الانسان النظري و الانسان العملي
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس منذ وقت طويل جاءت والدتي متأخرة الى الشقة و سألتني هل تعشيت ؟ اجبتها لا لم افعل ! فقالت و لم لم تخرج لك خبزا و تسخنه و تطبخ لك اي شيء ! فاجبتها افضل الجوع على ان اطبخ لي شيئا !.. فقالت : انت انسان نظري لا تجيد الاشياء العملية !
في مناسبة اخرى طلبت مني ان اصلح شمعة الانارة ، فأجبتها اني لا اعرف كيف اغيرها ! قالت لي ابن عمك يقوم بكل الاعمال الكهربائية فلا يحتاجون لعامل كهرباء . قلت لها ابن عمي لا يعرف ان يكتب قصيدة ! قالت الم اقل لك انك انسان نظري و الانسان النظري لا يستطيع تدبر الحياة العملية .
بعد هذه المقدمة القصيرة اريد ان اوضح انني هنا لست غافلا عن ضرورة التكامل بين الجانبين ، قوله تعالى ( اقرا ) و الحديث : ( اول العبادة المعرفة) ، و قوله تعالى ( و قل اعملوا ) فكما ورد ( العلم يدعو للعمل فان اجابه و الا ارتحل ) و غير ذلك مما يبين انه لا بد من التكامل و التوافق بين الشيئين فالانسان الذي لا يعرف اين وجهته لا يفيده السير الا بعدا ! و كذا من لا يسير ما تغنيه معرفته بمكان مقصده ؟؟
النقطة الاخرى انني استخدم لفظة النظرية بغض النظر عن التفريق بينها و بين الحقائق لانه ربما من الصعب ان يرسم حدا فاصلا بين النظرية و الحقيقة ، لو كان الكلام عن الفرضية ممكن و لكن النظرية ارى انها شاملة .
فالان بعد ان اوضحنا هذه النقطة لنسأل السؤال الاخر ايهما ستختار النظرية ( المعرفة ) او العمل ( التطبيق) ان كان لا بد من الاختيار بين الاثنين ؟
شخصيا افضل الاشياء النظرية لانها في اغلب الاحيان مفيدة و ان كانت قائمة بذاتها و لا تحتاج للتطبيق من جهة و من جهة اخرى عادة ما تكون حاكمة على التطبيق و تسهله . مثلا المبرمج لو بدا بالمفاهيم ( النظريات ) لاستطاع تطبيق اي برنامج يريد و ان كان سيواجه بعض العقبات (البسيطة غالبا) في مرحلة التطبيق ، و لكن لو بدا المبرمج بحفظ و تطبيق دوال و مكتبات "جافا" فلن يصل الى مكان و لو انه ايضا بدا تعلم البرمجة من خلال البرمجة مباشرة في مشروع لن يجديه نفعا و ان كان سيصل الى هدفه و لكن النتيجة اكتسابه عادات برمجية سيئة اضافة الى كود مشوه و عملاق كان يمكن ان يكون اكثر اناقة و اكثر اختصارا و اكثر امانا اضف الى ذلك صعوبة تطوير الكود لاحقا .
في الجانب العلمي الابداع و النقلات النوعية تكون من نظرية جديدة و ليس العكس ، مثلا عندما اطلق اينشتاين نظريته الجديدة في الجاذبية و صحح نظرية نيوتن بعدها جاء العالم البريطاني ادجنتون ليقوم بعملية التطبيق و الاستدلال على النظرية . اذا هل الافضل و الاصح ان نقوم بالتجارب بشكل عشوائي حتى نصل الى نظرية ؟ ام ان العكس هو الصحيح ؟
على انه يجب ملاحظة الفرق بين الاستدلال التطبيقي و الاستدلال المنطقي العقلي فالاخير ايضا يدخل في دائرة النظرية ، لذلك عندما يقول كونان دويل : من الخطأ الفادح ان تخلص الى نظرية بدون الاستدلال الكافي .. فهنا دويل يقصد النوع الثاني من الاستدلال .
في الجانب الديني و ان كان هناك اهمية خاصة للعبادة الكل يعرف ان الاهم هو الاعتقاد فشهادة لا اله الا الله محمد رسول الله قائمة بذاتها و العبادات مبنية عليها . فقيمة العبادة بالمعرفة و ليس العكس.
من اهم العلوم التي تعتمد النظرية و لا حاجة بها للتطبيق الرياضيات و الفلسفة ، في حال ان العلوم التطبيقية مثل الحاسب و الطب و غيرها كلها تعتمد اساسا على النظريات و ان كان يمكن للانسان البدء بالعكس الا انه لن يكون مثل الانسان الذي يبدا من نظريات و مفاهيم العلوم .
الانسان العملي يرى بعينيه و الانسان النظري يرى بعقله ، لنأخذ بعض الامثلة :
اذا اردنا ان نفرق بين طالبين في علوم الحاسب نرى ان الطالب النظري يهتم بكيفية عمل لغات البرمجة، بعبارة اخرى برمجة لغة البرمجة و اما الطالب العملي فهو يهتم بتطبيقات لغة البرمجة ، الطالب النظري يسأل لماذا اختار مصمم اللغة نظرية البرمجة الشيئية ؟ و هل اجدت نفعا ؟ كيف توظف هذه اللغة مفهوم التوارث ؟ لو كنت في مكان مصمم اللغة ما الذي كنت سأعيد كتابته ؟
الطالب العملي يتساءل ما هي تطبيقات هذه اللغة ؟ هل يمكنني ان اعمل لعبة بسيطة ؟ هل ستعمل على الجوالات ايضا ؟ هل سرعة اللغة مناسبة لمشروعي ؟ لماذا لا ابدا ببرمجة مشروع يستخدم المكتبة الفلانية ؟
الطالب النظري يسأل اسئلة كبيرة و الطالب العملي يسأل اسئلة بسيطة .
المشكلة عندنا اننا اناس عمليون بطبعنا فمثلا لو قيل لي اكتب برنامجا باستخدام "بيرل" وظيفته ان يعمل كقاموس عربي انجليزي فسأسرع بكتابة الكود باكثر الطرق سهولة و لن اكلف نفسي عناء القراءة في نظريات البحث ! نعم ، هناك نظريات متعددة لتحسين سرعة و دقة البحث و لكننا لا نقراها .. الكثير من الشباب يستخدمون الفوتوشوب للتصميم لانه هذا الدارج و لكن لو سألته ما الفرق في تقنية التصميم بين الفوتوشوب و الكورل لم يحر جوابا مع ان كل تقنية لها جانب مهم للمصمم . كيف يمكن لنا ان نبرمج نظام تشغيل و لا يوجد في المنهج الجامعي شيء عن نظريات نظم التشغيل ؟ كيف تتوقع ان تبرمج برنامج تصميم ثلاثي الابعاد و انت لا تفهم شيئا عن الابعاد ! و كيف يدرسوننا البرمجة و نحن لا نعرف انماط البرمجة ؟
الانسان النظري يجهد عقله و الانسان العملي يجهد جسمه ، لذلك الجوانب النظرية عادة ما تكون للاكثر ذكاء و الاكثر تفكرا و الاكثر فضولا و الاكثر خيالا و الاكثر ابداعا ، الانسان العملي يدرس ليلقى وظيفة تدر دخلا عاليا و ان كانت مجهدة و متعبة اما الانسان النظري يبحث عن وظيفة تسمح له بان يتعمق في مجاله او على الاقل لا تقف في وجهه .
الانسان النظري هو من طال تفكره و تكاثرت اسئلته ، هو انسان لا يرضى بنصف الاجابات و الحلول الجاهزة ، هذه المكتبة البرمجية لا تقدم ما اريد سأبرمج لها ما اريد او انتقل لغيرها ، الانسان العملي في الجانب الاخر يقول الكل يستخدم هذه المكتبة اذا سأبني مشروعي عليها .
الانسان النظري هو من يقدم الادب و الانسان العملي هو من يتذوق الادب ! الانسان النظري هو من يعمل الفن و الانسان العملي هو من يستهلك و يستمتع بالفن سواء كان الفنان كوبرك في لوحة سينمائية او دافنتشي في لوحة زيتية .
الانسان العملي عندما ينظر الى السماء ليلا في العراء يستمتع بجمال المنظر ، و الانسان النظري يتأمل و يتفكر .
طيب هل الانسان فعلا بحاجة لكل هذا التعمق و التفكر الذي قد يوصل الى الجنون كما قال (الآن جود) ؟
من يصل بهم التفكر و الاستغراق في المباديء الى الجنون او يرمي بهم في مستنقع الشك و الهلوسة هم اناس عمليون دخلوا الجانب النظري من الباب الخاطيء فزلت بهم الاقدام فعادوا يخبطون خبط عشواء حتى انتهى بهم المطاف الى ما انتهى .
فمثلا عندما يقول بوذا لاصحابه : لا تؤمنوا بشيء يا رهبان ، فقط لانكم اخبرتم به ، او لانه عادة و عرف ، او لانكم تخيلتموه هكذا ! لا تسلموا بما يقوله المعلم فقط من باب احترام المعلم ، و لكن سلموا بالشيء و امنوا به فقط بعد التحليل و التمحيص ….)) هنا يفهم الانسان السطحي الجزء الاول من الكلام فيبدا يشكك في كل شيء و لكن بما انه لا يعرف اسس التحليل و التمحيص الصحيح يبدا بالاضرار بنفسه بدلا من ان يفيدها .
و لكن انظر الى قول ارسطاطاليس عندما يقول : (( ما تحصلت عليه من الفلسفة هو : ان اعمل بدون اوامر ، ما يعمله الناس خوف النظام )) اضيف ان النظام هنا يقصد به اي رادع سواء الحكومة او الدين او اي طرف ثالث .
كل الناس تفكر و كل له قطار من الافكار ، و لكن القليل يدرك خطورة الافكار و دورها في تكوين الانسان ، فاذا لم تكن انسانا مفكرا فالى اي مدى انت انسان ؟
من منا راقب هذا القطار من الافكار في جلسة تأمل لربع ساعة ؟ هل تعلم ان هذه الافكار قد تصنع افعالك خاصة اللاارادية منها ؟ هل انت راض عما تحكيه افكارك ؟
الكل ممكن ان يكون ممتازا في مجال ما ، و لكن القليل القليل هم من يبدعون ، هؤلاء العباقرة ليسوا اشد ذكاء منا و لكنهم عرفوا قيمة الفكر و النظر و التجريد فلم تعد الاشياء مجرد روتين و عادات ،، لانهم ينظرون و لكن ليس من زاويتنا بل لديهم بعدا اخرا ينظرون منه الى الاشياء فتظهر لهم الاشياء على حقيقتها و تتجلى لهم الحقائق في ابسط اشكالها مع انتهاء تعقيدها ..
دمتم في الرضا
ليس منذ وقت طويل جاءت والدتي متأخرة الى الشقة و سألتني هل تعشيت ؟ اجبتها لا لم افعل ! فقالت و لم لم تخرج لك خبزا و تسخنه و تطبخ لك اي شيء ! فاجبتها افضل الجوع على ان اطبخ لي شيئا !.. فقالت : انت انسان نظري لا تجيد الاشياء العملية !
في مناسبة اخرى طلبت مني ان اصلح شمعة الانارة ، فأجبتها اني لا اعرف كيف اغيرها ! قالت لي ابن عمك يقوم بكل الاعمال الكهربائية فلا يحتاجون لعامل كهرباء . قلت لها ابن عمي لا يعرف ان يكتب قصيدة ! قالت الم اقل لك انك انسان نظري و الانسان النظري لا يستطيع تدبر الحياة العملية .
بعد هذه المقدمة القصيرة اريد ان اوضح انني هنا لست غافلا عن ضرورة التكامل بين الجانبين ، قوله تعالى ( اقرا ) و الحديث : ( اول العبادة المعرفة) ، و قوله تعالى ( و قل اعملوا ) فكما ورد ( العلم يدعو للعمل فان اجابه و الا ارتحل ) و غير ذلك مما يبين انه لا بد من التكامل و التوافق بين الشيئين فالانسان الذي لا يعرف اين وجهته لا يفيده السير الا بعدا ! و كذا من لا يسير ما تغنيه معرفته بمكان مقصده ؟؟
النقطة الاخرى انني استخدم لفظة النظرية بغض النظر عن التفريق بينها و بين الحقائق لانه ربما من الصعب ان يرسم حدا فاصلا بين النظرية و الحقيقة ، لو كان الكلام عن الفرضية ممكن و لكن النظرية ارى انها شاملة .
فالان بعد ان اوضحنا هذه النقطة لنسأل السؤال الاخر ايهما ستختار النظرية ( المعرفة ) او العمل ( التطبيق) ان كان لا بد من الاختيار بين الاثنين ؟
شخصيا افضل الاشياء النظرية لانها في اغلب الاحيان مفيدة و ان كانت قائمة بذاتها و لا تحتاج للتطبيق من جهة و من جهة اخرى عادة ما تكون حاكمة على التطبيق و تسهله . مثلا المبرمج لو بدا بالمفاهيم ( النظريات ) لاستطاع تطبيق اي برنامج يريد و ان كان سيواجه بعض العقبات (البسيطة غالبا) في مرحلة التطبيق ، و لكن لو بدا المبرمج بحفظ و تطبيق دوال و مكتبات "جافا" فلن يصل الى مكان و لو انه ايضا بدا تعلم البرمجة من خلال البرمجة مباشرة في مشروع لن يجديه نفعا و ان كان سيصل الى هدفه و لكن النتيجة اكتسابه عادات برمجية سيئة اضافة الى كود مشوه و عملاق كان يمكن ان يكون اكثر اناقة و اكثر اختصارا و اكثر امانا اضف الى ذلك صعوبة تطوير الكود لاحقا .
في الجانب العلمي الابداع و النقلات النوعية تكون من نظرية جديدة و ليس العكس ، مثلا عندما اطلق اينشتاين نظريته الجديدة في الجاذبية و صحح نظرية نيوتن بعدها جاء العالم البريطاني ادجنتون ليقوم بعملية التطبيق و الاستدلال على النظرية . اذا هل الافضل و الاصح ان نقوم بالتجارب بشكل عشوائي حتى نصل الى نظرية ؟ ام ان العكس هو الصحيح ؟
على انه يجب ملاحظة الفرق بين الاستدلال التطبيقي و الاستدلال المنطقي العقلي فالاخير ايضا يدخل في دائرة النظرية ، لذلك عندما يقول كونان دويل : من الخطأ الفادح ان تخلص الى نظرية بدون الاستدلال الكافي .. فهنا دويل يقصد النوع الثاني من الاستدلال .
في الجانب الديني و ان كان هناك اهمية خاصة للعبادة الكل يعرف ان الاهم هو الاعتقاد فشهادة لا اله الا الله محمد رسول الله قائمة بذاتها و العبادات مبنية عليها . فقيمة العبادة بالمعرفة و ليس العكس.
من اهم العلوم التي تعتمد النظرية و لا حاجة بها للتطبيق الرياضيات و الفلسفة ، في حال ان العلوم التطبيقية مثل الحاسب و الطب و غيرها كلها تعتمد اساسا على النظريات و ان كان يمكن للانسان البدء بالعكس الا انه لن يكون مثل الانسان الذي يبدا من نظريات و مفاهيم العلوم .
الانسان العملي يرى بعينيه و الانسان النظري يرى بعقله ، لنأخذ بعض الامثلة :
اذا اردنا ان نفرق بين طالبين في علوم الحاسب نرى ان الطالب النظري يهتم بكيفية عمل لغات البرمجة، بعبارة اخرى برمجة لغة البرمجة و اما الطالب العملي فهو يهتم بتطبيقات لغة البرمجة ، الطالب النظري يسأل لماذا اختار مصمم اللغة نظرية البرمجة الشيئية ؟ و هل اجدت نفعا ؟ كيف توظف هذه اللغة مفهوم التوارث ؟ لو كنت في مكان مصمم اللغة ما الذي كنت سأعيد كتابته ؟
الطالب العملي يتساءل ما هي تطبيقات هذه اللغة ؟ هل يمكنني ان اعمل لعبة بسيطة ؟ هل ستعمل على الجوالات ايضا ؟ هل سرعة اللغة مناسبة لمشروعي ؟ لماذا لا ابدا ببرمجة مشروع يستخدم المكتبة الفلانية ؟
الطالب النظري يسأل اسئلة كبيرة و الطالب العملي يسأل اسئلة بسيطة .
المشكلة عندنا اننا اناس عمليون بطبعنا فمثلا لو قيل لي اكتب برنامجا باستخدام "بيرل" وظيفته ان يعمل كقاموس عربي انجليزي فسأسرع بكتابة الكود باكثر الطرق سهولة و لن اكلف نفسي عناء القراءة في نظريات البحث ! نعم ، هناك نظريات متعددة لتحسين سرعة و دقة البحث و لكننا لا نقراها .. الكثير من الشباب يستخدمون الفوتوشوب للتصميم لانه هذا الدارج و لكن لو سألته ما الفرق في تقنية التصميم بين الفوتوشوب و الكورل لم يحر جوابا مع ان كل تقنية لها جانب مهم للمصمم . كيف يمكن لنا ان نبرمج نظام تشغيل و لا يوجد في المنهج الجامعي شيء عن نظريات نظم التشغيل ؟ كيف تتوقع ان تبرمج برنامج تصميم ثلاثي الابعاد و انت لا تفهم شيئا عن الابعاد ! و كيف يدرسوننا البرمجة و نحن لا نعرف انماط البرمجة ؟
الانسان النظري يجهد عقله و الانسان العملي يجهد جسمه ، لذلك الجوانب النظرية عادة ما تكون للاكثر ذكاء و الاكثر تفكرا و الاكثر فضولا و الاكثر خيالا و الاكثر ابداعا ، الانسان العملي يدرس ليلقى وظيفة تدر دخلا عاليا و ان كانت مجهدة و متعبة اما الانسان النظري يبحث عن وظيفة تسمح له بان يتعمق في مجاله او على الاقل لا تقف في وجهه .
الانسان النظري هو من طال تفكره و تكاثرت اسئلته ، هو انسان لا يرضى بنصف الاجابات و الحلول الجاهزة ، هذه المكتبة البرمجية لا تقدم ما اريد سأبرمج لها ما اريد او انتقل لغيرها ، الانسان العملي في الجانب الاخر يقول الكل يستخدم هذه المكتبة اذا سأبني مشروعي عليها .
الانسان النظري هو من يقدم الادب و الانسان العملي هو من يتذوق الادب ! الانسان النظري هو من يعمل الفن و الانسان العملي هو من يستهلك و يستمتع بالفن سواء كان الفنان كوبرك في لوحة سينمائية او دافنتشي في لوحة زيتية .
الانسان العملي عندما ينظر الى السماء ليلا في العراء يستمتع بجمال المنظر ، و الانسان النظري يتأمل و يتفكر .
طيب هل الانسان فعلا بحاجة لكل هذا التعمق و التفكر الذي قد يوصل الى الجنون كما قال (الآن جود) ؟
من يصل بهم التفكر و الاستغراق في المباديء الى الجنون او يرمي بهم في مستنقع الشك و الهلوسة هم اناس عمليون دخلوا الجانب النظري من الباب الخاطيء فزلت بهم الاقدام فعادوا يخبطون خبط عشواء حتى انتهى بهم المطاف الى ما انتهى .
فمثلا عندما يقول بوذا لاصحابه : لا تؤمنوا بشيء يا رهبان ، فقط لانكم اخبرتم به ، او لانه عادة و عرف ، او لانكم تخيلتموه هكذا ! لا تسلموا بما يقوله المعلم فقط من باب احترام المعلم ، و لكن سلموا بالشيء و امنوا به فقط بعد التحليل و التمحيص ….)) هنا يفهم الانسان السطحي الجزء الاول من الكلام فيبدا يشكك في كل شيء و لكن بما انه لا يعرف اسس التحليل و التمحيص الصحيح يبدا بالاضرار بنفسه بدلا من ان يفيدها .
و لكن انظر الى قول ارسطاطاليس عندما يقول : (( ما تحصلت عليه من الفلسفة هو : ان اعمل بدون اوامر ، ما يعمله الناس خوف النظام )) اضيف ان النظام هنا يقصد به اي رادع سواء الحكومة او الدين او اي طرف ثالث .
كل الناس تفكر و كل له قطار من الافكار ، و لكن القليل يدرك خطورة الافكار و دورها في تكوين الانسان ، فاذا لم تكن انسانا مفكرا فالى اي مدى انت انسان ؟
من منا راقب هذا القطار من الافكار في جلسة تأمل لربع ساعة ؟ هل تعلم ان هذه الافكار قد تصنع افعالك خاصة اللاارادية منها ؟ هل انت راض عما تحكيه افكارك ؟
الكل ممكن ان يكون ممتازا في مجال ما ، و لكن القليل القليل هم من يبدعون ، هؤلاء العباقرة ليسوا اشد ذكاء منا و لكنهم عرفوا قيمة الفكر و النظر و التجريد فلم تعد الاشياء مجرد روتين و عادات ،، لانهم ينظرون و لكن ليس من زاويتنا بل لديهم بعدا اخرا ينظرون منه الى الاشياء فتظهر لهم الاشياء على حقيقتها و تتجلى لهم الحقائق في ابسط اشكالها مع انتهاء تعقيدها ..
دمتم في الرضا