قصة موت معلن
بسم الله الرحمن الرحيم
دائما أجدني محتارا كيف اكتب مراجعة عن رواية و اتعمق في ذكر بعض التفاصيل بدون ان " أحرق " الرواية كما يقولون . هذه المرة الاولى التي اجد الكتابة سهلة من هذه الناحية فأحداث الرواية مذكورة في العنوان و في بداية الرواية بل ان التعريف القصير المطبوع خلف الرواية يحكي مجمل الرواية . هذه الرواية تعتبر اول ما اقرؤه للكاتب الكولمبي الشهير غابريل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للاداب و قد احسنت الاختيار فالاغلب يبدؤون بقراءة روايته الاكثر شهرة " مائة عام من العزلة " و قد يجدونها طويلة او صعبة الهضم من كثرة الاسماء اللاتينية . اما هذه الرواية فهي تقع في مائة و عشرين صفحة لا غير و لكنك ستعرف من خلالها اسلوب الكاتب و طريقته في التعامل مع الكتابة الروائية . البعض يعتبرها كتابة جورنالية " صحفية " بمعنى ان الكاتب يتبع اسلوب الصحفي الذي يحاول دراسة حادثة بدقة تصل الى ذكر تسلسل الاحداث بالساعة و الدقيقة . اضف الى ذلك ان الاحداث فعلا كانت مستوحاة من قصة واقعية حدثت في منتصف القرن العشرين و لكن مع كل هذا فالكاتب ترك لنفسه بعض الحرية في تحريف الاحداث و اخراجها على نمط يناسب السرد الروائي .
لنبدأ بذكر مختصر القصة فهي تدور حول جريمة قتل وقعت قبل 27 سنة اذ يأتي احد الاشخاص الذين عاصروا الجريمة " راوي القصة " بعد كل هذه السنوات ليحقق و يدرس ملابسات الحادثة من خلال أمرين : الاول هو الحوار مع الاشخاص الذين عايشوا الجريمة وقت وقوعها و الثاني المستندات الرسمية لتقرير الحادثة . كل روايات الجريمة تقريبا تعتمد عنصر الغموض لشد القارئ لكن هذه الرواية مكشوفة بل ان الكاتب يصرح بموت سانتياجو نصار منذ اول سطر في الرواية . و من خلال اسطر التعريف بالرواية او بعد قليل من الاسترسال في القصة نعرف ان في تلك الليلة كان سانتياجو نصار قد حضر حفل زفاف بياردو سان رومان بأنجيلا فيكارو و قد كانت حفلة صاخبة جدا فبياردو هذا رجل ثري و اراد ان يكون الزفاف اسطوريا.
و كانت لتكون اجمل ليلة عرفتها القرية الا ان العريس أعاد العروسة في منتصف الليل بعد ان اكتشف انها لم تكن عذراءً . و قد جن جنون امها و اخويها بعد هذا العار فبعد ان ابرحتها امها ضربا ذهب الاخوان بيادرو و بابلو لقتل سانتياجو نصار الشاب الذي ادعت اختهما انه هو من افقدها بكارتها . هذه هي القصة كاملة فاذا كنا نعلم القاتل و المقتول و حافز الجريمة فماذا بقي لكي نقرأ هذه الرواية ؟ هنا تظهر عبقرية ماركيز فليس المهم عنده من هو القاتل و من هو المقتول انما المهم هنا شيئان الاول هل فعلا العروسة صادقة فيما تقول عن الشاب ذي الاصول العربية ؟ الثاني اذا كان كل من في القرية يعلم ان الاخوين فيكارو ينويان قتل نصار بل انهم صرحا مرارا بذلك – و كأنهما يريدان ان يصدهما احد عن مهمة الشرف التي وقعت على كاهليهما - فلماذا لم يوقفهما احد ؟ فالجريمة وقعت امام انظار الجميع و كانت هناك فرص لوقف هذه الجريمة فلماذا لم يحدث ذلك ؟
الرواي يخبر احداث تلك الليلة من خلال التنقل بين افادات الشهود فمثلا قد يبدأ من خلال زاوية القتيل و امه ثم يعرج الى زاوية اخرى ثم يرجع الى نفس الزاوية . من يشاهدون الافلام يمكنني ان اقرب لهم الفكرة بأنها تشبه فيلم " نقطة أفضلية " و الذي يبدا بحادثة اغتيال احد الرؤساء ثم يستعرض الحادثة من خلال عدة زوايا مختلفة بالنسبة لبعض الحضور فنرى الواقعة من زاوية رؤيتهم . فمن خلال هذا الذهاب و الاياب ستتكشف اشياء لم تكن بالحسبان و سنصل الى فهم افضل لملابسات الحادثة .
لمسات الكاتب المشهورة و التي تشكل مجمل اسلوبه الكتابي موجودة في القصة فهو يكثر من رمي الاسماء اللاتينية في هذه القصة كما هو معروف عنه حتى انني وجدت صعوبة في حفظ كل الاسماء بل انني و لكتابة هذه المقالة احتجت ان اراجع بعض الاسماء . الاسماء اللاتينية صعبة و عادة تأتي مركبة مثلا بوريزيما ديل كارمن و الكاتب لا يتوانى عن ذكر اسم اي شخص و لو كان دوره جزئيا في الرواية بل قد يذهب الى ذكر اسم امه او بعض اقاربه و الحال ان بعض هذه الاسماء قد لا تتكرر الا بشكل بسيط جدا . احيانا كنت أمل من هذا الاسلوب فكثير من الشخصيات وجودها سطحي فكأنما ذكرت لغرض تكثير الشخصيات. بقية لمسات الكاتب من مثل ذكر الاحلام و الطوالع و ما الى ذلك من خصوصيات الادب السحري لم اجد لها تلك الاهمية فهي لا تخدم الاحداث . و قد رحمنا الكاتب اذ جعل الرواية في مائة و عشرين صفحة فعلى الرغم من قصر الرواية الا ان هناك تكرارا و تطويلا ، فالتكرار لان الزوايا و ان كانت مختلفة قد تشترك في جزئيات كثيرة فيعاد ذكر تلك الجزئيات مرة بعد مرة . اما التطويل فنراه في مقاطع مختلفة فمثلا هناك صفحات لا بأس بها تتكلم عن عملية تشريح الجثة وجدتها شخصيا مملة و لا تقدم كثيرا و كان بالامكان اختصارها او حتى الاستغناء عنها كليا و لكن ربما ذكرها بهذا التفصيل لانه اعتمد اسلوب التحقيق الصحفي كما ذكرنا .
اما بخصوص اضافات الكاتب على القصة الحقيقية فأجدها مجملا جيدة و تساعد على جذب القارئ من خلال بناء مسرح و شخصيات اكثر جاذبية فمن هذه الاضافات الجيدة جعله الاخوين توأمين بخلاف القصة الحقيقية فهما مجرد اخوين . نعم هناك ايضا اضافات غير موفقة لا استطيع ذكرها كي لا اكشف ما تبقى من الاحداث.
في النهاية الرواية مميزة قرأتها عن اللغة الانجليزية و لكن لا اعتقد انني احببت اسلوب ماركيز لدرجة ان اقرا روايته الاطول و الاعقد مائة عام من العزلة فليس لي حقيقة مزاج لان اغرق في تلك الاجيال المتعاقبة و الاسماء اللاتينية التي جعلتني اترحم على الاسماء اليابانية في روايات موراكامي و يوشيموتو. و سأختم بهذه الطرفة اذ انني قبل ان اقرا الرواية اردت ان ابحث عن الكاتب قليلا فكتبت اسم رافيل غارسيا سوريز و تفاجأت بأن النتائج كلها عن شخص مبرمج لا علاقة له بالروايات ثم تذكرت ان رافيل غارسيا سوريز هذا هو احد كبار المبرمجين في عالم بيرل فحصل الخلط عندي بينه و بين غابريل غارسيا ماركيز ! نعم لهذه الدرجة انا سيء في حفظ الاسماء اللاتينية .
حسنا ، ربما لاحقا اعود لاقرأ اعماله الاخرى اذا صفا الجو و اعتدل المزاج و غرد الطير ...
دمتم في الرضا ،
دائما أجدني محتارا كيف اكتب مراجعة عن رواية و اتعمق في ذكر بعض التفاصيل بدون ان " أحرق " الرواية كما يقولون . هذه المرة الاولى التي اجد الكتابة سهلة من هذه الناحية فأحداث الرواية مذكورة في العنوان و في بداية الرواية بل ان التعريف القصير المطبوع خلف الرواية يحكي مجمل الرواية . هذه الرواية تعتبر اول ما اقرؤه للكاتب الكولمبي الشهير غابريل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للاداب و قد احسنت الاختيار فالاغلب يبدؤون بقراءة روايته الاكثر شهرة " مائة عام من العزلة " و قد يجدونها طويلة او صعبة الهضم من كثرة الاسماء اللاتينية . اما هذه الرواية فهي تقع في مائة و عشرين صفحة لا غير و لكنك ستعرف من خلالها اسلوب الكاتب و طريقته في التعامل مع الكتابة الروائية . البعض يعتبرها كتابة جورنالية " صحفية " بمعنى ان الكاتب يتبع اسلوب الصحفي الذي يحاول دراسة حادثة بدقة تصل الى ذكر تسلسل الاحداث بالساعة و الدقيقة . اضف الى ذلك ان الاحداث فعلا كانت مستوحاة من قصة واقعية حدثت في منتصف القرن العشرين و لكن مع كل هذا فالكاتب ترك لنفسه بعض الحرية في تحريف الاحداث و اخراجها على نمط يناسب السرد الروائي .
لنبدأ بذكر مختصر القصة فهي تدور حول جريمة قتل وقعت قبل 27 سنة اذ يأتي احد الاشخاص الذين عاصروا الجريمة " راوي القصة " بعد كل هذه السنوات ليحقق و يدرس ملابسات الحادثة من خلال أمرين : الاول هو الحوار مع الاشخاص الذين عايشوا الجريمة وقت وقوعها و الثاني المستندات الرسمية لتقرير الحادثة . كل روايات الجريمة تقريبا تعتمد عنصر الغموض لشد القارئ لكن هذه الرواية مكشوفة بل ان الكاتب يصرح بموت سانتياجو نصار منذ اول سطر في الرواية . و من خلال اسطر التعريف بالرواية او بعد قليل من الاسترسال في القصة نعرف ان في تلك الليلة كان سانتياجو نصار قد حضر حفل زفاف بياردو سان رومان بأنجيلا فيكارو و قد كانت حفلة صاخبة جدا فبياردو هذا رجل ثري و اراد ان يكون الزفاف اسطوريا.
و كانت لتكون اجمل ليلة عرفتها القرية الا ان العريس أعاد العروسة في منتصف الليل بعد ان اكتشف انها لم تكن عذراءً . و قد جن جنون امها و اخويها بعد هذا العار فبعد ان ابرحتها امها ضربا ذهب الاخوان بيادرو و بابلو لقتل سانتياجو نصار الشاب الذي ادعت اختهما انه هو من افقدها بكارتها . هذه هي القصة كاملة فاذا كنا نعلم القاتل و المقتول و حافز الجريمة فماذا بقي لكي نقرأ هذه الرواية ؟ هنا تظهر عبقرية ماركيز فليس المهم عنده من هو القاتل و من هو المقتول انما المهم هنا شيئان الاول هل فعلا العروسة صادقة فيما تقول عن الشاب ذي الاصول العربية ؟ الثاني اذا كان كل من في القرية يعلم ان الاخوين فيكارو ينويان قتل نصار بل انهم صرحا مرارا بذلك – و كأنهما يريدان ان يصدهما احد عن مهمة الشرف التي وقعت على كاهليهما - فلماذا لم يوقفهما احد ؟ فالجريمة وقعت امام انظار الجميع و كانت هناك فرص لوقف هذه الجريمة فلماذا لم يحدث ذلك ؟
الرواي يخبر احداث تلك الليلة من خلال التنقل بين افادات الشهود فمثلا قد يبدأ من خلال زاوية القتيل و امه ثم يعرج الى زاوية اخرى ثم يرجع الى نفس الزاوية . من يشاهدون الافلام يمكنني ان اقرب لهم الفكرة بأنها تشبه فيلم " نقطة أفضلية " و الذي يبدا بحادثة اغتيال احد الرؤساء ثم يستعرض الحادثة من خلال عدة زوايا مختلفة بالنسبة لبعض الحضور فنرى الواقعة من زاوية رؤيتهم . فمن خلال هذا الذهاب و الاياب ستتكشف اشياء لم تكن بالحسبان و سنصل الى فهم افضل لملابسات الحادثة .
لمسات الكاتب المشهورة و التي تشكل مجمل اسلوبه الكتابي موجودة في القصة فهو يكثر من رمي الاسماء اللاتينية في هذه القصة كما هو معروف عنه حتى انني وجدت صعوبة في حفظ كل الاسماء بل انني و لكتابة هذه المقالة احتجت ان اراجع بعض الاسماء . الاسماء اللاتينية صعبة و عادة تأتي مركبة مثلا بوريزيما ديل كارمن و الكاتب لا يتوانى عن ذكر اسم اي شخص و لو كان دوره جزئيا في الرواية بل قد يذهب الى ذكر اسم امه او بعض اقاربه و الحال ان بعض هذه الاسماء قد لا تتكرر الا بشكل بسيط جدا . احيانا كنت أمل من هذا الاسلوب فكثير من الشخصيات وجودها سطحي فكأنما ذكرت لغرض تكثير الشخصيات. بقية لمسات الكاتب من مثل ذكر الاحلام و الطوالع و ما الى ذلك من خصوصيات الادب السحري لم اجد لها تلك الاهمية فهي لا تخدم الاحداث . و قد رحمنا الكاتب اذ جعل الرواية في مائة و عشرين صفحة فعلى الرغم من قصر الرواية الا ان هناك تكرارا و تطويلا ، فالتكرار لان الزوايا و ان كانت مختلفة قد تشترك في جزئيات كثيرة فيعاد ذكر تلك الجزئيات مرة بعد مرة . اما التطويل فنراه في مقاطع مختلفة فمثلا هناك صفحات لا بأس بها تتكلم عن عملية تشريح الجثة وجدتها شخصيا مملة و لا تقدم كثيرا و كان بالامكان اختصارها او حتى الاستغناء عنها كليا و لكن ربما ذكرها بهذا التفصيل لانه اعتمد اسلوب التحقيق الصحفي كما ذكرنا .
اما بخصوص اضافات الكاتب على القصة الحقيقية فأجدها مجملا جيدة و تساعد على جذب القارئ من خلال بناء مسرح و شخصيات اكثر جاذبية فمن هذه الاضافات الجيدة جعله الاخوين توأمين بخلاف القصة الحقيقية فهما مجرد اخوين . نعم هناك ايضا اضافات غير موفقة لا استطيع ذكرها كي لا اكشف ما تبقى من الاحداث.
في النهاية الرواية مميزة قرأتها عن اللغة الانجليزية و لكن لا اعتقد انني احببت اسلوب ماركيز لدرجة ان اقرا روايته الاطول و الاعقد مائة عام من العزلة فليس لي حقيقة مزاج لان اغرق في تلك الاجيال المتعاقبة و الاسماء اللاتينية التي جعلتني اترحم على الاسماء اليابانية في روايات موراكامي و يوشيموتو. و سأختم بهذه الطرفة اذ انني قبل ان اقرا الرواية اردت ان ابحث عن الكاتب قليلا فكتبت اسم رافيل غارسيا سوريز و تفاجأت بأن النتائج كلها عن شخص مبرمج لا علاقة له بالروايات ثم تذكرت ان رافيل غارسيا سوريز هذا هو احد كبار المبرمجين في عالم بيرل فحصل الخلط عندي بينه و بين غابريل غارسيا ماركيز ! نعم لهذه الدرجة انا سيء في حفظ الاسماء اللاتينية .
حسنا ، ربما لاحقا اعود لاقرأ اعماله الاخرى اذا صفا الجو و اعتدل المزاج و غرد الطير ...
دمتم في الرضا ،