نبذة عن الديانة الجاينية
بسم الله الرحمن الرحيم
الكثير منا يعرف الهنودسية و البوذية و السيخية و لكن القليل منا يعرف الجاينية ( الجاينا دارما ، الجاينزم Jainism). هذه الديانة تعتبر من اقدم الديانات و البعض يشير الى انها اقدم ديانة حية باقية الى الان و تعود جذورها الى ما قبل القرن التاسع قبل الميلاد و لكن لم تر الانتشار القوي الا مع اخر انبيائها او مبشريها و هو الماهافيرا المعاصر تقريبا لبوذا في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد و هو النبي الرابع و العشرون و الخاتم . اخذت الديانة بالانتشار حتى انها اصبحت الديانة الرسمية لبعض الممالك الهندية في ازمنة مختلفة الا انه مع القرن الثامن الميلادي بدأت الديانة بالتقلص بسبب انتشار و ضغط الديانات الاخرى مثل الهندوسية و البوذية . و يقدر معتنقوا هذه الديانة في وقتنا الحاضر بخمسة ملايين نسمة تقريبا اغلبهم في الهند مع وجود اقليات في دول اوروبية و شرق اسيوية مثل اليابان . و يعتبر معتنقوا هذه الديانة افضل طائفة من الناحية الثقافية و التعليمية في الهند.
اما الماهفيرا فهو يعتبر المجدد لهذه الديانة و ليس المنشئ لها و قصته تشبه قصة بوذا اذ انه ولد في بهار في الهند لعائلة ملكية في فترة ازدهار اقتصادي الا انه و مع الثلاثين من عمره و بعد وفاة والديه ترك الحياة الملكية و تنازل عن حقوقه كاملة لاخيه الاكبر و انطلق في رحلة البحث عن الحقيقة حيث بعد 12 سنة من التأمل و الجهاد و الارتياض الشديد و السياحة وصل الى مرحلة التنوير. و قد وصلت به الشدة الى انه قطع كل العلائق الجسدية و الشهوات حتى انه لم يكن يأكل الا لقمة نباتية واحدة في اليوم و كان مهملا لجسده الى درجة انه كان يمشي عاريا . و قضى ثلاثين سنة اخرى مبشرا بديانة الجاينية حتى قضى في الثانية و السبعين من العمر و يحكى انه في اخر ايامه اوقف الاكل تماما الى ان مات من الجوع .
اما راهبو هذه الديانة فيلتزمون بخمسة عهود :
1- اهيمسا : اي عدم العنف بعدم ايذاء اي مخلوق او شيء على الاطلاق حتى الجماد سواء بقصد او بدون قصد . و قد تطرفوا في هذه النقطة الى درجة انهم لا يقتلون الحشرات المزعجة بل لا يخرجون ليلا لكي لا يقتلوا حشرات بدون قصد .
2- ساتيا : اي الحقيقة و قول الحقيقة في كل الاحوال و لكن لان الاولوية لعدم العنف و عدم الايذاء فعند التعارض يؤخذ بالمبدا الاول فمثلا ان كانت الحقيقة تجلب ضررا او تجرح مشاعرا فالاولى السكوت .
3- استيا : عدم اخذ اي شيء بدون اذن صاحبه و رضاه.
4- براماشاريا : اي السيطرة على الحواس و منع النفس من الانغماس في اللذات الجسدية و الجنسية .
5- اباريغراها: اي عدم التملك ، فيجب قطع كل التعلقات بالاماكن و الاشياء و الاشخاص .
هذه للرهبان عليهم ان يتقيدوا بها بشكل حرفي اما الاتباع من العامة فياخذون بها على قدر استطاعتهم . و هذه العهود تؤخذ كي تساعدهم على السيطرة على النفس و ترويضها في محاولة للوصول الى الكمال و التنوير . اللطيف هنا ان كلمة جين في السنسكرت تعني الغزو و هي اشارة الى الحرب مع النفس فمن يصل الى مرحلة التنوير يكون قد غزا مملكة نفسه و احتلها .
لنتكلم عن الاهيمسا اي عدم العنف و هو اشهر ما تعرف به هذه الطائفة ، فمن تعليمات المهافيرا ان كل شيء في الوجود له روح حتى الجمادات ، فالصخرة مثلا تحس عندما تركلها . و لانهم يؤمنون كما الديانات الهندية الاخرى بالتناسخ فهذا مؤداه ان الرجل باعماله السيئة ربما يولد مرة اخرى على شكل حيوان و ربما جماد . فكرة التناسخ تنطلق عندهم من باب الجزاء و انه لا عمل يذهب بلا تبعات فهي اشبه بالمعاد عندنا اذ انهم يرون ان الانسان سيرى جزاء اعماله الحسنة او السيئة مع كل ولادة جديدة .
عدم العنف و الايذاء عندهم اهم شيء لذلك بعض الغربيين يسمونه دين السلام الحقيقي تهكما على المسلمين. لذلك هم لا يأكلون اللحوم و البيض و المنتوجات اللبنية لانهم يرون ان فيها قسوة على الابقار و انما يأكلون بعض النباتات و حتى النباتات يستثنون امثال البصل و البطاطس لانهم يرون ان عملية اقتلاعها من الارض يقطع جذورها بشكل عنيف.
ايضا هم حريصون على مسألة العنف اللفظي و يراقبون بشدة كلامهم لئلا يكون جارحا لاحد. مع كل هذا الا انهم لا يمانعون استخدام العنف في حالة الدفاع عن النفس.
يعتقدون بقدم العالم و انه دائم ابدي قائم بنفسه غير محتاج لحاكم يديره. من عقائدهم ايضا ان الحقيقة بطبيعتها جزئية فهم يؤمنون بتعدد الحقائق و ذلك باختلاف زاوية الرؤية و يمثلون لها بقصة العميان و الفيل حيث ان كل اعمى وصف الفيل بشكل يناسب الجزء الذي لمسه فمثلا الذي لمس الذنب قال انه كالحبل و من لمس الخرطوم شبهه بالافعى . هذا يعود من وجهة نظرهم الى ان الانسان لا يمكنه ان يرى حقيقة الاشياء كاملة و انما يرى جزءا من الحقيقة و فقط هو العالم الكلي من يستطيع ان يدرك الاشياء كاملة . لذلك هم يرون انه لا معنى من التزمت في مسألة الحقيقة الكاملة حتى بالنسبة لرؤى ديانتهم نفسها .
اما مسألة تقلص معتنقي هذه الديانة فيرجع الى امرين مهمين ، اولهما القمع الذي واجهه اصحاب هذه الديانة من قبل الديانات الاخرى حتى المسلمين . اما الامر الثاني فقد اشار بعض الباحثين الى مسألة التطرف في هذه الديانة و انها صعبة و غير عملية خاصة في زمننا الحالي لذلك يتم تفضيل البوذية مثلا لانها تأخذ بالتوسط مع انها تشترك في كثير من العقائد و الطقوس مع هذه الديانة.
نختم بهذه القصة من الادب الجايني ، اذ يحكى ان مسافرا مر بأهل قرية و لكنهم لم يضيفوه و لم يرشدوه و هو في الطريق اذ قفز اليه من الاعشاب قطاع طرق ففر هاربا على وجهه الى الغابة . هنالك لحقه فيل عملاق فحاول الهرب جاهدا الى ان اعياه التعب فالقى بنفسه في بئر و تعلق بغصن في وسط البئر و ما ان نظر الى اسفل البئر الا و رأى اربع ثعابين و تمساحا . في هذه الاثناء احس بصوت في اعلى الغصن الذي تعلق به فاذا هو يرى جرذين احدهما ابيض و الاخر اسود يقضمان الغصن ، و بتأثير من هز الفيل لجذع الشجرة سقطت خلية نحل على الرجل فأوسعه النحل لسعا الا ان قطرة من العسل وقعت في فمه و من لذتها نسى ما هو فيه . وقتها مر بالمكان زوج من الملائكة فقالت الزوجة لزوجها : هلا تساعد الرجل؟ فذهب اليه و قال له : خذ بيدي كي اساعدك . فقال الرجل : دقائق فقط كي اتذوق قطرة اخرى من هذا العسل و بعد انتظار ذهب الملكان و انقطع الغصن و سقط الرجل .
و هذه القصة الرمزية تحكي قصة كل انسان فالقرية و اهلها هي العالم او الحياة التي يجد الانسان نفسه فيها حائرا و الفيل انما هو الموت الذي يطلب الانسان مسرعا و الغصن انما هو العمر الذي يأكل منه الليل و النهار ( الفأران) و اما الافاعي الاربع و التمساح فهي بمثابة الصفات الرذيلة مثل الغضب و الانانية و الجشع و العجب . أما لدغات النحل فهي المشاكل اليومية و الحياتية و اما العسل فهو اللذات الدنيوية المؤقتة. اخيرا الملكان انما هما رمز للدين و الرسل يحاولان ان ينجيا الانسان دون فائدة او استجابة منه.
" سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين "
الكثير منا يعرف الهنودسية و البوذية و السيخية و لكن القليل منا يعرف الجاينية ( الجاينا دارما ، الجاينزم Jainism). هذه الديانة تعتبر من اقدم الديانات و البعض يشير الى انها اقدم ديانة حية باقية الى الان و تعود جذورها الى ما قبل القرن التاسع قبل الميلاد و لكن لم تر الانتشار القوي الا مع اخر انبيائها او مبشريها و هو الماهافيرا المعاصر تقريبا لبوذا في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد و هو النبي الرابع و العشرون و الخاتم . اخذت الديانة بالانتشار حتى انها اصبحت الديانة الرسمية لبعض الممالك الهندية في ازمنة مختلفة الا انه مع القرن الثامن الميلادي بدأت الديانة بالتقلص بسبب انتشار و ضغط الديانات الاخرى مثل الهندوسية و البوذية . و يقدر معتنقوا هذه الديانة في وقتنا الحاضر بخمسة ملايين نسمة تقريبا اغلبهم في الهند مع وجود اقليات في دول اوروبية و شرق اسيوية مثل اليابان . و يعتبر معتنقوا هذه الديانة افضل طائفة من الناحية الثقافية و التعليمية في الهند.
اما الماهفيرا فهو يعتبر المجدد لهذه الديانة و ليس المنشئ لها و قصته تشبه قصة بوذا اذ انه ولد في بهار في الهند لعائلة ملكية في فترة ازدهار اقتصادي الا انه و مع الثلاثين من عمره و بعد وفاة والديه ترك الحياة الملكية و تنازل عن حقوقه كاملة لاخيه الاكبر و انطلق في رحلة البحث عن الحقيقة حيث بعد 12 سنة من التأمل و الجهاد و الارتياض الشديد و السياحة وصل الى مرحلة التنوير. و قد وصلت به الشدة الى انه قطع كل العلائق الجسدية و الشهوات حتى انه لم يكن يأكل الا لقمة نباتية واحدة في اليوم و كان مهملا لجسده الى درجة انه كان يمشي عاريا . و قضى ثلاثين سنة اخرى مبشرا بديانة الجاينية حتى قضى في الثانية و السبعين من العمر و يحكى انه في اخر ايامه اوقف الاكل تماما الى ان مات من الجوع .
اما راهبو هذه الديانة فيلتزمون بخمسة عهود :
1- اهيمسا : اي عدم العنف بعدم ايذاء اي مخلوق او شيء على الاطلاق حتى الجماد سواء بقصد او بدون قصد . و قد تطرفوا في هذه النقطة الى درجة انهم لا يقتلون الحشرات المزعجة بل لا يخرجون ليلا لكي لا يقتلوا حشرات بدون قصد .
2- ساتيا : اي الحقيقة و قول الحقيقة في كل الاحوال و لكن لان الاولوية لعدم العنف و عدم الايذاء فعند التعارض يؤخذ بالمبدا الاول فمثلا ان كانت الحقيقة تجلب ضررا او تجرح مشاعرا فالاولى السكوت .
3- استيا : عدم اخذ اي شيء بدون اذن صاحبه و رضاه.
4- براماشاريا : اي السيطرة على الحواس و منع النفس من الانغماس في اللذات الجسدية و الجنسية .
5- اباريغراها: اي عدم التملك ، فيجب قطع كل التعلقات بالاماكن و الاشياء و الاشخاص .
هذه للرهبان عليهم ان يتقيدوا بها بشكل حرفي اما الاتباع من العامة فياخذون بها على قدر استطاعتهم . و هذه العهود تؤخذ كي تساعدهم على السيطرة على النفس و ترويضها في محاولة للوصول الى الكمال و التنوير . اللطيف هنا ان كلمة جين في السنسكرت تعني الغزو و هي اشارة الى الحرب مع النفس فمن يصل الى مرحلة التنوير يكون قد غزا مملكة نفسه و احتلها .
لنتكلم عن الاهيمسا اي عدم العنف و هو اشهر ما تعرف به هذه الطائفة ، فمن تعليمات المهافيرا ان كل شيء في الوجود له روح حتى الجمادات ، فالصخرة مثلا تحس عندما تركلها . و لانهم يؤمنون كما الديانات الهندية الاخرى بالتناسخ فهذا مؤداه ان الرجل باعماله السيئة ربما يولد مرة اخرى على شكل حيوان و ربما جماد . فكرة التناسخ تنطلق عندهم من باب الجزاء و انه لا عمل يذهب بلا تبعات فهي اشبه بالمعاد عندنا اذ انهم يرون ان الانسان سيرى جزاء اعماله الحسنة او السيئة مع كل ولادة جديدة .
عدم العنف و الايذاء عندهم اهم شيء لذلك بعض الغربيين يسمونه دين السلام الحقيقي تهكما على المسلمين. لذلك هم لا يأكلون اللحوم و البيض و المنتوجات اللبنية لانهم يرون ان فيها قسوة على الابقار و انما يأكلون بعض النباتات و حتى النباتات يستثنون امثال البصل و البطاطس لانهم يرون ان عملية اقتلاعها من الارض يقطع جذورها بشكل عنيف.
ايضا هم حريصون على مسألة العنف اللفظي و يراقبون بشدة كلامهم لئلا يكون جارحا لاحد. مع كل هذا الا انهم لا يمانعون استخدام العنف في حالة الدفاع عن النفس.
يعتقدون بقدم العالم و انه دائم ابدي قائم بنفسه غير محتاج لحاكم يديره. من عقائدهم ايضا ان الحقيقة بطبيعتها جزئية فهم يؤمنون بتعدد الحقائق و ذلك باختلاف زاوية الرؤية و يمثلون لها بقصة العميان و الفيل حيث ان كل اعمى وصف الفيل بشكل يناسب الجزء الذي لمسه فمثلا الذي لمس الذنب قال انه كالحبل و من لمس الخرطوم شبهه بالافعى . هذا يعود من وجهة نظرهم الى ان الانسان لا يمكنه ان يرى حقيقة الاشياء كاملة و انما يرى جزءا من الحقيقة و فقط هو العالم الكلي من يستطيع ان يدرك الاشياء كاملة . لذلك هم يرون انه لا معنى من التزمت في مسألة الحقيقة الكاملة حتى بالنسبة لرؤى ديانتهم نفسها .
اما مسألة تقلص معتنقي هذه الديانة فيرجع الى امرين مهمين ، اولهما القمع الذي واجهه اصحاب هذه الديانة من قبل الديانات الاخرى حتى المسلمين . اما الامر الثاني فقد اشار بعض الباحثين الى مسألة التطرف في هذه الديانة و انها صعبة و غير عملية خاصة في زمننا الحالي لذلك يتم تفضيل البوذية مثلا لانها تأخذ بالتوسط مع انها تشترك في كثير من العقائد و الطقوس مع هذه الديانة.
نختم بهذه القصة من الادب الجايني ، اذ يحكى ان مسافرا مر بأهل قرية و لكنهم لم يضيفوه و لم يرشدوه و هو في الطريق اذ قفز اليه من الاعشاب قطاع طرق ففر هاربا على وجهه الى الغابة . هنالك لحقه فيل عملاق فحاول الهرب جاهدا الى ان اعياه التعب فالقى بنفسه في بئر و تعلق بغصن في وسط البئر و ما ان نظر الى اسفل البئر الا و رأى اربع ثعابين و تمساحا . في هذه الاثناء احس بصوت في اعلى الغصن الذي تعلق به فاذا هو يرى جرذين احدهما ابيض و الاخر اسود يقضمان الغصن ، و بتأثير من هز الفيل لجذع الشجرة سقطت خلية نحل على الرجل فأوسعه النحل لسعا الا ان قطرة من العسل وقعت في فمه و من لذتها نسى ما هو فيه . وقتها مر بالمكان زوج من الملائكة فقالت الزوجة لزوجها : هلا تساعد الرجل؟ فذهب اليه و قال له : خذ بيدي كي اساعدك . فقال الرجل : دقائق فقط كي اتذوق قطرة اخرى من هذا العسل و بعد انتظار ذهب الملكان و انقطع الغصن و سقط الرجل .
و هذه القصة الرمزية تحكي قصة كل انسان فالقرية و اهلها هي العالم او الحياة التي يجد الانسان نفسه فيها حائرا و الفيل انما هو الموت الذي يطلب الانسان مسرعا و الغصن انما هو العمر الذي يأكل منه الليل و النهار ( الفأران) و اما الافاعي الاربع و التمساح فهي بمثابة الصفات الرذيلة مثل الغضب و الانانية و الجشع و العجب . أما لدغات النحل فهي المشاكل اليومية و الحياتية و اما العسل فهو اللذات الدنيوية المؤقتة. اخيرا الملكان انما هما رمز للدين و الرسل يحاولان ان ينجيا الانسان دون فائدة او استجابة منه.
" سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين "