نظر العارف (4) : رويدا رويدا ...
بسم الله الرحمن الرحيم
اندک اندک جمع مستان می رسنـــد
اندک اندک می پرستان می رسنـــد
دلنوازان ناز نازان در ره اند
گلعذاران از گلستان می رسنـــد
اندک اندک زين جهان هست و نيست
نيستان رفتند و هستان می رسنـــد
الشاعر :
هو مولانا جلال الدين الرومي العارف و الشاعر المشهور ليس له نظير في الشعر الصوفي الفارسي الا اذا قورن بلسان الغيب حافظ الشيرازي . سيرته مترجمة الى العربية بكثرة فلا نطيل في سردها .
ترجمة الابيات :
هذه الابيات الثلاثة مأخوذة من مطلع احدى قصائده و سأحاول ترجمة ما تبقى اذا شاء الله سبحانه و تعالى .
رويدا رويدا ، سيصل جمع السكارى
رويدا رويدا ، سيصل عباد الخمرة
أصحاب الرقة و اللطف قادمون
سيصلون من البستان كما الازهار
رويدا رويدا ، من عالم الوجود و اللاوجود
ذهب الغائبون و سيصل الحاضرون
نظر العارف :
في البيت الاول يتكلم الشاعر عن قوم قادمين على مهلهم جماعات و افرادا حالتهم السكر بل انه اخبر بعبادتهم للخمر و هذه كناية عن شدة التعلق . السكر هو النشوة و قيل انه غيبوبة العقل و اختلاطه من الشراب المسكر و قد يعتري الانسان من الغضب و العشق و القوة و الظفر . أقول إذا كان الامر هكذا فلا داعي لإضافة كلمة الشراب في التعريف لان السكر من الغضب و العشق و غيرها ليس بمعلول للشراب . نقول سكر من الغضب اي اشتد عليه و نقول سكر بصره اي سد و غطي . الحاصل يمكننا القول بأن السكر حالة تستولي على الانسان فيغيب عن وعيه الطبيعي . و اما الخمرة هنا فهي رمز نتيجة لضيق الالفاظ و ليس المراد منها الشراب المعروف و هذا المعنى موجود و صريح في القرآن الكريم حيث قال عز من قائل : " بأكواب و أباريق و كأس من معين * لا يصدعون عنها و لا ينزفون " قيل اي لا يصيبهم الصداع و لا تذهب عقولهم منها . و قال تعالى " و انهار من خمر لذة للشاربين ". فمراد الشاعر اذن هذه الخمرة و هو قول ابن الفارض :
شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل ان يخلق الكرم
فالحاصل ان السكر المراد هنا سكر معنوي عندما يرتشف العارف من حقيقة معنوية يسقيها اياه ربه سبحانه و تعالى و هو من قوله تعالى: " و سقاهم ربهم شرابا طهورا " و بهذا ندرك اننا هنا في ابحاث مشتركات لفظية لهذا ترى الكثير من اهل المعرفة يعتب على قصور اللغة عن نقل تجربته المعنوية . و من اللطيف ان جوانزا الشاعر الطاوي المشهور يعتبر من اقدم الشعراء الذين ركزوا على هذه النقطة.
بعد كل هذا نعرف لماذا وصف الشاعر هؤلاء بالرقة و اللطف و شبههم بالازهار في البيت الثاني ، فهذه الاوصاف الرقيقة تناسب ما هم فيه من الاحوال العرفانية و الشفافية الروحانية . في عرف العرفاء النفس كما المرآة تحتاج الى صقل و تنظيف لتصبح بعدها عاكسة للتجليات الرحمانية و هؤلاء القوم نفوسهم طهرت و صفت فأصبحت محلا للتجليات و الانوار . قال في المثنوي :
من عجب دارم ز جوياى صفا كو گريزد وقت صيقل از جفا
همچو آهن گرچه تيره هيكلى صيقلى كن صيقلى كن صيقلى
آهن ار چه تيره و بىنور بود صيقلى ديد آهن و خوش كرد رو
صيقلى آن تيرگى از وى زدود تا كه صورتها توان ديدن در او
و هي بالعربية :
عجبي من الذي يبحث عن الصفاء ... لكنه بجفاء يتملص من التهذيب
ان كان "قلبك" كما الحديد الصدي ... فعليك بالصقل ، الصقل ، الصقل
و ان كان الحديد صديا مظلما ... فبعد الصقل عاد مشرقا لامعا
الصقل هو الذي جلى عنه الظلمة ... فجعله مرآة تتجلى فيها الاشياء
اما البيت الثالث و الاخير ففيه ابحاث كثيرة فما معنى قوله من عالم الوجود و اللاوجود ذهب الغائبون و سيصل الحاضرون ؟ في عرف المناطقة ان الكلي ينقسم من ناحية كيفية انطباقه على مصاديقه الى قسمين المتواطيء و المشكك فالاول ينطبق على كل مصاديقه بشكل متساو بخلاف الثاني . مثال المتواطيء مفهوم الانسانية فهي موجودة بشكل متساو عند كل انسان و لكن البياض مفهوم مشكك يختلف في شدته من مصداق الى اخر . لكن عند الرومي كما هو معروف عند العرفاء فحتى المفاهيم المتواطئة قد تتفاوت فليس حظ الكل في الانسانية حظ واحد لهذا فهو يرى انه حتى في الموجودات هناك تقسيم الوجود و اللاوجود و هذا القسم الاخير هو ما اطلق عليه مسمى الغائب. لتقريب المعنى الا ترى انك قد تجلس مع اصحابك في مجلس واحد و لكن يسرح بك الخيال فلا تكون بينهم حقيقة لان جسمك معهم و لكن عقلك و وجودك في مكان اخر . و هذا تفسير قولك في دعاء الندبة " بنفسي انت من نازح ما نزح عنا" فالامام عجل الله فرجه الشريف حاضر مع غيابه بهذا المعنى .هذه النقطة في غاية الاهمية عند كل الطرق التي تهتم بالعرفان سواء كانت بوذية ، هندوسية ، اسلامية ...الخ بل ان الروحانيين من الذين لا يؤمنون بوجود اله ايضا يجعلون من هذه النقطة محور العملية الروحانية اي انهم يتدربون على الحضور المستمر و تجنب الغياب عن النفس وهذا مستفاد من قوله تعالى " عليكم أنفسكم " . و بهذا الحضور المستمر تحصل عملية الاتصال بمنبع الوجود او الوعي الصرف او الوجود المطلق او سمه ما أردت فهو يختلف من مدرسة الى اخرى . و لأهمية ذكر النفس جعل الله سبحانه و تعالى عقاب من نسى ذكره تعالى ان ينسى نفسه قوله تعالى " و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ". الحاصل ان الانسان الذي ليس له حضور متصل بالله سبحانه و تعالى هو بحكم الميت عند مولانا و ان شئت قلت بحكم اللاموجود . و قد اثبت الله سبحانه و تعالى الحياة و الموت بهذا المعنى في قوله عز من قائل " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ".
دمتم في الرضا
اندک اندک جمع مستان می رسنـــد
اندک اندک می پرستان می رسنـــد
دلنوازان ناز نازان در ره اند
گلعذاران از گلستان می رسنـــد
اندک اندک زين جهان هست و نيست
نيستان رفتند و هستان می رسنـــد
الشاعر :
هو مولانا جلال الدين الرومي العارف و الشاعر المشهور ليس له نظير في الشعر الصوفي الفارسي الا اذا قورن بلسان الغيب حافظ الشيرازي . سيرته مترجمة الى العربية بكثرة فلا نطيل في سردها .
ترجمة الابيات :
هذه الابيات الثلاثة مأخوذة من مطلع احدى قصائده و سأحاول ترجمة ما تبقى اذا شاء الله سبحانه و تعالى .
رويدا رويدا ، سيصل جمع السكارى
رويدا رويدا ، سيصل عباد الخمرة
أصحاب الرقة و اللطف قادمون
سيصلون من البستان كما الازهار
رويدا رويدا ، من عالم الوجود و اللاوجود
ذهب الغائبون و سيصل الحاضرون
نظر العارف :
في البيت الاول يتكلم الشاعر عن قوم قادمين على مهلهم جماعات و افرادا حالتهم السكر بل انه اخبر بعبادتهم للخمر و هذه كناية عن شدة التعلق . السكر هو النشوة و قيل انه غيبوبة العقل و اختلاطه من الشراب المسكر و قد يعتري الانسان من الغضب و العشق و القوة و الظفر . أقول إذا كان الامر هكذا فلا داعي لإضافة كلمة الشراب في التعريف لان السكر من الغضب و العشق و غيرها ليس بمعلول للشراب . نقول سكر من الغضب اي اشتد عليه و نقول سكر بصره اي سد و غطي . الحاصل يمكننا القول بأن السكر حالة تستولي على الانسان فيغيب عن وعيه الطبيعي . و اما الخمرة هنا فهي رمز نتيجة لضيق الالفاظ و ليس المراد منها الشراب المعروف و هذا المعنى موجود و صريح في القرآن الكريم حيث قال عز من قائل : " بأكواب و أباريق و كأس من معين * لا يصدعون عنها و لا ينزفون " قيل اي لا يصيبهم الصداع و لا تذهب عقولهم منها . و قال تعالى " و انهار من خمر لذة للشاربين ". فمراد الشاعر اذن هذه الخمرة و هو قول ابن الفارض :
شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل ان يخلق الكرم
فالحاصل ان السكر المراد هنا سكر معنوي عندما يرتشف العارف من حقيقة معنوية يسقيها اياه ربه سبحانه و تعالى و هو من قوله تعالى: " و سقاهم ربهم شرابا طهورا " و بهذا ندرك اننا هنا في ابحاث مشتركات لفظية لهذا ترى الكثير من اهل المعرفة يعتب على قصور اللغة عن نقل تجربته المعنوية . و من اللطيف ان جوانزا الشاعر الطاوي المشهور يعتبر من اقدم الشعراء الذين ركزوا على هذه النقطة.
بعد كل هذا نعرف لماذا وصف الشاعر هؤلاء بالرقة و اللطف و شبههم بالازهار في البيت الثاني ، فهذه الاوصاف الرقيقة تناسب ما هم فيه من الاحوال العرفانية و الشفافية الروحانية . في عرف العرفاء النفس كما المرآة تحتاج الى صقل و تنظيف لتصبح بعدها عاكسة للتجليات الرحمانية و هؤلاء القوم نفوسهم طهرت و صفت فأصبحت محلا للتجليات و الانوار . قال في المثنوي :
من عجب دارم ز جوياى صفا كو گريزد وقت صيقل از جفا
همچو آهن گرچه تيره هيكلى صيقلى كن صيقلى كن صيقلى
آهن ار چه تيره و بىنور بود صيقلى ديد آهن و خوش كرد رو
صيقلى آن تيرگى از وى زدود تا كه صورتها توان ديدن در او
و هي بالعربية :
عجبي من الذي يبحث عن الصفاء ... لكنه بجفاء يتملص من التهذيب
ان كان "قلبك" كما الحديد الصدي ... فعليك بالصقل ، الصقل ، الصقل
و ان كان الحديد صديا مظلما ... فبعد الصقل عاد مشرقا لامعا
الصقل هو الذي جلى عنه الظلمة ... فجعله مرآة تتجلى فيها الاشياء
اما البيت الثالث و الاخير ففيه ابحاث كثيرة فما معنى قوله من عالم الوجود و اللاوجود ذهب الغائبون و سيصل الحاضرون ؟ في عرف المناطقة ان الكلي ينقسم من ناحية كيفية انطباقه على مصاديقه الى قسمين المتواطيء و المشكك فالاول ينطبق على كل مصاديقه بشكل متساو بخلاف الثاني . مثال المتواطيء مفهوم الانسانية فهي موجودة بشكل متساو عند كل انسان و لكن البياض مفهوم مشكك يختلف في شدته من مصداق الى اخر . لكن عند الرومي كما هو معروف عند العرفاء فحتى المفاهيم المتواطئة قد تتفاوت فليس حظ الكل في الانسانية حظ واحد لهذا فهو يرى انه حتى في الموجودات هناك تقسيم الوجود و اللاوجود و هذا القسم الاخير هو ما اطلق عليه مسمى الغائب. لتقريب المعنى الا ترى انك قد تجلس مع اصحابك في مجلس واحد و لكن يسرح بك الخيال فلا تكون بينهم حقيقة لان جسمك معهم و لكن عقلك و وجودك في مكان اخر . و هذا تفسير قولك في دعاء الندبة " بنفسي انت من نازح ما نزح عنا" فالامام عجل الله فرجه الشريف حاضر مع غيابه بهذا المعنى .هذه النقطة في غاية الاهمية عند كل الطرق التي تهتم بالعرفان سواء كانت بوذية ، هندوسية ، اسلامية ...الخ بل ان الروحانيين من الذين لا يؤمنون بوجود اله ايضا يجعلون من هذه النقطة محور العملية الروحانية اي انهم يتدربون على الحضور المستمر و تجنب الغياب عن النفس وهذا مستفاد من قوله تعالى " عليكم أنفسكم " . و بهذا الحضور المستمر تحصل عملية الاتصال بمنبع الوجود او الوعي الصرف او الوجود المطلق او سمه ما أردت فهو يختلف من مدرسة الى اخرى . و لأهمية ذكر النفس جعل الله سبحانه و تعالى عقاب من نسى ذكره تعالى ان ينسى نفسه قوله تعالى " و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ". الحاصل ان الانسان الذي ليس له حضور متصل بالله سبحانه و تعالى هو بحكم الميت عند مولانا و ان شئت قلت بحكم اللاموجود . و قد اثبت الله سبحانه و تعالى الحياة و الموت بهذا المعنى في قوله عز من قائل " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ".
دمتم في الرضا