نظر العارف (3) : أمر على الديار ديار ليلى
بسم الله الرحمن الرحيم
أبيات الشاهد :
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار و ذا الجدارا
و ما حب الديار شغفن قلبي ... و لكن حب من سكن الديارا
الشاعر :
قيس بن الملوح - توفي 68 هـ - المشهور بمجنون ليلى و هو احد القيسين هو و قيس بن ذريح مجنون لبنى. اخباره مع ليلى مشهورة و متداولة لذلك سأعرض عنها و سأكتفي بذكر هذه الابيات المؤلمة التي قالها مخاطبا زوج ليلى :
بربك هل ضممت اليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الاقحوانة في نداها
كأن قرنفلا وسحيق مسك… وصوب الغانيات قد شملن فاها
فقال له اما إذ حلفتني فنعم . يقال ان قيس حينها قبض على النار بكلتا يديه ولم يتركها حتى سقط مغشيا عليه.
الشرح الظاهر:
في الابيات يمر الشاعر بمساكن الطفولة التي جمعت بينه و بين ابنة عمه ليلى و ذلك لغرض تذكر المحبوب و عندما يشتد الشوق يقبل تلك الجدران . و معروف ان مجنون ليلى بقي اسيرا لزمن الطفولة :
تعلقت ليلى و هي ذات تمائم ... و لم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت اننا ... الى اليوم لم نكبر و لم تكبر البهم
و هذا المعنى متداول عند الشعراء كثيرا أعني الحنين الى الجمادات و غيرها لانها رمز لمحبوب غائب فانظر الى عنترة يقبل السيف :
فوددت تقبيل السيوف لانها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
نظر العارف :
انه من الواضح جدا ان مجنون ليلى شخص عارف و ذلك معلوم من بعض قصصه التي يستشم منها النفس العرفاني فقد روي أن أباه ذهب به إلى الحج لكي يدعو الله أن يشفيه مما ألمّ به من حب ليلى، وقال له: تعلّق بأستار الكعبة وادع الله أن يشفيك من حبها، فذهب قيس وتعلق بأستار الكعبة وقال: " اللهم زدني لليلى حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا ".
و يروى ايضا أن المجنون كان مستغرقا في حب ليلى فجاءته يوما و قالت: يا مجنون أنا ليلى فقال لها: لي عنك غنى بعشقك . و قد رويت بشكل مختلف فقيل ان المجنون كان مطرقا يتفكر في معشوقته اذ جاءته فقالت انا ليلى معشوقتك فأجابها لي عنك غنى بعشقك . حيث اشار الى حضور معشوقه معه في كل مكان لانه تجاوز القيود المكانية للحب الجسدي المادي .
و اما الابيات فهي تصف الحالة التي يعيشها قيس من مشاهدة اثار الله سبحانه و تعالى في كل ما يحيط به فكل شيء يذكر بالله سبحانه و تعالى . و هذا المعنى معروف عند العرفاء بل قد ورد ما يؤيده في الاحاديث كقوله عليه السلام ان صحت النسبة " ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله و بعده و معه " و قول الامام عليه السلام في دعاء عرفة ان صحت النسبة ايضا "عميت عين لا تراك عليها رقيبا". و من اللطائف ان بوذا كان يدعو الى التذكر فالناس الان تتكلم عن مصطلح الوعي عند البوذية و لكن بوذا في حقيقة الامر كان يدعو الى " الساتيباتانا " و ترجمتها الافضل هي التذكر و ليس الوعي. الان قد نختلف الى ماذا كان يدعو بوذا عندما كان يدعو الى التذكر و لكننا لا نختلف ان التذكر عندنا هو تذكر الله سبحانه و تعالى في كل نَفَس و قد ورد تركيز شديد عليه في القرآن الكريم :
"إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ"
"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"
"كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ - فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ"
" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ "
" فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ "
" وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "
" وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "
" لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ "
"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ"
و الانسان عندما يكون شأنه التذكر يقل عنده النسيان الى ان يصل الى مرحلة مستمرة من التذكر و الحضور الدائم حينها قد يفتح عليه فيشاهد تجليات الحق فيرى الفاعل و المالك الحقيقي في هذا الوجود :
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"
" وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ "
فإذا رأى الصفات الجمالية اصبح عاشقا و شغل بذلك عن نفسه و دنياه.
و لا يزال التذكر يحتل مكانة سامية حتى عند الفلاسفة فأفلاطون قد ذهب الى ان الانسان يولد و معه المعرفة و لكن الروح عالقة في الجسد و غافلة عن المعرفة التي كانت قد اكتسبتها قبل هذه النشأة فعملية التعلم ليست الا عملية تذكر لتلك المعارف السابقة الموجودة اساسا في نفس الانسان و ذلك بمساعدة الحواس.
تقبل الله اعمالكم و دمتم بخير الى العيد و الى ما بعد العيد ،،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين
أبيات الشاهد :
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار و ذا الجدارا
و ما حب الديار شغفن قلبي ... و لكن حب من سكن الديارا
الشاعر :
قيس بن الملوح - توفي 68 هـ - المشهور بمجنون ليلى و هو احد القيسين هو و قيس بن ذريح مجنون لبنى. اخباره مع ليلى مشهورة و متداولة لذلك سأعرض عنها و سأكتفي بذكر هذه الابيات المؤلمة التي قالها مخاطبا زوج ليلى :
بربك هل ضممت اليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الاقحوانة في نداها
كأن قرنفلا وسحيق مسك… وصوب الغانيات قد شملن فاها
فقال له اما إذ حلفتني فنعم . يقال ان قيس حينها قبض على النار بكلتا يديه ولم يتركها حتى سقط مغشيا عليه.
الشرح الظاهر:
في الابيات يمر الشاعر بمساكن الطفولة التي جمعت بينه و بين ابنة عمه ليلى و ذلك لغرض تذكر المحبوب و عندما يشتد الشوق يقبل تلك الجدران . و معروف ان مجنون ليلى بقي اسيرا لزمن الطفولة :
تعلقت ليلى و هي ذات تمائم ... و لم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت اننا ... الى اليوم لم نكبر و لم تكبر البهم
و هذا المعنى متداول عند الشعراء كثيرا أعني الحنين الى الجمادات و غيرها لانها رمز لمحبوب غائب فانظر الى عنترة يقبل السيف :
فوددت تقبيل السيوف لانها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
نظر العارف :
انه من الواضح جدا ان مجنون ليلى شخص عارف و ذلك معلوم من بعض قصصه التي يستشم منها النفس العرفاني فقد روي أن أباه ذهب به إلى الحج لكي يدعو الله أن يشفيه مما ألمّ به من حب ليلى، وقال له: تعلّق بأستار الكعبة وادع الله أن يشفيك من حبها، فذهب قيس وتعلق بأستار الكعبة وقال: " اللهم زدني لليلى حبًا وبها كلفًا ولا تنسني ذكرها أبدًا ".
و يروى ايضا أن المجنون كان مستغرقا في حب ليلى فجاءته يوما و قالت: يا مجنون أنا ليلى فقال لها: لي عنك غنى بعشقك . و قد رويت بشكل مختلف فقيل ان المجنون كان مطرقا يتفكر في معشوقته اذ جاءته فقالت انا ليلى معشوقتك فأجابها لي عنك غنى بعشقك . حيث اشار الى حضور معشوقه معه في كل مكان لانه تجاوز القيود المكانية للحب الجسدي المادي .
و اما الابيات فهي تصف الحالة التي يعيشها قيس من مشاهدة اثار الله سبحانه و تعالى في كل ما يحيط به فكل شيء يذكر بالله سبحانه و تعالى . و هذا المعنى معروف عند العرفاء بل قد ورد ما يؤيده في الاحاديث كقوله عليه السلام ان صحت النسبة " ما رأيت شيئا الا و رأيت الله قبله و بعده و معه " و قول الامام عليه السلام في دعاء عرفة ان صحت النسبة ايضا "عميت عين لا تراك عليها رقيبا". و من اللطائف ان بوذا كان يدعو الى التذكر فالناس الان تتكلم عن مصطلح الوعي عند البوذية و لكن بوذا في حقيقة الامر كان يدعو الى " الساتيباتانا " و ترجمتها الافضل هي التذكر و ليس الوعي. الان قد نختلف الى ماذا كان يدعو بوذا عندما كان يدعو الى التذكر و لكننا لا نختلف ان التذكر عندنا هو تذكر الله سبحانه و تعالى في كل نَفَس و قد ورد تركيز شديد عليه في القرآن الكريم :
"إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ"
"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"
"كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ - فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ"
" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ "
" فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ "
" وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "
" وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "
" لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ "
"وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ"
و الانسان عندما يكون شأنه التذكر يقل عنده النسيان الى ان يصل الى مرحلة مستمرة من التذكر و الحضور الدائم حينها قد يفتح عليه فيشاهد تجليات الحق فيرى الفاعل و المالك الحقيقي في هذا الوجود :
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى"
" وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ "
فإذا رأى الصفات الجمالية اصبح عاشقا و شغل بذلك عن نفسه و دنياه.
و لا يزال التذكر يحتل مكانة سامية حتى عند الفلاسفة فأفلاطون قد ذهب الى ان الانسان يولد و معه المعرفة و لكن الروح عالقة في الجسد و غافلة عن المعرفة التي كانت قد اكتسبتها قبل هذه النشأة فعملية التعلم ليست الا عملية تذكر لتلك المعارف السابقة الموجودة اساسا في نفس الانسان و ذلك بمساعدة الحواس.
تقبل الله اعمالكم و دمتم بخير الى العيد و الى ما بعد العيد ،،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين