقدم نظرة مختلفة و فلسفة مغايرة لما تقدمه البوذية. الهندوسية من جهة اخرى قد تكون في بعض اشكالها اشبه بالبوذية و في بعض اشكالها الاخرى اشبه بالطاوية لكنها خاصة اذا اضفنا الجانب الثقافي اليها نجدها ديانة مرحة تزخر بالعديد من الاحتفالات و تشجع على الرقص و الغناء و احد كتبها المقدسة يعرف بأغنية الرب و إلاههم يظهر كعازف مزمار و يخوض مغامرات حميمية .
هذه التشاؤمية تقودنا للكلام عن الطريقة البوذية في التأمل و هي زبدة المطلب عندهم فبوذا قدم التأمل كطريق فعال للتحرر و لكن هذا الطريق سرعان ما يصبح مملا روتينيا بل في احيان كثيرة اتهم ممارسوه باللاغائية و العبثية و الانطوائية . اذا اردنا ان نكون منصفين و نبتعد عن تقييم هذا الطريق فيمكننا على الاقل ان نجزم بأنه غير ديناميكي بما فيه الكفاية خاصة في عصرنا هذا. بعبارة اخرى قد يكون هذا الطريق هو الانجع و الافضل لمن يعيش في صومعة أو في عزلة و لكن لمن هم يعيشون الحياة الحديثة من الصعب حقا توظيف هكذا طريق للوصول الى مرحلة متقدمة و انما قد يؤتي نتائج جيدة لمن يرغبون بالوصول الى حالة من الارتياح و السلام و تقليل التوترات و ما الى ذلك . لكن لو اخذنا الهندوسية فهي تقدم حلا ديناميكيا بامتياز فهي تجعل لكل انسان طريقا مختلفا فاذا كنت تستطيع العزلة او التفرغ في صومعة لا بأس بطريق التأمل و لكن ان كنت لا تستطيع الجلوس لفترات طويلة و لديك المشاغل الكثيرة فالهندوسية تقدم طريق الكارما يوجا و هو طريق الوصول من خلال العمل اليومي بحيث يكون الانسان في عمق الحياة الصاخبة و لكنه متوجه الى الله عز و جل بأعماله . اما اذا كنت من النوع المفكر فالهندوسية ايضا تقدم الجانا يوجا كطريق الى الله حيث من خلال المعرفة المحضة و بممارسات فكرية و اسئلة جوهرية يمكن ان يفتح للانسان ابواب الوصول الى الوحدة. و يوجد ايضا عند الهندوس طريق الحب و التفاني " الباكتي يوجا " و هذا ما لا نجده في البوذية و مع الاسف نجد ان بعضا من الطوائف الاسلامية كالوهابية جافة من هذه الناحية لا تتمتع بأي بعد عاطفي و انما الدين عندها مجرد طقوس آلية خالية من المشاعر الانسانية . هذا بالاضافة الى طرق تهتم بإيقاظ الطاقة الكامنة و طرق تهتم بالتهذيب البدني " هاثا يوجا " الى غير ذلك من الطرق. هذا و اذا اضفنا جانب التقسيم الطبقي للعمر عندهم نجد ان الهندوسية تتمتع بتنوع زاخر في هذا الجانب ، فالهندوسية تقسم العمر الى لعب و دراسة و عمل و تهذيب و تجرد فالشاب عندهم يشجع على السعي في تأسيس الاسرة و النجاح المادي بشكل لا يتعارض مع النمو الروحي بخلاف البوذية التي تحتاج الى نوع من العزلة عن العالم الواقعي لرهبانها فهي تحرم الزواج و امتلاك الاموال.
هذا كله في البعد العملي اما النظري فالهندوسية أقدم و اعرق فقد كان هناك من الهندوس من يبشر بتعاليم " الفيدا " قبل ان يولد بوذا بحوالي الـ 200 سنة ، و تصنف هذه الكتب المقدسة من اقدم الكتب المقدسة عمرا ان لم تكن اقدمها. التنوع الموجود في نظريات تفسير الوجود عندهم شيء عجيب و لا اراني سمعت عن نظرية فلسفية وحدوية الا و لها شبيه او اصل في الهندوسية فإن كنت تتكلم عن الحلول فقد كان احد فلاسفتهم يقول بأن الخالق كان و لم يكن شيء معه ثم خلق الكون و حل فيه ، فهو يقول بوحدة حلولية . و ان كنت تبحث عن الوحدة بمعانيها الاخرى كوحدة الوجود و وحدة الشهود و الوحدة التشكيكية – قال بها رامانوجا - و الوحدة الصرفة – اختيار شانكارا - فكل هذه موجودة عندهم . و لديهم من يقول بالتباين التام بين الخالق و المخلوق و هو ما يقول به " مادفا ".
في الوقت الراهن تتمتع الادفيتا فيدنتا بقبول واسع في الاوساط الغربية فهي تقدم فلسفة الوحدة الصرفة و ساعد على انتشارها في القرن العشرين امثال الباغفان و نيزاركداتا ماهاراج . يشدني دائما ان الباغفان يقدم نموذجا مغايرا لنيزاركداتا فالباغفان انسان متجرد يتعبد في الكهوف و المعابد لذلك سمي المقدس و لكن نيزاركداتا بائع سجائر يقطن شقة متواضعة في منطقة مزدحمة في بومباي ، فبهذين المثالين يمكننا ان ندرك ان الوصول في هذه المدرسة لا يشترط الانقطاع التام عن الحياة المعتادة. حاليا يوجد الكثير من الغرب يقومون بتدريس هذه الفلسفة و دروسهم منتشرة على الشبكة العنكبوتية ، سجلت ملاحظاتي عليهم في مقالة سابقة بعنوان الروحانيون الجدد. زبدة المطلب عندهم ان لا ثنائية في الوجود فلا توجد الا حقيقة واحدة فلا انا اكتب لكم و لا انتم تقرأون لي ! قد يبدو ان هذا مخالف للبديهة و لكن المسألة عندهم مثل السراب فهو يبدو كشيء حقيقي في اول وهلة و لكن بعد التفحص تجد ان لا حقيقة له و لربما مثال الحلم اوضح فأنت في الحلم قد تقسم بأغلظ الايمان بأن ما يحدث حقيقة فلو انك سقطت من شاهق او طاردك وحش فستعيش التجربة و كأنها حقيقة و تعيش كل ما يلازمها من مشاعر و احاسيس و لكن بعد ان تستيقظ من النوم تدرك انه لا وجود حقيقي لذلك الحلم.
اكتفي بهذا القدر خوف الاطالة أو ان ارمى الآن بالميل الى الهندوسية ! و آمل ان قد استطعت في هذه السطور ان اغير شيئا من الصورة النمطية التي ورثناها عن الهندوسية . فحقيقة الامر ان الهندوسية غنية بالنظريات الفلسفية التي أثرت كثيرا على الفلسفات الاخرى و لها في كثير من الاحيان قصب السبق و لها نظام عملي من اعقد و اشمل النظم التي تقدمها اي ديانة. هي أيضا غنية بالتراث و الادب الروحي و لكن قد نترك هذا لمقالة اخرى .
دمتم في الرضـا ،
هناك تصور و اعتقاد خاطئ عن الهندوسية في ثقافتنا العامة ، فهي عندنا تلك الديانة السخيفة التي نتندر بها بين الفينة و الاخرى فنقول عباد الابقار و عباد الفئران و ما الى ذلك. من جهة اخرى يسوق للبوذية على انها الديانة الصديقة للعلم البعيدة عن الخرافات فهي بذلك تلقى رواجا رائعا هذه الايام و معابدها منتشرة في كل الدول الاجنبية . الهندوسية ايضا منتشرة في الدول الاجنبية و لها عشاقها و لكنها في الثقافة العامة ديانة الخرافات و الاساطير . اما انا شخصيا فقد كنت ابتعد عن الهندوسية و عن القراءة فيها و ذلك لان من الصعب تفكيك الهندوسية الى ديانة و تقاليد فهي عادة تأتيك كوحدة واحدة و قد كنت لا اهتم بالثقافة الهندوسية . اضف الى ذلك ان الهندوسية تعاني من مشكلة الدجالين ففي الستينيات من القرن الماضي عندما كانت امريكا تعيش حالة من العطش الروحي جاء بعض المرتاضين من الهنود الى امريكا و بعد نجاح بعضهم و قوة تأثيره و اتباع بعض المشاهير له حاول البعض الاخر استغلال هذه الفرصة فجاء هو بنية جمع الموالين و التكسب من هذه المهنة فكثرت الفضائح المالية و الجنسية فلا غرابة ان يكون كل مرتاض هندي تحت السؤال الى ان تثبت براءته . المشكلة ان من الهندوسية ما يعرف بالتانترك و هي تعتبر الممارسات الجنسية طريقا من طرق النمو الروحي ، فلذلك قد يبرر لتلك الفضائح من هذا الباب. لذلك من الامور المميزة في البوذية ان بوذا كان صريحا في منع اي شكل من اشكال الممارسات الجنسية بين الرهبان ، و بذلك تصبح عملية تمييز الدجالين سهلة فكل راهب يستغل او يرتبط بإحداهن يكون مدعياً. هنا يجدر بي ان اشير الى نقطة ظريفة يذكرها رام داس و لا يوجد اختلاف في كونه خبيرا في هذا المجال ( عمليا و نظريا) . لقد ذكر رام داس ان تلك الفترة من الستينيات كان الامريكان يعيشون ثورة التحرر من الاعراف و بدأوا باستكشاف اشكال جديدة من العلاقات المفتوحة بعنوان الحب للكل و ما الى ذلك فكان من الصعب على بعض المرتاضين التعامل مع تلك النساء اللاتي يعشن حالة من الثورة الجنسية العارمة و الرغبة الملحة في الاستشكاف و التحرر . فهو بذلك يُحمل جزءا من المسؤولية على التلميذات انفسهن . اياً يكن الامر الى الان و الهندوسية تعاني من مشكلة كثرة الدجالين.
لنعد الى صلب الموضوع فالذين يقبلون بالبوذية يقبلون الهندوسية علموا بذلك او لم يعلموا فالبوذية تعتبر من الهندوسية الغير تقليدية و هي متأثرة جدا بالهندوسية و لا يمكن انكار هذا التأثر فأساس البوذية قائم على مسألة التناسخ الذي تقول به الهندوسية لكن الفرق ان بوذا في تعاليمه يدور في فلك كيفية الهروب من دائرة الولادة المجددة و لا يهتم كثيرا ببقية الامور التي تتكلم عنها الهندوسية التقليدية من مثل الآلهة و غير ذلك . من الممكن ان نقول ان بوذا يهتم بالجانب العملي و يسعى للخلاص و اما بقية الامور فهي امور ثانوية عنده و لكن من الاجحاف ان ننكر هذا الشيء في الهندوسية فالهندوسية و ان كانت مغرقة بالاساطير و الخرافات في الجانب النظري الا انها تتمتع بنظام عملي لا يقل شأنا عن الذي يقدمه بوذا بل قد أدعي انه متكامل اكثر و غني جدا و سيأتي تفصيله.
قبل الاسترسال يجب ان أحدد ما اعني بالهندوسية فالهندوسية ليست دينا بحدود معروفة كما في الاسلام مثلا ، فالذي يتكلم عن الهندوسية انما يتكلم عن مجموعة من الاديان تجمعها مظلة واحدة. الامر اشبه بمن يتكلم عن الاديان الابراهيمية ( اليهودية ، المسيحية ، الاسلام ) على انها دين واحد ! فهي و ان كانت تشترك في كثير من عقائدها و عباداتها الا انها مختلفة من جهات اخرى. لذلك من الصعب التكلم عن الهندوسية فأنت عندما تسألني عن اعتقاد الهندوسية في الآلهة عن اي هندوسية تحديدا تسألني ؟ فهناك من تقول بتعدد الآلهة و هناك من تعتقد بإله واحد و اخرى تنزه الله سبحانه و تعالى تنزيها شديدا فتجعله بعيدا عن تخيلات و ادراك العقول و البعض اتخذ من هذه حجة لان تقع العبادة لتنزلات و صور يدعي ان المنزه انزلها لتعبد لان البشر لا يمكنهم ان يعبدوا الله في صورته المنزهة.
مرة اخرى لماذا الهندوسية ؟ و تحديدا لماذا الهندوسية على البوذية ؟
سأذكر بعض الجوانب التي اراها شخصيا فأول ما يؤخذ على البوذية انها ديانة تشاؤمية جدا فهي تفترض ان الحياة عذاب و الم – اولى الحقائق النبيلة التي ذكرها بوذا - و قد وجدت ارتباكا شديدا في اجابات البوذيين على اشكال يطرحه بعض الغرب مفاده " انني لا ارى ان الحياة عذاب و الم و اني مسرور بحياتي و لا مشكلة عندي في ان عيش حياتي و اموت حينما يحين اجلي ! " . هذا التساؤل البسيط يضطر البوذيين الى الاستعانة بمسألة التناسخ و انك قد تولد كمخلوق ادنى من الانسان فيجب استغلال فترة ولادتك كإنسان كي تتحرر من دائرة الولادة المجددة . طبعا هكذا جواب بعيد كل البعد عن اقناع من لا يعتقد بكل هذه الامور ابتداءً. هذه من النقاط التي تميزت بها الطاوية فهي تحتفل بالحياة بكل اشكالها فهي بذلك تقدم نظرة مختلفة و فلسفة مغايرة لما تقدمه البوذية. الهندوسية من جهة اخرى قد تكون في بعض اشكالها اشبه بالبوذية و في بعض اشكالها الاخرى اشبه بالطاوية لكنها خاصة اذا اضفنا الجانب الثقافي اليها نجدها ديانة مرحة تزخر بالعديد من الاحتفالات و تشجع على الرقص و الغناء و احد كتبها المقدسة يعرف بأغنية الرب و إلاههم يظهر كعازف مزمار و يخوض مغامرات حميمية .
هذه التشاؤمية تقودنا للكلام عن الطريقة البوذية في التأمل و هي زبدة المطلب عندهم فبوذا قدم التأمل كطريق فعال للتحرر و لكن هذا الطريق سرعان ما يصبح مملا روتينيا بل في احيان كثيرة اتهم ممارسوه باللاغائية و العبثية و الانطوائية . اذا اردنا ان نكون منصفين و نبتعد عن تقييم هذا الطريق فيمكننا على الاقل ان نجزم بأنه غير ديناميكي بما فيه الكفاية خاصة في عصرنا هذا. بعبارة اخرى قد يكون هذا الطريق هو الانجع و الافضل لمن يعيش في صومعة أو في عزلة و لكن لمن هم يعيشون الحياة الحديثة من الصعب حقا توظيف هكذا طريق للوصول الى مرحلة متقدمة و انما قد يؤتي نتائج جيدة لمن يرغبون بالوصول الى حالة من الارتياح و السلام و تقليل التوترات و ما الى ذلك . لكن لو اخذنا الهندوسية فهي تقدم حلا ديناميكيا بامتياز فهي تجعل لكل انسان طريقا مختلفا فاذا كنت تستطيع العزلة او التفرغ في صومعة لا بأس بطريق التأمل و لكن ان كنت لا تستطيع الجلوس لفترات طويلة و لديك المشاغل الكثيرة فالهندوسية تقدم طريق الكارما يوجا و هو طريق الوصول من خلال العمل اليومي بحيث يكون الانسان في عمق الحياة الصاخبة و لكنه متوجه الى الله عز و جل بأعماله . اما اذا كنت من النوع المفكر فالهندوسية ايضا تقدم الجانا يوجا كطريق الى الله حيث من خلال المعرفة المحضة و بممارسات فكرية و اسئلة جوهرية يمكن ان يفتح للانسان ابواب الوصول الى الوحدة. و يوجد ايضا عند الهندوس طريق الحب و التفاني " الباكتي يوجا " و هذا ما لا نجده في البوذية و مع الاسف نجد ان بعضا من الطوائف الاسلامية كالوهابية جافة من هذه الناحية لا تتمتع بأي بعد عاطفي و انما الدين عندها مجرد طقوس آلية خالية من المشاعر الانسانية . هذا بالاضافة الى طرق تهتم بإيقاظ الطاقة الكامنة و طرق تهتم بالتهذيب البدني " هاثا يوجا " الى غير ذلك من الطرق. هذا و اذا اضفنا جانب التقسيم الطبقي للعمر عندهم نجد ان الهندوسية تتمتع بتنوع زاخر في هذا الجانب ، فالهندوسية تقسم العمر الى لعب و دراسة و عمل و تهذيب و تجرد فالشاب عندهم يشجع على السعي في تأسيس الاسرة و النجاح المادي بشكل لا يتعارض مع النمو الروحي بخلاف البوذية التي تحتاج الى نوع من العزلة عن العالم الواقعي لرهبانها فهي تحرم الزواج و امتلاك الاموال.
هذا كله في البعد العملي اما النظري فالهندوسية أقدم و اعرق فقد كان هناك من الهندوس من يبشر بتعاليم " الفيدا " قبل ان يولد بوذا بحوالي الـ 200 سنة ، و تصنف هذه الكتب المقدسة من اقدم الكتب المقدسة عمرا ان لم تكن اقدمها. التنوع الموجود في نظريات تفسير الوجود عندهم شيء عجيب و لا اراني سمعت عن نظرية فلسفية وحدوية الا و لها شبيه او اصل في الهندوسية فإن كنت تتكلم عن الحلول فقد كان احد فلاسفتهم يقول بأن الخالق كان و لم يكن شيء معه ثم خلق الكون و حل فيه ، فهو يقول بوحدة حلولية . و ان كنت تبحث عن الوحدة بمعانيها الاخرى كوحدة الوجود و وحدة الشهود و الوحدة التشكيكية – قال بها رامانوجا - و الوحدة الصرفة – اختيار شانكارا - فكل هذه موجودة عندهم . و لديهم من يقول بالتباين التام بين الخالق و المخلوق و هو ما يقول به " مادفا ".
في الوقت الراهن تتمتع الادفيتا فيدنتا بقبول واسع في الاوساط الغربية فهي تقدم فلسفة الوحدة الصرفة و ساعد على انتشارها في القرن العشرين امثال الباغفان و نيزاركداتا ماهاراج . يشدني دائما ان الباغفان يقدم نموذجا مغايرا لنيزاركداتا فالباغفان انسان متجرد يتعبد في الكهوف و المعابد لذلك سمي المقدس و لكن نيزاركداتا بائع سجائر يقطن شقة متواضعة في منطقة مزدحمة في بومباي ، فبهذين المثالين يمكننا ان ندرك ان الوصول في هذه المدرسة لا يشترط الانقطاع التام عن الحياة المعتادة. حاليا يوجد الكثير من الغرب يقومون بتدريس هذه الفلسفة و دروسهم منتشرة على الشبكة العنكبوتية ، سجلت ملاحظاتي عليهم في مقالة سابقة بعنوان الروحانيون الجدد. زبدة المطلب عندهم ان لا ثنائية في الوجود فلا توجد الا حقيقة واحدة فلا انا اكتب لكم و لا انتم تقرأون لي ! قد يبدو ان هذا مخالف للبديهة و لكن المسألة عندهم مثل السراب فهو يبدو كشيء حقيقي في اول وهلة و لكن بعد التفحص تجد ان لا حقيقة له و لربما مثال الحلم اوضح فأنت في الحلم قد تقسم بأغلظ الايمان بأن ما يحدث حقيقة فلو انك سقطت من شاهق او طاردك وحش فستعيش التجربة و كأنها حقيقة و تعيش كل ما يلازمها من مشاعر و احاسيس و لكن بعد ان تستيقظ من النوم تدرك انه لا وجود حقيقي لذلك الحلم.
اكتفي بهذا القدر خوف الاطالة أو ان ارمى الآن بالميل الى الهندوسية ! و آمل ان قد استطعت في هذه السطور ان اغير شيئا من الصورة النمطية التي ورثناها عن الهندوسية . فحقيقة الامر ان الهندوسية غنية بالنظريات الفلسفية التي أثرت كثيرا على الفلسفات الاخرى و لها في كثير من الاحيان قصب السبق و لها نظام عملي من اعقد و اشمل النظم التي تقدمها اي ديانة. هي أيضا غنية بالتراث و الادب الروحي و لكن قد نترك هذا لمقالة اخرى .
دمتم في الرضـا ،