كلام عن الابداع
بسم الله الرحمن الرحيم
“بديع السماوات و الارض “ ، الابداع هو الاتيان بشيء على غير مثال سابق. هذه اقصى مراتب الابداع فتبارك الله احسن الخالقين.
سألني احد الاخوة عن سبب قلة الابداع عند شبابنا هذه الايام. السؤال في حد ذاته صعب و معقد و يحتاج الى ابداع في اجابته و انا لست من المبدعين! فتوقفت لافكر في سبب قلة الابداع عندنا ، و لكن لم اصل الى شيء يذكر فقررت ان استعين بمقولات العظماء في الابداع لعلي اجد ضالتي، فكان اول مفتاح هو مقولة اينشتاين:
” المعضلات لا يمكن حلها بنفس مستوى التفكير الذي خلقها “
هذا العالم العبقري يشير الى نقطة جديرة بالتأمل فنحن عادة نحسب ان التفكير شيء افقي مسطح ذو مستوى واحد ، فعندما نقابل مشكلة معينة نحاول ان نحلها بالاساليب التي اعتدنا عليها و تعلمناها منذ زمن فتصبح عملية التفكير مجرد محاولات صعبة للتذكر. لكن في اغلب الاحيان المشكلة تحتاج شيئا اكثر مما تعلمناه ، المسالة تحتاج الى تزاوج بين المباديء و الطرق لانشاء طريقة جديدة لحل المشكلة. التسلسل المنطقي للافكار قد يفضي الى الحل و لكنه قد يصل الى باب مسدود ( ماذا لو كانت الخطوة الاولى في حد ذاتها غير مناسبة؟)
النقطة المهمة الاخرى هي عندما نحاول حل مشكلة بالطرق التي نعرفها فنحن نؤطر فرص الحل فربما يكون الحل من زاوية مغايرة كليا. مثال عملي بسيط على هذا المبدأ هو ان الكاتب او الشاعر عندما يكتب مقطوعة عندما يراجعها مباشرة لا يصطاد الاخطاء و لا يضيف و يعدل كما لو ترك النص فترة من الزمن و عاد اليه بعدها برؤية جديدة لذلك هناك اهمية لان يعرض الشخص اعماله على اشخاص اخرين ينظرون الى العمل من زوايا مختلفة في اغلب الاحيان تؤدي الى نقاط و رؤى قد يكون اغفلها.
جورج برنارد شو يقول:
” التخيل بداية الخلق (الابداع) : تتخيل ما تريد ، ترغب بما تتخيل ، و في النهاية تخلق ما ترغب”
مقولة غاية في الروعة تبني على ان التخيل هو اساس الابداع و مع الاسف شخصيا ارى ان هذا من اهم اسباب عدم الابداع عندنا. نحن لا نجلس لنتخيل ، لا نعطي عقلنا فرصة لكي يسرح بنا في بحور الخيال ، تأسرنا الحياة بسرعة ايقاعها حتى اننا لا نتفكر فضلا عن ان نتخيل.
برنارد شو يقسم عملية الابداع الى ثلاثة اقسام :
1- التخيل
2- العزيمة
3- الخلق
عمليا اذا علينا ان نجلس و نتأمل و نتفكر (طبعا كلا في اهتمامه و تخصصه) و من ثم نرتقي بهذه الافكار الى مرحلة الخيال حيث نجمح بالخيال في اودية غريبة فكما قالوا: “العقول الخلاقة عادة غير مرتبة” بمعنى ان الخيال يجب الا يكون منطقيا مرتبا منظما قريب المنال و الا لكان مجرد تفكر و نحن نريد بعدا اعلى غير مقيد بالحواس و المنطق و المادية . ثم تأتي مرحلة العزيمة على انزال هذا الخيال حيز التطبيق فنخطط و ان كان بصورة اقل و ان كان بمرتبة ادنى عندها نبدء مرحلة الخلق و الابداع. هذه الطريقة قريبة جدا من طريقة الافعال فنحن لكي نفعل:
1- نفكر
2- نعزم
3- نطبق
لكن الابداع يحتاج الى الشجاعة كما يقول جورج برنس لانه عادة ما يكون سابقا لاوانه مخالفا لاعراف الناس فتلقى منهم الاستهجان . و كما قيل الناس اعداء ما جهلوا.
طيب ، نعود مرة اخرى الى واقعنا لماذا لا يوجد ابداع ؟
بعد تأمل اكتشفت ان اغلب الاشخاص الذين اعرفهم لا يعملون فيما كانوا يرغبون فيه و انما الحياة هي من اختارت لهم اعمالهم. خذوا محدثكم كمثال فعندما كنت صغيرا و على مدى سنوات الى قبل خمس سنوات كانت هذه امنياتي عندما اكبر:
1- ان اصبح عالما في الدين
2- ان اصبح فيلسوفا
3- ان اصبح اديبا
4- ان اصبح مبرمجا
تلاحظون ان الرابط المشترك بين كل هذه المجالات كونها اشياء نظرية في غالب الامر فهي اشياء تحتاج الى التفكر و الحس المنطقي و من ثم اللغوي و لكن قبل خمس سنوات فرضت علي الحياة ان اعمل في مجال لم يكن في خاطري فأنا الان موظف في شركة كبيرة اعمل كمسؤول عن النقل. بطبيعة الحال لا يتوقع مني ان اكون مبدعا في هذا المجال فأنا لا احبه اساسا بل الاعظم اني لا ارى له اي قيمة و انما آتي للدوام و اعمل ثمان ساعات لكي استلم مرتبي اخر الشهر . شخص بمثل هذه الحال لا يتوقع منه ابدا ان يبدع شيئا خلاقا في بيئة عمله على النقيض من هذا ماذا لو كنت احد الخيارات السابقة الذكر؟ بطبيعة الحال سيكون الحال مختلفا جذريا. يقول راندال شوارتز اذا كنت تريد ان تعرف ماذا هو عملك الحقيقي فانظر الى اعمالك خارج الدوام (الوظيفة)! كم هو محق في قوله فالذي يقوم بالبرمجة في بيته او بالكتابة او غير ذلك هذا هو في حقيقة الامر ما يجب ان يكون عمله و لكن للحياة احكام و تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
و لكن مع الاسف حتى الاشخاص الذين ينتهون في وظائف هم اختاروها هم بدورهم لا يبدعون فالواقع في مجتمعي انه في فترة من الفترات توجه الكل الى التعليم ليس لغاية خدمة المجتمع و بناء جيل جديد و الرقي بالذات بقدر ما هو مسألة توفر وظائف برواتب مجزية تضمن العيش الكريم. الكثير من هؤلاء اخذ شهادات بكالريوس و دخل سلك التعليم و لكنه لا يقدم شيئا لطلابه سواء عمليا او قيميا. بل حتى على مستواه الشخصي لا نراه يطمع لشيء بعد درجة البكالريوس فالى الان يدهشني الكثير من المدرسين لا يوجد لديهم مكتبة شخصية و لا يشاركون في اي شكل من اشكال التطوير الذاتي.
هؤلاء لهم دور خطير في قتل الابداع و سأعطيكم مثالا عشته شخصيا. فأنا اذ درست خارج المملكة معظم حياتي عندما رجعت الى الصف الثالث الثانوي طلب منا ان نكتب بحثا علميا لمادة المكتبة و قد كنت حينها فتى يافعا لا اعرف كيف تجري الامور هنا ! فقمت بكتابة بحث عن الادب البوليسي. و كتبته كاملا من ذهني و انشائي بدون استخدام اي مصدر خارجي و ذلك اعتمادا على مرئياتي و قراءاتي السابقة لاجاثا كريستي و السير ارثر كونان دويل و لكم كنت فخورا بهذا البحث و لكن مع الاسف تفاجات بان المدرس يتهمني بالغش و يرفض اعطائي اي درجة مما دعاني ان استنجد بمدرس اللغة العربية الذي توسط لي و شهد بقدرتي لدى هذا المعلم الذي في اخر المطاف تنازل ليعطيني درجة عادية جدا مع اصراره على ان هذا البحث لا يمكن ان يصدر من طالب مثلي.
منذ ذلك اليوم و انا انسخ و الصق البحوث من الانترنت في دراساتي الاكاديمية و بهذه الطريقة انهيت الدراسة الجامعية في تخصص علوم الحاسب لانه لا معنى لان اشغل نفسي في كتابة بحوث طويلة من انتاجي و في نهاية المطاف تكون درجتي سواء مع بحوث ويكبيديا.
اخيرا السؤال المهم ماذا نبدع ؟ الاجابة رائعة من كارل جونغ
” اذا لم يكن هناك شيء لتخلقه ، فاخلق نفسك ! “
نعم لماذا لا نبدا بانفسنا ؟ لماذا لا ننظر الى انفسنا برؤية جديدة مغايرة نرى فيها انفسنا مبدعين و علماء و مفكرين و ناشطين؟ و نبدا باصلاح انفسنا و تطويرها . فالاهم من الابداع في صنع الة او فكرة او لوحة فنية هو الابداع في صنع انفسنا بتجميل اخلاقها و ازالة نواقصها و الرقي بافكارها و اصلاح مبادئها و رؤاها.
“بديع السماوات و الارض “ ، الابداع هو الاتيان بشيء على غير مثال سابق. هذه اقصى مراتب الابداع فتبارك الله احسن الخالقين.
سألني احد الاخوة عن سبب قلة الابداع عند شبابنا هذه الايام. السؤال في حد ذاته صعب و معقد و يحتاج الى ابداع في اجابته و انا لست من المبدعين! فتوقفت لافكر في سبب قلة الابداع عندنا ، و لكن لم اصل الى شيء يذكر فقررت ان استعين بمقولات العظماء في الابداع لعلي اجد ضالتي، فكان اول مفتاح هو مقولة اينشتاين:
” المعضلات لا يمكن حلها بنفس مستوى التفكير الذي خلقها “
هذا العالم العبقري يشير الى نقطة جديرة بالتأمل فنحن عادة نحسب ان التفكير شيء افقي مسطح ذو مستوى واحد ، فعندما نقابل مشكلة معينة نحاول ان نحلها بالاساليب التي اعتدنا عليها و تعلمناها منذ زمن فتصبح عملية التفكير مجرد محاولات صعبة للتذكر. لكن في اغلب الاحيان المشكلة تحتاج شيئا اكثر مما تعلمناه ، المسالة تحتاج الى تزاوج بين المباديء و الطرق لانشاء طريقة جديدة لحل المشكلة. التسلسل المنطقي للافكار قد يفضي الى الحل و لكنه قد يصل الى باب مسدود ( ماذا لو كانت الخطوة الاولى في حد ذاتها غير مناسبة؟)
النقطة المهمة الاخرى هي عندما نحاول حل مشكلة بالطرق التي نعرفها فنحن نؤطر فرص الحل فربما يكون الحل من زاوية مغايرة كليا. مثال عملي بسيط على هذا المبدأ هو ان الكاتب او الشاعر عندما يكتب مقطوعة عندما يراجعها مباشرة لا يصطاد الاخطاء و لا يضيف و يعدل كما لو ترك النص فترة من الزمن و عاد اليه بعدها برؤية جديدة لذلك هناك اهمية لان يعرض الشخص اعماله على اشخاص اخرين ينظرون الى العمل من زوايا مختلفة في اغلب الاحيان تؤدي الى نقاط و رؤى قد يكون اغفلها.
جورج برنارد شو يقول:
” التخيل بداية الخلق (الابداع) : تتخيل ما تريد ، ترغب بما تتخيل ، و في النهاية تخلق ما ترغب”
مقولة غاية في الروعة تبني على ان التخيل هو اساس الابداع و مع الاسف شخصيا ارى ان هذا من اهم اسباب عدم الابداع عندنا. نحن لا نجلس لنتخيل ، لا نعطي عقلنا فرصة لكي يسرح بنا في بحور الخيال ، تأسرنا الحياة بسرعة ايقاعها حتى اننا لا نتفكر فضلا عن ان نتخيل.
برنارد شو يقسم عملية الابداع الى ثلاثة اقسام :
1- التخيل
2- العزيمة
3- الخلق
عمليا اذا علينا ان نجلس و نتأمل و نتفكر (طبعا كلا في اهتمامه و تخصصه) و من ثم نرتقي بهذه الافكار الى مرحلة الخيال حيث نجمح بالخيال في اودية غريبة فكما قالوا: “العقول الخلاقة عادة غير مرتبة” بمعنى ان الخيال يجب الا يكون منطقيا مرتبا منظما قريب المنال و الا لكان مجرد تفكر و نحن نريد بعدا اعلى غير مقيد بالحواس و المنطق و المادية . ثم تأتي مرحلة العزيمة على انزال هذا الخيال حيز التطبيق فنخطط و ان كان بصورة اقل و ان كان بمرتبة ادنى عندها نبدء مرحلة الخلق و الابداع. هذه الطريقة قريبة جدا من طريقة الافعال فنحن لكي نفعل:
1- نفكر
2- نعزم
3- نطبق
لكن الابداع يحتاج الى الشجاعة كما يقول جورج برنس لانه عادة ما يكون سابقا لاوانه مخالفا لاعراف الناس فتلقى منهم الاستهجان . و كما قيل الناس اعداء ما جهلوا.
طيب ، نعود مرة اخرى الى واقعنا لماذا لا يوجد ابداع ؟
بعد تأمل اكتشفت ان اغلب الاشخاص الذين اعرفهم لا يعملون فيما كانوا يرغبون فيه و انما الحياة هي من اختارت لهم اعمالهم. خذوا محدثكم كمثال فعندما كنت صغيرا و على مدى سنوات الى قبل خمس سنوات كانت هذه امنياتي عندما اكبر:
1- ان اصبح عالما في الدين
2- ان اصبح فيلسوفا
3- ان اصبح اديبا
4- ان اصبح مبرمجا
تلاحظون ان الرابط المشترك بين كل هذه المجالات كونها اشياء نظرية في غالب الامر فهي اشياء تحتاج الى التفكر و الحس المنطقي و من ثم اللغوي و لكن قبل خمس سنوات فرضت علي الحياة ان اعمل في مجال لم يكن في خاطري فأنا الان موظف في شركة كبيرة اعمل كمسؤول عن النقل. بطبيعة الحال لا يتوقع مني ان اكون مبدعا في هذا المجال فأنا لا احبه اساسا بل الاعظم اني لا ارى له اي قيمة و انما آتي للدوام و اعمل ثمان ساعات لكي استلم مرتبي اخر الشهر . شخص بمثل هذه الحال لا يتوقع منه ابدا ان يبدع شيئا خلاقا في بيئة عمله على النقيض من هذا ماذا لو كنت احد الخيارات السابقة الذكر؟ بطبيعة الحال سيكون الحال مختلفا جذريا. يقول راندال شوارتز اذا كنت تريد ان تعرف ماذا هو عملك الحقيقي فانظر الى اعمالك خارج الدوام (الوظيفة)! كم هو محق في قوله فالذي يقوم بالبرمجة في بيته او بالكتابة او غير ذلك هذا هو في حقيقة الامر ما يجب ان يكون عمله و لكن للحياة احكام و تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
و لكن مع الاسف حتى الاشخاص الذين ينتهون في وظائف هم اختاروها هم بدورهم لا يبدعون فالواقع في مجتمعي انه في فترة من الفترات توجه الكل الى التعليم ليس لغاية خدمة المجتمع و بناء جيل جديد و الرقي بالذات بقدر ما هو مسألة توفر وظائف برواتب مجزية تضمن العيش الكريم. الكثير من هؤلاء اخذ شهادات بكالريوس و دخل سلك التعليم و لكنه لا يقدم شيئا لطلابه سواء عمليا او قيميا. بل حتى على مستواه الشخصي لا نراه يطمع لشيء بعد درجة البكالريوس فالى الان يدهشني الكثير من المدرسين لا يوجد لديهم مكتبة شخصية و لا يشاركون في اي شكل من اشكال التطوير الذاتي.
هؤلاء لهم دور خطير في قتل الابداع و سأعطيكم مثالا عشته شخصيا. فأنا اذ درست خارج المملكة معظم حياتي عندما رجعت الى الصف الثالث الثانوي طلب منا ان نكتب بحثا علميا لمادة المكتبة و قد كنت حينها فتى يافعا لا اعرف كيف تجري الامور هنا ! فقمت بكتابة بحث عن الادب البوليسي. و كتبته كاملا من ذهني و انشائي بدون استخدام اي مصدر خارجي و ذلك اعتمادا على مرئياتي و قراءاتي السابقة لاجاثا كريستي و السير ارثر كونان دويل و لكم كنت فخورا بهذا البحث و لكن مع الاسف تفاجات بان المدرس يتهمني بالغش و يرفض اعطائي اي درجة مما دعاني ان استنجد بمدرس اللغة العربية الذي توسط لي و شهد بقدرتي لدى هذا المعلم الذي في اخر المطاف تنازل ليعطيني درجة عادية جدا مع اصراره على ان هذا البحث لا يمكن ان يصدر من طالب مثلي.
منذ ذلك اليوم و انا انسخ و الصق البحوث من الانترنت في دراساتي الاكاديمية و بهذه الطريقة انهيت الدراسة الجامعية في تخصص علوم الحاسب لانه لا معنى لان اشغل نفسي في كتابة بحوث طويلة من انتاجي و في نهاية المطاف تكون درجتي سواء مع بحوث ويكبيديا.
اخيرا السؤال المهم ماذا نبدع ؟ الاجابة رائعة من كارل جونغ
” اذا لم يكن هناك شيء لتخلقه ، فاخلق نفسك ! “
نعم لماذا لا نبدا بانفسنا ؟ لماذا لا ننظر الى انفسنا برؤية جديدة مغايرة نرى فيها انفسنا مبدعين و علماء و مفكرين و ناشطين؟ و نبدا باصلاح انفسنا و تطويرها . فالاهم من الابداع في صنع الة او فكرة او لوحة فنية هو الابداع في صنع انفسنا بتجميل اخلاقها و ازالة نواقصها و الرقي بافكارها و اصلاح مبادئها و رؤاها.