عن عملية التعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك مقولة اجنبية تقول (No pain, no gain)اي ( لا عناء لا حصاد ) او كما جاءت في الاصل "على قدر الالم يأتي الحصاد" ..و في ادبنا من طلب المعالي سهر الليالي.
لاحظت ان عند الغرب يستخدم المثل عادة مع المجهود البدني للرياضيين و لحث الموظفين على بذل مجهود اكبر لصالح الشركة و لكن عندنا يبدو ان المفهوم شبه مرتبط حصريا مع العملية التعليمية .
ايا يكن كلامي عن التعلم و هل التجربة التعليمية يجب ان تكون مؤلمة كي تؤتي ثمارها ؟
اذكر ان في تعليمي الابتدائي درستنا احدى الفاضلات من دولة قطر ، و كانت صارمة جدا في تعليم اللغة العربية لدرجة اننا ذهبنا الى معلمنا القديم و اخبرناه بمدى معاناتنا معها و كم هي متطلبة و تجبرنا على الكتابة الطويلة بنسخ القصائد و الدروس. و شاء الله ان لا يطول المقام بها معنا فجاء مدرس عراقي بدلا منها و من السخرية بمكان انه كان اشد منها صرامة لدرجة انه كان يطالبنا بكتابة القصيدة الواحدة من 15 الى 20 مرة .
هل كانت طريقته مجدية ؟ لا اعلم حقيقة و لكن الذي اعرفه انني نسيت كل تلك القصائد حالها من حال غيرها . في احد الايام زرت منزل احد اصدقائي و رايت والده يقرا من كتاب و طالبه يكتب في دفتر ، و كان هذا دابهما كل ليلة لمدة ساعة او ساعتين مجرد قراءة و كتابة .
في هذه البيئة ترسخت لدي فكرة ان التعلم يجب ان يكون بالكتابة فبدأت اقرا كل جملة في كتابي الدراسي و احفظها ثم اكتبها على دفتر و كم من دفتر و قلم اتلفت بهذه العملية !
و لكن في الدراسة الجامعية لم اتلف دفترا او قلما واحدا .. فقد أخذت بعادة البلد في التعلم السريع التي تشبه الوجبات السريعة من خلال ملخصات و مفكرات .
عودة مرة اخرى لمسألة التعلم هل كانت مؤلمة بالطريقة القديمة ؟ نعم كانت مؤلمة بالنسبة لنا كأطفال فقد كنا نقوم بها مجبرين و كأنها اعمال شاقة لمساجين .. هذه الايام هناك مقت للاجهاد و الحفظ و تركيز على مسألة الفهم و تنويع طرق التعلم.
لكنني لا اؤمن بأن المشكلة كانت في الطريقة بل في تنفيذها اقصد ان الكتابة الطويلة و الحفظ الى الان طريقة مفضلة لدي و اتمنى لو كان لدي الوقت كي امارسها باستمرار و لكن هذا بعد ان اتسع مستوى ادراكي و عرفت فوائدها الشيء الذي كان يجب على المعلمين ان يعلموننا اياه في ذلك الحين .
هذه المشكلة التنفيرية التي نعاني منها و كم كان من النادر ان تجد معلما يحببك في مادة معينة ، لا اذكر ان معلما كان يفتتح محاضراته بقصة مرتبطة بالمحاضرة ، مع انه لا توجد مادة واحدة لا يوجد بها عشرات القصص ، مثلا الرياضيات هذه المادة الجافة توجد بها قصص جميلة و طريفة عن علماء الرياضيات و قصص ابتكار معادلات لم يخبرنا بها احد و انما تعلمتها لاحقا من خلال القراءة الحرة.
بل انني اذكر تماما عجز المعلم عن جواب سؤال الطلاب البسيط :
و ماذا تفيدنا الرياضيات ما بعد العمليات الحسابية المعروفة ؟
جرى حوار بيني و بين احدى الاخوات عن كيف تقرا كتابا لا تحبه ، فكان جوابي ببساطة ان لا تقراه . و شبهت القراءة بدون رغبة كالاكل بدون رغبة تورث البلاهة كما جاء في الاخبار .. فكان جوابها ان الانسان بحاجة في احيان كثيرة لان يقرا ما لا يحبه ، و هذا الاشكال ليس يعنيني كثيرا فهو مشكلة في النظام التعليمي و ليس بيدي علاجه و لكن الاشكال الذي قد يتبادر الى الذهن هو كيف اؤمن بان التعلم يحتاج الى جهد ، و لا اقبل بقراءة الكتب التي لا رغبة شخصية فيها ؟
لو نظرنا الى حالنا بصراحة و شفافية لادركنا اننا نخاف من التعلم و الا لماذا تتوقف العملية التعليمية بعد التخرج ؟
نخاف من مواصلة التعلم لانها تحتاج الى مجهود فنحن نفضل القراءة من على الانترنت او المجلات كمحاولة بائسة في ان نقنع انفسنا بأننا نواصل العملية التعليمية .. و لكن مع الاسف فالحقيقة ان القراءة التي لا تحتاج الى مجهود ذهني ليست قراءة تعليمية و انما قراءة تسلية حالها كحال مشاهدة الافلام... لماذا نحن على اتم الاستعداد لان نقضي 5 و 8 ساعات متواصلة في تصفح الانترنت او مشاهدة افلام و لكن نعجز عن مواصلة قراءة كتاب تعليمي او مشاهدة محاضرة تعليمية لمدة تزيد عن ساعة ؟
لا نستطيع لان هذا مخالف لطبعنا ، الطبع الذي جبل على حب الراحة، و المجهود العقلي يتعب اكثر بكثير من المجهود البدني.
التعلم هو اضافة شيء جديد الى المخزون السابق فاذا لم تكن هناك اضافة لم يكن هناك تعلم. فالشيء الجديد يحتاج الى مجهود لفهمه لذلك نخاف من تعلم الشيء الجديد ، مثلا مبرمج تعلم البرمجة الكائنية في الجامعة تراه ليس لديه الرغبة في تعلم البرمجة الوظيفية لانها تخالف الذي اعتاد عليه و تحتاج الى جهد جديد و طريقة تفكير مختلفة. لذلك نحاول دائما ان نجد الحلول بما لدينا من مفاهيم سابقة و ان طالت المدة بدلا من تعلم المفاهيم الجديدة لانها تحتاج الى مجهود اكبر.
من المقولات الدارجة عندنا "لا تتفلسف" و هي جواب رائع لمن يحرجك بتفصيل صعب او بيان يكشف عن حاجة لتفكير اعمق.
عودة مرة اخرى الى اشكالنا نعم العملية التعليمية تحتاج الى مجهود و ربما يكون منهكا و لكن يجب ان تبقى ممتعة .. ربما يأتي صديقك من سفر لاحدى الدول و يقول انه استمتع كثيرا في سفره و لكنه أجهد في هذا السفر.
التعليم و القراءة من الافضل ان تكون هكذا مجهدة و لكن في نفس الوقت ممتعة.
هل يتذمر شخص من الم الجري بعد القيام بجري لمدة ساعة ؟
و هكذا اشكال أختنا الكريمة لا يجب ان نبحث عن طرق تساعدنا على قراءة كتاب لا نحبه بل يجب ان نبحث عن طرق تساعدنا على ان نحب قراءة الكتاب .. هنا مفترق الطرق ..
دمتم في الرضـا
هناك مقولة اجنبية تقول (No pain, no gain)اي ( لا عناء لا حصاد ) او كما جاءت في الاصل "على قدر الالم يأتي الحصاد" ..و في ادبنا من طلب المعالي سهر الليالي.
لاحظت ان عند الغرب يستخدم المثل عادة مع المجهود البدني للرياضيين و لحث الموظفين على بذل مجهود اكبر لصالح الشركة و لكن عندنا يبدو ان المفهوم شبه مرتبط حصريا مع العملية التعليمية .
ايا يكن كلامي عن التعلم و هل التجربة التعليمية يجب ان تكون مؤلمة كي تؤتي ثمارها ؟
اذكر ان في تعليمي الابتدائي درستنا احدى الفاضلات من دولة قطر ، و كانت صارمة جدا في تعليم اللغة العربية لدرجة اننا ذهبنا الى معلمنا القديم و اخبرناه بمدى معاناتنا معها و كم هي متطلبة و تجبرنا على الكتابة الطويلة بنسخ القصائد و الدروس. و شاء الله ان لا يطول المقام بها معنا فجاء مدرس عراقي بدلا منها و من السخرية بمكان انه كان اشد منها صرامة لدرجة انه كان يطالبنا بكتابة القصيدة الواحدة من 15 الى 20 مرة .
هل كانت طريقته مجدية ؟ لا اعلم حقيقة و لكن الذي اعرفه انني نسيت كل تلك القصائد حالها من حال غيرها . في احد الايام زرت منزل احد اصدقائي و رايت والده يقرا من كتاب و طالبه يكتب في دفتر ، و كان هذا دابهما كل ليلة لمدة ساعة او ساعتين مجرد قراءة و كتابة .
في هذه البيئة ترسخت لدي فكرة ان التعلم يجب ان يكون بالكتابة فبدأت اقرا كل جملة في كتابي الدراسي و احفظها ثم اكتبها على دفتر و كم من دفتر و قلم اتلفت بهذه العملية !
و لكن في الدراسة الجامعية لم اتلف دفترا او قلما واحدا .. فقد أخذت بعادة البلد في التعلم السريع التي تشبه الوجبات السريعة من خلال ملخصات و مفكرات .
عودة مرة اخرى لمسألة التعلم هل كانت مؤلمة بالطريقة القديمة ؟ نعم كانت مؤلمة بالنسبة لنا كأطفال فقد كنا نقوم بها مجبرين و كأنها اعمال شاقة لمساجين .. هذه الايام هناك مقت للاجهاد و الحفظ و تركيز على مسألة الفهم و تنويع طرق التعلم.
لكنني لا اؤمن بأن المشكلة كانت في الطريقة بل في تنفيذها اقصد ان الكتابة الطويلة و الحفظ الى الان طريقة مفضلة لدي و اتمنى لو كان لدي الوقت كي امارسها باستمرار و لكن هذا بعد ان اتسع مستوى ادراكي و عرفت فوائدها الشيء الذي كان يجب على المعلمين ان يعلموننا اياه في ذلك الحين .
هذه المشكلة التنفيرية التي نعاني منها و كم كان من النادر ان تجد معلما يحببك في مادة معينة ، لا اذكر ان معلما كان يفتتح محاضراته بقصة مرتبطة بالمحاضرة ، مع انه لا توجد مادة واحدة لا يوجد بها عشرات القصص ، مثلا الرياضيات هذه المادة الجافة توجد بها قصص جميلة و طريفة عن علماء الرياضيات و قصص ابتكار معادلات لم يخبرنا بها احد و انما تعلمتها لاحقا من خلال القراءة الحرة.
بل انني اذكر تماما عجز المعلم عن جواب سؤال الطلاب البسيط :
و ماذا تفيدنا الرياضيات ما بعد العمليات الحسابية المعروفة ؟
جرى حوار بيني و بين احدى الاخوات عن كيف تقرا كتابا لا تحبه ، فكان جوابي ببساطة ان لا تقراه . و شبهت القراءة بدون رغبة كالاكل بدون رغبة تورث البلاهة كما جاء في الاخبار .. فكان جوابها ان الانسان بحاجة في احيان كثيرة لان يقرا ما لا يحبه ، و هذا الاشكال ليس يعنيني كثيرا فهو مشكلة في النظام التعليمي و ليس بيدي علاجه و لكن الاشكال الذي قد يتبادر الى الذهن هو كيف اؤمن بان التعلم يحتاج الى جهد ، و لا اقبل بقراءة الكتب التي لا رغبة شخصية فيها ؟
لو نظرنا الى حالنا بصراحة و شفافية لادركنا اننا نخاف من التعلم و الا لماذا تتوقف العملية التعليمية بعد التخرج ؟
نخاف من مواصلة التعلم لانها تحتاج الى مجهود فنحن نفضل القراءة من على الانترنت او المجلات كمحاولة بائسة في ان نقنع انفسنا بأننا نواصل العملية التعليمية .. و لكن مع الاسف فالحقيقة ان القراءة التي لا تحتاج الى مجهود ذهني ليست قراءة تعليمية و انما قراءة تسلية حالها كحال مشاهدة الافلام... لماذا نحن على اتم الاستعداد لان نقضي 5 و 8 ساعات متواصلة في تصفح الانترنت او مشاهدة افلام و لكن نعجز عن مواصلة قراءة كتاب تعليمي او مشاهدة محاضرة تعليمية لمدة تزيد عن ساعة ؟
لا نستطيع لان هذا مخالف لطبعنا ، الطبع الذي جبل على حب الراحة، و المجهود العقلي يتعب اكثر بكثير من المجهود البدني.
التعلم هو اضافة شيء جديد الى المخزون السابق فاذا لم تكن هناك اضافة لم يكن هناك تعلم. فالشيء الجديد يحتاج الى مجهود لفهمه لذلك نخاف من تعلم الشيء الجديد ، مثلا مبرمج تعلم البرمجة الكائنية في الجامعة تراه ليس لديه الرغبة في تعلم البرمجة الوظيفية لانها تخالف الذي اعتاد عليه و تحتاج الى جهد جديد و طريقة تفكير مختلفة. لذلك نحاول دائما ان نجد الحلول بما لدينا من مفاهيم سابقة و ان طالت المدة بدلا من تعلم المفاهيم الجديدة لانها تحتاج الى مجهود اكبر.
من المقولات الدارجة عندنا "لا تتفلسف" و هي جواب رائع لمن يحرجك بتفصيل صعب او بيان يكشف عن حاجة لتفكير اعمق.
عودة مرة اخرى الى اشكالنا نعم العملية التعليمية تحتاج الى مجهود و ربما يكون منهكا و لكن يجب ان تبقى ممتعة .. ربما يأتي صديقك من سفر لاحدى الدول و يقول انه استمتع كثيرا في سفره و لكنه أجهد في هذا السفر.
التعليم و القراءة من الافضل ان تكون هكذا مجهدة و لكن في نفس الوقت ممتعة.
هل يتذمر شخص من الم الجري بعد القيام بجري لمدة ساعة ؟
و هكذا اشكال أختنا الكريمة لا يجب ان نبحث عن طرق تساعدنا على قراءة كتاب لا نحبه بل يجب ان نبحث عن طرق تساعدنا على ان نحب قراءة الكتاب .. هنا مفترق الطرق ..
دمتم في الرضـا