الرغبة ، الحاجة و الضرورة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أهم ركيزة تعتمد عليها الاستهلاكية الحديثة هي تصوير الرغبات على شكل حاجات بل ضرورات و مع الاسف ان أغلب الناس يقع ضحية لهذه الخدعة . إن تشخيص هذه المسألة ليس بتلك السهولة في أحيان كثيرة فعادة عندما تطرح هذه النقطة للنقاش ترى ان الاغلبية يعتقد انه لم يقع في فخ هذه الخدعة و إنما هو مستهلك واع و إن كل أو لنقل جل مشترياته تندرج ضمن متطلبات حياته الضرورية. و لكن مع قليل من التمحيص نجد أن هذه القناعة إنما هي أمنية و خداع للنفس و أن الواقع شيء مختلف.
لنبدأ اولا بالرغبات فهي الأسهل في التشخيص فأعتقد أنه من السهولة بمكان ان نعترف بأن هذا الجوال الذي يحمل الماركة الفلانية و قيمته تساوي بل تفوق مرتبي الشهري إنما أشتريه لإرضاء رغبة أو شهوة نفسية و ليس من باب سد حاجة . او لنقل مثلا تغيير الجوال الذكي كل سنة او سنتين فقط سعيا وراء الإصدار الأخير . ايضا شراء المزيد و المزيد من الملابس و الاشياء في عشرات المواسم السنوية من مثل الاعياد و العطل و الجمعة السوداء (او البيضاء) و نهاية العام و بداية العام و العودة للمدارس، و غير ذلك من الامثلة التي اعتقد ان الجميع يعرفها جيدا و انما يستمر في الشراء لأسبابه الخاصة من مثل ارضاء الرغبات النفسية او محاولة نيل إعجاب الاصدقاء او التبعية العمياء للمجتمع أو المشاهير او حتى من باب العادة و ما الى ذلك .
نأتي الى الحاجات و هنا يمكننا تصنيف الحاجات على انها برزخ بين الرغبات المحضة و الضرورات الاساسية بمعنى انه يمكنني ان اعيش بدونها و لكن حياتي ستصبح اقل كفاءة. لنأخذ بعض الامثلة :
الدراسة الرسمية : ففي هذا الزمن يمكنني ان اعيش بدون شهادة او دراسة رسمية تذكر و لكن بطبيعة الحال ستضيق عندي دائرة فرص العمل و في الغالب انني سأقنع بوظيفة متواضعة نسبيا الا ان يكون هناك مخارج اخرى من مثل النجاح في التجارة او العمل في مؤسسات العائلة ان وجدت ...الخ . على هذا يمكننا القول ان الدراسة الاكاديمية ليست حاجة ضرورية فلن اموت من دونها و لكن حياتي ستكون اقل كفاءة فهي حاجة ماسة و مهمة.
الانترنت : ايضا يمكن ان نعيش بدونها الامر الذي لا يستطيع شباب هذه الايام ان يتعقله و لكن اذا نظرنا بإنصاف فإنه قبل عشرين سنة لم تكن هذه الشبكة موجودة على المستوى الشخصي . نعم هناك أشياء كثيرة ممكن ان نخسرها بخسارة الانترنت و ربما هناك خدمات قيمة الاستغناء عنها يعني ضياع الكثير من الوقت من مثل تطبيقات البنوك و الخرائط و لكن مهما يكن لن تصل الى مستوى الضرورة التي لا يمكن ان نعيش بدونها . لربما يقال ان بعض الحكومات بدأت بإجبار المواطنين على بعض الخدمات الإلكترونية و لكن بعد التحليل حتى مثل هذه الامور لا تستلزم اجهزة و اتصال شخصي بالانترنت بل يمكن ان يقوم بها الشخص بل من ينوب عنه في المكاتب و الآلآت العامة. فاذا كانت الشبكة العنكبوتية كلها ليست ضرورة فما بالك بكل البرامج و المواقع المبنية عليها التي يخيل لنا انه لا يمكن ان نعيش بدونها .
السيارة الشخصية : فهي في بعض الدول و المدن رغبة كمالية حيث يمكن الاستغناء عنها و استخدام وسائل النقل الجماعي او استخدام سيارات الاجرة المتناثرة و لكن في مدن اخرى - مثل التي عندنا - امتلاك سيارة شخصية حاجة لان المدينة تفتقر الى وسائل النقل الجماعية و بعد موقع العمل و كثرة المشاوير المتباعدة داخل المدينة نفسها يجعل من مسألة استخدام سيارات الاجرة المدفوعة شيئا اشبه بالمستحيل سواء من الناحية العملية او المالية . طبعا هذه النقطة تعتمد على الشخص و موقعه في الحياة فطبيعي ان ربة المنزل حتى عندنا يمكنها الاستغناء عن السيارة و لكن كلامنا عن رب أسرة و موظف ذي دخل متوسط .
الآن نصل الى الضرورات : فهي كما اشرنا سابقا تلك الحاجات الاساسية التي لا يمكن ان نعيش بدونها واقعا او ان الحياة بدونها تصبح متعسرة جدا لدرجة ان الانسان قد يفضل الموت على مثل تلك الحياة . و هذه الاساسيات ليست كثيرة كما نتصور فالانسان يحتاج الى مثل الاكل و الشرب و المسكن و الملبس لكننا في رحلة توفير هذه المتطلبات نضيف الكثير من الاشياء الاخرى و نتقبلها على انها ضرورات او لنقل حاجات و هي في الحقيقة مجرد رغبات وقتية لا أكثر . نعم ، الضرورات التي ذكرناها انما هي اقل ما يمكن ان يعاش به او بعبارة اخرى هي متطلبات المعيشة الحيوانية و هناك ضرورات اخرى تفرضها الحياة الانسانية و من الصعب الحياة بدونها بل ان الحياة بدونها ربما تكون لا قيمة لها من مثل العلاقات الأسرية و الهوية الاجتماعية ، و الحاجات الروحية التي يلبيها عادة الدين و كذا الحاجات المعرفية التي يلبيها العلم و ما الى ذلك .
و لكي لا يكون كلامنا أشبه بالمثاليات لنذكر بعض الامثلة من الواقع حيث نذكر بعض الاشخاص ممن لهم مكانة عالمية و استطاعوا ان يتخلوا عن بعض الامور التي لا يتصور تركها من امثالهم :
كال نيوبورت : برفسور و كاتب مرموق و غزير الإنتاج له كتب و محاضرات و مدونة معروفة و هو على الرغم من طبيعة حياته المتطلبة لا يستخدم اي منصة من منصات التواصل الاجتماعي بل انه يدعو الى تركها و ذلك خلافا لما يروجه الاعلام من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي و خصوصا للكتاب و ترويج اعمالهم . و يحضرني الان ان نيوبورت اورد في كتابه "العمل العميق" اسماء ثلاثة على الاقل من مشاهير الكتاب الذين يرفضون التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي و هم : مالكوم غلادويل ، مايكل لويس و جورج باكر .
بيتر هيجز : الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء يحكى انه لم يعلم بخبر فوزه الا بعد ان بارك له احد المارة . و قد ذكروا انه لا يمتلك في منزله حاسبا و لا هاتفا نقالا و لا بريدا الكترونيا.
ودي آلن : المخرج المشهور ذو المسيرة المهنية التي تمتد الى نصف قرن من الزمان لا يستخدم الحاسب الآلي و انما يكتفي بآلة كاتبة من نوعية اولمبيا و قد كتب عليها كل اعماله و نتاجه الضخم .
مارك بويل : هل يمكن ان نعيش بدون مال في هذا الزمن ؟ الفكرة أشبه بالجنون و لكن هذا الرجل استطاع ان يخوض التجربة و يعيش لمدة سنة بدون امتلاك مالٍ . و هو في هذه الايام يعيش تجربة جديدة بالعودة الى الطبيعة و العيش بدون اي شكل من اشكال التقنية المتطورة من مثل الكهرباء ، الهاتف و غيرها .
دانيل سولو : اذا كان بويل ترك المال لمدة سنة فهذا الرجل يقال انه ترك المال منذ العام 2000 .
نعم ، يمكننا ان نسرد قائمة طويلة من الفنانين و الكتاب و المفكرين و المشاهير فضلا عن المجهولين ممن ترك الكثير من الاشياء و التقنيات التي نتصورها ضرورة لا يمكن ان نعيش بدونها في مثل هذا العصر . طبعا لا يُفهم أن مغزى كتابة هذه المقالة هو الدعوة الى نبذ الرغبات رأسا او الاكتفاء بالضرورات بمعنى ان كل رغبة سيئة و علينا تجنبها . كلا ، نحن هنا في صدد تعرية خدعة من خدع الاستهلاكية المعاصرة التي يقوم عليها الاقتصاد الراسمالي في هذا الزمن . نعم نحن هنا في صدد الدعوة الى وعي اكثر و إعادة مساءلة لما نعتبره ضرورة أو حاجة لا يمكننا الاستغناء عنها فلكي تصبح مبرمجا متقدما لا يشترط ان تمتلك اخر لابتوب من شركة آبل و لربما لكتابة روايتك او كتابك لا تحتاج الى حاسب و نظام تشغيل و برنامج ادخال نصوص مدفوع بل قلم و دفتر يكفيان لهذه المهمة كما يفعل بعض اشهر الكتاب و المخرجين.
أحب ان أختم بمقطوعتين الاولى للامام علي بن الحسين السلام يصف حال الزاهدين في الدنيا فكأنه عليه السلام يذكرنا بالضرورات في الحياة و كأنما ما زاد عليها اما رغبة او حاجة، و أما الثانية فهي لأمير المؤمنين عليه السلام في وصف السيد المسيح عليه السلام و فيها يظهر جليا كيف ان السيد المسيح عليه السلام كان يعيش حياة خالية من غير الضرورات. قال ابو محمد زين العابدين عليه السلام :
"إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، و ان الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة. ألا ان الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة اتخذوا الأرض بساطاً والتراب فراشا والماء طيباً ، وقرضوا من الدنيا تقريضا ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا من الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع من المحرمات ومن زهد في الدنيا ، هانت عليه المصائب . الا ان لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، وكمن راى أهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياماً قليلة ، فصاروا بعقبى راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى ربهم ، يسعون في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحكماء علماء ، بررة أتقياء ، كأنهم القداح قد براهم الخوف ، وينظر اليهم الناظر ، فيقول مرضى وما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر العذاب وما فيها ".
و من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الأنبياء :
"و ان شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسد الحجر و يلبس الخشن و يأكل الجشب و كان ادامه الجوع و سراجه بالليل القمر و ظلاله في الشتاء مشارق الارض و مغاربها و فاكهته و ريحانه ما تنبت الارض للبهائم و لم تكن له زوجة تفتنه و لا ولد يحزنه و لا مال يلفته و لا طمع يذله ، دابته رجلاه و خادمه يداه".
دمتم في الرضا ،
إن أهم ركيزة تعتمد عليها الاستهلاكية الحديثة هي تصوير الرغبات على شكل حاجات بل ضرورات و مع الاسف ان أغلب الناس يقع ضحية لهذه الخدعة . إن تشخيص هذه المسألة ليس بتلك السهولة في أحيان كثيرة فعادة عندما تطرح هذه النقطة للنقاش ترى ان الاغلبية يعتقد انه لم يقع في فخ هذه الخدعة و إنما هو مستهلك واع و إن كل أو لنقل جل مشترياته تندرج ضمن متطلبات حياته الضرورية. و لكن مع قليل من التمحيص نجد أن هذه القناعة إنما هي أمنية و خداع للنفس و أن الواقع شيء مختلف.
لنبدأ اولا بالرغبات فهي الأسهل في التشخيص فأعتقد أنه من السهولة بمكان ان نعترف بأن هذا الجوال الذي يحمل الماركة الفلانية و قيمته تساوي بل تفوق مرتبي الشهري إنما أشتريه لإرضاء رغبة أو شهوة نفسية و ليس من باب سد حاجة . او لنقل مثلا تغيير الجوال الذكي كل سنة او سنتين فقط سعيا وراء الإصدار الأخير . ايضا شراء المزيد و المزيد من الملابس و الاشياء في عشرات المواسم السنوية من مثل الاعياد و العطل و الجمعة السوداء (او البيضاء) و نهاية العام و بداية العام و العودة للمدارس، و غير ذلك من الامثلة التي اعتقد ان الجميع يعرفها جيدا و انما يستمر في الشراء لأسبابه الخاصة من مثل ارضاء الرغبات النفسية او محاولة نيل إعجاب الاصدقاء او التبعية العمياء للمجتمع أو المشاهير او حتى من باب العادة و ما الى ذلك .
نأتي الى الحاجات و هنا يمكننا تصنيف الحاجات على انها برزخ بين الرغبات المحضة و الضرورات الاساسية بمعنى انه يمكنني ان اعيش بدونها و لكن حياتي ستصبح اقل كفاءة. لنأخذ بعض الامثلة :
الدراسة الرسمية : ففي هذا الزمن يمكنني ان اعيش بدون شهادة او دراسة رسمية تذكر و لكن بطبيعة الحال ستضيق عندي دائرة فرص العمل و في الغالب انني سأقنع بوظيفة متواضعة نسبيا الا ان يكون هناك مخارج اخرى من مثل النجاح في التجارة او العمل في مؤسسات العائلة ان وجدت ...الخ . على هذا يمكننا القول ان الدراسة الاكاديمية ليست حاجة ضرورية فلن اموت من دونها و لكن حياتي ستكون اقل كفاءة فهي حاجة ماسة و مهمة.
الانترنت : ايضا يمكن ان نعيش بدونها الامر الذي لا يستطيع شباب هذه الايام ان يتعقله و لكن اذا نظرنا بإنصاف فإنه قبل عشرين سنة لم تكن هذه الشبكة موجودة على المستوى الشخصي . نعم هناك أشياء كثيرة ممكن ان نخسرها بخسارة الانترنت و ربما هناك خدمات قيمة الاستغناء عنها يعني ضياع الكثير من الوقت من مثل تطبيقات البنوك و الخرائط و لكن مهما يكن لن تصل الى مستوى الضرورة التي لا يمكن ان نعيش بدونها . لربما يقال ان بعض الحكومات بدأت بإجبار المواطنين على بعض الخدمات الإلكترونية و لكن بعد التحليل حتى مثل هذه الامور لا تستلزم اجهزة و اتصال شخصي بالانترنت بل يمكن ان يقوم بها الشخص بل من ينوب عنه في المكاتب و الآلآت العامة. فاذا كانت الشبكة العنكبوتية كلها ليست ضرورة فما بالك بكل البرامج و المواقع المبنية عليها التي يخيل لنا انه لا يمكن ان نعيش بدونها .
السيارة الشخصية : فهي في بعض الدول و المدن رغبة كمالية حيث يمكن الاستغناء عنها و استخدام وسائل النقل الجماعي او استخدام سيارات الاجرة المتناثرة و لكن في مدن اخرى - مثل التي عندنا - امتلاك سيارة شخصية حاجة لان المدينة تفتقر الى وسائل النقل الجماعية و بعد موقع العمل و كثرة المشاوير المتباعدة داخل المدينة نفسها يجعل من مسألة استخدام سيارات الاجرة المدفوعة شيئا اشبه بالمستحيل سواء من الناحية العملية او المالية . طبعا هذه النقطة تعتمد على الشخص و موقعه في الحياة فطبيعي ان ربة المنزل حتى عندنا يمكنها الاستغناء عن السيارة و لكن كلامنا عن رب أسرة و موظف ذي دخل متوسط .
الآن نصل الى الضرورات : فهي كما اشرنا سابقا تلك الحاجات الاساسية التي لا يمكن ان نعيش بدونها واقعا او ان الحياة بدونها تصبح متعسرة جدا لدرجة ان الانسان قد يفضل الموت على مثل تلك الحياة . و هذه الاساسيات ليست كثيرة كما نتصور فالانسان يحتاج الى مثل الاكل و الشرب و المسكن و الملبس لكننا في رحلة توفير هذه المتطلبات نضيف الكثير من الاشياء الاخرى و نتقبلها على انها ضرورات او لنقل حاجات و هي في الحقيقة مجرد رغبات وقتية لا أكثر . نعم ، الضرورات التي ذكرناها انما هي اقل ما يمكن ان يعاش به او بعبارة اخرى هي متطلبات المعيشة الحيوانية و هناك ضرورات اخرى تفرضها الحياة الانسانية و من الصعب الحياة بدونها بل ان الحياة بدونها ربما تكون لا قيمة لها من مثل العلاقات الأسرية و الهوية الاجتماعية ، و الحاجات الروحية التي يلبيها عادة الدين و كذا الحاجات المعرفية التي يلبيها العلم و ما الى ذلك .
و لكي لا يكون كلامنا أشبه بالمثاليات لنذكر بعض الامثلة من الواقع حيث نذكر بعض الاشخاص ممن لهم مكانة عالمية و استطاعوا ان يتخلوا عن بعض الامور التي لا يتصور تركها من امثالهم :
كال نيوبورت : برفسور و كاتب مرموق و غزير الإنتاج له كتب و محاضرات و مدونة معروفة و هو على الرغم من طبيعة حياته المتطلبة لا يستخدم اي منصة من منصات التواصل الاجتماعي بل انه يدعو الى تركها و ذلك خلافا لما يروجه الاعلام من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي و خصوصا للكتاب و ترويج اعمالهم . و يحضرني الان ان نيوبورت اورد في كتابه "العمل العميق" اسماء ثلاثة على الاقل من مشاهير الكتاب الذين يرفضون التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي و هم : مالكوم غلادويل ، مايكل لويس و جورج باكر .
بيتر هيجز : الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء يحكى انه لم يعلم بخبر فوزه الا بعد ان بارك له احد المارة . و قد ذكروا انه لا يمتلك في منزله حاسبا و لا هاتفا نقالا و لا بريدا الكترونيا.
ودي آلن : المخرج المشهور ذو المسيرة المهنية التي تمتد الى نصف قرن من الزمان لا يستخدم الحاسب الآلي و انما يكتفي بآلة كاتبة من نوعية اولمبيا و قد كتب عليها كل اعماله و نتاجه الضخم .
مارك بويل : هل يمكن ان نعيش بدون مال في هذا الزمن ؟ الفكرة أشبه بالجنون و لكن هذا الرجل استطاع ان يخوض التجربة و يعيش لمدة سنة بدون امتلاك مالٍ . و هو في هذه الايام يعيش تجربة جديدة بالعودة الى الطبيعة و العيش بدون اي شكل من اشكال التقنية المتطورة من مثل الكهرباء ، الهاتف و غيرها .
دانيل سولو : اذا كان بويل ترك المال لمدة سنة فهذا الرجل يقال انه ترك المال منذ العام 2000 .
نعم ، يمكننا ان نسرد قائمة طويلة من الفنانين و الكتاب و المفكرين و المشاهير فضلا عن المجهولين ممن ترك الكثير من الاشياء و التقنيات التي نتصورها ضرورة لا يمكن ان نعيش بدونها في مثل هذا العصر . طبعا لا يُفهم أن مغزى كتابة هذه المقالة هو الدعوة الى نبذ الرغبات رأسا او الاكتفاء بالضرورات بمعنى ان كل رغبة سيئة و علينا تجنبها . كلا ، نحن هنا في صدد تعرية خدعة من خدع الاستهلاكية المعاصرة التي يقوم عليها الاقتصاد الراسمالي في هذا الزمن . نعم نحن هنا في صدد الدعوة الى وعي اكثر و إعادة مساءلة لما نعتبره ضرورة أو حاجة لا يمكننا الاستغناء عنها فلكي تصبح مبرمجا متقدما لا يشترط ان تمتلك اخر لابتوب من شركة آبل و لربما لكتابة روايتك او كتابك لا تحتاج الى حاسب و نظام تشغيل و برنامج ادخال نصوص مدفوع بل قلم و دفتر يكفيان لهذه المهمة كما يفعل بعض اشهر الكتاب و المخرجين.
أحب ان أختم بمقطوعتين الاولى للامام علي بن الحسين السلام يصف حال الزاهدين في الدنيا فكأنه عليه السلام يذكرنا بالضرورات في الحياة و كأنما ما زاد عليها اما رغبة او حاجة، و أما الثانية فهي لأمير المؤمنين عليه السلام في وصف السيد المسيح عليه السلام و فيها يظهر جليا كيف ان السيد المسيح عليه السلام كان يعيش حياة خالية من غير الضرورات. قال ابو محمد زين العابدين عليه السلام :
"إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، و ان الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة. ألا ان الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة اتخذوا الأرض بساطاً والتراب فراشا والماء طيباً ، وقرضوا من الدنيا تقريضا ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا من الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع من المحرمات ومن زهد في الدنيا ، هانت عليه المصائب . الا ان لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، وكمن راى أهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياماً قليلة ، فصاروا بعقبى راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى ربهم ، يسعون في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحكماء علماء ، بررة أتقياء ، كأنهم القداح قد براهم الخوف ، وينظر اليهم الناظر ، فيقول مرضى وما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر العذاب وما فيها ".
و من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الأنبياء :
"و ان شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسد الحجر و يلبس الخشن و يأكل الجشب و كان ادامه الجوع و سراجه بالليل القمر و ظلاله في الشتاء مشارق الارض و مغاربها و فاكهته و ريحانه ما تنبت الارض للبهائم و لم تكن له زوجة تفتنه و لا ولد يحزنه و لا مال يلفته و لا طمع يذله ، دابته رجلاه و خادمه يداه".
دمتم في الرضا ،