عن جدي و عن الصفات الاخلاقية
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتعلق الامر بالصفات الاخلاقية و السلوكية قد نستطيع تقسيم الناس الى قسمين فنقول ان منهم اصحاب الاخلاق الجبلية و منهم اصحاب الاخلاق الاكتسابية . و قد يتبادر الى الذهن في الوهلة الاولى ان الكل يستطيع اكتساب اي صفة اخلاقية او ان يتركها متى ما اراد و لكن الحقيقة أعقد من هكذا فترى ان الاخلاقيين يفردون بحثا للاجابة على السؤال المصيري : هل يمكن فعلا تغيير الصفات الاخلاقية ام انها امور جبلية وراثية ؟ نعم الامر من الصعوبة بمكان خاصة لمن ترعرع على شيء لذلك قيل " من شب على شيء شاب عليه" و يبدو ان الشريف الرضي يذهب الى هذا المعنى عندما قال:
هيهات لا تتكلفن لي الهوى ... غلب التطبع شيمة المطبوع
و قد كان الاعتقاد السائد الى فترات متأخرة ان العقل يصل الى مرحلة معينة من النضوج و يتوقف كما يحصل مع بقية اعضاء الجسد و لذلك تجد ان اكثر النظريات التعليمية كانت تقول بان التعليم يجب ان يكون في الصغر و لكن لحسن الحظ هذه الايام اثبتوا ان العقل يستمر بالنمو حتى مع تقدم السن . و لكن تبقى الحقيقة ان التعلم في الصغر اسهل بكثير من التعلم في الكبر ليس لان العقل غير قابل للتعلم و الحفظ و ما الى ذلك و انما لان العقل قد شاب على سنوات و سنوات من الانماط الذهنية التي اصبحت عادات راسخة ممزوجة بهوية الفرد . يقول الراهب التايلندي "آجا شا" لبعض تلاميذه ممن يستبطئون النتائج " انكم عودتم عقلكم على التصرف بطريقة معينة طيلة ثلاثين أو اربعين سنة و الان تريدون من خلال بضع جلسات من الرياضة ان تغيروا كل تلك العادات المستحكمة ؟ " . و كلامه حقيقة على الجرح فالذي يبدا رحلة تهذيب النفس في سن متأخرة فهو ليس فقط يحاول اكتساب عادات حميدة جديدة و انما عليه ان يحارب عادات سيئة ترسخت في هويته الشخصية و هذا بطبيعة الحال يحتاج الى جهد جبار . و الذي يقرأ البحوث العلمية الجديدة يعرف مدى صعوبة تغيير الصفات و العادات الراسخة و اي شخص يحاول الخوض في تجربة رياضة النفس سيدرك سريعا لماذا سميت في الحديث الشريف بالجهاد الاكبر .
اذا انتهينا من هذه المقدمة نقول ان الذي تكون لديه صفة جبلية معينة لا يحتاج الى ان يخالف نفسه فيها فهي تتجلى فيه بشكل عفوي و اما الانسان الذي لا تكون لديه هذه الصفة فهو يحتاج الى ان يخالف نفسه مرارا لكي يتحلى بهذه الصفة . و غني عن الذكر ان الناس لا ينقسمون الى قسم جبلي و قسم اكتسابي و انما التقسيم على مستوى الصفات نفسها فقد يكون الرجل جبليا في الكرم و الحلم و لكنه اكتسابي في الشجاعة . فالانسان المجبول على الكرم يمارس مظاهر الكرم و كأنه يسير في روضة و الانسان المتطبع عندما يمارس مظاهر الكرم فكأنه ينقش في صخر . لا يقال هنا اذاً الجبلي افضل من المتطبع كقاعدة كلية فإن في وادي تهذيب النفس قد يكون المتطبع في حال افضل من المطبوع احيانا لان المتطبع في غالب الامر يمتاز بميزة الوعي و الاختيار المتكرر بخلاف الجبلي الذي تصدر منه الافعال بعفوية ميكانيكية . و لتقريب المعنى يمكن التمثيل بسائق السيارة فالمتطبع مثل الناشئ الذي يتعلم السياقة لاول مرة فهو يعاني في كل حركة و ينتبه لكل حركة صغيرة و كبيرة لحاجته الى الموازنة بين متغيرات البيئة و بين حركات قدمه و يديه . و اما الجبلي فهو كالسائق المحترف الذي اصبح الامر عنده عفويا لدرجة انه يسوق من العمل الى منزله و لا يذكر اي حركة لقدمه او يديه . فالاول على انه يعاني الا انه يتمتع بحضور متصل بخلاف الثاني حيث انه في الغالب غائب الا ان يحدث ما يستدعي ردة فعل طارئة . و كلا الامرين له مكانه في الحياة اليومية الا انه في مسألة تهذيب النفس قد نحتاج الى هذا الوعي المتصل اكثر من الاسترسال العفوي .
ورد عن الامام الصادق عليه السلام " كونوا دعاة لنا بغير السنتكم " و قد كان من فضل الله علي ان تربيت بين يدي والد يعمل بهذا الحديث الشريف فكان نادرا ما يعلمنا بالكلام و انما بالافعال و عندما كبرت سريت هذه الملكة فبدأت انظر الى من حولي لاتعلم منهم بشكل غير مباشر و كان من هذه الشخصيات التي اطلت النظر اليها بصمت جدي من ناحية والدتي او كما يحلو لنا ان نسميه "سيد الراشدية ". هذا الانسان يختلف عن ابي و جدي و غيرهما من الاشخاص الذين يشار اليهم بالبنان فهو انسان بسيط و من الذين يهربون من الشهرة و الظهور و يحاول ان يهتم بأمر نفسه فقط لذلك فهو لا يثير فضول الكثير ممن حوله . و قد لاحظت فيه حكمة عملية تولدت منها حكمة نظرية و سأحاول استعراض بعض منها .
فأما الحكمة العملية فمنها انه يتمتع بصفة الصمت و قد ورد في حديث المعراج ان " اول العبادة الصمت و الصوم ". و قد عشت معه لسنوات في نفس المسكن و قد كان ملازما للصمت جل وقته و لا يشارك في الاحاديث الا اذا خوطب و هذا يجنبه الكثير من محاذير اللسان التي لا نخلو منها في هذا الزمان فهو لا يغتاب و لا يسمعها و لا ينم و لا يتدخل في سفاسف الامور و لا فيما لا يعنيه فكأنه يطبق وصية الرسول صلى الله عليه و اله و سلم لابي ذر " الا اعلمك عملا ثقيلا في الميزان خفيفا على اللسان قال بلى يا رسول الله قال الصمت و حسن الخلق و ترك ما لا يعنيك ". و اعتقد شخصيا ان صفة الصمت ربما هي اكبر صفة غائبة في جيل هذا اليوم فحتى المتشرعة من الناس تراه يتكلم و يتكلم و جله كلام في الماديات و في اللغو و يغفل قول لقمان الحكيم " من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر سقطه كثر لغوه و من كثر لغوه كثر كذبه و من كثر كذبه كثرت ذنوبه و من كثرت ذنوبه فالنار اولى به ".
الصفة الثانية هي البساطة في المأكل و الملبس او قل في المعيشة بشكل عام و اعتقد ان هذه الصفة كان يتحلى بها اغلب أهلنا من الجيل الاول او كما يسمونهم هذه الايام جيل الطيبين . هذه الايام و مع الرفاه المادي الكبير اصبحنا ندير حياة معقدة على كل المستويات شعارها هل من مزيد على كل الاصعدة فأصبح الاطفال فضلا عن الرجال لا يستطيعون العيش بدون هواتف ذكية و انترنت و ما الى ذلك . قال الشاعر :
أبغي الكثير الى الكثير مضاعفا ... ولو اقتصرت على القليل كفاني
و اصبحت الكثير من الاشياء الكمالية اشياء لا يمكن الاستغناء عنها هذا بالرغم من ان النصوص الدينية كثيرا ما كانت تحثنا على التقليل و القناعة كما ورد " اجمل الطلب". و قد ذكر ان سعد قال لسلمان في مرضه كيف تجد نفسك ؟ فبكى فقال ما يبكيك ؟ فقال و الله ما ابكي حزنا على الدنيا و لكن بكائي لان رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم قال ليكن بلاغ احدكم من الدنيا كزاد الراكب فأخاف ان اكون قد تجاوزت ذلك . قال هذا و لم يكن حوله في بيته غير مطهرة و اجانة .
و اما جدي فهو لا يملك لا جوالا و لا سيارة و لا حاسبا شخصيا و يكفيه من الملبس زوج من الثياب البيضاء و اما المأكل فيكفيه اي شيء و لو قرص من الخبز و كأس من الشاي ، فهو يمشي على الارض مشيا خفيفا كما يقال. ارجو ان نقف دقيقة لنستشعر تبعات هذا الكلام فنتخيل معا عقلا خاليا من التزامات و هموم كل هذه الممتلكات و الكماليات و تبعاتها .
يبدو اننا تجاوزنا حاجز الألف كلمة فلنحاول الاختصار و نتكلم بشكل سريع عن الحكمة النظرية عنده . فمن روائع الحكم التي يكررها علينا قوله " الحمد لله اني ما صرت عالم و لا ظالم و لا حاكم " . اما انه يحمد الله انه ليس بظالم فهذا امر واضح اما لماذا ليس بحاكم ؟ لانه يكره الشهرة حتى الاجتماعية منها و يكره ان يكون حاكما لكثرة مسؤولية الحاكم و ليس الحاكم هنا فقط بمعنى حاكم الدولة و انما اي شكل من اشكال الحكومة كما في الاسرة و المجتمع. و اما لماذا لا يريد ان يصبح عالما ؟ فلربما لانه لا يحبذ ما يستتبع نمط حياة العلماء في زماننا من حيث الشهرة و الالتزامات و التكلف و لربما لانه من وجهة نظره ان العلماء يعقدون الامور و ان الدين يسر و لا يحتاج الى هذا التعقيد و التشدد . و قد يوجه كلامه بمفاد الايات الكريمة في سورة البقرة التي تحكي تشدد بني اسرائيل في السؤال ما استوجب تشدد الله سبحانه و تعالى معهم .
أخيرا اختم بمقولته التي يكررها دائما حيث يقول " تقزر " اي " تمضي " فهو يرى ان الظواهر الكونية كلها متغيرة و انها طالت او قصرت ماضية و منتهية فلا يجب ان نبدي لها كثيرا من الاهتمام و لهذا قد يفهمه البعض بانه لا أبالي او بارد العواطف في احيان كثيرة و لكن الحقيقة انه لا يحب ان تستغرق الامور فكره و هي زائلة اولا و اخيرا .
دمتم في الرضا ،
عندما يتعلق الامر بالصفات الاخلاقية و السلوكية قد نستطيع تقسيم الناس الى قسمين فنقول ان منهم اصحاب الاخلاق الجبلية و منهم اصحاب الاخلاق الاكتسابية . و قد يتبادر الى الذهن في الوهلة الاولى ان الكل يستطيع اكتساب اي صفة اخلاقية او ان يتركها متى ما اراد و لكن الحقيقة أعقد من هكذا فترى ان الاخلاقيين يفردون بحثا للاجابة على السؤال المصيري : هل يمكن فعلا تغيير الصفات الاخلاقية ام انها امور جبلية وراثية ؟ نعم الامر من الصعوبة بمكان خاصة لمن ترعرع على شيء لذلك قيل " من شب على شيء شاب عليه" و يبدو ان الشريف الرضي يذهب الى هذا المعنى عندما قال:
هيهات لا تتكلفن لي الهوى ... غلب التطبع شيمة المطبوع
و قد كان الاعتقاد السائد الى فترات متأخرة ان العقل يصل الى مرحلة معينة من النضوج و يتوقف كما يحصل مع بقية اعضاء الجسد و لذلك تجد ان اكثر النظريات التعليمية كانت تقول بان التعليم يجب ان يكون في الصغر و لكن لحسن الحظ هذه الايام اثبتوا ان العقل يستمر بالنمو حتى مع تقدم السن . و لكن تبقى الحقيقة ان التعلم في الصغر اسهل بكثير من التعلم في الكبر ليس لان العقل غير قابل للتعلم و الحفظ و ما الى ذلك و انما لان العقل قد شاب على سنوات و سنوات من الانماط الذهنية التي اصبحت عادات راسخة ممزوجة بهوية الفرد . يقول الراهب التايلندي "آجا شا" لبعض تلاميذه ممن يستبطئون النتائج " انكم عودتم عقلكم على التصرف بطريقة معينة طيلة ثلاثين أو اربعين سنة و الان تريدون من خلال بضع جلسات من الرياضة ان تغيروا كل تلك العادات المستحكمة ؟ " . و كلامه حقيقة على الجرح فالذي يبدا رحلة تهذيب النفس في سن متأخرة فهو ليس فقط يحاول اكتساب عادات حميدة جديدة و انما عليه ان يحارب عادات سيئة ترسخت في هويته الشخصية و هذا بطبيعة الحال يحتاج الى جهد جبار . و الذي يقرأ البحوث العلمية الجديدة يعرف مدى صعوبة تغيير الصفات و العادات الراسخة و اي شخص يحاول الخوض في تجربة رياضة النفس سيدرك سريعا لماذا سميت في الحديث الشريف بالجهاد الاكبر .
اذا انتهينا من هذه المقدمة نقول ان الذي تكون لديه صفة جبلية معينة لا يحتاج الى ان يخالف نفسه فيها فهي تتجلى فيه بشكل عفوي و اما الانسان الذي لا تكون لديه هذه الصفة فهو يحتاج الى ان يخالف نفسه مرارا لكي يتحلى بهذه الصفة . و غني عن الذكر ان الناس لا ينقسمون الى قسم جبلي و قسم اكتسابي و انما التقسيم على مستوى الصفات نفسها فقد يكون الرجل جبليا في الكرم و الحلم و لكنه اكتسابي في الشجاعة . فالانسان المجبول على الكرم يمارس مظاهر الكرم و كأنه يسير في روضة و الانسان المتطبع عندما يمارس مظاهر الكرم فكأنه ينقش في صخر . لا يقال هنا اذاً الجبلي افضل من المتطبع كقاعدة كلية فإن في وادي تهذيب النفس قد يكون المتطبع في حال افضل من المطبوع احيانا لان المتطبع في غالب الامر يمتاز بميزة الوعي و الاختيار المتكرر بخلاف الجبلي الذي تصدر منه الافعال بعفوية ميكانيكية . و لتقريب المعنى يمكن التمثيل بسائق السيارة فالمتطبع مثل الناشئ الذي يتعلم السياقة لاول مرة فهو يعاني في كل حركة و ينتبه لكل حركة صغيرة و كبيرة لحاجته الى الموازنة بين متغيرات البيئة و بين حركات قدمه و يديه . و اما الجبلي فهو كالسائق المحترف الذي اصبح الامر عنده عفويا لدرجة انه يسوق من العمل الى منزله و لا يذكر اي حركة لقدمه او يديه . فالاول على انه يعاني الا انه يتمتع بحضور متصل بخلاف الثاني حيث انه في الغالب غائب الا ان يحدث ما يستدعي ردة فعل طارئة . و كلا الامرين له مكانه في الحياة اليومية الا انه في مسألة تهذيب النفس قد نحتاج الى هذا الوعي المتصل اكثر من الاسترسال العفوي .
ورد عن الامام الصادق عليه السلام " كونوا دعاة لنا بغير السنتكم " و قد كان من فضل الله علي ان تربيت بين يدي والد يعمل بهذا الحديث الشريف فكان نادرا ما يعلمنا بالكلام و انما بالافعال و عندما كبرت سريت هذه الملكة فبدأت انظر الى من حولي لاتعلم منهم بشكل غير مباشر و كان من هذه الشخصيات التي اطلت النظر اليها بصمت جدي من ناحية والدتي او كما يحلو لنا ان نسميه "سيد الراشدية ". هذا الانسان يختلف عن ابي و جدي و غيرهما من الاشخاص الذين يشار اليهم بالبنان فهو انسان بسيط و من الذين يهربون من الشهرة و الظهور و يحاول ان يهتم بأمر نفسه فقط لذلك فهو لا يثير فضول الكثير ممن حوله . و قد لاحظت فيه حكمة عملية تولدت منها حكمة نظرية و سأحاول استعراض بعض منها .
فأما الحكمة العملية فمنها انه يتمتع بصفة الصمت و قد ورد في حديث المعراج ان " اول العبادة الصمت و الصوم ". و قد عشت معه لسنوات في نفس المسكن و قد كان ملازما للصمت جل وقته و لا يشارك في الاحاديث الا اذا خوطب و هذا يجنبه الكثير من محاذير اللسان التي لا نخلو منها في هذا الزمان فهو لا يغتاب و لا يسمعها و لا ينم و لا يتدخل في سفاسف الامور و لا فيما لا يعنيه فكأنه يطبق وصية الرسول صلى الله عليه و اله و سلم لابي ذر " الا اعلمك عملا ثقيلا في الميزان خفيفا على اللسان قال بلى يا رسول الله قال الصمت و حسن الخلق و ترك ما لا يعنيك ". و اعتقد شخصيا ان صفة الصمت ربما هي اكبر صفة غائبة في جيل هذا اليوم فحتى المتشرعة من الناس تراه يتكلم و يتكلم و جله كلام في الماديات و في اللغو و يغفل قول لقمان الحكيم " من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر سقطه كثر لغوه و من كثر لغوه كثر كذبه و من كثر كذبه كثرت ذنوبه و من كثرت ذنوبه فالنار اولى به ".
الصفة الثانية هي البساطة في المأكل و الملبس او قل في المعيشة بشكل عام و اعتقد ان هذه الصفة كان يتحلى بها اغلب أهلنا من الجيل الاول او كما يسمونهم هذه الايام جيل الطيبين . هذه الايام و مع الرفاه المادي الكبير اصبحنا ندير حياة معقدة على كل المستويات شعارها هل من مزيد على كل الاصعدة فأصبح الاطفال فضلا عن الرجال لا يستطيعون العيش بدون هواتف ذكية و انترنت و ما الى ذلك . قال الشاعر :
أبغي الكثير الى الكثير مضاعفا ... ولو اقتصرت على القليل كفاني
و اصبحت الكثير من الاشياء الكمالية اشياء لا يمكن الاستغناء عنها هذا بالرغم من ان النصوص الدينية كثيرا ما كانت تحثنا على التقليل و القناعة كما ورد " اجمل الطلب". و قد ذكر ان سعد قال لسلمان في مرضه كيف تجد نفسك ؟ فبكى فقال ما يبكيك ؟ فقال و الله ما ابكي حزنا على الدنيا و لكن بكائي لان رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم قال ليكن بلاغ احدكم من الدنيا كزاد الراكب فأخاف ان اكون قد تجاوزت ذلك . قال هذا و لم يكن حوله في بيته غير مطهرة و اجانة .
و اما جدي فهو لا يملك لا جوالا و لا سيارة و لا حاسبا شخصيا و يكفيه من الملبس زوج من الثياب البيضاء و اما المأكل فيكفيه اي شيء و لو قرص من الخبز و كأس من الشاي ، فهو يمشي على الارض مشيا خفيفا كما يقال. ارجو ان نقف دقيقة لنستشعر تبعات هذا الكلام فنتخيل معا عقلا خاليا من التزامات و هموم كل هذه الممتلكات و الكماليات و تبعاتها .
يبدو اننا تجاوزنا حاجز الألف كلمة فلنحاول الاختصار و نتكلم بشكل سريع عن الحكمة النظرية عنده . فمن روائع الحكم التي يكررها علينا قوله " الحمد لله اني ما صرت عالم و لا ظالم و لا حاكم " . اما انه يحمد الله انه ليس بظالم فهذا امر واضح اما لماذا ليس بحاكم ؟ لانه يكره الشهرة حتى الاجتماعية منها و يكره ان يكون حاكما لكثرة مسؤولية الحاكم و ليس الحاكم هنا فقط بمعنى حاكم الدولة و انما اي شكل من اشكال الحكومة كما في الاسرة و المجتمع. و اما لماذا لا يريد ان يصبح عالما ؟ فلربما لانه لا يحبذ ما يستتبع نمط حياة العلماء في زماننا من حيث الشهرة و الالتزامات و التكلف و لربما لانه من وجهة نظره ان العلماء يعقدون الامور و ان الدين يسر و لا يحتاج الى هذا التعقيد و التشدد . و قد يوجه كلامه بمفاد الايات الكريمة في سورة البقرة التي تحكي تشدد بني اسرائيل في السؤال ما استوجب تشدد الله سبحانه و تعالى معهم .
أخيرا اختم بمقولته التي يكررها دائما حيث يقول " تقزر " اي " تمضي " فهو يرى ان الظواهر الكونية كلها متغيرة و انها طالت او قصرت ماضية و منتهية فلا يجب ان نبدي لها كثيرا من الاهتمام و لهذا قد يفهمه البعض بانه لا أبالي او بارد العواطف في احيان كثيرة و لكن الحقيقة انه لا يحب ان تستغرق الامور فكره و هي زائلة اولا و اخيرا .
دمتم في الرضا ،