و الضد يظهر حسنه الضد
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الزمن و التكرار و اكتساب العادات -الجيدة و السيئة- يغيب عنا الوعي في اداء الامور و المهمات فنقوم بها قياما آليا حيث يتكفل اللاوعي بأداء هذه المهمات مجنبا الوعي العناء . ثقافة المجتمع مجملا تسير في هذا الاتجاه اي انه من المرغوب ان نصل الى مرحلة نقوم بالاشياء بدون عناء الوعي مثل الطباعة على لوحة المفاتيح ، سياقة السيارة ..الخ هذه المهام عندما يقوم بها اللاوعي فهو يريح العقل الواعي و يتيح له التركيز على مهام اخرى فمن الصعوبة بمكان ان نكون في حالة وعي تام لكل سكنة و حركة و كل جزئية في محيطنا ، لكن المشكلة تظهر جلية عندما تتعدى المسألة الى مهام لا يفترض بنا ان نقوم بها كروتين ملل مثل العبادة ، الاكل ، الجلوس مع الاطفال ..الخ.
لاسترجاع حالة الوعي في بعض الاشياء هناك حاجة لان يصفعنا الواقع بصدمة تنتشلنا من حالة الغفلة التي نعيش فيها . هذه الصدمات لها اشكال مختلفة منها ما يأتي على شكل غياب الشيء او بعبارة اخرى ظهور و ادراك ضده . الامثلة كثيرة هنا :
نأخذ الصحة اخذ المسلمات فلا نعرف قيمتها الا عند ظهور الامراض و العجز .
نأخذ الفراغ اخذ المسلمات فلا نعرف قيمته الا عندما تشغلنا الحياة فلا تبقي الا سويعات للنوم .
تأخذ العائلة اخذ المسلمات فلا تعرف قيمتها الا عندما تأتي من يوم عمل شاق فيستقبلك ابنك بضحكة بريئة فتحتضنه لينسيك تعب الحياة .
نأخذ رحمة الاهل اخذ المسلمات فلا نعرف قيمتها الا عندما يفرض علينا الواقع ان نتعامل مع اشخاص لا يعرفون معنى اللباقة و الحياء.
نأخذ الحياة اخذ المسلمات فلا ننتبه الا و الموت قد وارى من نحب .
لم اكتب هذه الاسطر للدعوة الى الاستمتاع بالحياة او عرض دراسة عن العلاقة التكاملية بين الاضداد كما يحب ان يتكلم عنها فلاسفة الشرق الاقصى و لا تبيانا و تمجيدا لفضل الجانب السلبي على الجانب الايجابي و كأنه هناك منة للشر على الخير كما يريد بعض أصحابنا . انما كنت اهدف من هذه المقدمة التخلص الى قصة حدثت لي قريبا . فقد كنت و كما هي عادتي اقرا لبعض الكتاب في " كورا " و كان من ضمن من اقرا لهم كاتبة تعرف باسم "ارورا كلوسن" هذه المراة كبيرة في السن (عاصرت الهيبيز في الستينات بل كانت منهم) تدعي انها منخرطة في سلك دراسة النفس و الوعي و الروحانيات و الفلك و غيرها منذ الثامنة من عمرها ، و لديها ممارسة عملية في الطاقة المتولدة من الذبذبات . هي تلميذة مباشرة للهندي المشهور سوامي ديانندا درست على يديه الادفيتا فيدنتا و هي فلسفة هندوسية تحاول ان تقدم تفسيرا متكاملا لاهم الاعمال الهندية المتمادية القدم : الاوبنيشاد ، الباغافادغيتا و البراما سوتراس.
الحاصل كنت اقرا لها و يبدو انها تعرف كثيرا في هذه الامور و لكن وجدت لها ردا على سؤال " لماذا المؤمنون يخافون من الاسئلة المتعلقة بالله ؟ " ، و كان ردها في غاية التحامل على الاديان المنظمة على حد تعبيرها و من خلال بعض التلميحات تدرك انها تشير الى الاديان الابراهيمية بشكل اخص . قد يتبادر الى الذهن كيف تهاجم الاديان المنظمة و هي درست الادفيتا فيدنتا تحت يد ديانندا ؟ لم اشكل عليها هذا الاشكال فقد تجيب بأن الدراسة شيء و الاعتناق شيء اخر (بغض النظر عن انها عمليا معتقدة بنظرياتهم) ، ايضا هذا الاشكال غير وارد بالنسبة لها لانها تزعم ان هناك اديانا تتيح مرحلة استشكاف النفس خارج اطار الدين .
عندما انكرت عليها تحاملها و انه لا يليق بمثلها لان امثالها يدعون للسلام و الحب المطلقين ، ادعت انها لم تكن متحاملة و لا تحمل اي مشاعر كره تجاه هذه الاديان و انما تبين حدود هذه الاديان بالحقائق . حينها اشرت الى بعض نقاط التهافت في ردها و اشرت الى جهلها بالفلسفة الاسلامية و التصوف و لكن يبدو انها لا تعقل ان الايمان بالله عز و جل لا يتنافى مع الاستشكافات الروحية و النفسية لانها تؤمن ان الايمان و التسليم بمعتقدات دين ما يقيد حرية التجربة الروحية و يجعلها تطير في افق معين يرسمه لها الدين سلفا .
عندما بان لي ضعف ادلتها و تهافت منظومتها الفكرية تركت النقاش خاصة ان المكان لم يكن مناسبا و كان هذا الكلام ليلا و انا على راس العمل . بعدها استغرقت في المقارنة بين المفهوم الذي عرضته هي عن الاستشكاف النفسي و بين ما اعيشه و اعرفه انا عن هذا المفهوم من خلال ديننا الحنيف . نتيجة لذلك بان لي ألق ما اعرفه طوال ليلتين بشكل لم اعرفه مسبقا . كثيرا ما نسمع ان الجدل و النقاشات تظلم القلب فكنت مندهشا ان يحدث لي ما حدث من هذا الباب .
الشاهد هناك فكرة سائدة عن اننا في غنى عن القراءة في كتب و فلسفات الاخرين لانه لدينا ما يكفينا من ديننا و لكن من حقيقة ان الضد يظهر حسنه الضد ففي احيان كثيرة ربما لا نعرف قيمة ما لدينا و عمقه الا بمعرفة ما لدى الغير، و من يقول ان لدينا ما يكفينا يجب ان يعرف ما لدى الغير و لو مجملا و الا كيف يقول ان ما لدينا افضل و هو لا يعرف ما لدى الغير اساسا ؟ هذا اضافة الى مزية معرفتنا بالابعاد التي ينظر بها الاخرون للمسائل .
دمتم في الرضا ،
مع الزمن و التكرار و اكتساب العادات -الجيدة و السيئة- يغيب عنا الوعي في اداء الامور و المهمات فنقوم بها قياما آليا حيث يتكفل اللاوعي بأداء هذه المهمات مجنبا الوعي العناء . ثقافة المجتمع مجملا تسير في هذا الاتجاه اي انه من المرغوب ان نصل الى مرحلة نقوم بالاشياء بدون عناء الوعي مثل الطباعة على لوحة المفاتيح ، سياقة السيارة ..الخ هذه المهام عندما يقوم بها اللاوعي فهو يريح العقل الواعي و يتيح له التركيز على مهام اخرى فمن الصعوبة بمكان ان نكون في حالة وعي تام لكل سكنة و حركة و كل جزئية في محيطنا ، لكن المشكلة تظهر جلية عندما تتعدى المسألة الى مهام لا يفترض بنا ان نقوم بها كروتين ملل مثل العبادة ، الاكل ، الجلوس مع الاطفال ..الخ.
لاسترجاع حالة الوعي في بعض الاشياء هناك حاجة لان يصفعنا الواقع بصدمة تنتشلنا من حالة الغفلة التي نعيش فيها . هذه الصدمات لها اشكال مختلفة منها ما يأتي على شكل غياب الشيء او بعبارة اخرى ظهور و ادراك ضده . الامثلة كثيرة هنا :
نأخذ الصحة اخذ المسلمات فلا نعرف قيمتها الا عند ظهور الامراض و العجز .
نأخذ الفراغ اخذ المسلمات فلا نعرف قيمته الا عندما تشغلنا الحياة فلا تبقي الا سويعات للنوم .
تأخذ العائلة اخذ المسلمات فلا تعرف قيمتها الا عندما تأتي من يوم عمل شاق فيستقبلك ابنك بضحكة بريئة فتحتضنه لينسيك تعب الحياة .
نأخذ رحمة الاهل اخذ المسلمات فلا نعرف قيمتها الا عندما يفرض علينا الواقع ان نتعامل مع اشخاص لا يعرفون معنى اللباقة و الحياء.
نأخذ الحياة اخذ المسلمات فلا ننتبه الا و الموت قد وارى من نحب .
لم اكتب هذه الاسطر للدعوة الى الاستمتاع بالحياة او عرض دراسة عن العلاقة التكاملية بين الاضداد كما يحب ان يتكلم عنها فلاسفة الشرق الاقصى و لا تبيانا و تمجيدا لفضل الجانب السلبي على الجانب الايجابي و كأنه هناك منة للشر على الخير كما يريد بعض أصحابنا . انما كنت اهدف من هذه المقدمة التخلص الى قصة حدثت لي قريبا . فقد كنت و كما هي عادتي اقرا لبعض الكتاب في " كورا " و كان من ضمن من اقرا لهم كاتبة تعرف باسم "ارورا كلوسن" هذه المراة كبيرة في السن (عاصرت الهيبيز في الستينات بل كانت منهم) تدعي انها منخرطة في سلك دراسة النفس و الوعي و الروحانيات و الفلك و غيرها منذ الثامنة من عمرها ، و لديها ممارسة عملية في الطاقة المتولدة من الذبذبات . هي تلميذة مباشرة للهندي المشهور سوامي ديانندا درست على يديه الادفيتا فيدنتا و هي فلسفة هندوسية تحاول ان تقدم تفسيرا متكاملا لاهم الاعمال الهندية المتمادية القدم : الاوبنيشاد ، الباغافادغيتا و البراما سوتراس.
الحاصل كنت اقرا لها و يبدو انها تعرف كثيرا في هذه الامور و لكن وجدت لها ردا على سؤال " لماذا المؤمنون يخافون من الاسئلة المتعلقة بالله ؟ " ، و كان ردها في غاية التحامل على الاديان المنظمة على حد تعبيرها و من خلال بعض التلميحات تدرك انها تشير الى الاديان الابراهيمية بشكل اخص . قد يتبادر الى الذهن كيف تهاجم الاديان المنظمة و هي درست الادفيتا فيدنتا تحت يد ديانندا ؟ لم اشكل عليها هذا الاشكال فقد تجيب بأن الدراسة شيء و الاعتناق شيء اخر (بغض النظر عن انها عمليا معتقدة بنظرياتهم) ، ايضا هذا الاشكال غير وارد بالنسبة لها لانها تزعم ان هناك اديانا تتيح مرحلة استشكاف النفس خارج اطار الدين .
عندما انكرت عليها تحاملها و انه لا يليق بمثلها لان امثالها يدعون للسلام و الحب المطلقين ، ادعت انها لم تكن متحاملة و لا تحمل اي مشاعر كره تجاه هذه الاديان و انما تبين حدود هذه الاديان بالحقائق . حينها اشرت الى بعض نقاط التهافت في ردها و اشرت الى جهلها بالفلسفة الاسلامية و التصوف و لكن يبدو انها لا تعقل ان الايمان بالله عز و جل لا يتنافى مع الاستشكافات الروحية و النفسية لانها تؤمن ان الايمان و التسليم بمعتقدات دين ما يقيد حرية التجربة الروحية و يجعلها تطير في افق معين يرسمه لها الدين سلفا .
عندما بان لي ضعف ادلتها و تهافت منظومتها الفكرية تركت النقاش خاصة ان المكان لم يكن مناسبا و كان هذا الكلام ليلا و انا على راس العمل . بعدها استغرقت في المقارنة بين المفهوم الذي عرضته هي عن الاستشكاف النفسي و بين ما اعيشه و اعرفه انا عن هذا المفهوم من خلال ديننا الحنيف . نتيجة لذلك بان لي ألق ما اعرفه طوال ليلتين بشكل لم اعرفه مسبقا . كثيرا ما نسمع ان الجدل و النقاشات تظلم القلب فكنت مندهشا ان يحدث لي ما حدث من هذا الباب .
الشاهد هناك فكرة سائدة عن اننا في غنى عن القراءة في كتب و فلسفات الاخرين لانه لدينا ما يكفينا من ديننا و لكن من حقيقة ان الضد يظهر حسنه الضد ففي احيان كثيرة ربما لا نعرف قيمة ما لدينا و عمقه الا بمعرفة ما لدى الغير، و من يقول ان لدينا ما يكفينا يجب ان يعرف ما لدى الغير و لو مجملا و الا كيف يقول ان ما لدينا افضل و هو لا يعرف ما لدى الغير اساسا ؟ هذا اضافة الى مزية معرفتنا بالابعاد التي ينظر بها الاخرون للمسائل .
دمتم في الرضا ،