الطريق الى خراسان
بسم الله الرحمن الرحيم
من ينظر إلى الخلفية التي نشأت فيها و المكان الذي ترعرت فيه ثم يتلمس اهتماماتي المعرفية سيكون من البديهيات لديه أن يستنتج أنني قرأت شيئا من أعمال كمال السيد ، لكن الحقيقة أنني لم أقرأ شيئا من أعماله أبدا. و من المفارقات أن يكون أول احتكاك لي بأعماله هنا بعد كل هذه السنوات على يد الأخت الغالية سدرة المنتهى .
ربما لا يخدم الموضوع كثيرا إشارتي إلى أنها قامت بتنظيم مسابقة هدفها حفظ خطبة كاملة للسيدة زينب ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام مستهدفة البراعم الناشئة في جيل يبدو أنه ضاع بين الاجهزة اللوحية و الجوالات و وجد فيها شغلا عن القراءة و الحفظ . لكن إشارتي لهذا هو إشادة بهكذا خطوة فلربما يتشجع بعض ممن فاز بالجائزة (نسخة من الرواية) و يواصل السير في عالم القراءة سواء في هذا المجال أي الروائي الديني أو أي مجال اخر.
حقيقة عندما قرأت عنوان الرواية و قرأت المقدمة التي عنونها الكاتب بـ " ليست بداية ! " كنت أعتقد أن الرواية تخص السيدة فاطمة بنت موسى عليهما السلام و لكن مع الاستغراق في الرواية و إكمالها إلى النهاية وجدت أن الرواية تخص الإمام علي بن موسى عليهما السلام . لكن الآن أعتقد أنني استبقت الأحداث فقد كانت هناك ثلاث رحلات إلى خراسان رحلة الإمام و السيدة و إخوان الإمام عليهم جميعا السلام. و لكن البداية بالكرامة المشهورة للسيدة فاطمة المعصومة وإنهاء الرواية بهذه الكرامة أيضا يجعلني في تردد و لا يخفى أن تعلقي بها له أثر أيضا .
لنلخص الرواية قبل الاستمرار فنقول أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- قليل من هارون و موسى بن جعفر عليهما السلام ثم ما جرى بين المأمون والأمين.
2- تولي المأمون للأمر و طلبه لأبي الحسن عليه السلام تولي العهد .
3- رحلة السيدة وإخوانها باتجاه خراسان واستشهادهم ، سم الإمام عليه السلام.
بداية أتعبني حقيقة البحث عن مخاطب الرواية ، ففي البداية استبعدت كونها موجهة للأطفال لأن الحجم لا يناسب ذلك فقلت أن الرواية تستهدف المراهقين أو الشباب لكن أجدها صعبة حتى على هؤلاء فالكاتب في كثير من الأحيان ينثر أسماء لأعلام وأماكن بدون تمهيد و شرح وكأنما يفترض أن القارئ على علم بها وهذا افتراض في غير محله. من ناحية أخرى الهوامش كلها مجمعة في نهاية الرواية فمن المزعج كثيرا أن تقرأ اسما لمكان ما مثلا و تحتاج أن تنتقل قرابة الثلاثمائة صفحة كي تعرف ما قصة هذا المكان و قد زاد الأمر صعوبة كون الهوامش هذه موضوعة بين نهاية الرواية و بين الملحقات الـستة بمعنى أنها ليست في البداية و لا النهاية بل في الوسط تقريبا.
الأمر الآخر وجود فصل كامل عن المحاورة التي جرت بين الرضا عليه السلام و بين عمران الصابي و هو من أطول فصول الرواية وأصعبها فهو يحتاج إلى معرفة بالكلام و الفلسفة ومصطلحاتها فلا أرى أنها (أي المحاورة) فعلا تناسب فئة الشباب وإن كان ولا بد ربما لو وضعت في الملحقات.
من المآخذ على الرواية استخدامه لعبارات أرى أن فيها تجاسرا ولو جزئيا على مقام الإمام الرضا عليه السلام مثلا هذه العبارة " أشاعت المياه السلام في روحه " أو تكراره لفظة الرجل الخمسيني أو الرجل الأسمر قاصدا بذلك الإمام عليه السلام ، هو طبعا يريد أن يكون أسلوبه أدبيا و لربما يحاول أن يركز على الجانب الإنساني في الإمام بدلا من التركيز على الجانب الإعجازي.
أيضا لفت نظري أن بعض القضايا أخذت حظا أكثر من غيرها مثلا هناك فصل كامل عن دعبل و قصيدته التائية ، ولكن حفل تنصيب الإمام لولاية العهد مثلا لم ينل ذلك الحظ الوافر من ناحية ذكر الشعراء وعلى رأسهم أبيات أبي نواس الشهيرة :
قيل لي أنت أوحد الناس طرا .. في فنون من المقال البديه
أو الأبيات الرائعة الأخرى :
مطهرون نقيات ثيابهم .. تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
لكن هذه الملاحظات لا تعني انني لم أستمتع بقراءة الرواية فقد أعجبني التوازن الجميل في السرد فلا هو طويل ممل ولا هو مختصر مضر ، وقد كان هناك كم جيد من المعلومات الجديدة بالنسبة لي في خصوص المأمون و الأمين بخلاف جانب الإمام و المعصومة فلم يكن هناك جديد يذكر . الأسلوب الأدبي جميل لأنه خفيف ولا يحاول أن يستحوذ على الرواية فيجعلها مجرد قطع إنشائية وإنما دوره فقط إضافة نعومة وجمال على السرد التاريخي. بشكل عام أجد أن السيد أجاد في الإحاطة بالمجريات المهمة في تلك الحقبة مع ذلك وجدت هناك إعادة لحادثة – لا أعلم هل كانت متعمدة أم لا – وبعض العبارات و التشبيهات .
من الأشياء التي افتقرت اليها الرواية الاستنتاجات والتحليلات للمواقف فهو يكتفي بالسرد في أغلب الاحيان وعندما يضيف شيئا من عنده لا يأتي بجديد بقدر ما يحاول أن يوضح ويركز على بعض النقاط التي قيلت بالاسترسال الأدبي .
ختاما أجد أن هذا النوع من الروايات قيم جدا و له مكان في المكتبة العائلية فلا أجدني أفضل أن يقرأ الشباب وخاصة من ليس لهم باع في القراءة كتب السير مثل منتهى الآمال بدلا من هكذا روايات فالأمانة التاريخية التي رأيتها و استقصاها الكثير من المواقف التي مرت على حياة الإمام تجعلني أشيد بها وأفضلها. رواية السيد هنا حتما أشعلت لدي فضول القراءة لبقية أعماله و لربما أعمال بنت الهدى التي أجلتها الى ما لا نهاية !
و تصادف الليلة ذكرى رحيل السيدة المعصومة ، لا حرمنا الله شفاعتها ..(هذه الجملة تشير الى التاريخ الاصلي لكتابة المقالة.)
دمتم في الرضا ،
من ينظر إلى الخلفية التي نشأت فيها و المكان الذي ترعرت فيه ثم يتلمس اهتماماتي المعرفية سيكون من البديهيات لديه أن يستنتج أنني قرأت شيئا من أعمال كمال السيد ، لكن الحقيقة أنني لم أقرأ شيئا من أعماله أبدا. و من المفارقات أن يكون أول احتكاك لي بأعماله هنا بعد كل هذه السنوات على يد الأخت الغالية سدرة المنتهى .
ربما لا يخدم الموضوع كثيرا إشارتي إلى أنها قامت بتنظيم مسابقة هدفها حفظ خطبة كاملة للسيدة زينب ابنة أمير المؤمنين عليهما السلام مستهدفة البراعم الناشئة في جيل يبدو أنه ضاع بين الاجهزة اللوحية و الجوالات و وجد فيها شغلا عن القراءة و الحفظ . لكن إشارتي لهذا هو إشادة بهكذا خطوة فلربما يتشجع بعض ممن فاز بالجائزة (نسخة من الرواية) و يواصل السير في عالم القراءة سواء في هذا المجال أي الروائي الديني أو أي مجال اخر.
حقيقة عندما قرأت عنوان الرواية و قرأت المقدمة التي عنونها الكاتب بـ " ليست بداية ! " كنت أعتقد أن الرواية تخص السيدة فاطمة بنت موسى عليهما السلام و لكن مع الاستغراق في الرواية و إكمالها إلى النهاية وجدت أن الرواية تخص الإمام علي بن موسى عليهما السلام . لكن الآن أعتقد أنني استبقت الأحداث فقد كانت هناك ثلاث رحلات إلى خراسان رحلة الإمام و السيدة و إخوان الإمام عليهم جميعا السلام. و لكن البداية بالكرامة المشهورة للسيدة فاطمة المعصومة وإنهاء الرواية بهذه الكرامة أيضا يجعلني في تردد و لا يخفى أن تعلقي بها له أثر أيضا .
لنلخص الرواية قبل الاستمرار فنقول أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- قليل من هارون و موسى بن جعفر عليهما السلام ثم ما جرى بين المأمون والأمين.
2- تولي المأمون للأمر و طلبه لأبي الحسن عليه السلام تولي العهد .
3- رحلة السيدة وإخوانها باتجاه خراسان واستشهادهم ، سم الإمام عليه السلام.
بداية أتعبني حقيقة البحث عن مخاطب الرواية ، ففي البداية استبعدت كونها موجهة للأطفال لأن الحجم لا يناسب ذلك فقلت أن الرواية تستهدف المراهقين أو الشباب لكن أجدها صعبة حتى على هؤلاء فالكاتب في كثير من الأحيان ينثر أسماء لأعلام وأماكن بدون تمهيد و شرح وكأنما يفترض أن القارئ على علم بها وهذا افتراض في غير محله. من ناحية أخرى الهوامش كلها مجمعة في نهاية الرواية فمن المزعج كثيرا أن تقرأ اسما لمكان ما مثلا و تحتاج أن تنتقل قرابة الثلاثمائة صفحة كي تعرف ما قصة هذا المكان و قد زاد الأمر صعوبة كون الهوامش هذه موضوعة بين نهاية الرواية و بين الملحقات الـستة بمعنى أنها ليست في البداية و لا النهاية بل في الوسط تقريبا.
الأمر الآخر وجود فصل كامل عن المحاورة التي جرت بين الرضا عليه السلام و بين عمران الصابي و هو من أطول فصول الرواية وأصعبها فهو يحتاج إلى معرفة بالكلام و الفلسفة ومصطلحاتها فلا أرى أنها (أي المحاورة) فعلا تناسب فئة الشباب وإن كان ولا بد ربما لو وضعت في الملحقات.
من المآخذ على الرواية استخدامه لعبارات أرى أن فيها تجاسرا ولو جزئيا على مقام الإمام الرضا عليه السلام مثلا هذه العبارة " أشاعت المياه السلام في روحه " أو تكراره لفظة الرجل الخمسيني أو الرجل الأسمر قاصدا بذلك الإمام عليه السلام ، هو طبعا يريد أن يكون أسلوبه أدبيا و لربما يحاول أن يركز على الجانب الإنساني في الإمام بدلا من التركيز على الجانب الإعجازي.
أيضا لفت نظري أن بعض القضايا أخذت حظا أكثر من غيرها مثلا هناك فصل كامل عن دعبل و قصيدته التائية ، ولكن حفل تنصيب الإمام لولاية العهد مثلا لم ينل ذلك الحظ الوافر من ناحية ذكر الشعراء وعلى رأسهم أبيات أبي نواس الشهيرة :
قيل لي أنت أوحد الناس طرا .. في فنون من المقال البديه
أو الأبيات الرائعة الأخرى :
مطهرون نقيات ثيابهم .. تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
لكن هذه الملاحظات لا تعني انني لم أستمتع بقراءة الرواية فقد أعجبني التوازن الجميل في السرد فلا هو طويل ممل ولا هو مختصر مضر ، وقد كان هناك كم جيد من المعلومات الجديدة بالنسبة لي في خصوص المأمون و الأمين بخلاف جانب الإمام و المعصومة فلم يكن هناك جديد يذكر . الأسلوب الأدبي جميل لأنه خفيف ولا يحاول أن يستحوذ على الرواية فيجعلها مجرد قطع إنشائية وإنما دوره فقط إضافة نعومة وجمال على السرد التاريخي. بشكل عام أجد أن السيد أجاد في الإحاطة بالمجريات المهمة في تلك الحقبة مع ذلك وجدت هناك إعادة لحادثة – لا أعلم هل كانت متعمدة أم لا – وبعض العبارات و التشبيهات .
من الأشياء التي افتقرت اليها الرواية الاستنتاجات والتحليلات للمواقف فهو يكتفي بالسرد في أغلب الاحيان وعندما يضيف شيئا من عنده لا يأتي بجديد بقدر ما يحاول أن يوضح ويركز على بعض النقاط التي قيلت بالاسترسال الأدبي .
ختاما أجد أن هذا النوع من الروايات قيم جدا و له مكان في المكتبة العائلية فلا أجدني أفضل أن يقرأ الشباب وخاصة من ليس لهم باع في القراءة كتب السير مثل منتهى الآمال بدلا من هكذا روايات فالأمانة التاريخية التي رأيتها و استقصاها الكثير من المواقف التي مرت على حياة الإمام تجعلني أشيد بها وأفضلها. رواية السيد هنا حتما أشعلت لدي فضول القراءة لبقية أعماله و لربما أعمال بنت الهدى التي أجلتها الى ما لا نهاية !
و تصادف الليلة ذكرى رحيل السيدة المعصومة ، لا حرمنا الله شفاعتها ..(هذه الجملة تشير الى التاريخ الاصلي لكتابة المقالة.)
دمتم في الرضا ،