عندما نأخذ الامور الى الحدود القصوى
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة لا اعلم لماذا نحب ان نأخذ الامور الى حدودها القصوى ؟ الوسطية ليست فقط شعار الاسلام بل حتى البوذية تسوق للوسطية فبوذا نفسه لم يصل الى مرحلة التنوير الا بعد ان جرب الحدود القصوى في الرياضة و تهذيب النفس على الطريقة الهندوسية التقليدية ، حينها ادرك ان الوسطية هي الطريق الصحيح . ذكرنا في مقالة سابقة الديانة الجاينية و كان من اهم معالمها انها ديانة السلام فلا يحق للشخص ان يؤذي او يجرح او يقتل ليس فقط البشر بل حتى الحيوانات و النباتات فقد وصل بهم الامر الى انهم لا يخرجون ليلا ليتجنبوا قتل الحشرات خطأ. هذه السلمية تم ادخالها في الهندوسية و يحضرني اني قرأت للهندوسي المشهور " فيفيكنندا " في معرض كلامه عن الحاجة للاستحمام لمن يهتم بتهذيب نفسه فقد ذكر ان هناك من المرتاضيين من لا يسبح ابداً و ذلك خوفا من ان يقتل الحشرات و المخلوقات التي قد تعيش على جسده . طبعا اضف الى ذلك ان اجساد هؤلاء عارية تماما صيفا و شتاءً و ذلك في محاولة لاضعاف قوى الجسد و شهواته .
لنعد الى البوذية فبالرغم من ان بوذا قد صرح و دعى الى الوسطية الا ان هناك الكثير من المدارس البوذية حادت عن هذا الطريق . لنذهب الى اليابان فهم مشهورون بأنهم يأخذون المواضيع بجدية قاتلة في كل المجالات . فهناك مجموعة من الرهبان يسكنون جبل " هايي " عند مدينة كيوتو عاصمة اليابان القديمة و ينتمون الى مدرسة " التنداي " البوذية و يعرفون برهبان المارثون . طبعاً التنداي مدرسة مشهورة جدا و من اهم سماتها الشدة في الزهد و التقشف و انها تعتقد بإمكانية الوصول الى مرحلة التنوير في حياة واحدة بخلاف بعض المدارس البوذية الاخرى التي ترى ان هذا الامر غالبا ما يستغرق اكثر من حياة - بناءً على نظرية التناسخ عندهم - . طبعاً طريق الوصول عندهم هو بالتضحية و التفاني و من اهم الاشياء المساعدة في هذا الامر هو " الكيهوجيو " و هو عبارة عن طقس يؤديه الراهب يتكون من 1000 يوم من المشي. تاريخيا كان الراهب يبدأ بمائة يوم يحق له فيها ان يترك الطقس و لكن مع اليوم التالي يجب عليه اكمال الطقس الى نهايته و في حال لم يتمكن من الاكمال وجب عليه الانتحار . طبعا الكثير من الرهبان فشلوا في هذا الطقس و قاموا فعلا بالانتحار و قبورهم موجودة و لكن مع القرن الماضي اصبحت المسألة رمزية فلا يوجد اشخاص انتحروا من القرن الماضي . اما الطقس فمقسم الى سبعة اقسام و ذلك على هذا النحو :
السنة الاولى : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الثانية : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الثالثة : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الرابعة : 30 كيلو مترا لمدة 200 يوم.
السنة الخامسة : 30 كيلو مترا لمدة 200 يوم.
السنة السادسة : 60 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة السابعة : 84 كيلو مترا لمدة 100 يوم ثم 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
و تشير الويكيبيديا الى ان 30 كيلوا في الحقيقة هي 40 كيلوا و هي مسافة الوادي الذي يمشي فيه الرهبان . طبعا هذا بالاضافة الى ان الرهبان يمارسون مهامهم في المعبد و يشاركون في دروس الخط و التأمل و هذا يستسغرق كليا 12 سنة من الخدمة في المعبد. في السنة الخامسة يجب على الراهب ان لا يأكل و لا يشرب و لا ينام لمدة سبعة ايام و نصف حيث يكتفي بترديد كلمة فودو ميو .
قصة هؤلاء الرهبان تثير الحماس في نفوس القراء من الغرب و تجدهم يستشهدون بها في دورات التطوير الذاتي كشاهد على اهمية الاصرار و تحدي النفس . انا لا اعلم هل بوذا كان ليوافق على هذه البدع في طريقته ام لا و لكن هناك الكثير من المدارس الاخرى التي ابتدعت لها طرقا خاصة للوصول الى مرحلة التنوير . فمثلا بوذا كان صريحا في رفض الفلسفة و لكن البوذية المنتشرة الان الا و هي الماهيانا مبنية كليا على نظريات فلسفية جديدة ابتدعها " نكارجونا " هذا فضلا عن فلسفات اخرى مثل الفلسفة العقلية لفاسوباندو . ايضا بوذا كان صريحا في تحريم المسكرات و ممارسة الجنس بين الرهبان و لكن الان نجد مدارس بوذية رهبانها يمارسون الجنس و يشربون المسكرات و ذلك تأثرا بالتانتركية الهندية .
عودة الى بوذا نفسه هل يمكننا ان نتهمه بالمبالغة في مسألة التعامل مع المال ؟ فبوذا لم يسمح لطلابه بأخذ الاموال و لا امتلاكها و لا لمسها حتى ، و قد تركهم عالة على المجتمع يستجدون كل يوم ما يأكلونه . في زماننا ربما لا يلتزم بهذه النقطة الا الرهبان من مدرسة الثيرفادا و لكن هؤلاء يجدون معاناة كبيرة لتطبيق هذا البند في اسفارهم و في البلدان الغربية .
ختاما هل الذهاب الى الحدود القصوى هو امر سيء ؟ اعتقد ان هناك من علماء الاخلاق من يرى انه احيانا هناك حاجة الى ذلك. مثلا لنقل انني اعاني من البخل هنا قد يكون من الواجب ان ابالغ في ممارسة خصلة الكرم كي تعتدل صفة الانفاق عندي و تصل الى مرحلة وسطية ، و هكذا بقية الصفات فمثلا الوسواسي لا يقال له اعتدل في احتياطاتك العبادية و انما اترك الاحتياط جملة و تفصيلا. اجد ان هذا مفيد خاصة في حالات الادمان و اكثر جدوى ممن يعالج الادمان بالاعتدال ، مثلا يقول لشخص مدمن على الانترنت قلل ساعات استخدامك للانترنت تدريجيا . شخصيا اجد ان هكذا حلول نادرا ما تنجح لان الانسان المدمن مزاجه غير معتدل و سيعود الى الافراط في الاستخدام مرة اخرى . و على العكس البخيل مثلا فلو قلت له انفق باعتدال سيعود الى تفريطه لان مزاجه غير معتدل . و على هذا قس خصالا اخرى مثلا التدخين بل حتى بناء العادات الجديدة شخصيا اجد هذه الطريقة ضعيفة فمع الايام و مع ضعف الحماس و كثرة المشاغل يعود الشخص الى مزاجه الاصلي .
دمتم في الرضا ،
حقيقة لا اعلم لماذا نحب ان نأخذ الامور الى حدودها القصوى ؟ الوسطية ليست فقط شعار الاسلام بل حتى البوذية تسوق للوسطية فبوذا نفسه لم يصل الى مرحلة التنوير الا بعد ان جرب الحدود القصوى في الرياضة و تهذيب النفس على الطريقة الهندوسية التقليدية ، حينها ادرك ان الوسطية هي الطريق الصحيح . ذكرنا في مقالة سابقة الديانة الجاينية و كان من اهم معالمها انها ديانة السلام فلا يحق للشخص ان يؤذي او يجرح او يقتل ليس فقط البشر بل حتى الحيوانات و النباتات فقد وصل بهم الامر الى انهم لا يخرجون ليلا ليتجنبوا قتل الحشرات خطأ. هذه السلمية تم ادخالها في الهندوسية و يحضرني اني قرأت للهندوسي المشهور " فيفيكنندا " في معرض كلامه عن الحاجة للاستحمام لمن يهتم بتهذيب نفسه فقد ذكر ان هناك من المرتاضيين من لا يسبح ابداً و ذلك خوفا من ان يقتل الحشرات و المخلوقات التي قد تعيش على جسده . طبعا اضف الى ذلك ان اجساد هؤلاء عارية تماما صيفا و شتاءً و ذلك في محاولة لاضعاف قوى الجسد و شهواته .
لنعد الى البوذية فبالرغم من ان بوذا قد صرح و دعى الى الوسطية الا ان هناك الكثير من المدارس البوذية حادت عن هذا الطريق . لنذهب الى اليابان فهم مشهورون بأنهم يأخذون المواضيع بجدية قاتلة في كل المجالات . فهناك مجموعة من الرهبان يسكنون جبل " هايي " عند مدينة كيوتو عاصمة اليابان القديمة و ينتمون الى مدرسة " التنداي " البوذية و يعرفون برهبان المارثون . طبعاً التنداي مدرسة مشهورة جدا و من اهم سماتها الشدة في الزهد و التقشف و انها تعتقد بإمكانية الوصول الى مرحلة التنوير في حياة واحدة بخلاف بعض المدارس البوذية الاخرى التي ترى ان هذا الامر غالبا ما يستغرق اكثر من حياة - بناءً على نظرية التناسخ عندهم - . طبعاً طريق الوصول عندهم هو بالتضحية و التفاني و من اهم الاشياء المساعدة في هذا الامر هو " الكيهوجيو " و هو عبارة عن طقس يؤديه الراهب يتكون من 1000 يوم من المشي. تاريخيا كان الراهب يبدأ بمائة يوم يحق له فيها ان يترك الطقس و لكن مع اليوم التالي يجب عليه اكمال الطقس الى نهايته و في حال لم يتمكن من الاكمال وجب عليه الانتحار . طبعا الكثير من الرهبان فشلوا في هذا الطقس و قاموا فعلا بالانتحار و قبورهم موجودة و لكن مع القرن الماضي اصبحت المسألة رمزية فلا يوجد اشخاص انتحروا من القرن الماضي . اما الطقس فمقسم الى سبعة اقسام و ذلك على هذا النحو :
السنة الاولى : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الثانية : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الثالثة : 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة الرابعة : 30 كيلو مترا لمدة 200 يوم.
السنة الخامسة : 30 كيلو مترا لمدة 200 يوم.
السنة السادسة : 60 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
السنة السابعة : 84 كيلو مترا لمدة 100 يوم ثم 30 كيلو مترا لمدة 100 يوم.
و تشير الويكيبيديا الى ان 30 كيلوا في الحقيقة هي 40 كيلوا و هي مسافة الوادي الذي يمشي فيه الرهبان . طبعا هذا بالاضافة الى ان الرهبان يمارسون مهامهم في المعبد و يشاركون في دروس الخط و التأمل و هذا يستسغرق كليا 12 سنة من الخدمة في المعبد. في السنة الخامسة يجب على الراهب ان لا يأكل و لا يشرب و لا ينام لمدة سبعة ايام و نصف حيث يكتفي بترديد كلمة فودو ميو .
قصة هؤلاء الرهبان تثير الحماس في نفوس القراء من الغرب و تجدهم يستشهدون بها في دورات التطوير الذاتي كشاهد على اهمية الاصرار و تحدي النفس . انا لا اعلم هل بوذا كان ليوافق على هذه البدع في طريقته ام لا و لكن هناك الكثير من المدارس الاخرى التي ابتدعت لها طرقا خاصة للوصول الى مرحلة التنوير . فمثلا بوذا كان صريحا في رفض الفلسفة و لكن البوذية المنتشرة الان الا و هي الماهيانا مبنية كليا على نظريات فلسفية جديدة ابتدعها " نكارجونا " هذا فضلا عن فلسفات اخرى مثل الفلسفة العقلية لفاسوباندو . ايضا بوذا كان صريحا في تحريم المسكرات و ممارسة الجنس بين الرهبان و لكن الان نجد مدارس بوذية رهبانها يمارسون الجنس و يشربون المسكرات و ذلك تأثرا بالتانتركية الهندية .
عودة الى بوذا نفسه هل يمكننا ان نتهمه بالمبالغة في مسألة التعامل مع المال ؟ فبوذا لم يسمح لطلابه بأخذ الاموال و لا امتلاكها و لا لمسها حتى ، و قد تركهم عالة على المجتمع يستجدون كل يوم ما يأكلونه . في زماننا ربما لا يلتزم بهذه النقطة الا الرهبان من مدرسة الثيرفادا و لكن هؤلاء يجدون معاناة كبيرة لتطبيق هذا البند في اسفارهم و في البلدان الغربية .
ختاما هل الذهاب الى الحدود القصوى هو امر سيء ؟ اعتقد ان هناك من علماء الاخلاق من يرى انه احيانا هناك حاجة الى ذلك. مثلا لنقل انني اعاني من البخل هنا قد يكون من الواجب ان ابالغ في ممارسة خصلة الكرم كي تعتدل صفة الانفاق عندي و تصل الى مرحلة وسطية ، و هكذا بقية الصفات فمثلا الوسواسي لا يقال له اعتدل في احتياطاتك العبادية و انما اترك الاحتياط جملة و تفصيلا. اجد ان هذا مفيد خاصة في حالات الادمان و اكثر جدوى ممن يعالج الادمان بالاعتدال ، مثلا يقول لشخص مدمن على الانترنت قلل ساعات استخدامك للانترنت تدريجيا . شخصيا اجد ان هكذا حلول نادرا ما تنجح لان الانسان المدمن مزاجه غير معتدل و سيعود الى الافراط في الاستخدام مرة اخرى . و على العكس البخيل مثلا فلو قلت له انفق باعتدال سيعود الى تفريطه لان مزاجه غير معتدل . و على هذا قس خصالا اخرى مثلا التدخين بل حتى بناء العادات الجديدة شخصيا اجد هذه الطريقة ضعيفة فمع الايام و مع ضعف الحماس و كثرة المشاغل يعود الشخص الى مزاجه الاصلي .
دمتم في الرضا ،