نظر العارف 10 : السعادة ان ضراء و سراء هذا العالم الى زوال
بسم الله الرحمن الرحيم
الابيات الفارسية :
به تغافل همه روزان و شبان میگذرد حیف از این عمر که در خواب گران میگذرد
از بد و نیک جهان قصّه مخوان باده بخور شادی اینکه بد و نیک جهان میگذرد
تا بگیری کله از سره رود ایّام بهار تا نهی بار به سر، فصل خزان میگذرد
الترجمة :
تصرمت الايام والليالي في الغفلة ،،، وا أسفا على العمر الذي يضيع في النوم
لا تقرأ من الضراء و السراء قصة ، اشرب كأسا ،،، فالسعادة ان سراء و ضراء هذا العالم الى زوال
ما ان تنزع القبعة من رأسك حتى ينتهي الربيع ،،، و ما ان تضعها ثانية حتى انتهى الخريف
الشاعر :
محمد حسين صغير الاصفهاني تـ 1390 هـ ، شاعر مطبوع متصوف ولد في اصفهان و كان يعمل نسّاجا . اسمه الادبي "صغير" و قد كان عضوا في نادي شيدا الادبي و صديقا مقربا لشيدا الى نهاية عمره و قد ترأس ايضا نادي "كمال" الادبي . يقال انه لقب بـ " صغير " لانه قال الشعر في الثامنة او التاسعة من عمره بعد ان تعلم على يدي ابيه الشعر الولائي . و قد قرأت انه حضر عند الميرزا عباس صابر علي شاه لبرهة من الزمن و لكن يبدو ان هناك من ينفي نسبة الشاعر الى التصوف الا انه على كل حال أشعاره غالبا ذات صبغة صوفية ، مثل قوله :
جان ز زهد خشک و آب بیاثر آمد ملول ای خوشا جام شراب و نالهٔ مستانهای
لقد اصبحت النفس في ملالة من الزهد الجاف ،، ياحبذا الكأس و صرخة السكارى
من كتبه : ديوان شعري ، وداد البشر ، رسالة المصيبة ، فضائل الائمة عليهم السلام و خطبة الغدير و جميع هذه الاعمال شعرية و ليست نثرية .
المعنى الادبي :
في مطلع القصيدة يتضجر شاعرنا من انقضاء العمر في الغفلة و يصف هذه الغفلة بالنوم الغالي اي الذي تكون كلفته غالية على الانسان في الحساب الاخروي و قد يكون متأثرا في هذا المعنى بقول الامام علي عليه السلام " أهل الدنيا كركب يسار بهم و هم نيام " . وللشاعر قصيدة اخرى يقول في مطلعها :
چیست دنیا در ره سیل و فنا ویرانهای دل نبندد بر چنین ویرانه جز دیوانهای
ما هي الدنيا غير خربة اذا جاء سيل الفناء ... لا يتعلق بهذه الخربة الا مجنون
فيبدو ان موضوع زوال الدنيا و تصرم الايام من المواضيع التي تتكرر في قصائد هذا الشاعر العرفاني . و يواصل الشاعر في البيت الثاني فيقول اذا كانت الدنيا منقضية و الايام الى تلف فلا معنى من الاستغراق في قراءة احداثها و نوبها بل ان التصرف الحكيم هنا هو ان نشرب الكأس و نتجاهل الدنيا بحلوها و مرها لانه بالنتيجة لن يبقى ايا من الاثنين . و في البيت الثالث يشبه الشاعر سرعة انقضاء الايام بل الفصول بمن يضع القبعة على رأسه و ينزعها ، ما يذكرني بمثلنا الدارج هنا عندما يريدون المبالغة في سرعة انقضاء شيء معين فيقولون " غمض فتح " .
نظر العارف :
ان من ينظر الى هذه الابيات يجد انها تتكلم عن موضوع تناولته الاديان و الفلسفات المختلفة بشيء من التكرار و التفصيل و ان معنى سرعة انقضاء آلام الدنيا اشير اليه حتى في دعاء كميل المعروف "و انت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا و عقوباتها و ما يجري فيها من المكاره على اهلها على ان ذلك بلاء و مكروه قليل مكثه يسير مقامه قصير مدته ". الا ان الملفت للنظر هنا ان الشاعر لا يخاطبنا بما يخص الضراء فقط فالعادة ان الاشارة الى زوال الدنيا يكون في مقام تصبير المصاب كما في المثل الفارسي الذي يقول " الليلة الواحدة لن تصبح الف ليلة" فهذا المثل لا يقال الا لمن يعاني من مصيبة . و لكن الشاعر هنا و بإصرار يشير الى ان هذه الحقيقة -أعني الزوال- تشمل السراء ايضا ، بمعنى اخر ان الضراء و السراء وجهان لعملة واحدة و قد اجاد الشيخ حسن البدر رحمه الله (1) في وصف هذه النقطة بأبيات اكثر صراحة في قصيدته الحسينية الخالدة التي منها هذه الابيات :
ومن ينظر الدنيا بعين بصيرة يجدها أغاليطا وأضغاث حالم
ويوقظه نسيان ما قبل يومه على أنها مهما تكن طيف نائم
ولا فرق في التحقيق بين مريرها وما يُدّعى حلواً سوى وهم واهم
فكيف بنعماها يغشر أخو حجى فيقرع إذ عنه انزوت سن نادم
وهل ينبغي للعارفين ندامة على فائتٍ غير اكتساب المكارم
وما هذه الدنيا بدار استراحة ولا دار لذّاتٍ لغير البهائم
ألم تر آل الله كيف تراكمت عليهم صروف الدهر أيّ تراكم
في هذه الابيات نجد الشيخ و بفنية عالية يصف الدنيا بأنها اضغاث حالم و ربما يقال ان هذا التشبيه مسبوق اليه ، حينها اقول نعم مسبوق من ناحية فنية و لكن هنا لا نريد المعنى الفني بل نريد المعنى بشكل حرفي اي ان الدنيا ليست كالحلم انما هي حلم حقيقة ! و لكن كيف تكون الدنيا اضغاث حالم ؟ الجواب يكمن في معرفة ما هو الفرق بين عالم الحلم و عالمنا هذا ؟ لا ينفع في المقام ان نقول لان في عالمنا هذا نحس بالواقعية فالانسان في وقت عالم الرؤيا يعيش الامور و يحسها احساسا حقيقيا و لا ينتبه الى ان هذا عالم مختلف الا اذا جلس من نومه عادة . على هذا عالم الاحلام ليس وهما الا لليقظان و الا الشخص الذي يحلم يعيش عالمه بحسب قواعد ذلك العالم . و اذا كان الانسان يجلس من نومه ليجد نفسه في عالم الدنيا فهو عندما يموت يجد نفسه في عالم اخر قوله عليه السلام "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" فتكون الدنيا بالنسبة له كما الحلم في عالم الدنيا لكن الفرق هنا ان العالم الجديد الاستمرارية فيه مؤبدة فطبيعي ان تصبح الدنيا بمثابة اضغاث احلام انقضت بلا رجعة ، و ذلك قوله تعالى " و ما هذه الحياة الدنيا الا لهو و لعب و ان الدار الاخرة لهي الحيوان " .
و قد استدل الشيخ على ان الدنيا مجرد حلم بطريقة اخرى الا و هي الاستدلال بنسيان غير اليوم الحاضر، فاذا اخذنا الانسان في حاضره نجد ان ماضيه و احلامه سواء، فهما مجرد ذكرى على شكل صورة او فكرة ذهنية و لا فرق بينهما في التحقيق بالنسبة للحاضر . على كل حال لننتقل الى موضع الشاهد...
و الشاهد هنا في قوله " و لا فرق في التحقيق بين مريرها و ما يدعى حلوا سوى وهم واهم " ، حيث ان الشيخ يشير الى حقيقة عميقة هي ان تقسيم الامور الى حلو و مرير او سراء و ضراء انما هو تصنيف عقلي لا حقيقة له او بتعبير الشيخ وهم . السؤال قد يطرح هنا كيف يكون الفرق بين الحلو و المر وهما ؟ الجواب يتبين بما ذكرناه اعلاه فاذا كانت الدنيا حلم فذلك يشمل مرها و حلوها ايضا . و يمكن الجواب ايضا من ناحية كون الاشياء في حقيقتها محايدة اذا جردت عن المفاهيم الذهنية ، بمعنى اننا لا نرى الاشياء حقيقة انما نرى الاشياء من منظار العقل و هذا المنظار فيه طبقات من الفلترة سواء مادية او فكرية تختلف من شخص الى شخص فالحقيقة اننا نرى "الاشياء + المفاهيم الذهنية " لذلك استخدم الشيخ كلمة " يدعى " . الان قد يقال و ما ثمرة هذا الكلام ؟ هل علينا ان نتوقف عن الحياة او ان نصبح لا اباليين مثلا ؟ أقول اما الثمرة فهي ان من يصل الى ادراك هذه الحقيقة وجداننا يصل الى مرحلة الحياة بدون تعلق فيؤدي مهامه و لكن لا تؤذيه النوائب و لا تسكره المسرات و ذلك قوله تعالى " لكيلا لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما اتاكم " . و لتصور ذلك لنتخيل شخصا في الحلم ينتبه الى انه يحلم - و هذه الظاهرة معروفة و مثبتة علميا و قد تكون حصلت للقراء الكرام- هذا الشخص صحيح انه يعيش في الحلم و لكنه يعيشه كما المتفرج الذي لا يخشى و لا يحزن لانه مدرك ادراكا تاما انه في اسوء الاحوال سينتبه من هذا النوم و سينقضي كل شيء . هكذا الحال بالنسبة لمن وصل الى مرحلة يقين بأن هذه الحياة انما هي حلم بالنسبة للحياة الحقيقية فهو يقوم بمهامه و يتبع قوانين هذه النشأة و لكن بدون تعلق لذلك قال الشاعر " اشرب كأسا " لان النشوان قد تخلى عن تعلقاته التي تثقل كاهله.
----
(1) الفاضل العالم العامل الكامل البهي الشيخ حسن علي ابن المرحوم الشيخ عبد الله بن محمد بن علي بن عيسى بن بدر القطيفي ، تـ 1334هـ . اضافة الى شأنه العلمي و الاخلاقي كان مبدعا في الشعر و من ذلك قوله :
مـتـى فـقـدت أبـنـا لــؤي بــن غـالــب إباهـا فلـم ينهـض بـهـا عـتـب عـاتـب
أمــا قـرعـت أسماعـهـا حـنـة النـسـا إليـهـا بـمــا يـرمــي الـغـيـور بـثـاقـب
دمتم في الرضا ،
الابيات الفارسية :
به تغافل همه روزان و شبان میگذرد حیف از این عمر که در خواب گران میگذرد
از بد و نیک جهان قصّه مخوان باده بخور شادی اینکه بد و نیک جهان میگذرد
تا بگیری کله از سره رود ایّام بهار تا نهی بار به سر، فصل خزان میگذرد
الترجمة :
تصرمت الايام والليالي في الغفلة ،،، وا أسفا على العمر الذي يضيع في النوم
لا تقرأ من الضراء و السراء قصة ، اشرب كأسا ،،، فالسعادة ان سراء و ضراء هذا العالم الى زوال
ما ان تنزع القبعة من رأسك حتى ينتهي الربيع ،،، و ما ان تضعها ثانية حتى انتهى الخريف
الشاعر :
محمد حسين صغير الاصفهاني تـ 1390 هـ ، شاعر مطبوع متصوف ولد في اصفهان و كان يعمل نسّاجا . اسمه الادبي "صغير" و قد كان عضوا في نادي شيدا الادبي و صديقا مقربا لشيدا الى نهاية عمره و قد ترأس ايضا نادي "كمال" الادبي . يقال انه لقب بـ " صغير " لانه قال الشعر في الثامنة او التاسعة من عمره بعد ان تعلم على يدي ابيه الشعر الولائي . و قد قرأت انه حضر عند الميرزا عباس صابر علي شاه لبرهة من الزمن و لكن يبدو ان هناك من ينفي نسبة الشاعر الى التصوف الا انه على كل حال أشعاره غالبا ذات صبغة صوفية ، مثل قوله :
جان ز زهد خشک و آب بیاثر آمد ملول ای خوشا جام شراب و نالهٔ مستانهای
لقد اصبحت النفس في ملالة من الزهد الجاف ،، ياحبذا الكأس و صرخة السكارى
من كتبه : ديوان شعري ، وداد البشر ، رسالة المصيبة ، فضائل الائمة عليهم السلام و خطبة الغدير و جميع هذه الاعمال شعرية و ليست نثرية .
المعنى الادبي :
في مطلع القصيدة يتضجر شاعرنا من انقضاء العمر في الغفلة و يصف هذه الغفلة بالنوم الغالي اي الذي تكون كلفته غالية على الانسان في الحساب الاخروي و قد يكون متأثرا في هذا المعنى بقول الامام علي عليه السلام " أهل الدنيا كركب يسار بهم و هم نيام " . وللشاعر قصيدة اخرى يقول في مطلعها :
چیست دنیا در ره سیل و فنا ویرانهای دل نبندد بر چنین ویرانه جز دیوانهای
ما هي الدنيا غير خربة اذا جاء سيل الفناء ... لا يتعلق بهذه الخربة الا مجنون
فيبدو ان موضوع زوال الدنيا و تصرم الايام من المواضيع التي تتكرر في قصائد هذا الشاعر العرفاني . و يواصل الشاعر في البيت الثاني فيقول اذا كانت الدنيا منقضية و الايام الى تلف فلا معنى من الاستغراق في قراءة احداثها و نوبها بل ان التصرف الحكيم هنا هو ان نشرب الكأس و نتجاهل الدنيا بحلوها و مرها لانه بالنتيجة لن يبقى ايا من الاثنين . و في البيت الثالث يشبه الشاعر سرعة انقضاء الايام بل الفصول بمن يضع القبعة على رأسه و ينزعها ، ما يذكرني بمثلنا الدارج هنا عندما يريدون المبالغة في سرعة انقضاء شيء معين فيقولون " غمض فتح " .
نظر العارف :
ان من ينظر الى هذه الابيات يجد انها تتكلم عن موضوع تناولته الاديان و الفلسفات المختلفة بشيء من التكرار و التفصيل و ان معنى سرعة انقضاء آلام الدنيا اشير اليه حتى في دعاء كميل المعروف "و انت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا و عقوباتها و ما يجري فيها من المكاره على اهلها على ان ذلك بلاء و مكروه قليل مكثه يسير مقامه قصير مدته ". الا ان الملفت للنظر هنا ان الشاعر لا يخاطبنا بما يخص الضراء فقط فالعادة ان الاشارة الى زوال الدنيا يكون في مقام تصبير المصاب كما في المثل الفارسي الذي يقول " الليلة الواحدة لن تصبح الف ليلة" فهذا المثل لا يقال الا لمن يعاني من مصيبة . و لكن الشاعر هنا و بإصرار يشير الى ان هذه الحقيقة -أعني الزوال- تشمل السراء ايضا ، بمعنى اخر ان الضراء و السراء وجهان لعملة واحدة و قد اجاد الشيخ حسن البدر رحمه الله (1) في وصف هذه النقطة بأبيات اكثر صراحة في قصيدته الحسينية الخالدة التي منها هذه الابيات :
ومن ينظر الدنيا بعين بصيرة يجدها أغاليطا وأضغاث حالم
ويوقظه نسيان ما قبل يومه على أنها مهما تكن طيف نائم
ولا فرق في التحقيق بين مريرها وما يُدّعى حلواً سوى وهم واهم
فكيف بنعماها يغشر أخو حجى فيقرع إذ عنه انزوت سن نادم
وهل ينبغي للعارفين ندامة على فائتٍ غير اكتساب المكارم
وما هذه الدنيا بدار استراحة ولا دار لذّاتٍ لغير البهائم
ألم تر آل الله كيف تراكمت عليهم صروف الدهر أيّ تراكم
في هذه الابيات نجد الشيخ و بفنية عالية يصف الدنيا بأنها اضغاث حالم و ربما يقال ان هذا التشبيه مسبوق اليه ، حينها اقول نعم مسبوق من ناحية فنية و لكن هنا لا نريد المعنى الفني بل نريد المعنى بشكل حرفي اي ان الدنيا ليست كالحلم انما هي حلم حقيقة ! و لكن كيف تكون الدنيا اضغاث حالم ؟ الجواب يكمن في معرفة ما هو الفرق بين عالم الحلم و عالمنا هذا ؟ لا ينفع في المقام ان نقول لان في عالمنا هذا نحس بالواقعية فالانسان في وقت عالم الرؤيا يعيش الامور و يحسها احساسا حقيقيا و لا ينتبه الى ان هذا عالم مختلف الا اذا جلس من نومه عادة . على هذا عالم الاحلام ليس وهما الا لليقظان و الا الشخص الذي يحلم يعيش عالمه بحسب قواعد ذلك العالم . و اذا كان الانسان يجلس من نومه ليجد نفسه في عالم الدنيا فهو عندما يموت يجد نفسه في عالم اخر قوله عليه السلام "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" فتكون الدنيا بالنسبة له كما الحلم في عالم الدنيا لكن الفرق هنا ان العالم الجديد الاستمرارية فيه مؤبدة فطبيعي ان تصبح الدنيا بمثابة اضغاث احلام انقضت بلا رجعة ، و ذلك قوله تعالى " و ما هذه الحياة الدنيا الا لهو و لعب و ان الدار الاخرة لهي الحيوان " .
و قد استدل الشيخ على ان الدنيا مجرد حلم بطريقة اخرى الا و هي الاستدلال بنسيان غير اليوم الحاضر، فاذا اخذنا الانسان في حاضره نجد ان ماضيه و احلامه سواء، فهما مجرد ذكرى على شكل صورة او فكرة ذهنية و لا فرق بينهما في التحقيق بالنسبة للحاضر . على كل حال لننتقل الى موضع الشاهد...
و الشاهد هنا في قوله " و لا فرق في التحقيق بين مريرها و ما يدعى حلوا سوى وهم واهم " ، حيث ان الشيخ يشير الى حقيقة عميقة هي ان تقسيم الامور الى حلو و مرير او سراء و ضراء انما هو تصنيف عقلي لا حقيقة له او بتعبير الشيخ وهم . السؤال قد يطرح هنا كيف يكون الفرق بين الحلو و المر وهما ؟ الجواب يتبين بما ذكرناه اعلاه فاذا كانت الدنيا حلم فذلك يشمل مرها و حلوها ايضا . و يمكن الجواب ايضا من ناحية كون الاشياء في حقيقتها محايدة اذا جردت عن المفاهيم الذهنية ، بمعنى اننا لا نرى الاشياء حقيقة انما نرى الاشياء من منظار العقل و هذا المنظار فيه طبقات من الفلترة سواء مادية او فكرية تختلف من شخص الى شخص فالحقيقة اننا نرى "الاشياء + المفاهيم الذهنية " لذلك استخدم الشيخ كلمة " يدعى " . الان قد يقال و ما ثمرة هذا الكلام ؟ هل علينا ان نتوقف عن الحياة او ان نصبح لا اباليين مثلا ؟ أقول اما الثمرة فهي ان من يصل الى ادراك هذه الحقيقة وجداننا يصل الى مرحلة الحياة بدون تعلق فيؤدي مهامه و لكن لا تؤذيه النوائب و لا تسكره المسرات و ذلك قوله تعالى " لكيلا لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما اتاكم " . و لتصور ذلك لنتخيل شخصا في الحلم ينتبه الى انه يحلم - و هذه الظاهرة معروفة و مثبتة علميا و قد تكون حصلت للقراء الكرام- هذا الشخص صحيح انه يعيش في الحلم و لكنه يعيشه كما المتفرج الذي لا يخشى و لا يحزن لانه مدرك ادراكا تاما انه في اسوء الاحوال سينتبه من هذا النوم و سينقضي كل شيء . هكذا الحال بالنسبة لمن وصل الى مرحلة يقين بأن هذه الحياة انما هي حلم بالنسبة للحياة الحقيقية فهو يقوم بمهامه و يتبع قوانين هذه النشأة و لكن بدون تعلق لذلك قال الشاعر " اشرب كأسا " لان النشوان قد تخلى عن تعلقاته التي تثقل كاهله.
----
(1) الفاضل العالم العامل الكامل البهي الشيخ حسن علي ابن المرحوم الشيخ عبد الله بن محمد بن علي بن عيسى بن بدر القطيفي ، تـ 1334هـ . اضافة الى شأنه العلمي و الاخلاقي كان مبدعا في الشعر و من ذلك قوله :
مـتـى فـقـدت أبـنـا لــؤي بــن غـالــب إباهـا فلـم ينهـض بـهـا عـتـب عـاتـب
أمــا قـرعـت أسماعـهـا حـنـة النـسـا إليـهـا بـمــا يـرمــي الـغـيـور بـثـاقـب
دمتم في الرضا ،