و على الارواح التي حلت بفنائك
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تحتك بعامة الشعب الايراني تجد لديهم شغفا بالعرفان و الفلسفة و هذا الامر من الوضوح بمكان اذ بعد تأمل سريع نرى ان الفلسفة الاسلامية في القرون الاخيرة لم تستمر و تزدهر الا في الاراضي الإيرانية . و من الشواهد على هذا الشغف وجود برنامج باسم " المعرفة " يتناول فيه الفيلسوف الايراني المعاصر "الديناني" شخصيات فلسفية و عرفانية و يستعرض اهم اطروحاتها الفكرية. هذا البرنامج الذي لاقى نجاحا منقطع النظير يقدمه الدكتور اللاريجاني على شكل حوار مع الديناني فيستعرضون في مجموعة حلقات شخصيات من امثال الفارابي ، ابن سينا ، نصير الدين الطوسي ، حافظ ...الخ. و من الامور التي لفتت انتباهي ان المقدم هو نفسه دكتور و متخصص في هذا المجال بخلاف ما نراه عادة في الاعلام الغربي فكثيرا ما كنت اتحسر على بعض العقليات الفكرية عندما يكون المقدم مجرد اعلامي لا يعلم شيئا عن الموضوع فينزل بمستوى النقاش الى مستويات تقتل الفائدة المرجوة .
على كل حال في احدى الحلقات تكلموا عن عاشوراء و تناولوا بعض مظاهر العرفان في تلك الملحمة الخالدة و لكن شد انتباهي في نهايات الحلقة ان المقدم اشار الى الارواح التي حلت بفناء ابي عبدالله الحسين عليه السلام حين تكلم عن الارواح التي حلت في الامام الحسين عليه السلام عندما فني في الله يوم عاشوراء و ذلك مقتبس من زيارة عاشوراء " السلام عليك و على الارواح التي حلت بفنائك ". الغريب ان الدكتور الديناني لم يصحح المقدم في هذه النقطة و لربما لم يرد ان يحرج المقدم و لكن كما هو ظاهر هناك كلام في المقام :
الاشكال الاول في نفس كلمة فناء فالمقدم اخطأ القراءة اذ قرأها فَناء بفتح الفاء و الصحيح ان الكلمة فناء بكسر الفاء و الفرق في المعنى بيّن فالفناء بالفتح –الزوال- غير الفناء بالكسر –الساحة في الدار - الوارد في الزيارة . و على حد علمي لم ار هذه الكلمة بالفتح في نسخ الزيارة المختلفة .
الاشكال الثاني ان كان المقصود روح القدس فهو مع الامام عليه السلام في كل احواله قبل يوم عاشوراء كما هو معروف من الاحاديث الشريفة و كما سيأتي تباعا.
الاشكال الثالث انه لو فرضنا ان هذا الفناء هو الفناء الذي يتكلمون عنه في العرفان و لو سلمنا جدلا ان الائمة يخضعون لنفس معايير و شروط السير و السلوك على الطريقة التي يتكلم بها العرفاء فهنا ايضا يجب ان يكون هذا الفناء قبل يوم عاشوراء ففكرة ان الامام لم يصل الى مرحلة الفناء في الله الا يوم عاشوراء فكرة غير سديدة لانها تفترض انه كان يوجد مراتب معينة في التكامل لم يصل اليها الامام الا يوم عاشوراء و الحق انه على الاقل يفترض ان الامام قطع كل هذه الاسفار و المقامات عندما انتقلت له الامامة .
اخيرا أقول انه من العبث التكلم في حالات الامام عليه السلام يوم عاشوراء بمصطلحات العرفان خصوصا في اللحظات الاخيرة فهذه الامور فوق مستوى الادراك و لا يدرك كنهها الا امام مثله:
ليس يدري بكنه ذاتك ما هو ،،، يابن عم النبي الا الله
فمحاولة تسرية مفاهيم و مصطلحات العرفان عليها تنزيل من شأنها ، و قد احسن الجواهري حيث قال :
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال
لننتقل الان الى نظرية السيد الحسيني حيث يقدم مدرسته العرفانية بناءً على امكانية تأييد الارواح للسالك . ملخص النظرية ان السالك بدلا من الابتداء من عالم الخلق يشرع في السلوك من عالم الامر و ذلك بتأييد الارواح المحلقة بفناء ابي عبدالله صلوات الله و سلامه عليه . نظريا الامر ممكن و لكن المشكلة في استدلالاته فقد اورد ايات تذكر الروح و خصوصا الاية الشريفة " رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ " . و لكن السؤال هل تصلح الاية الكريمة دليلا على المدعى ؟ فالاية ذكرت ان الله سبحانه و تعالى يلقي بالروح على من يشاء من عباده و لكن هل المراد مطلق العباد ام نوع خاص ؟ من ظاهر الاية يستفاد التقييد فالاية تبين غرض هذا التأييد ألا و هو الانذار و المعروف ان الذين مهمتهم الانذار هم الانبياء و الرسل خاصة و ليس عامة العرفاء و الصالحين " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ". نعم قد يقال ان الاية لا تفيد الحصر في الانبياء و ان للانذار معنى اوسع و انه قد يكون هناك انذار بمنزلة اقل خاص بالعرفاء او الصالحين مثلا ، و لكن هذا الكلام يحتاج الى دليل فالوارد هو المعنى المقيد لوجود القرينة و تأييد الرواية. و اليك هذه الرواية من تفسير القمي في الاية الكريمة قال روح القدس و هو خاص برسول الله و الائمة صلوات الله و سلامه عليهم . و لا يوجد تعارض بين هذا الحديث و الاية الكريمة " أيدتك بروح القدس " فالروح لهم بالاصالة و لبقية الانبياء بالتبعية .
و قد رجعت الى تفسير العلامة فهو من الاشخاص الذين يسترسلون في هذه المعاني و لكن ايضا وجدته يفسر على معنى التقييد و اليك كلامه : " و قوله تعالى : يلقي الروح الى اخر الاية الكريمة، اشارة الى امر الرسالة التي من شأنها الانذار و تقييد الروح بقوله من امره دليل على ان المراد بها الروح التي ذكرها تعالى في قوله " قل الروح من امر ربي " و هي التي تصاحب ملائكة الوحي كما يشير اليه قوله " ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا " . فالمراد بالقاء الروح على من يشاء تنزيلها مع ملائكة الوحي عليه ، و المراد بقوله تعالى " من يشاء من عباده " الرسل الذين اصطفاهم الله لرسالته و في معنى الروح الملقاة على النبي اقوال اخر لا يعبأ بها . "
على كل حال لست هنا في صدد نفي النظرية جملة و لكن الكلام في مقام اثبات عدم تمامية الاستدلال .
دمتم في الرضا ،
عندما تحتك بعامة الشعب الايراني تجد لديهم شغفا بالعرفان و الفلسفة و هذا الامر من الوضوح بمكان اذ بعد تأمل سريع نرى ان الفلسفة الاسلامية في القرون الاخيرة لم تستمر و تزدهر الا في الاراضي الإيرانية . و من الشواهد على هذا الشغف وجود برنامج باسم " المعرفة " يتناول فيه الفيلسوف الايراني المعاصر "الديناني" شخصيات فلسفية و عرفانية و يستعرض اهم اطروحاتها الفكرية. هذا البرنامج الذي لاقى نجاحا منقطع النظير يقدمه الدكتور اللاريجاني على شكل حوار مع الديناني فيستعرضون في مجموعة حلقات شخصيات من امثال الفارابي ، ابن سينا ، نصير الدين الطوسي ، حافظ ...الخ. و من الامور التي لفتت انتباهي ان المقدم هو نفسه دكتور و متخصص في هذا المجال بخلاف ما نراه عادة في الاعلام الغربي فكثيرا ما كنت اتحسر على بعض العقليات الفكرية عندما يكون المقدم مجرد اعلامي لا يعلم شيئا عن الموضوع فينزل بمستوى النقاش الى مستويات تقتل الفائدة المرجوة .
على كل حال في احدى الحلقات تكلموا عن عاشوراء و تناولوا بعض مظاهر العرفان في تلك الملحمة الخالدة و لكن شد انتباهي في نهايات الحلقة ان المقدم اشار الى الارواح التي حلت بفناء ابي عبدالله الحسين عليه السلام حين تكلم عن الارواح التي حلت في الامام الحسين عليه السلام عندما فني في الله يوم عاشوراء و ذلك مقتبس من زيارة عاشوراء " السلام عليك و على الارواح التي حلت بفنائك ". الغريب ان الدكتور الديناني لم يصحح المقدم في هذه النقطة و لربما لم يرد ان يحرج المقدم و لكن كما هو ظاهر هناك كلام في المقام :
الاشكال الاول في نفس كلمة فناء فالمقدم اخطأ القراءة اذ قرأها فَناء بفتح الفاء و الصحيح ان الكلمة فناء بكسر الفاء و الفرق في المعنى بيّن فالفناء بالفتح –الزوال- غير الفناء بالكسر –الساحة في الدار - الوارد في الزيارة . و على حد علمي لم ار هذه الكلمة بالفتح في نسخ الزيارة المختلفة .
الاشكال الثاني ان كان المقصود روح القدس فهو مع الامام عليه السلام في كل احواله قبل يوم عاشوراء كما هو معروف من الاحاديث الشريفة و كما سيأتي تباعا.
الاشكال الثالث انه لو فرضنا ان هذا الفناء هو الفناء الذي يتكلمون عنه في العرفان و لو سلمنا جدلا ان الائمة يخضعون لنفس معايير و شروط السير و السلوك على الطريقة التي يتكلم بها العرفاء فهنا ايضا يجب ان يكون هذا الفناء قبل يوم عاشوراء ففكرة ان الامام لم يصل الى مرحلة الفناء في الله الا يوم عاشوراء فكرة غير سديدة لانها تفترض انه كان يوجد مراتب معينة في التكامل لم يصل اليها الامام الا يوم عاشوراء و الحق انه على الاقل يفترض ان الامام قطع كل هذه الاسفار و المقامات عندما انتقلت له الامامة .
اخيرا أقول انه من العبث التكلم في حالات الامام عليه السلام يوم عاشوراء بمصطلحات العرفان خصوصا في اللحظات الاخيرة فهذه الامور فوق مستوى الادراك و لا يدرك كنهها الا امام مثله:
ليس يدري بكنه ذاتك ما هو ،،، يابن عم النبي الا الله
فمحاولة تسرية مفاهيم و مصطلحات العرفان عليها تنزيل من شأنها ، و قد احسن الجواهري حيث قال :
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال
لننتقل الان الى نظرية السيد الحسيني حيث يقدم مدرسته العرفانية بناءً على امكانية تأييد الارواح للسالك . ملخص النظرية ان السالك بدلا من الابتداء من عالم الخلق يشرع في السلوك من عالم الامر و ذلك بتأييد الارواح المحلقة بفناء ابي عبدالله صلوات الله و سلامه عليه . نظريا الامر ممكن و لكن المشكلة في استدلالاته فقد اورد ايات تذكر الروح و خصوصا الاية الشريفة " رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ " . و لكن السؤال هل تصلح الاية الكريمة دليلا على المدعى ؟ فالاية ذكرت ان الله سبحانه و تعالى يلقي بالروح على من يشاء من عباده و لكن هل المراد مطلق العباد ام نوع خاص ؟ من ظاهر الاية يستفاد التقييد فالاية تبين غرض هذا التأييد ألا و هو الانذار و المعروف ان الذين مهمتهم الانذار هم الانبياء و الرسل خاصة و ليس عامة العرفاء و الصالحين " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ". نعم قد يقال ان الاية لا تفيد الحصر في الانبياء و ان للانذار معنى اوسع و انه قد يكون هناك انذار بمنزلة اقل خاص بالعرفاء او الصالحين مثلا ، و لكن هذا الكلام يحتاج الى دليل فالوارد هو المعنى المقيد لوجود القرينة و تأييد الرواية. و اليك هذه الرواية من تفسير القمي في الاية الكريمة قال روح القدس و هو خاص برسول الله و الائمة صلوات الله و سلامه عليهم . و لا يوجد تعارض بين هذا الحديث و الاية الكريمة " أيدتك بروح القدس " فالروح لهم بالاصالة و لبقية الانبياء بالتبعية .
و قد رجعت الى تفسير العلامة فهو من الاشخاص الذين يسترسلون في هذه المعاني و لكن ايضا وجدته يفسر على معنى التقييد و اليك كلامه : " و قوله تعالى : يلقي الروح الى اخر الاية الكريمة، اشارة الى امر الرسالة التي من شأنها الانذار و تقييد الروح بقوله من امره دليل على ان المراد بها الروح التي ذكرها تعالى في قوله " قل الروح من امر ربي " و هي التي تصاحب ملائكة الوحي كما يشير اليه قوله " ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا " . فالمراد بالقاء الروح على من يشاء تنزيلها مع ملائكة الوحي عليه ، و المراد بقوله تعالى " من يشاء من عباده " الرسل الذين اصطفاهم الله لرسالته و في معنى الروح الملقاة على النبي اقوال اخر لا يعبأ بها . "
على كل حال لست هنا في صدد نفي النظرية جملة و لكن الكلام في مقام اثبات عدم تمامية الاستدلال .
دمتم في الرضا ،