حقيقة الزهد عند ابي العتاهية
بسم الله الرحمن الرحيم
قرات مؤخرا كتابا للدكتور عبد الرسول غفاري استاذ الادب العربي بعنوان "حقيقة الزهد عند ابي العتاهية" . الكتاب تعمق كثيرا في الابواب التي تتكلم عن حقيقة الزهد بحيث انك تنسى احيانا انك تقرا كتابا عن ابي العتاهية. خلاصة الكتاب و النتيجة التي يخرج بها القارئ تتلخص في أن شعر ابي العتاهية في الزهد ليس له حقيقة و انما هو من الزهد المتصنع و اردف لذلك ادلة كثيرة .
استرسل الكاتب في بداية كتابه و اول فصوله بذكر مثالب الخلفاء من بني العباس ابتداء من الرشيد و المأمون الى الامين و المهدي ، و ذلك بوصفهم من اصحاب الخمور و الاغاني و القيان و الغلمان بل ذكر الكثير من قصصهم في المجون بالغلمان و غير ذلك و لا اظن شخصيا ان كل ذلك الاسترسال كان يخدم الموضوع الاساسي .
ثم تكلم عن الزهد الحقيقي و عن التصوف و نقد التصوف نقدا لاذعا و اشار الى اعلام من التصوف بأنهم منحرفون و استثنى البعض امثال شقيق البلخي و ابراهيم بن ادهم و رابعة .. ثم تكلم عن مصاديق الزهد الحقيقي فاسترسل في ترجمة مجموعة من الزهاد بدأهم بالزهاد الثمانية و ختمهم بابراهيم بن ادهم و لم يعجبني ادراجه للامام علي عليه السلام و الامام موسى بن جعفر عليه السلام ضمن مجموعة الزهاد التي احتوت اناسا اقل منهم شأنا مثل اويس القرني و ميثم التمار و ابوحمزة الثمالي وعثمان بن مضعون و غيرهم ! فأهل بيت محمد صلى الله عليه و اله و سلم لا يقاس بهم احد ، فأين الثرى من الثريا؟
ثم بدا في ترجمة قصيرة لحياة ابي العتاهية و قسمها الى قسمين … الزمن الاول و هو زمن مجونه و عربدته و تخنثه و الزمن الثاني و هو زمن التقشف و الزهد … كانت الترجمة قصيرة جدا و لم تعرفنا كثيرا بالشاعر خلا بعض الاوصاف مثل بخل الشاعر و شحه على نفسه و عياله و احتفاظه بالاموال دون المساس بها و على الرغم من كل هذا يدعي الزهد و الايمان بما في يد الله !
انتقل بعد ذلك الكتاب الى ذكر اخباره مع الخلفاء و اطال و اسهب … ثم رجعنا الى صلب الموضوع و هو الزهديات في شعر ابي العتاهية طبعا كما ذكرت ذكر ادلة كثيرة و نقدا لاذعا لزهدياته و انها متصنعة متكلفة لا تحكي عن حال شاعر زاهد بل شاعر يحب الشهرة . كما انشأ الجماز يقول في ابي العتاهية :
ما اقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس و لا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا اضحى و امسى بيته المسجد
يخاف ان تنفد ارزاقه و الرزق عند الله لا ينفد
و الرزق مقسوم على من ترى يناله الابيض و الاسود
و تكلم ايضا المؤلف عن الاغراض الاخرى التي طرقها الشاعر امثال الغزل و لم يجد فيه بل اتت قصائده ضعيفة خالية من المشاعر ثم تكلم عن المدح و ايضا ليس هنالك الكثير من القوة الا قوله في مدح الخليفة :
اتته الخلافة منقادة تجرجر اذيالها … الخ القصيدة
و بالرغم من كل هذا فالشاعر مشهور بأنه شاعر مطبوع مثله مثل السيد الحميري و كان اغلب كلامه شعرا … و لكن الكاتب عرض علينا اخبارا كثيرة في ذم شعره و كثير ضعيفه و هناته ثم ذكر اقوال الشعراء في مدحه و علو مرتبته و هذا يتركنا كقراء في حيرة من الامر هل هذا شاعر عبقري في صف بشار و ابي نواس او انه شاعر فخمه البلاط الحاكم و اعطاه اكثر من حقه كما يظهر في اغلب فصول الكاتب . و كذلك اردف الكاتب الكثير من مواطن اقتباسات الشاعر و سرقاته و تضميناته و ميزاته و ركيكه .
و انا اختم هذا الموضوع تجنبا للاطالة بعرض نوعين من اشعاره : شعر ممتاز و شعر رديء.
فمن شعره الممتاز قوله :
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق و السدير
اذ نحن في غرف الجنان نعوم في بحر السرور
—
الناس في غفلاتهم و رحى المنية تطحن
و من شعره الركيك قوله :
انت بلائي و انت دائي و انت تدري ما دوائي
ما اغفل الناس عن بلائي و عن عنائي و من شقائي
و قوله الا يا عتب الساعة الساعة … الخ الابيات
دمتم في الرضا،
قرات مؤخرا كتابا للدكتور عبد الرسول غفاري استاذ الادب العربي بعنوان "حقيقة الزهد عند ابي العتاهية" . الكتاب تعمق كثيرا في الابواب التي تتكلم عن حقيقة الزهد بحيث انك تنسى احيانا انك تقرا كتابا عن ابي العتاهية. خلاصة الكتاب و النتيجة التي يخرج بها القارئ تتلخص في أن شعر ابي العتاهية في الزهد ليس له حقيقة و انما هو من الزهد المتصنع و اردف لذلك ادلة كثيرة .
استرسل الكاتب في بداية كتابه و اول فصوله بذكر مثالب الخلفاء من بني العباس ابتداء من الرشيد و المأمون الى الامين و المهدي ، و ذلك بوصفهم من اصحاب الخمور و الاغاني و القيان و الغلمان بل ذكر الكثير من قصصهم في المجون بالغلمان و غير ذلك و لا اظن شخصيا ان كل ذلك الاسترسال كان يخدم الموضوع الاساسي .
ثم تكلم عن الزهد الحقيقي و عن التصوف و نقد التصوف نقدا لاذعا و اشار الى اعلام من التصوف بأنهم منحرفون و استثنى البعض امثال شقيق البلخي و ابراهيم بن ادهم و رابعة .. ثم تكلم عن مصاديق الزهد الحقيقي فاسترسل في ترجمة مجموعة من الزهاد بدأهم بالزهاد الثمانية و ختمهم بابراهيم بن ادهم و لم يعجبني ادراجه للامام علي عليه السلام و الامام موسى بن جعفر عليه السلام ضمن مجموعة الزهاد التي احتوت اناسا اقل منهم شأنا مثل اويس القرني و ميثم التمار و ابوحمزة الثمالي وعثمان بن مضعون و غيرهم ! فأهل بيت محمد صلى الله عليه و اله و سلم لا يقاس بهم احد ، فأين الثرى من الثريا؟
ثم بدا في ترجمة قصيرة لحياة ابي العتاهية و قسمها الى قسمين … الزمن الاول و هو زمن مجونه و عربدته و تخنثه و الزمن الثاني و هو زمن التقشف و الزهد … كانت الترجمة قصيرة جدا و لم تعرفنا كثيرا بالشاعر خلا بعض الاوصاف مثل بخل الشاعر و شحه على نفسه و عياله و احتفاظه بالاموال دون المساس بها و على الرغم من كل هذا يدعي الزهد و الايمان بما في يد الله !
انتقل بعد ذلك الكتاب الى ذكر اخباره مع الخلفاء و اطال و اسهب … ثم رجعنا الى صلب الموضوع و هو الزهديات في شعر ابي العتاهية طبعا كما ذكرت ذكر ادلة كثيرة و نقدا لاذعا لزهدياته و انها متصنعة متكلفة لا تحكي عن حال شاعر زاهد بل شاعر يحب الشهرة . كما انشأ الجماز يقول في ابي العتاهية :
ما اقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس و لا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا اضحى و امسى بيته المسجد
يخاف ان تنفد ارزاقه و الرزق عند الله لا ينفد
و الرزق مقسوم على من ترى يناله الابيض و الاسود
و تكلم ايضا المؤلف عن الاغراض الاخرى التي طرقها الشاعر امثال الغزل و لم يجد فيه بل اتت قصائده ضعيفة خالية من المشاعر ثم تكلم عن المدح و ايضا ليس هنالك الكثير من القوة الا قوله في مدح الخليفة :
اتته الخلافة منقادة تجرجر اذيالها … الخ القصيدة
و بالرغم من كل هذا فالشاعر مشهور بأنه شاعر مطبوع مثله مثل السيد الحميري و كان اغلب كلامه شعرا … و لكن الكاتب عرض علينا اخبارا كثيرة في ذم شعره و كثير ضعيفه و هناته ثم ذكر اقوال الشعراء في مدحه و علو مرتبته و هذا يتركنا كقراء في حيرة من الامر هل هذا شاعر عبقري في صف بشار و ابي نواس او انه شاعر فخمه البلاط الحاكم و اعطاه اكثر من حقه كما يظهر في اغلب فصول الكاتب . و كذلك اردف الكاتب الكثير من مواطن اقتباسات الشاعر و سرقاته و تضميناته و ميزاته و ركيكه .
و انا اختم هذا الموضوع تجنبا للاطالة بعرض نوعين من اشعاره : شعر ممتاز و شعر رديء.
فمن شعره الممتاز قوله :
لهفي على الزمن القصير بين الخورنق و السدير
اذ نحن في غرف الجنان نعوم في بحر السرور
—
الناس في غفلاتهم و رحى المنية تطحن
و من شعره الركيك قوله :
انت بلائي و انت دائي و انت تدري ما دوائي
ما اغفل الناس عن بلائي و عن عنائي و من شقائي
و قوله الا يا عتب الساعة الساعة … الخ الابيات
دمتم في الرضا،