و جعلني ممن يقتص آثاركم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الفقرة من الزيارة الجامعة الكبيرة كثيرا ما نقرأها و لكن قد لا نوفيها حقها من التدبر ، سأحاول في هذه الاسطر ان اسجل بعض تأملاتي في معنى و دلالة هذه الجملة العظيمة فاستعين الله سبحانه و تعالى و اقول:
هذه الجملة دعاء بمعنى " اللهم اجعلني ممن يقتص آثارهم " و فيها يسأل الزائر ربه ان يجعله ممن يقتص اثار ال محمد صلى عليه و اله و سلم و معنى يقتص لغة يتبع تقول اقتص أثره ، قال تعالى: فارتدّا على آثارهما قَصصاً. قال الشيخ الاحسائي رحمه الله في شرح الزيارة " و معنى يقتص يتبع مستخبرا او مطلقا و ليس المراد ان الاستخبار الواقع حالا علة للاتباع بل الاستخبار احد معلولات الاتباع و انما المراد ان يكون متبعا حقيقيا اي لا يكون في حال غير متبع فيكون فيها مستقلا نعوذ بالله من طلب الاستقلال بدونهم فان من شذ عنهم شذ الى النار لا فرق في هذا بين حكم العمل و القول و الاعتقاد ."
فائدة في شرح كلام الشيخ : فإن الاقتصاص يأتي لغة مطلقا و هو مطلق التتبع او مستخبرا اي يتتبع مستخبرا يريد شيئا معينا مثل الذي يتجسس . اما قوله " ليس المراد ان الاستخبار الواقع حالا علة للاتباع بل الاستخبار احد معلولات الاتباع " فالمراد بالحال هنا هو كون الشخص في حالة تتبع اثارهم ، و ان هذه الحالة ليست علة للاتباع بل العكس بعبارة اوضح انا اتبعكم لذلك اقتص اثاركم لا انني اقتص اثاركم لاتبعكم .
الفائدة الاولى هي وجوب اتباع اهل البيت عليهم السلام في العمل و القول و الاعتقاد لا ان يختص الامر في تتبع اثارهم بتتبع اخبارهم اي انه لا خصوصية لمتتبعي الاخبار من العلماء و رواة الاحاديث فلا مجال في ان يستشكل العامي من الشيعة فيخرج نفسه من دائرة الاهتمام بحجة انه ليس من اهل الاختصاص . بل المتبع الحقيقي هو من يلتزم بما ورده عنهم في حياته العملية فضلا عن طقوسه الدينية . لذلك اشرت في مقالة سابقة الى اهمية قراءة كتاب سنن النبي صلى عليه و اله و سلم كي يستطيع الانسان ان يستن بسننه صلوات الله عليه في المأكل و الملبس و الممشى و غير ذلك من شؤونه اليومية . و قد قرأت سابقا انه على الانسان ان يأتي بكل سُنة و لو مرة واحدة في عمره فهناك مثلا صلوات مروية عن كل معصوم اليس من الجميل ان نصليها و لو مرة واحدة ؟ و لقد سرني قريبا انني جلست مع احد السادة الافاضل و قد اشار الى تتبعه اخبار اهل البيت عليهم السلام في موضوع الوظيفة و ما هي رؤيتهم في المواضيع التي تتعلق بها من حيث ايجار الشخص نفسه و الاتجار و الاستثمار ..الخ . نعم، هكذا شخص مثال على الوعي الذي يجب ان نكون عليه كشيعة فليست المسألة فقط اتباع في مسائل العبادات بل يحاول الانسان ان يضع اهل البيت عليهم السلام امامه في كل اختيار يقوم به في حياته كي يحيا حياة طيبة و يتمثل الدعاء الوارد في زيارة عاشوراء " اللهم اجعل محياي محيا محمد و ال محمد و مماتي ممات محمد و ال محمد " . فاذا كان الانسان هكذا فلا يمكن تسيسه و لا ادلجته و لا يكون مذبذبا يميل مع موجات المجتمع من حوله .
الفائدة الثانية في تعارض الاخذ منهم عليهم السلام و الاخذ من الاخرين ، فالسؤال هنا هل يوجد تعارض بين لزوم طريقة اهل البيت عليهم السلام و بين التبحر و الاسترسال في دراسة ما ورد عن الاخرين ؟ عن ابي الحسن الرضا عليه السلام في حديثه العظيم لابن ابي محمود قال : "... يا ابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه ...".
و قد يرد هذا الاشكال كثيرا خصوصا على العلماء من الذين اهتموا بالفلسفة و العرفان و غيرها . حقيقة انا شخصيا وقعت في حيرة من امري اذ كنت من الذين يكثرون الكتابة عن البوذية و الهندوسية فضلا عن القراءة فيها و في غيرها من المذاهب و الفلسفات ، و كانت نقطة التحول عندما كنت اقرا عن المترجمة البارعة باربرا ستولر ميلر و قد حركت في نفسي شيئا عندما علمت انها اكملت ترجمة اغنية الرب و هي على سرير المرض تحارب السرطان . هذه الكاتبة باخلاصها تعتبر من امثلة المروجين للفلسفة الهندوسية في الغرب و امثالها كثر فكان التساؤل الصعب هل انا اعتبر مروجا للفلسفة الشرقية بكتاباتي ؟ انصافا و انا اكتب تلك المقالات لم اكن بصدد النشر و الترويج لتلك الثقافات بل كنت اكتبها لاسباب اخرى اهمها ان هناك الكثير من الذين يكتبون عن الفلسفات الغربية و ليس هناك من يكتب عن الفلسفات الشرقية مع انني شخصيا ارى ان الفلسفات الشرقية اقرب الى التعاليم الاسلامية و تتمتع بالروحانية الغائبة عن معظم الفلسفات الغربية . الامر الاخر ان اطلاعي على الكتابات البوذية و الهندوسية و الطاوية خصوصا اعطاني بعدا و رؤية مختلفة جدا استطعت من خلالها التنبه الى اشياء كانت خافية عني في النصوص الاسلامية و قد ذكرت بعض ذلك في مقالة "و الضد يظهر حسنه الضد ". لكن مع كل هذا لم انصح احدا يوما بالقراءة في النصوص الشرقية كي لا احمل وزر من لا يستطيع الغوص و الخروج سالما فالدر موجود و لكن يحتاج الى غواص يزيح ما يعلوه من التراب و لربما الاوساخ في احيان كثيرة .لذلك التعاليم الشرقية كما الفلسفات الغربية ليس كل من تعمق فيها خرج بنتيجة جمال و عمق و شمولية ما عنده من التعاليم الاسلامية . الخلاصة انني منذ البداية الى النهاية لم يغب عني ان اعرض كل ما اقراه على موازين اهل البيت عليهم السلام فكنت اقبل ما يوافقهم و لا اتحرج في رفض الكثير مما لا يوافقهم و قد اعانني على ذلك ان لي رفدا متينا مَنّ الله به علي . و مع كل ما ذكرته الا انني توقفت عن الكتابة في هذه الامور تحرزا من ان يقول شخص من الذين لا يجدون الاعذار انني اميل الى جهة او متأثر بأفكار معينة .
عودا الى العلماء رحمهم الله فهم قد يتعمقون في الفلسفات الاخرى لا من باب الاستغناء عن نصوص اهل البيت عليهم السلام و انما لاسباب اخرى كطلب الشمولية و الزام الطرف الاخر بما الزم نفسه و الاطلاع العام او اكتساب منظار جديد في فهم كلام اهل البيت عليهم السلام الى غير ذلك من الاسباب فليس من الجيد اتهام العلماء في نياتهم . و قد تعرض الشيخ الاحسائي في شرحه الى بيان نقطة تساعد على حل الاشكال فقال رحمه الله " ... و ليس القول بوجوب اخذ المعارف و الاصول الدينية عن العقل منافيا لما نقوله لان الحق لهم و معهم و فيهم و بهم و العقل انما حكم له باصابة الحق لان نوره من نورهم الا ترى من يدعي العقل من اعدائهم بل ربما تشهد له انت بالعقل الدقيق و الفهم الشديد عند التحقيق و كذلك كثير من اهل الملل و الانتحال من الكفار و المسلمين مع انهم لا يدركون بعقولهم في اعتقاداتهم الا الاعتقادات الباطلة ...". و لمزيد من التوضيح فالشيخ يقول بأن الحق مع اهل البيت عليهم السلام و ان العقل لديه القدرة ان يصل الى الحق الذي هو بالنتيجة ما عند اهل البيت عليهم السلام لان العقل من نورهم فهو تابع لهم ، فبالنتيجة يكون العلماء الذين يرون صحة كلام بعض المخالفين انما يرون ذلك لان كلام المخالف اصاب الحق فبالنتيجة اصاب ما عند اهل البيت عليهم السلام اساسا لا انهم يضعون احدا في قبال اهل البيت عليهم السلام . نعم قد يكون البعض من العلماء واهما في ذلك كما استرسل الشيخ لاحقا في كلامه عن ابن عربي و الفيض و ملا صدرا و لكن هذه مصاديق لا تعنينا فالشاهد هو في الكبرى.
دمتم في الرضا عليه السلام ،
هذه الفقرة من الزيارة الجامعة الكبيرة كثيرا ما نقرأها و لكن قد لا نوفيها حقها من التدبر ، سأحاول في هذه الاسطر ان اسجل بعض تأملاتي في معنى و دلالة هذه الجملة العظيمة فاستعين الله سبحانه و تعالى و اقول:
هذه الجملة دعاء بمعنى " اللهم اجعلني ممن يقتص آثارهم " و فيها يسأل الزائر ربه ان يجعله ممن يقتص اثار ال محمد صلى عليه و اله و سلم و معنى يقتص لغة يتبع تقول اقتص أثره ، قال تعالى: فارتدّا على آثارهما قَصصاً. قال الشيخ الاحسائي رحمه الله في شرح الزيارة " و معنى يقتص يتبع مستخبرا او مطلقا و ليس المراد ان الاستخبار الواقع حالا علة للاتباع بل الاستخبار احد معلولات الاتباع و انما المراد ان يكون متبعا حقيقيا اي لا يكون في حال غير متبع فيكون فيها مستقلا نعوذ بالله من طلب الاستقلال بدونهم فان من شذ عنهم شذ الى النار لا فرق في هذا بين حكم العمل و القول و الاعتقاد ."
فائدة في شرح كلام الشيخ : فإن الاقتصاص يأتي لغة مطلقا و هو مطلق التتبع او مستخبرا اي يتتبع مستخبرا يريد شيئا معينا مثل الذي يتجسس . اما قوله " ليس المراد ان الاستخبار الواقع حالا علة للاتباع بل الاستخبار احد معلولات الاتباع " فالمراد بالحال هنا هو كون الشخص في حالة تتبع اثارهم ، و ان هذه الحالة ليست علة للاتباع بل العكس بعبارة اوضح انا اتبعكم لذلك اقتص اثاركم لا انني اقتص اثاركم لاتبعكم .
الفائدة الاولى هي وجوب اتباع اهل البيت عليهم السلام في العمل و القول و الاعتقاد لا ان يختص الامر في تتبع اثارهم بتتبع اخبارهم اي انه لا خصوصية لمتتبعي الاخبار من العلماء و رواة الاحاديث فلا مجال في ان يستشكل العامي من الشيعة فيخرج نفسه من دائرة الاهتمام بحجة انه ليس من اهل الاختصاص . بل المتبع الحقيقي هو من يلتزم بما ورده عنهم في حياته العملية فضلا عن طقوسه الدينية . لذلك اشرت في مقالة سابقة الى اهمية قراءة كتاب سنن النبي صلى عليه و اله و سلم كي يستطيع الانسان ان يستن بسننه صلوات الله عليه في المأكل و الملبس و الممشى و غير ذلك من شؤونه اليومية . و قد قرأت سابقا انه على الانسان ان يأتي بكل سُنة و لو مرة واحدة في عمره فهناك مثلا صلوات مروية عن كل معصوم اليس من الجميل ان نصليها و لو مرة واحدة ؟ و لقد سرني قريبا انني جلست مع احد السادة الافاضل و قد اشار الى تتبعه اخبار اهل البيت عليهم السلام في موضوع الوظيفة و ما هي رؤيتهم في المواضيع التي تتعلق بها من حيث ايجار الشخص نفسه و الاتجار و الاستثمار ..الخ . نعم، هكذا شخص مثال على الوعي الذي يجب ان نكون عليه كشيعة فليست المسألة فقط اتباع في مسائل العبادات بل يحاول الانسان ان يضع اهل البيت عليهم السلام امامه في كل اختيار يقوم به في حياته كي يحيا حياة طيبة و يتمثل الدعاء الوارد في زيارة عاشوراء " اللهم اجعل محياي محيا محمد و ال محمد و مماتي ممات محمد و ال محمد " . فاذا كان الانسان هكذا فلا يمكن تسيسه و لا ادلجته و لا يكون مذبذبا يميل مع موجات المجتمع من حوله .
الفائدة الثانية في تعارض الاخذ منهم عليهم السلام و الاخذ من الاخرين ، فالسؤال هنا هل يوجد تعارض بين لزوم طريقة اهل البيت عليهم السلام و بين التبحر و الاسترسال في دراسة ما ورد عن الاخرين ؟ عن ابي الحسن الرضا عليه السلام في حديثه العظيم لابن ابي محمود قال : "... يا ابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه ...".
و قد يرد هذا الاشكال كثيرا خصوصا على العلماء من الذين اهتموا بالفلسفة و العرفان و غيرها . حقيقة انا شخصيا وقعت في حيرة من امري اذ كنت من الذين يكثرون الكتابة عن البوذية و الهندوسية فضلا عن القراءة فيها و في غيرها من المذاهب و الفلسفات ، و كانت نقطة التحول عندما كنت اقرا عن المترجمة البارعة باربرا ستولر ميلر و قد حركت في نفسي شيئا عندما علمت انها اكملت ترجمة اغنية الرب و هي على سرير المرض تحارب السرطان . هذه الكاتبة باخلاصها تعتبر من امثلة المروجين للفلسفة الهندوسية في الغرب و امثالها كثر فكان التساؤل الصعب هل انا اعتبر مروجا للفلسفة الشرقية بكتاباتي ؟ انصافا و انا اكتب تلك المقالات لم اكن بصدد النشر و الترويج لتلك الثقافات بل كنت اكتبها لاسباب اخرى اهمها ان هناك الكثير من الذين يكتبون عن الفلسفات الغربية و ليس هناك من يكتب عن الفلسفات الشرقية مع انني شخصيا ارى ان الفلسفات الشرقية اقرب الى التعاليم الاسلامية و تتمتع بالروحانية الغائبة عن معظم الفلسفات الغربية . الامر الاخر ان اطلاعي على الكتابات البوذية و الهندوسية و الطاوية خصوصا اعطاني بعدا و رؤية مختلفة جدا استطعت من خلالها التنبه الى اشياء كانت خافية عني في النصوص الاسلامية و قد ذكرت بعض ذلك في مقالة "و الضد يظهر حسنه الضد ". لكن مع كل هذا لم انصح احدا يوما بالقراءة في النصوص الشرقية كي لا احمل وزر من لا يستطيع الغوص و الخروج سالما فالدر موجود و لكن يحتاج الى غواص يزيح ما يعلوه من التراب و لربما الاوساخ في احيان كثيرة .لذلك التعاليم الشرقية كما الفلسفات الغربية ليس كل من تعمق فيها خرج بنتيجة جمال و عمق و شمولية ما عنده من التعاليم الاسلامية . الخلاصة انني منذ البداية الى النهاية لم يغب عني ان اعرض كل ما اقراه على موازين اهل البيت عليهم السلام فكنت اقبل ما يوافقهم و لا اتحرج في رفض الكثير مما لا يوافقهم و قد اعانني على ذلك ان لي رفدا متينا مَنّ الله به علي . و مع كل ما ذكرته الا انني توقفت عن الكتابة في هذه الامور تحرزا من ان يقول شخص من الذين لا يجدون الاعذار انني اميل الى جهة او متأثر بأفكار معينة .
عودا الى العلماء رحمهم الله فهم قد يتعمقون في الفلسفات الاخرى لا من باب الاستغناء عن نصوص اهل البيت عليهم السلام و انما لاسباب اخرى كطلب الشمولية و الزام الطرف الاخر بما الزم نفسه و الاطلاع العام او اكتساب منظار جديد في فهم كلام اهل البيت عليهم السلام الى غير ذلك من الاسباب فليس من الجيد اتهام العلماء في نياتهم . و قد تعرض الشيخ الاحسائي في شرحه الى بيان نقطة تساعد على حل الاشكال فقال رحمه الله " ... و ليس القول بوجوب اخذ المعارف و الاصول الدينية عن العقل منافيا لما نقوله لان الحق لهم و معهم و فيهم و بهم و العقل انما حكم له باصابة الحق لان نوره من نورهم الا ترى من يدعي العقل من اعدائهم بل ربما تشهد له انت بالعقل الدقيق و الفهم الشديد عند التحقيق و كذلك كثير من اهل الملل و الانتحال من الكفار و المسلمين مع انهم لا يدركون بعقولهم في اعتقاداتهم الا الاعتقادات الباطلة ...". و لمزيد من التوضيح فالشيخ يقول بأن الحق مع اهل البيت عليهم السلام و ان العقل لديه القدرة ان يصل الى الحق الذي هو بالنتيجة ما عند اهل البيت عليهم السلام لان العقل من نورهم فهو تابع لهم ، فبالنتيجة يكون العلماء الذين يرون صحة كلام بعض المخالفين انما يرون ذلك لان كلام المخالف اصاب الحق فبالنتيجة اصاب ما عند اهل البيت عليهم السلام اساسا لا انهم يضعون احدا في قبال اهل البيت عليهم السلام . نعم قد يكون البعض من العلماء واهما في ذلك كما استرسل الشيخ لاحقا في كلامه عن ابن عربي و الفيض و ملا صدرا و لكن هذه مصاديق لا تعنينا فالشاهد هو في الكبرى.
دمتم في الرضا عليه السلام ،