هل نعيد شغف القراءة المطولة ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل شهر تقريبا كنت في رحلة الى المدينة المنورة و من الامور التي لفتت انتباهي انه عند جلوسنا في الطائرة جلس احد الرجال الكبار مع ابنتيه بجوارنا و بعد فترة من الاقلاع غرق الكل اما في النوم او في احضان الجوال. فقط ابنة هذا الرجل هي التي كانت تقرا كتابا ورقياً و حقيقة لا اعلم ما هذا الكتاب و لكن من حجمه بدا لي انه رواية . حاولت ان اتذكر اخر مرة رأيت فيها شخصا يقرا كتابا ورقيا في مكان عام فلم افلح . يبدو ان المدة الزمنية بعيدة و لكن اذكر جيدا انه مع نزول اجهزة قراءة الكتب الالكترونية ازيح عني هم حمل الكتب الورقية معي و الظهور بشكل المثقف في الاماكن العامة . الان ليست القراءة اولى اهتماماتي فلا احمل معي كتبا و لا اقرا في اجهزة خلال فترات الانتظار و الاسفار.
قبل ايام قليلة أهدت اختي رواية من روايات اجاثا كريستي الى والدتي فتذكرت ايام كنت صغيرا ان امي كانت تقرا روايات اجاثا كريستي كثيرا و ربما روايات اخرى و لكن منذ فترة طويلة لم ار والدتي تقرا رواية و يبدو انها مثل البقية تكتفي بتصفحات عابرة و سريعة للواتساب و الانستجرام . لو نظرتم حولكم لوجدتم الامثلة كثيرة فلا فائدة من سرد المزيد من الامثلة لكن يبدو انه لا مناص من القراءة الالكترونية و ان القراءة الورقية اصبحت للنخبة فقط – اذا استثنينا الطلاب - .
لست ابكي على اطلال الماضي فالتوجه الجديد له مزاياه كما ان له عيوبه و هناك من يدّعون ان بعد الانتقال الى القراءة الالكترونية ازداد رصيد الكتب المقروءة لديهم . الموضوع يعتمد على متغيرات كثيرة و لا توجد معادلة تناسب كل الاشخاص. أياً يكن الامر اعتقد اننا فعلا نعاني من عدم القدرة على الالتزام بقراءات مطولة هذه الايام ، لا اعني تلك الساعات التي نقضيها في تصفح و قراءة مواقع الانترنت بل قراءة كتاب او بحث كامل اختياريا - لا كفرض دراسي او وظيفي - . اما اقتراحي لاعادة الشهية و اللياقة فهو يتكون من عدة نقاط بسيطة :
· ادراك ان القراءة الحرة العشوائية ليست بديلا عن القراءة المعمقة و المتواصلة للكتب . فالقراءة الاولى في احسن الاحوال تصنع مثقفا مشتتا و في اسوء الاحوال قد تكون مجرد تضييع وقت . هذه النقطة لا اقول اننا نغفل عنها بل نتغافل عنها بحجج شتى.
· اختيار المجال الذي يثير الاهتمام حقا و الا سيكون من الصعوبة بمكان الالتزام بقراءة كتاب ذي 300 صفحة . و قد ورد ان الاكل بدون رغبة حماقة فلماذا لا تكون القراءة بدون رغبة حماقة ؟ هذه النقطة على وضوحها الا انها تغيب عن الاذهان بحجة شعارات كـ " كل كتاب فيه فائدة"، " لا يهم ماذا تقرا فقط اقرا " و " اقرا ما يقع بين يديك ". فأنا شخصيا لا اوافق مبدأ القراءة للقراءة ، فالعمر اقصر من ان اقضيه في تجرع صفحات كتاب ممل او غير مفيد او مكرر.
· اختيار الكتب الجيدة التي صمدت امام اختبار الزمن و من الافضل ان يختارها خبير في المجال المعني. نقطة البحث عن الكتاب الجيد لا تثار كثيرا و لكنها مثل الاستاذ الجيد . فليست هباءً تلك الساعات التي نقضيها بحثا عن كتاب جيد و ان اقرا في السنة كتابا واحدا يعيد صياغة مفهومي للحياة احب الي من قراءة قائمة من الكتب فقط لتزدان بها صفحتي في Goodreads.
· اختيار المكان و الوقت المناسب للقراءة ، فالبعض يحاول ان يقرا كتابا في ثنايا يومه من خلال استغلال دقائق الانتظار او في فراغات العمل. انا كنت من هذه الفئة و لكن الحقيقة ان من يقرا بهذه الطريقة سيقاطع مرات كثيرة احيانا تصل الى عدة مقاطعات لكي ينهي صفحة واحدة . النتيجة هو ان القراءة اصبحت قراءة من النوع الاول لانها متقطعة و سريعة فلا تتيسر الفرصة للربط و التفكر و غيرها من خصائص القراءة المعمقة. هذا بالاضافة الى انني سأكون في مواجهة التيار فقد اتوتر من مقاطعة فلان و فلان و قد انزعج من صوت فلانة و فلانة . في النهاية هذه الصفحات القليلة التي سنقرؤها بكل هذه المقاطعات يمكن ان نقراها بهدوء و يسر في نهاية اليوم او بدايته. و من فوائد تخصيص وقت و مكان للقراءة انها تصبح محفزات و منبهات ذاتية للقراءة و تساعد على الدخول في جو القراءة بسرعة.
دمتم في الرضا ،
قبل شهر تقريبا كنت في رحلة الى المدينة المنورة و من الامور التي لفتت انتباهي انه عند جلوسنا في الطائرة جلس احد الرجال الكبار مع ابنتيه بجوارنا و بعد فترة من الاقلاع غرق الكل اما في النوم او في احضان الجوال. فقط ابنة هذا الرجل هي التي كانت تقرا كتابا ورقياً و حقيقة لا اعلم ما هذا الكتاب و لكن من حجمه بدا لي انه رواية . حاولت ان اتذكر اخر مرة رأيت فيها شخصا يقرا كتابا ورقيا في مكان عام فلم افلح . يبدو ان المدة الزمنية بعيدة و لكن اذكر جيدا انه مع نزول اجهزة قراءة الكتب الالكترونية ازيح عني هم حمل الكتب الورقية معي و الظهور بشكل المثقف في الاماكن العامة . الان ليست القراءة اولى اهتماماتي فلا احمل معي كتبا و لا اقرا في اجهزة خلال فترات الانتظار و الاسفار.
قبل ايام قليلة أهدت اختي رواية من روايات اجاثا كريستي الى والدتي فتذكرت ايام كنت صغيرا ان امي كانت تقرا روايات اجاثا كريستي كثيرا و ربما روايات اخرى و لكن منذ فترة طويلة لم ار والدتي تقرا رواية و يبدو انها مثل البقية تكتفي بتصفحات عابرة و سريعة للواتساب و الانستجرام . لو نظرتم حولكم لوجدتم الامثلة كثيرة فلا فائدة من سرد المزيد من الامثلة لكن يبدو انه لا مناص من القراءة الالكترونية و ان القراءة الورقية اصبحت للنخبة فقط – اذا استثنينا الطلاب - .
لست ابكي على اطلال الماضي فالتوجه الجديد له مزاياه كما ان له عيوبه و هناك من يدّعون ان بعد الانتقال الى القراءة الالكترونية ازداد رصيد الكتب المقروءة لديهم . الموضوع يعتمد على متغيرات كثيرة و لا توجد معادلة تناسب كل الاشخاص. أياً يكن الامر اعتقد اننا فعلا نعاني من عدم القدرة على الالتزام بقراءات مطولة هذه الايام ، لا اعني تلك الساعات التي نقضيها في تصفح و قراءة مواقع الانترنت بل قراءة كتاب او بحث كامل اختياريا - لا كفرض دراسي او وظيفي - . اما اقتراحي لاعادة الشهية و اللياقة فهو يتكون من عدة نقاط بسيطة :
· ادراك ان القراءة الحرة العشوائية ليست بديلا عن القراءة المعمقة و المتواصلة للكتب . فالقراءة الاولى في احسن الاحوال تصنع مثقفا مشتتا و في اسوء الاحوال قد تكون مجرد تضييع وقت . هذه النقطة لا اقول اننا نغفل عنها بل نتغافل عنها بحجج شتى.
· اختيار المجال الذي يثير الاهتمام حقا و الا سيكون من الصعوبة بمكان الالتزام بقراءة كتاب ذي 300 صفحة . و قد ورد ان الاكل بدون رغبة حماقة فلماذا لا تكون القراءة بدون رغبة حماقة ؟ هذه النقطة على وضوحها الا انها تغيب عن الاذهان بحجة شعارات كـ " كل كتاب فيه فائدة"، " لا يهم ماذا تقرا فقط اقرا " و " اقرا ما يقع بين يديك ". فأنا شخصيا لا اوافق مبدأ القراءة للقراءة ، فالعمر اقصر من ان اقضيه في تجرع صفحات كتاب ممل او غير مفيد او مكرر.
· اختيار الكتب الجيدة التي صمدت امام اختبار الزمن و من الافضل ان يختارها خبير في المجال المعني. نقطة البحث عن الكتاب الجيد لا تثار كثيرا و لكنها مثل الاستاذ الجيد . فليست هباءً تلك الساعات التي نقضيها بحثا عن كتاب جيد و ان اقرا في السنة كتابا واحدا يعيد صياغة مفهومي للحياة احب الي من قراءة قائمة من الكتب فقط لتزدان بها صفحتي في Goodreads.
· اختيار المكان و الوقت المناسب للقراءة ، فالبعض يحاول ان يقرا كتابا في ثنايا يومه من خلال استغلال دقائق الانتظار او في فراغات العمل. انا كنت من هذه الفئة و لكن الحقيقة ان من يقرا بهذه الطريقة سيقاطع مرات كثيرة احيانا تصل الى عدة مقاطعات لكي ينهي صفحة واحدة . النتيجة هو ان القراءة اصبحت قراءة من النوع الاول لانها متقطعة و سريعة فلا تتيسر الفرصة للربط و التفكر و غيرها من خصائص القراءة المعمقة. هذا بالاضافة الى انني سأكون في مواجهة التيار فقد اتوتر من مقاطعة فلان و فلان و قد انزعج من صوت فلانة و فلانة . في النهاية هذه الصفحات القليلة التي سنقرؤها بكل هذه المقاطعات يمكن ان نقراها بهدوء و يسر في نهاية اليوم او بدايته. و من فوائد تخصيص وقت و مكان للقراءة انها تصبح محفزات و منبهات ذاتية للقراءة و تساعد على الدخول في جو القراءة بسرعة.
دمتم في الرضا ،