عن الدَين
بسم الله الرحمن الرحيم
مازلت مختلفا عن أقراني و عن مجتمعي في اغلب الاحيان اغرد خارج السرب لا أسعى للاختلاف لمجرد الاختلاف و التميز او طلبا لشهرة و انما هكذا تأتي معي الامور فعندما اطيل الفكر في امر ما اصل الى نتائج مختلفة عن عامة المجتمع ، و اعتقد ان من يطيل التفكير في خياراته و موروثاته سيصل في كثير من الاحيان الى نتائج تختلف عن نمط معيشة بيئته . النمطية التي نعيشها الان في مجتمعاتنا سواءً في طريقة المعيشة الاستهلاكية او حياة المكعبات في الشركات " Corporation Cubics " او هدف الحياة كما اشرت في مواطن سابقة يصعب تجنبها و كما قيل " الحشر مع الناس عيد " . و من الامور التي دائما كنت في اختلاف فيها هي الامور المالية و ذلك في جوانب متعددة و لكن في هذه السطور سأتكلم عن الدَين فقط .
نظرتنا الى المال نظرة حب و اشتياق و طلب ، قال تعالى "المال و البنون زينة الحياة الدنيا " و قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب". و في هذه الايام حيث طغى الفكر الرأسمالي هناك دفع قوي باتجاه كسب المزيد من المال فلا احد يسأل نفسه لماذا كل هذا الجمع و لماذا طلب المزيد ؟ لقد وضعنا في دوامة لا تنتهي فكلما زاد المدخول زادت الاحتياجات و تكاثرت المتطلبات و هنا ايضا ننسى السؤال الاساسي ما هو الفرق بين الحاجة و الرغبة ؟ لقد تسربت مفاهيم الرأسمالية الى فكرنا و مفهومنا عن المال و السعادة فأصبحنا في سباق للتكاثر ، لا يكفي ان يعيل الرجل بيته و لكن فجأة اصبح عمل المرأة ضرورة ملحة و اصبح الاعتماد على مصدر واحد للدخل فكرة غبية بل يجب تنويع مصادر الدخل و البحث عن اي فرصة لاكتساب المزيد. لقد بات الكثير منا لا يستطيع التقاعد مبكرا لانه لن يحصل على كامل مرتبه مع ان الناس كانت الى زمن قريب لا تعرف معنى المعاش التقاعدي ! الفكر المادي تغوغل في المجتمع لدرجة انه هذه الايام لا تكاد تجد بيتا واحدا الا و قد صمم على نظام الشقق و ان كان الرجل ليس في حاجة حقيقية الى مدخول هذه الشقق . هذه امثلة قليلة على تأثير الثقافة الغربية في التعامل مع المال و تعزيز النفسية التكاثرية و اذا اردنا ان نستقصي كل الامثلة سيطول بنا المقام فهناك مثلا الدورات التي تعطى في فن التعامل مع المال Money Management و هذه الدورات بوجهة نظري الشخصية تحتوي على الكثير من المفاهيم المستوردة من الغرب البعيدة عن روح تعاليم اهل البيت عليهم السلام.
اما نظرتنا الى الدَين هي نظرة خوف و كره و قد قيل ان " الدين هم في الليل و ذل في النهار " و نرى كثيرا من الادعية تشير الى مسألة الدين. لا شك ان الدين لا يطلب لنفسه فلا احد يريد ان يكون مديونا و لكن كلامي بخصوص الذين يدعون الى تجنب الدين و ان تعسرت المصالح و تأخر قضاء الحاجات . اوضح مثال في هذا الباب هو ان البعض منا قد يقرض غيره ما دام في يسر و لكن لا يمكنه ان يتقبل فكرة الاقتراض لاقراض احد المؤمنين ممن هم في حاجة . لقد عاشرت من الاصدقاء من يؤخر الزواج الى سنوات فقط لكي يتمكن من تأمين مستلزمات الزواج بدون الحاجة الى الاقتراض ، هذا و هو على رأس العمل و يتمتع بمدخول كبير. اما انا شخصيا فاقترضت للتعجيل بالزواج مع كل ما يستلزم ذلك من اعسار و ذلك في مجتمع يعمل بمقولة " خله يكون نفسه " ، ليس من المناسب ذكر اموري الشخصية في هذا الباب و لكن هذا مثال واحد لتوضيح المطلب. ان من اقرب القصائد الى قلبي و احبها قصيدة المقنع الكندي فأنا و ان كان حالي يختلف عنه فلست في حرب مع اقاربي الا انني مختلف عنهم في كثير من الامور التي ادين بها و اعيش بناء عليها :
و ان الذي بيني و بين بني ابي ... و بين بني عمي لمختلف جدا
لكن مطلع القصيدة شعار امتثله في حياتي :
يعاتبني في الدين قومي و انما ... ديوني في اشياء تكسبهم حمدا
الم ير قومي كيف اوسر مرة ... و اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
و قوله اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا هو ما عشته كرارا و لكن ان كانت الديون في اشياء تكسب الانسان حمدا فلا ابالي بالعسرة بل في احيان كثيرة اتوق اليها لانها تجعل الانسان في حاجة الى ربه يرجوه و يدعوه فيستجيب له كما قال سبحانه و تعالى " و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره " . الذين يبالغون في الاحتياط و الادخار و يحملون هم المستقبل قد يقعون في سوء الظن بالله من حيث لا يشعرون و كفى بالمرء عيبا ان يتهم رازقه . و لعل من اقرب الاحاديث دلالة على المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم مع بلال عندما ادخر الاخير التمر حيث قال له اما تخشى ان يفور له بخار في جهنم ؟ انفق بلال ! و لا تخش من ذي العرش اقلالا – او اقتارا - . اليس من الحري بنا ان نتفكر في رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم كيف توفي مديونا ؟ قوله لأمير المؤمنين عليه السلام " و انت تقضي ديني " بل ان امير المؤمنين عليه السلام نفسه قبض مديونا . و قد اوصى مسلم ابن عقيل سلام الله عليه قبل ان يقتل بسداد دينه ! على ماذا يدل كل هذا ؟ هل كان ينقص امير المؤمنين عليه السلام المال مثلا ؟
لهم جل مالي ان تتابع لي غنى ... و ان قل مالي لم اكلفهم رفدا
و هذا من المعاني الجليلة فإن الذي يستدين يجب ان لا يكون دينه من المعاتبين له او من الذين يكفلهم او اقاربه او ضيفه و الا كان عالة عليهم و لصح منهم العتاب و لذهب الحمد و لكن كما قال الشاعر حتى في حالة العسرة لا اطلب الرفد منهم و هذا هو طريق العزة التي تبعد ذل النهار .
حقيقة الكلام في هذا الباب صعب لانه يوحي بأن المتكلم يدعي لنفسه افضلية على غيره و هذا ظاهر في قصيدة المقنع ، فمثلا قوله :
و لا احمل الحقد القديم عليهم ... و ليس كريم القوم من يحمل الحقدا
و في رواية اخرى " و ليس بسيد القوم من يحمل الحقدا " ففي كل الاحوال اثبت الشاعر في البيت سيادته على قومه . لكن في النهاية هي رسالة ارجو ان تقرأ كما هي و لا تحمل ما لا طاقة لها به و هذا ما تكلمت عنه في المقالة السابقة عن قراءة ما بين السطور .
دمتم في الرضا ،
مازلت مختلفا عن أقراني و عن مجتمعي في اغلب الاحيان اغرد خارج السرب لا أسعى للاختلاف لمجرد الاختلاف و التميز او طلبا لشهرة و انما هكذا تأتي معي الامور فعندما اطيل الفكر في امر ما اصل الى نتائج مختلفة عن عامة المجتمع ، و اعتقد ان من يطيل التفكير في خياراته و موروثاته سيصل في كثير من الاحيان الى نتائج تختلف عن نمط معيشة بيئته . النمطية التي نعيشها الان في مجتمعاتنا سواءً في طريقة المعيشة الاستهلاكية او حياة المكعبات في الشركات " Corporation Cubics " او هدف الحياة كما اشرت في مواطن سابقة يصعب تجنبها و كما قيل " الحشر مع الناس عيد " . و من الامور التي دائما كنت في اختلاف فيها هي الامور المالية و ذلك في جوانب متعددة و لكن في هذه السطور سأتكلم عن الدَين فقط .
نظرتنا الى المال نظرة حب و اشتياق و طلب ، قال تعالى "المال و البنون زينة الحياة الدنيا " و قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب". و في هذه الايام حيث طغى الفكر الرأسمالي هناك دفع قوي باتجاه كسب المزيد من المال فلا احد يسأل نفسه لماذا كل هذا الجمع و لماذا طلب المزيد ؟ لقد وضعنا في دوامة لا تنتهي فكلما زاد المدخول زادت الاحتياجات و تكاثرت المتطلبات و هنا ايضا ننسى السؤال الاساسي ما هو الفرق بين الحاجة و الرغبة ؟ لقد تسربت مفاهيم الرأسمالية الى فكرنا و مفهومنا عن المال و السعادة فأصبحنا في سباق للتكاثر ، لا يكفي ان يعيل الرجل بيته و لكن فجأة اصبح عمل المرأة ضرورة ملحة و اصبح الاعتماد على مصدر واحد للدخل فكرة غبية بل يجب تنويع مصادر الدخل و البحث عن اي فرصة لاكتساب المزيد. لقد بات الكثير منا لا يستطيع التقاعد مبكرا لانه لن يحصل على كامل مرتبه مع ان الناس كانت الى زمن قريب لا تعرف معنى المعاش التقاعدي ! الفكر المادي تغوغل في المجتمع لدرجة انه هذه الايام لا تكاد تجد بيتا واحدا الا و قد صمم على نظام الشقق و ان كان الرجل ليس في حاجة حقيقية الى مدخول هذه الشقق . هذه امثلة قليلة على تأثير الثقافة الغربية في التعامل مع المال و تعزيز النفسية التكاثرية و اذا اردنا ان نستقصي كل الامثلة سيطول بنا المقام فهناك مثلا الدورات التي تعطى في فن التعامل مع المال Money Management و هذه الدورات بوجهة نظري الشخصية تحتوي على الكثير من المفاهيم المستوردة من الغرب البعيدة عن روح تعاليم اهل البيت عليهم السلام.
اما نظرتنا الى الدَين هي نظرة خوف و كره و قد قيل ان " الدين هم في الليل و ذل في النهار " و نرى كثيرا من الادعية تشير الى مسألة الدين. لا شك ان الدين لا يطلب لنفسه فلا احد يريد ان يكون مديونا و لكن كلامي بخصوص الذين يدعون الى تجنب الدين و ان تعسرت المصالح و تأخر قضاء الحاجات . اوضح مثال في هذا الباب هو ان البعض منا قد يقرض غيره ما دام في يسر و لكن لا يمكنه ان يتقبل فكرة الاقتراض لاقراض احد المؤمنين ممن هم في حاجة . لقد عاشرت من الاصدقاء من يؤخر الزواج الى سنوات فقط لكي يتمكن من تأمين مستلزمات الزواج بدون الحاجة الى الاقتراض ، هذا و هو على رأس العمل و يتمتع بمدخول كبير. اما انا شخصيا فاقترضت للتعجيل بالزواج مع كل ما يستلزم ذلك من اعسار و ذلك في مجتمع يعمل بمقولة " خله يكون نفسه " ، ليس من المناسب ذكر اموري الشخصية في هذا الباب و لكن هذا مثال واحد لتوضيح المطلب. ان من اقرب القصائد الى قلبي و احبها قصيدة المقنع الكندي فأنا و ان كان حالي يختلف عنه فلست في حرب مع اقاربي الا انني مختلف عنهم في كثير من الامور التي ادين بها و اعيش بناء عليها :
و ان الذي بيني و بين بني ابي ... و بين بني عمي لمختلف جدا
لكن مطلع القصيدة شعار امتثله في حياتي :
يعاتبني في الدين قومي و انما ... ديوني في اشياء تكسبهم حمدا
الم ير قومي كيف اوسر مرة ... و اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا
و قوله اعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا هو ما عشته كرارا و لكن ان كانت الديون في اشياء تكسب الانسان حمدا فلا ابالي بالعسرة بل في احيان كثيرة اتوق اليها لانها تجعل الانسان في حاجة الى ربه يرجوه و يدعوه فيستجيب له كما قال سبحانه و تعالى " و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره " . الذين يبالغون في الاحتياط و الادخار و يحملون هم المستقبل قد يقعون في سوء الظن بالله من حيث لا يشعرون و كفى بالمرء عيبا ان يتهم رازقه . و لعل من اقرب الاحاديث دلالة على المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم مع بلال عندما ادخر الاخير التمر حيث قال له اما تخشى ان يفور له بخار في جهنم ؟ انفق بلال ! و لا تخش من ذي العرش اقلالا – او اقتارا - . اليس من الحري بنا ان نتفكر في رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم كيف توفي مديونا ؟ قوله لأمير المؤمنين عليه السلام " و انت تقضي ديني " بل ان امير المؤمنين عليه السلام نفسه قبض مديونا . و قد اوصى مسلم ابن عقيل سلام الله عليه قبل ان يقتل بسداد دينه ! على ماذا يدل كل هذا ؟ هل كان ينقص امير المؤمنين عليه السلام المال مثلا ؟
لهم جل مالي ان تتابع لي غنى ... و ان قل مالي لم اكلفهم رفدا
و هذا من المعاني الجليلة فإن الذي يستدين يجب ان لا يكون دينه من المعاتبين له او من الذين يكفلهم او اقاربه او ضيفه و الا كان عالة عليهم و لصح منهم العتاب و لذهب الحمد و لكن كما قال الشاعر حتى في حالة العسرة لا اطلب الرفد منهم و هذا هو طريق العزة التي تبعد ذل النهار .
حقيقة الكلام في هذا الباب صعب لانه يوحي بأن المتكلم يدعي لنفسه افضلية على غيره و هذا ظاهر في قصيدة المقنع ، فمثلا قوله :
و لا احمل الحقد القديم عليهم ... و ليس كريم القوم من يحمل الحقدا
و في رواية اخرى " و ليس بسيد القوم من يحمل الحقدا " ففي كل الاحوال اثبت الشاعر في البيت سيادته على قومه . لكن في النهاية هي رسالة ارجو ان تقرأ كما هي و لا تحمل ما لا طاقة لها به و هذا ما تكلمت عنه في المقالة السابقة عن قراءة ما بين السطور .
دمتم في الرضا ،