عن الانفاق و الادخار
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا"
من خلال التجربة و معايشة اصناف مختلفة من المجتمع في فترات و بيئات مختلفة يمكنني ان اصنفهم حسب مسألة الانفاق الى فئات :
- فئة ممسكة ليس فقط على غيرها بل حتى على انفسها ، و ليس بيننا و بين هذه كلام.
- فئة تنفق على انفسها و تمسك عن غيرها و الامساك يتفاوت على حسب الغير هنا فالابناء و الزوجة مثلا لهم حساب مختلف عن ابناء العمومة مثلا .
- فئة تنفق على انفسها و على غيرها و ربما بسخاء و لكن ما دامت تملك ما تنفق، اي انها تعمل بـ " الجود بالموجود " فقط فلا يمكن ان تستدين لغيرها و هذه فئة كبيرة و لله الحمد. و هذه الفئة ارجو ان تكون مشمولة في قوله تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ".
- فئة تنفق على انفسها و على غيرها و لا يمكن ان ترد احدا ابدا بحجة عدم وجود المال في اليد بل تقول نعم موجود ثم تذهب لتسحب ادخارها او تستقرض. و هذه الفئة ليست قليلة حقيقة كما قد يُظن و قد عرفت بعض الاشخاص من هذه العينة معرفة شخصية. هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى " و يؤثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة ".
بطبيعة الحال كل المجتمعات تنقسم الى فئات و لكن من الاشياء السلبية الدخيلة على مجتمعنا هي مسألة الادخار و برامج الادارة المالية Money Management بل انه هناك كتب و دورات اجنبية و عربية في هذا المجال ، و ذلك لانها تحفز الانسان على الجمع و توحي له ان الطريق للثروة هو بالجمع و الحرص و قد تستشهد بحكايات عن اغنياء بداوا حياتهم بجمع القروش و كلنا يعلم ان من يهتم بالجمع فهو يمشي في اتجاه معاكس للكرم لان الكرم يستلزم البذل، فهو بذلك ينمي في نفسه صفة البخل سواء شعر بذلك او لم يشعر .و منه قول ابي تمام :
لا تنكري عطل الكريم من الغنا .. فالسيل حرب للمكان العالي
ثم ما لنا و الادخار لثلاثين سنة مقبلة ؟ و لم القلق على مستقبل اطفال رزقهم على الله ؟ الم تر قول الرسول صلى الله عليه و اله و سلم : اما تخشى ان يفور له بخار في جهنم ؟ انفق بلال و لا تخشى من ذي العرش اقلالا ، جوابا على قول بلال " ادخرته لك و لضيفانك ". و هكذا كان حتى قال صلى الله عليه و اله و سلم مخاطبا عليا عليه السلام " و انت تقضي ديني " . الا نخشى ان نكون من المشمولين في قوله تعالى :
"يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون".
هذا في حال ان ديننا الاسلامي و ثقافتنا العربية يحثان على الجود و الكرم بل ان تاريخنا زاخر بنماذج تأخذ الكرم الى اقصى اطرافه لا تخشى الاقتار و لا الدين بل هي بما في يد الله اوثق منها بما هو في يدها .
و لنرجع الكلام الى الدين فلعمري لا ينقضي عجبي من اشخاص رايتهم يخشون الدين اكثر من الموت هذا مع انهم على وظيفة و سيمكنهم رد الدين طالت المدة او قصرت و لو كان الدين للغير لالتمست لهم عذرا و لكنهم يخشون الدين هذه الخشية في امور هي لهم فيؤخر الزواج بحجة انه لا يريد ان يبدا حياته بدين و يقضي سنوات على مركب محقر حتى يجمع مبلغ المركب المناسب و لقد كنت و لا ازال شديد الاعجاب بابيات المقنع الكندي التي حاولت ان اطبقها في حياتي و اتسلى بها عندما ارى كثرة عذالي في الدين :
يعاتبني في الدين قومي و انما .. ديوني في اشياء تكسبهم حمدا
الم ير قومي كيف اوسر مرة .. و اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
فما زادني الاقتار منهم تقربا .. و لا زادني فضل الغنى منهم بعدا
الى اخر القصيدة الخالدة .
و قد كنت انوي هنا ذكر بعض اخبار ابطال الكرم تيمنا بهم و تحفيزا لنا ، لكن اعرضت عن ذلك لشهرتها و لكثرتها و عدم خفائها على القاريء الكريم ، فآثرت ان اختار مقتضبا مما اثر عن كرم الحسين بن علي صاحب فخ ..:
قال الحسن بن هذيل بعت للحسين بن علي صاحب فخ حائطا باربعين الف دينار فنثرها على بابه فما دخل الى اهله منها حبة كان يعطيني كفا كفا فاذهب به الى فقراء اهل المدينة.
و عنه قال لي الحسين صاحب فخ اقترض لي اربعة الاف درهم فذهبت الى صديق لي فاعطاني الفين و قال اذا كان غد فتعال حتى اعطيك الفين فجئت فوضعتها تحت حصير كان يصلي عليه فلما كان الغد اخذت الالفين الاخريين ثم جئت اطلب الذي وضعته تحت الحصير فلم اجده فقلت له يابن رسول الله ما فعل الالفان ؟ قال لا تسال عنهما فاعدت فقال تبعني رجل اصفر من اهل المدينة فقلت الك حاجة فقال لا و لكني احببت ان اصل جناحك ! فاعطيته اياها اما اني احسبني ما اجرت على ذلك لاني لم اجد لها حبا و قال الله عز و جل ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ).
… حدثنا القاسم بن خليفة الخزاعي قال عاتب رجل الحسين بن علي صاحب فخ في سنة تسع و ستين و مائة و قال عليك دين سبعون الف دينار فقال اخذت من المزرفن يعني المقير زيتا بالف دينار فجعل الرجل يجيئني و المراة فاعطيها الزق و الزقين حتى لم يبق شيء ثم قلت له ما اخذه منك فلان من شيء فاحسبه علي فاخذ منه عشرة الاف فكنت اقول له ما هذا ؟!
ملاحظة بسيطة على حكاية الحسين انه وصل الى مرحلة يرى فيها المال و التراب سواء لذلك خشي انه غير مشمول في قوله تعالى مما تحبون ، و لقد رايت من جدي رحمه الله ما يشبه ذلك فكان قد اخرج لي مبلغا من المال من تحت فراشه فقلت له ان هذا المبلغ كثير فأجابني باجابة انطبعت في ذاكرة ذلك الطفل حينها اذ قال لي : انا اشعر بان هذه الاوراق عقارب تحت فراشي .
ختاما قد يقال ان الكرم شيء يولد مع الشخص و لكن الحقيقة هي انه مثل بقية الصفات الانسانية يمكن ان يكتسب بالتصنع و التكلف اولا ثم بعد ذلك يصبح ملكة في النفس بعد فترة من المران فتذهب تلك الصعوبة النفسية .. خلاصة القول انه لم نسمع بولي لله كان من صفاته الامساك او الادخار فعلى من يريد تهذيب نفسه ان يتحلى بالكرم و الانفاق و يترك الحرص و قد ورد انه انما وصل ابراهيم لمرتبة الخلة لخصلتين احداها انه كان يطعم الطعام .
و ما ابريء نفسي ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين ،
قال تعالى : " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا"
من خلال التجربة و معايشة اصناف مختلفة من المجتمع في فترات و بيئات مختلفة يمكنني ان اصنفهم حسب مسألة الانفاق الى فئات :
- فئة ممسكة ليس فقط على غيرها بل حتى على انفسها ، و ليس بيننا و بين هذه كلام.
- فئة تنفق على انفسها و تمسك عن غيرها و الامساك يتفاوت على حسب الغير هنا فالابناء و الزوجة مثلا لهم حساب مختلف عن ابناء العمومة مثلا .
- فئة تنفق على انفسها و على غيرها و ربما بسخاء و لكن ما دامت تملك ما تنفق، اي انها تعمل بـ " الجود بالموجود " فقط فلا يمكن ان تستدين لغيرها و هذه فئة كبيرة و لله الحمد. و هذه الفئة ارجو ان تكون مشمولة في قوله تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ".
- فئة تنفق على انفسها و على غيرها و لا يمكن ان ترد احدا ابدا بحجة عدم وجود المال في اليد بل تقول نعم موجود ثم تذهب لتسحب ادخارها او تستقرض. و هذه الفئة ليست قليلة حقيقة كما قد يُظن و قد عرفت بعض الاشخاص من هذه العينة معرفة شخصية. هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى " و يؤثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة ".
بطبيعة الحال كل المجتمعات تنقسم الى فئات و لكن من الاشياء السلبية الدخيلة على مجتمعنا هي مسألة الادخار و برامج الادارة المالية Money Management بل انه هناك كتب و دورات اجنبية و عربية في هذا المجال ، و ذلك لانها تحفز الانسان على الجمع و توحي له ان الطريق للثروة هو بالجمع و الحرص و قد تستشهد بحكايات عن اغنياء بداوا حياتهم بجمع القروش و كلنا يعلم ان من يهتم بالجمع فهو يمشي في اتجاه معاكس للكرم لان الكرم يستلزم البذل، فهو بذلك ينمي في نفسه صفة البخل سواء شعر بذلك او لم يشعر .و منه قول ابي تمام :
لا تنكري عطل الكريم من الغنا .. فالسيل حرب للمكان العالي
ثم ما لنا و الادخار لثلاثين سنة مقبلة ؟ و لم القلق على مستقبل اطفال رزقهم على الله ؟ الم تر قول الرسول صلى الله عليه و اله و سلم : اما تخشى ان يفور له بخار في جهنم ؟ انفق بلال و لا تخشى من ذي العرش اقلالا ، جوابا على قول بلال " ادخرته لك و لضيفانك ". و هكذا كان حتى قال صلى الله عليه و اله و سلم مخاطبا عليا عليه السلام " و انت تقضي ديني " . الا نخشى ان نكون من المشمولين في قوله تعالى :
"يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون".
هذا في حال ان ديننا الاسلامي و ثقافتنا العربية يحثان على الجود و الكرم بل ان تاريخنا زاخر بنماذج تأخذ الكرم الى اقصى اطرافه لا تخشى الاقتار و لا الدين بل هي بما في يد الله اوثق منها بما هو في يدها .
و لنرجع الكلام الى الدين فلعمري لا ينقضي عجبي من اشخاص رايتهم يخشون الدين اكثر من الموت هذا مع انهم على وظيفة و سيمكنهم رد الدين طالت المدة او قصرت و لو كان الدين للغير لالتمست لهم عذرا و لكنهم يخشون الدين هذه الخشية في امور هي لهم فيؤخر الزواج بحجة انه لا يريد ان يبدا حياته بدين و يقضي سنوات على مركب محقر حتى يجمع مبلغ المركب المناسب و لقد كنت و لا ازال شديد الاعجاب بابيات المقنع الكندي التي حاولت ان اطبقها في حياتي و اتسلى بها عندما ارى كثرة عذالي في الدين :
يعاتبني في الدين قومي و انما .. ديوني في اشياء تكسبهم حمدا
الم ير قومي كيف اوسر مرة .. و اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
فما زادني الاقتار منهم تقربا .. و لا زادني فضل الغنى منهم بعدا
الى اخر القصيدة الخالدة .
و قد كنت انوي هنا ذكر بعض اخبار ابطال الكرم تيمنا بهم و تحفيزا لنا ، لكن اعرضت عن ذلك لشهرتها و لكثرتها و عدم خفائها على القاريء الكريم ، فآثرت ان اختار مقتضبا مما اثر عن كرم الحسين بن علي صاحب فخ ..:
قال الحسن بن هذيل بعت للحسين بن علي صاحب فخ حائطا باربعين الف دينار فنثرها على بابه فما دخل الى اهله منها حبة كان يعطيني كفا كفا فاذهب به الى فقراء اهل المدينة.
و عنه قال لي الحسين صاحب فخ اقترض لي اربعة الاف درهم فذهبت الى صديق لي فاعطاني الفين و قال اذا كان غد فتعال حتى اعطيك الفين فجئت فوضعتها تحت حصير كان يصلي عليه فلما كان الغد اخذت الالفين الاخريين ثم جئت اطلب الذي وضعته تحت الحصير فلم اجده فقلت له يابن رسول الله ما فعل الالفان ؟ قال لا تسال عنهما فاعدت فقال تبعني رجل اصفر من اهل المدينة فقلت الك حاجة فقال لا و لكني احببت ان اصل جناحك ! فاعطيته اياها اما اني احسبني ما اجرت على ذلك لاني لم اجد لها حبا و قال الله عز و جل ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ).
… حدثنا القاسم بن خليفة الخزاعي قال عاتب رجل الحسين بن علي صاحب فخ في سنة تسع و ستين و مائة و قال عليك دين سبعون الف دينار فقال اخذت من المزرفن يعني المقير زيتا بالف دينار فجعل الرجل يجيئني و المراة فاعطيها الزق و الزقين حتى لم يبق شيء ثم قلت له ما اخذه منك فلان من شيء فاحسبه علي فاخذ منه عشرة الاف فكنت اقول له ما هذا ؟!
ملاحظة بسيطة على حكاية الحسين انه وصل الى مرحلة يرى فيها المال و التراب سواء لذلك خشي انه غير مشمول في قوله تعالى مما تحبون ، و لقد رايت من جدي رحمه الله ما يشبه ذلك فكان قد اخرج لي مبلغا من المال من تحت فراشه فقلت له ان هذا المبلغ كثير فأجابني باجابة انطبعت في ذاكرة ذلك الطفل حينها اذ قال لي : انا اشعر بان هذه الاوراق عقارب تحت فراشي .
ختاما قد يقال ان الكرم شيء يولد مع الشخص و لكن الحقيقة هي انه مثل بقية الصفات الانسانية يمكن ان يكتسب بالتصنع و التكلف اولا ثم بعد ذلك يصبح ملكة في النفس بعد فترة من المران فتذهب تلك الصعوبة النفسية .. خلاصة القول انه لم نسمع بولي لله كان من صفاته الامساك او الادخار فعلى من يريد تهذيب نفسه ان يتحلى بالكرم و الانفاق و يترك الحرص و قد ورد انه انما وصل ابراهيم لمرتبة الخلة لخصلتين احداها انه كان يطعم الطعام .
و ما ابريء نفسي ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين ،