عن الطاويّة
بسم الله الرحمن الرحيم
في الانجليزية تلفظ داو Dao و تكتب تاو Tao و لكن في كلا الحالتين تلفظ داو "بحرف الدال" و لكن وجدتها معربة الى طاو من تاو ، مثل تهران عربت طهران . اذا يفترض ان اقول الداوية لانها لا تلفظ تاو اصلا حتى تعرب طاو و لكن لنستخدم لفظة طاوية فلا مشاحة في الالفاظ هنا .
الطاوية هي ديانة "ان صح التعبير" صينية معاصرة للكونفوشيوسية و البوذية تقريبا و يعتبر الداو دي تشنغ (ايضا قد يلفظ داو ته شنغ) Tao Te Ching كتابها الاول و المقدس . ينسب الكتاب الى لاوزه ( و يكتب ايضا لاو تسي و لاو تسو و لاو تزو) و تعني المعلم القديم ، و هي شخصية اشبه ما تكون بالاسطورة ففي وجودها اختلاف عند الباحثين لكن آلن واتس و هو من اهم الباحثين في شأن الطاوية دعى الى التريث و ان مسألة كون لاوزه شخصية خيالية انما ظهرت مع حركة اكاديمية كانت تشكك بكل شخصية تاريخية دينية . ايا يكن يحكى ان لاوزه عندما راى الفساد في زمانه قرر السفر على ظهر جاموس و ترك البلاد و لكن عند خروجه عرفه احد حراس الحدود فأوقفه و طلب منه ان يكتب كتابا في الحكمة قبل ان يمضي فكتب كتاب الداو دي تشنغ . هذا الكتاب عبارة عن مقطوعات قصيرة تصف الداو ( الطريق ) و لكن الكتاب ايضا يقال انه لعدة مؤلفين مختلفين.
عندما تذكر الطاوية فهي عادة تذكر كمدرسة مقابلة للمدرسة الكونفوشيوسية فكنفشيوس اسس مدرسته على اسس الاخلاق و الطقوس و الانظمة التي تدير مختلف شؤون الحياة و لكن الطاوية في الجهة المقابلة تدعو الى الرجوع للطبيعة و لا تكترث كثيرا للطقوس و الاعراف الاجتماعية. قد ذكرت في البداية ان الطاوية ديانة و لكن ليست بالمعنى المتعارف فعندما نتكلم عن الطاوية فهناك الفلسفة الطاوية و هي المستمدة من كتاب الداو دي تشنغ و شروحاته و كتاب جوانغ زا (ايضا يلفظ جوانزي و جوانزه) المسمى على اسم مؤلفه و الذي هو بدوره ينسب الى عدة كتاب على راي بعض الباحثين. و هناك الطاوية الدينية التي لها شعائر و طقوس عبادية و اعتقادات في آلهة و ما الى ذلك نشأت بعد مئات السنين من الطاوية بشكلها الاول.
هنا نقطة جديرة بالتأمل فإننا نرى ان احد الحكماء يكتب كتابا لا يدعي فيه الالوهية و لا اي امر خارق للعادة و لكن بعد مئات السنين تتطور الامور و يأتي من يجعل منه الهاً و من كتابه شريعة مقدسة ثم يختلق الطقوس و الشعائر . هذا بالضبط ما حصل مع البوذية اذ فكرة عبادة بوذا و انه هو نفسه اله لم تكن موجودة في اصل الدعوة و انما اخترعت بعد مئات السنين . و لا نحتاج الى التأول بعيدا فالقران يذكر لنا قصص الذين حرفوا دينهم و تقولوا على انبيائهم .
و لا يخفى ايضا ان ما يعرف بالديانات الصينية في بدئها كانت فلسفات دنيوية لا تولي اهتماما بالغيبيات و الالهة على خلاف المعتقدات الغربية فكنفوشويوس عندما يسال عن الالهة تراه يجيب بأنه لا يمتلك معرفة كافية للخوض في هذا المجال و لكنه يحترم الاعتقاد بفكرة وجود الاله لذلك راى بعضهم انه اول علماني يدعو الى فصل الدين عن الحكومة . لاوزه ايضا ينسب اليه انه قال " انني لا اهتم بالالهة و الارواح خيرها او شرها و لا اخدم ايا منها ".
على كل حال الطاوية كديانة انتشرت في الصين في فترات من الزمن و تبنتها بعض السلالات الحاكمة و لكن مع الزمن قل نفوذها و احتلت مكانها البوذية و لكنها الان تعتبر من الديانات المعترف بها في الصين . إهتمامنا هو بالطاوية الفلسفية الاولى و اما الطاوية المستحدثة فتحتوي على خرافات كثيرة و تبحث في امور غريبة من مثل اكسير الحياة و الخيمياء و اعتقادات غريبة في الممارسة الجنسية و ما الى ذلك نعرض عن ذكرها .
و لا يمكن معرفة الطاوية معرفة جيدة الا بملاحظة تفاعلها مع المدرسة البوذية و الكونفوشيوسية. هذه العلاقة تم رسمها بشكل مختصر في قصة مستطعمي الخل و هي قصة خيالية تحكي عن ثلاثة اشخاص اجتمعوا عند اناء يحوي خلا و قاموا باستطعامه فأما الاول فبدت عليه ملامح استطعام الحموضة و الثاني المرورة و الثالث الحلاوة. هؤلاء الاشخاص هم كونفوشيوس و بوذا و لاوزه بالترتيب . و هذه القصة تلخص الطابع العام لكل مدرسة تجاه الحياة فالكونفوشيوسية تراها حامضة حادة الطعم تحتاج الى ما يلطفها من طقوس و انظمة تنظم المجتمع و تقيم سلوكه و البوذية تراها مرة لانها تنظر الى الالام و السعي نحو التخلص من واقع الحياة المؤلم و اما الطاوية فترى الحياة جميلة بشكلها الافتراضي الذي نعيشه ايا كان.
لذلك فالطاوية لديها ردة فعل تجاه التزمت و التكلف الكونفوشيوسي في ان كل شيء يجب ان يخضع لطقوس و بروتوكولات معينة ، فالطاوية ترفض هذا التكلف و تدعو الى نوع من العفوية و الاندماج مع الطبيعة و مجرى العالم . ايضا الطاوية تقلل من قدرة اللغة على ايصال المعاني و نقل التجارب بالشكل الكامل بل ان كتابهم الاول يبدا بهذه العبارة :
الطريق (الداو) الذي يمكن التحدث عنه
ليس الطريق السرمدي
الاسم الذي يمكن اطلاقه
ليس الاسم السرمدي
و يشبه جوانغ زا مسألة الالفاظ اللغوية بشبكة الصيد حيث نرميها بغرض صيد السمك فإذا ما تم المقصد اخذنا السمك و تركناها و كانه يشير الى ان اللغة مجرد اداة لا يجب التمسك بها و الانشغال بها عن الهدف. و جوانغ زا هذا هو كما قلنا مؤلف كتاب "جوانغ زا" و فيه كتب قصصا تنتصر للفكر الطاوي و تنتقد الفكر الكونفوشيوسي ، و هذا الكتاب له قيمة ادبية عالمية عالية بغض النظر عن فلسفته و اهدافه و من اشهر تلك القصص عالميا قصته عن نفسه عندما حلم بأنه فراشة ، فراشة سعيدة لا تعرف انها هي جوانغ زا . عندما استيقظ ادرك انه جوانغ زا و كان يحلم بأنه فراشة ، ثم اخذه الشك فتساءل هل انا جوانغ زا حلمت اني فراشة ام انني فراشة تحلم انها جوانغ زا ؟!.
اما البوذية و هي ديانة هندية عندما دخلت الى الصين كديانة جديدة لم تلق الرواج المطلوب لانها على خلاف الكونفوشوسية تدعو الى حياة الرهبنة و المعابد و السياحة. هذا اضافة الى ان فكرة التناسخ كانت فكرة غريبة على المجتمع الصيني لانه مجتمع يقوم بتقديم الاضاحي لامواته و يعتبر هذه الطقوس جزء لا يتجزأ من ثقافته. لهذا و لكي تكون قريبة من ذهن الجمهور الصيني قاموا باستعارة بعض المصطلحات الطاوية لتقريب المفاهيم و الافكار . هذا ربما سهل العملية قليلا و لكن اوجد نوعا من الفهم السقيم للنظريات البوذية لان فكرة "الطريق" و "الحقيقة الكامنة" و ما الى ذلك تختلف اختلافات كبيرة بين المدرستين.
في زمننا المعاصر عندما تذكر البوذية فالذي يتبادر الى الذهن اما البوذية في النيبال و الديلاي لاما المشهور اعلاميا و اما البوذية المعروفة باسم مدرسة الزن و هذه مدرسة يابانية جاءت من مدرسة الشان الصينية التي تصنف تحت مظلة الماهيانا البوذية. اما سبب شهرتهما عالميا فلان البوذية في النيبال يتزعمها الديلاي لاما و هو معارض للحكومة الصينية و لذلك يروج له كثيرا عند الحكومات و الاعلام الغربي. اما مدرسة الزن فشهرتها بسبب الاعلام الياباني بشكليه السينمائي و الكرتوني (الانيمي) و كون دعاتها يحاولون ان ينشروها على انها طقوس غير مرتبطة بديانة معينة و انما هي طقوس روحية مستقلة عن كل شكل من اشكال العبادة و لا يحتاج الشخص ان يغير مفاهيمه و عقائده كي يمارسها. شاهدنا في مدرسة الزن حيث انها تلاقي اقبالا جيدا عند الغرب و ذلك بسبب بعض المفاهيم التي تركز عليها مثل الهدوء و الحضور Mindfulness و ترك القناعات المسبقة و الاندماج مع الطبيعة و المجرى الطبيعي للعالم و كون اللغة قاصرة عن نقل التجربة و المعاني الى غير ذلك . هذه المفاهيم و غيرها اغلبها ارى شخصيا انها مأخوذة من الفكر الطاوي و الدليل ان المدارس البوذية تركز على انماط مختلفة للوصول الى مرحلة التنوير و المدرسة التي تركز على الانماط التي ذكرناها هي مدرسة الشان و هي احدى مدارس البوذية الصينية فلا غرابة ان تكون متأثرة بقوة بالفكر الطاوي.
بعد هذا الاسترسال لنستعرض بعضا من اهم المفاهيم الطاوية التي استقلت بها عن المفاهيم الصينية المشتركة من مثل (الين يان ، التايجي ..ألخ) :
الداو و الدي (ته) : عماد الفكر الطاوي و مدار بحثه هو حول الداو و قلنا انه يعني الطريق او مجرى العالم و لكن قد يترجم ايضا الى المذهب و القناة و الخط و المسلك و هو اصل الاشياء . و يمكن ان نترجم تعريفه الى :
" هو الواحد ، الطبيعي ، العفوي ، الازلي الابدي ، الغير مسمى و الغير موصوف. هو مبدأ كل الاشياء و هو الطريق الذي فيه تتبع الاشياء مسارها ".
اما الدي (الته) فيترجم الى القوة و الفضيلة و هو التعبير النشط عن الداو بمعنى ان الذي يمارس الداو في حياته فهو يزرع الدي .
الطبيعية:
الطبيعية هي تلك الحالة الاساسية للاشياء قبل ان تطرا عليها عوامل تغير من هويتها مثل الخشبة قبل ان تعدل لتصبح طاولة، و تدعو الطاوية الانسان الى الرجوع لتلك الحالة المطلوبة من خلال الاندماج مع الداو و ذلك من خلال اكتساب قيم اخلاقية مثل ترك الرغبات و الانانية و الاكتفاء بالبساطة و القناعة.
الوو وي Wu-wei :
وي هنا بمعنى العمل المقصود (المتعمد) و الوي تعني غياب ، اذا بترجمة حرفية ربما نخرج بمعنى قريب من غياب العمل المقصود . و قد يعبر عن هذا المعنى بمعنى اكثر غرابة فيقال ( العمل من خلال اللاعمل). هذا المبدا ببساطة و بعيدا عن الغموض عبارة عن دعوة لعدم محاولة فرض رغبات الشخص فرضا و المحاولة بعنف و قوة لتطويع كل العوامل الخارجية بل بكل بساطة يوائم بين رغباته و بين العوامل الخارجية عندها لن يكون في صراع مستمر مع الحياة بل في الاغلب ستساعده على الحصول على مراده . لنفترض ان الحياة نهر يمكنك ان تسبح خلاف التيار فتبذل جهدا كبيرا للتقدم او يمكنك ان تسبح مع مجرى النهر فتصبح قوة النهر قوتك و تقطع المسافات بدون جهد. مثال بسيط اخر عندما تكون سائقا فبإمكانك ان تسير بسرعة كبيرة فتكون في صراع مستمر لانك ستواجه السيارات البطيئة و تحاول تغيير المسارات بحثا عن اقل فرصة للتجاوز او بإمكانك السير ببطء شديد فتستقبل اللعنات و الابواق و تتسبب في ازدياد الازدحام ، او بإمكانك بكل بساطة ان تسير بسرعة المسار. هذا هو المعنى الصحيح لهذا المفهوم ان لا تحاول ان تفرض رغباتك قسرا على الاشخاص او المحيط الخارجي بل تكون مرنا متكيفا مع الظروف الخارجية و ليس ما فهمه البعض من انه دعوة للهروب من العمل الشاق او ان تجلس فتتحقق آمانيك هكذا بشكل سحري او ان الطبيعة تتكفل به ، نعم هو دعوة للعمل الذكي بدلا من العمل الشاق.
نختم بمقولات منسوبة للاوزه لنستذوق شيئا من الحكمة الطاوية :
" الذين يعلمون لا يتكلمون ، الذين يتكلمون لا يعلمون "
" الطبيعة لا تسرع ، مع ذلك كل الاشياء تنجز "
"رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة "
" الصمت مصدر عظيم للقوة "
"عندما تكون لديك قناعة بنفسك بحيث لا تقارن نفسك مع احد و لا تتنافس مع احد الكل سيحترمك "
"ليس لدي سوى ثلاثة اشياء ادرسها : البساطة ، الصبر ، المحبة (التعاطف) هذه الثلاثة هي اعظم الكنوز"
" السيطرة على الاخرين قوة ، لكن السيطرة على نفسك قوة حقيقية "
" عامل الصادقين بصدق و عامل الكاذبين بصدق ايضا حينها يصبح الصدق ملكة "
"معرفة الاخرين حكمة ، معرفة نفسك تنوير "
" كن قانعا بما لديك ، و احتفل بالاشياء كما هي . عندما تدرك انه لا يوجد شيء ناقص كل العالم يصبح ملكك"
" اذا ادركت ان الاشياء في تغير فلن تتمسك بأي منها . عندما لا تخشى الموت لا يوجد شيء لا يمكنك تحقيقه"
" لا يوجد شيء انعم و اطوع من الماء ، لكن لا يوجد شيء يستطيع مقاومته "
" العالم مفازة من يستطيعون التخلي ، اما الذين يحاولون و يحاولون فلا يمكنهم الفوز "
" في قرارة نفسك تجد الجواب ، انت تعلم من انت و انت تعلم ما تريد "
"المسافر الجيد ليس لديه خطط محكمة و ليس همه الوصول " بمعنى ان من كان همه الوصول لم يستمتع بالرحلة
"اظهر الرزانة ، تبنى البساطة ، قلل الانانية و الرغبات "
" لا يمكنك ان ترى انعكاسك في الماء المتحرك . فقط من يمتلكون السلام الداخلي يمكنهم ان يعطوه للغير "
"من لا يثق لا يوثق به "
" كل الكون يستسلم للعقل الثابت "
" الاعمال العظيمة مجموعة من الاعمال الصغيرة"
" ادراكك انك تجهل فضيلة ، عدم ادراكك انك تجهل منقصة "
" نملة تسير تقطع اكثر من ثور يغفو "
" القنوع غنيٌ "
" لكي تقود الناس سر خلفهم "
" اذا كنت ستاخذ ، يجب ان تعطي هذه بداية الذكاء "
"من يغزو الناس قوي ، من يغزو نفسه عظيم "
"من يملكون المعرفة لا يتنبأون"
"المُلح على افكاره يجد القليل ممن يوافقه "
"المعلم الذي يدعو الى الراحة ليس لائقا لان يكون معلما "
"استمر في تعبئة الاناء و سيطفح ، استمر في حد السكين و ستكل "
" من يتملك لديه القليل، من ينفق لديه الكثير "
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
في الانجليزية تلفظ داو Dao و تكتب تاو Tao و لكن في كلا الحالتين تلفظ داو "بحرف الدال" و لكن وجدتها معربة الى طاو من تاو ، مثل تهران عربت طهران . اذا يفترض ان اقول الداوية لانها لا تلفظ تاو اصلا حتى تعرب طاو و لكن لنستخدم لفظة طاوية فلا مشاحة في الالفاظ هنا .
الطاوية هي ديانة "ان صح التعبير" صينية معاصرة للكونفوشيوسية و البوذية تقريبا و يعتبر الداو دي تشنغ (ايضا قد يلفظ داو ته شنغ) Tao Te Ching كتابها الاول و المقدس . ينسب الكتاب الى لاوزه ( و يكتب ايضا لاو تسي و لاو تسو و لاو تزو) و تعني المعلم القديم ، و هي شخصية اشبه ما تكون بالاسطورة ففي وجودها اختلاف عند الباحثين لكن آلن واتس و هو من اهم الباحثين في شأن الطاوية دعى الى التريث و ان مسألة كون لاوزه شخصية خيالية انما ظهرت مع حركة اكاديمية كانت تشكك بكل شخصية تاريخية دينية . ايا يكن يحكى ان لاوزه عندما راى الفساد في زمانه قرر السفر على ظهر جاموس و ترك البلاد و لكن عند خروجه عرفه احد حراس الحدود فأوقفه و طلب منه ان يكتب كتابا في الحكمة قبل ان يمضي فكتب كتاب الداو دي تشنغ . هذا الكتاب عبارة عن مقطوعات قصيرة تصف الداو ( الطريق ) و لكن الكتاب ايضا يقال انه لعدة مؤلفين مختلفين.
عندما تذكر الطاوية فهي عادة تذكر كمدرسة مقابلة للمدرسة الكونفوشيوسية فكنفشيوس اسس مدرسته على اسس الاخلاق و الطقوس و الانظمة التي تدير مختلف شؤون الحياة و لكن الطاوية في الجهة المقابلة تدعو الى الرجوع للطبيعة و لا تكترث كثيرا للطقوس و الاعراف الاجتماعية. قد ذكرت في البداية ان الطاوية ديانة و لكن ليست بالمعنى المتعارف فعندما نتكلم عن الطاوية فهناك الفلسفة الطاوية و هي المستمدة من كتاب الداو دي تشنغ و شروحاته و كتاب جوانغ زا (ايضا يلفظ جوانزي و جوانزه) المسمى على اسم مؤلفه و الذي هو بدوره ينسب الى عدة كتاب على راي بعض الباحثين. و هناك الطاوية الدينية التي لها شعائر و طقوس عبادية و اعتقادات في آلهة و ما الى ذلك نشأت بعد مئات السنين من الطاوية بشكلها الاول.
هنا نقطة جديرة بالتأمل فإننا نرى ان احد الحكماء يكتب كتابا لا يدعي فيه الالوهية و لا اي امر خارق للعادة و لكن بعد مئات السنين تتطور الامور و يأتي من يجعل منه الهاً و من كتابه شريعة مقدسة ثم يختلق الطقوس و الشعائر . هذا بالضبط ما حصل مع البوذية اذ فكرة عبادة بوذا و انه هو نفسه اله لم تكن موجودة في اصل الدعوة و انما اخترعت بعد مئات السنين . و لا نحتاج الى التأول بعيدا فالقران يذكر لنا قصص الذين حرفوا دينهم و تقولوا على انبيائهم .
و لا يخفى ايضا ان ما يعرف بالديانات الصينية في بدئها كانت فلسفات دنيوية لا تولي اهتماما بالغيبيات و الالهة على خلاف المعتقدات الغربية فكنفوشويوس عندما يسال عن الالهة تراه يجيب بأنه لا يمتلك معرفة كافية للخوض في هذا المجال و لكنه يحترم الاعتقاد بفكرة وجود الاله لذلك راى بعضهم انه اول علماني يدعو الى فصل الدين عن الحكومة . لاوزه ايضا ينسب اليه انه قال " انني لا اهتم بالالهة و الارواح خيرها او شرها و لا اخدم ايا منها ".
على كل حال الطاوية كديانة انتشرت في الصين في فترات من الزمن و تبنتها بعض السلالات الحاكمة و لكن مع الزمن قل نفوذها و احتلت مكانها البوذية و لكنها الان تعتبر من الديانات المعترف بها في الصين . إهتمامنا هو بالطاوية الفلسفية الاولى و اما الطاوية المستحدثة فتحتوي على خرافات كثيرة و تبحث في امور غريبة من مثل اكسير الحياة و الخيمياء و اعتقادات غريبة في الممارسة الجنسية و ما الى ذلك نعرض عن ذكرها .
و لا يمكن معرفة الطاوية معرفة جيدة الا بملاحظة تفاعلها مع المدرسة البوذية و الكونفوشيوسية. هذه العلاقة تم رسمها بشكل مختصر في قصة مستطعمي الخل و هي قصة خيالية تحكي عن ثلاثة اشخاص اجتمعوا عند اناء يحوي خلا و قاموا باستطعامه فأما الاول فبدت عليه ملامح استطعام الحموضة و الثاني المرورة و الثالث الحلاوة. هؤلاء الاشخاص هم كونفوشيوس و بوذا و لاوزه بالترتيب . و هذه القصة تلخص الطابع العام لكل مدرسة تجاه الحياة فالكونفوشيوسية تراها حامضة حادة الطعم تحتاج الى ما يلطفها من طقوس و انظمة تنظم المجتمع و تقيم سلوكه و البوذية تراها مرة لانها تنظر الى الالام و السعي نحو التخلص من واقع الحياة المؤلم و اما الطاوية فترى الحياة جميلة بشكلها الافتراضي الذي نعيشه ايا كان.
لذلك فالطاوية لديها ردة فعل تجاه التزمت و التكلف الكونفوشيوسي في ان كل شيء يجب ان يخضع لطقوس و بروتوكولات معينة ، فالطاوية ترفض هذا التكلف و تدعو الى نوع من العفوية و الاندماج مع الطبيعة و مجرى العالم . ايضا الطاوية تقلل من قدرة اللغة على ايصال المعاني و نقل التجارب بالشكل الكامل بل ان كتابهم الاول يبدا بهذه العبارة :
الطريق (الداو) الذي يمكن التحدث عنه
ليس الطريق السرمدي
الاسم الذي يمكن اطلاقه
ليس الاسم السرمدي
و يشبه جوانغ زا مسألة الالفاظ اللغوية بشبكة الصيد حيث نرميها بغرض صيد السمك فإذا ما تم المقصد اخذنا السمك و تركناها و كانه يشير الى ان اللغة مجرد اداة لا يجب التمسك بها و الانشغال بها عن الهدف. و جوانغ زا هذا هو كما قلنا مؤلف كتاب "جوانغ زا" و فيه كتب قصصا تنتصر للفكر الطاوي و تنتقد الفكر الكونفوشيوسي ، و هذا الكتاب له قيمة ادبية عالمية عالية بغض النظر عن فلسفته و اهدافه و من اشهر تلك القصص عالميا قصته عن نفسه عندما حلم بأنه فراشة ، فراشة سعيدة لا تعرف انها هي جوانغ زا . عندما استيقظ ادرك انه جوانغ زا و كان يحلم بأنه فراشة ، ثم اخذه الشك فتساءل هل انا جوانغ زا حلمت اني فراشة ام انني فراشة تحلم انها جوانغ زا ؟!.
اما البوذية و هي ديانة هندية عندما دخلت الى الصين كديانة جديدة لم تلق الرواج المطلوب لانها على خلاف الكونفوشوسية تدعو الى حياة الرهبنة و المعابد و السياحة. هذا اضافة الى ان فكرة التناسخ كانت فكرة غريبة على المجتمع الصيني لانه مجتمع يقوم بتقديم الاضاحي لامواته و يعتبر هذه الطقوس جزء لا يتجزأ من ثقافته. لهذا و لكي تكون قريبة من ذهن الجمهور الصيني قاموا باستعارة بعض المصطلحات الطاوية لتقريب المفاهيم و الافكار . هذا ربما سهل العملية قليلا و لكن اوجد نوعا من الفهم السقيم للنظريات البوذية لان فكرة "الطريق" و "الحقيقة الكامنة" و ما الى ذلك تختلف اختلافات كبيرة بين المدرستين.
في زمننا المعاصر عندما تذكر البوذية فالذي يتبادر الى الذهن اما البوذية في النيبال و الديلاي لاما المشهور اعلاميا و اما البوذية المعروفة باسم مدرسة الزن و هذه مدرسة يابانية جاءت من مدرسة الشان الصينية التي تصنف تحت مظلة الماهيانا البوذية. اما سبب شهرتهما عالميا فلان البوذية في النيبال يتزعمها الديلاي لاما و هو معارض للحكومة الصينية و لذلك يروج له كثيرا عند الحكومات و الاعلام الغربي. اما مدرسة الزن فشهرتها بسبب الاعلام الياباني بشكليه السينمائي و الكرتوني (الانيمي) و كون دعاتها يحاولون ان ينشروها على انها طقوس غير مرتبطة بديانة معينة و انما هي طقوس روحية مستقلة عن كل شكل من اشكال العبادة و لا يحتاج الشخص ان يغير مفاهيمه و عقائده كي يمارسها. شاهدنا في مدرسة الزن حيث انها تلاقي اقبالا جيدا عند الغرب و ذلك بسبب بعض المفاهيم التي تركز عليها مثل الهدوء و الحضور Mindfulness و ترك القناعات المسبقة و الاندماج مع الطبيعة و المجرى الطبيعي للعالم و كون اللغة قاصرة عن نقل التجربة و المعاني الى غير ذلك . هذه المفاهيم و غيرها اغلبها ارى شخصيا انها مأخوذة من الفكر الطاوي و الدليل ان المدارس البوذية تركز على انماط مختلفة للوصول الى مرحلة التنوير و المدرسة التي تركز على الانماط التي ذكرناها هي مدرسة الشان و هي احدى مدارس البوذية الصينية فلا غرابة ان تكون متأثرة بقوة بالفكر الطاوي.
بعد هذا الاسترسال لنستعرض بعضا من اهم المفاهيم الطاوية التي استقلت بها عن المفاهيم الصينية المشتركة من مثل (الين يان ، التايجي ..ألخ) :
الداو و الدي (ته) : عماد الفكر الطاوي و مدار بحثه هو حول الداو و قلنا انه يعني الطريق او مجرى العالم و لكن قد يترجم ايضا الى المذهب و القناة و الخط و المسلك و هو اصل الاشياء . و يمكن ان نترجم تعريفه الى :
" هو الواحد ، الطبيعي ، العفوي ، الازلي الابدي ، الغير مسمى و الغير موصوف. هو مبدأ كل الاشياء و هو الطريق الذي فيه تتبع الاشياء مسارها ".
اما الدي (الته) فيترجم الى القوة و الفضيلة و هو التعبير النشط عن الداو بمعنى ان الذي يمارس الداو في حياته فهو يزرع الدي .
الطبيعية:
الطبيعية هي تلك الحالة الاساسية للاشياء قبل ان تطرا عليها عوامل تغير من هويتها مثل الخشبة قبل ان تعدل لتصبح طاولة، و تدعو الطاوية الانسان الى الرجوع لتلك الحالة المطلوبة من خلال الاندماج مع الداو و ذلك من خلال اكتساب قيم اخلاقية مثل ترك الرغبات و الانانية و الاكتفاء بالبساطة و القناعة.
الوو وي Wu-wei :
وي هنا بمعنى العمل المقصود (المتعمد) و الوي تعني غياب ، اذا بترجمة حرفية ربما نخرج بمعنى قريب من غياب العمل المقصود . و قد يعبر عن هذا المعنى بمعنى اكثر غرابة فيقال ( العمل من خلال اللاعمل). هذا المبدا ببساطة و بعيدا عن الغموض عبارة عن دعوة لعدم محاولة فرض رغبات الشخص فرضا و المحاولة بعنف و قوة لتطويع كل العوامل الخارجية بل بكل بساطة يوائم بين رغباته و بين العوامل الخارجية عندها لن يكون في صراع مستمر مع الحياة بل في الاغلب ستساعده على الحصول على مراده . لنفترض ان الحياة نهر يمكنك ان تسبح خلاف التيار فتبذل جهدا كبيرا للتقدم او يمكنك ان تسبح مع مجرى النهر فتصبح قوة النهر قوتك و تقطع المسافات بدون جهد. مثال بسيط اخر عندما تكون سائقا فبإمكانك ان تسير بسرعة كبيرة فتكون في صراع مستمر لانك ستواجه السيارات البطيئة و تحاول تغيير المسارات بحثا عن اقل فرصة للتجاوز او بإمكانك السير ببطء شديد فتستقبل اللعنات و الابواق و تتسبب في ازدياد الازدحام ، او بإمكانك بكل بساطة ان تسير بسرعة المسار. هذا هو المعنى الصحيح لهذا المفهوم ان لا تحاول ان تفرض رغباتك قسرا على الاشخاص او المحيط الخارجي بل تكون مرنا متكيفا مع الظروف الخارجية و ليس ما فهمه البعض من انه دعوة للهروب من العمل الشاق او ان تجلس فتتحقق آمانيك هكذا بشكل سحري او ان الطبيعة تتكفل به ، نعم هو دعوة للعمل الذكي بدلا من العمل الشاق.
نختم بمقولات منسوبة للاوزه لنستذوق شيئا من الحكمة الطاوية :
" الذين يعلمون لا يتكلمون ، الذين يتكلمون لا يعلمون "
" الطبيعة لا تسرع ، مع ذلك كل الاشياء تنجز "
"رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة "
" الصمت مصدر عظيم للقوة "
"عندما تكون لديك قناعة بنفسك بحيث لا تقارن نفسك مع احد و لا تتنافس مع احد الكل سيحترمك "
"ليس لدي سوى ثلاثة اشياء ادرسها : البساطة ، الصبر ، المحبة (التعاطف) هذه الثلاثة هي اعظم الكنوز"
" السيطرة على الاخرين قوة ، لكن السيطرة على نفسك قوة حقيقية "
" عامل الصادقين بصدق و عامل الكاذبين بصدق ايضا حينها يصبح الصدق ملكة "
"معرفة الاخرين حكمة ، معرفة نفسك تنوير "
" كن قانعا بما لديك ، و احتفل بالاشياء كما هي . عندما تدرك انه لا يوجد شيء ناقص كل العالم يصبح ملكك"
" اذا ادركت ان الاشياء في تغير فلن تتمسك بأي منها . عندما لا تخشى الموت لا يوجد شيء لا يمكنك تحقيقه"
" لا يوجد شيء انعم و اطوع من الماء ، لكن لا يوجد شيء يستطيع مقاومته "
" العالم مفازة من يستطيعون التخلي ، اما الذين يحاولون و يحاولون فلا يمكنهم الفوز "
" في قرارة نفسك تجد الجواب ، انت تعلم من انت و انت تعلم ما تريد "
"المسافر الجيد ليس لديه خطط محكمة و ليس همه الوصول " بمعنى ان من كان همه الوصول لم يستمتع بالرحلة
"اظهر الرزانة ، تبنى البساطة ، قلل الانانية و الرغبات "
" لا يمكنك ان ترى انعكاسك في الماء المتحرك . فقط من يمتلكون السلام الداخلي يمكنهم ان يعطوه للغير "
"من لا يثق لا يوثق به "
" كل الكون يستسلم للعقل الثابت "
" الاعمال العظيمة مجموعة من الاعمال الصغيرة"
" ادراكك انك تجهل فضيلة ، عدم ادراكك انك تجهل منقصة "
" نملة تسير تقطع اكثر من ثور يغفو "
" القنوع غنيٌ "
" لكي تقود الناس سر خلفهم "
" اذا كنت ستاخذ ، يجب ان تعطي هذه بداية الذكاء "
"من يغزو الناس قوي ، من يغزو نفسه عظيم "
"من يملكون المعرفة لا يتنبأون"
"المُلح على افكاره يجد القليل ممن يوافقه "
"المعلم الذي يدعو الى الراحة ليس لائقا لان يكون معلما "
"استمر في تعبئة الاناء و سيطفح ، استمر في حد السكين و ستكل "
" من يتملك لديه القليل، من ينفق لديه الكثير "
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين