روائع الرثاء في شعر الشريف الرضي (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك في ان الرثاء من اروع اذا لم يكن اروع جانب من جوانب الشعر لما يتميز به من صدق العاطفة وحرارة المشاعر. والشعر العربي زاخر بقصائد بصدق تهيج الوجدان وتهز المشاعر من شدة لوعتها ، ربما اشهرها قصيدة ابي تمام في رثاء محمد ابن حميد :
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر = فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد = وأصبح في شغل عن السفر السفْر
وما كان إلا مال من قلّ ماله = وذخراً لمن أمسى وليس له ذخر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة = تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه = من الضرب واعْتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه = إليه الحفاظ المر والخُلق الوعر
ونفسٍ تخاف العار حتى كأنه = هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله = وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه = فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر
تردى ثياب الموت حمراً فما أتى = لها الليل إلا وهي في سندس خضر
فتى كان عذب الروح لا من غضاضة = ولكنّ كِبراً أن يقال: به كِبْر
لئن أُبغض الدهر الخؤون لفقده = لعهدي به ممن يحب به الدهر
سقى الغيث غيثاً وارت الأرض شخصه = وإن لم يكن فيه سحاب ولا قطر
مضى طاهر الأثواب لم تبق بقعة = غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى = ويعمر صرف الدهر نائله الغمر
….الخ
و قصيدة ابن الرومي في رثاء ولده :
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي= فجودا فقد أودى نظيركما عندي
ألا قاتل الله المنايا و رميها= من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي = فلله كيف اختار واسطة العقد
وغيرها من القصائد الرثائية الرائعة و الكثيرة و لكن في هذا الموضوع لا يعنيني الا الرثاء عند الشريف الرضي شاعر الهاشميين،هذا الشاعر العملاق الذي الى الان لم يلق حظه من الشهرة مع كونه ليس شاعر الهاشميين فقط بل شاعر الانسانية الكبير ،و لا بد لشاعر الانسانية ان يتميز في الجانب الرثائي و الحق ان ديوانه العملاق يزخر بروائع رثائية كثيرة لطالما ابكتني وتبكيني فهي نابعة من قلب يتحرق اسى على نوائب الدهر في احبائه … و سأحاول في هذا المختصر ان اضع بعض و فقط بعض القصائد التي قراتها مرارا وتكرارا من شعره رحمه الله في الرثاء …
طبعا سنستهل هذه القصائد برائعته الارتجالية في الحائر الحسيني يرثي جده عليه السلام :
كربلا لا زلت كربا وبلا = ما لقي عندك ال المصطفى
كم على تربك لما صرعوا = من دم سال ومن دمع جرى
كم حصان الذيل يروي دمعها = خدها عند قتيل بالظما ( حصان الذيل – طاهرة عفيفة )
تمسح الترب على اعجالها = عن طلى نحر رميل بالدما ( طلى- الاعناق ، رميل – ملطخ )
الى اخر القصيدة المشهورة والمثبتة في الديوان و لكن هناك من قال ان القصيدة ليست للشريف الرضي ( راجع ماذكره الدكتور عبدالفتاح الحلو في الشك في صحة نسبة هذه القصيدة ) اهمها هذه النقاط :
1- انها لم توجد في ديوانه ؟
2- انها لينة لا تشبه شعره
3- انها فيها من العقائد ما لا توائم نفس الشريف .
بالنسبة للنقطة الاولى احتاج للمزيد من التتبع اما النقطة الثانية فربما كون القصيدة ارتجالية و انها في موقف عظيم بالنسبة للشريف وطولها جعلها تبدو اضعف من بقية اشعاره رحمه الله وان كانت تميزت بالعاطفة الجياشة و الحزن و الاسى بدلا من الجانب البلاغي المحض . اما النقطة الثالثة فهي مجرد هراء ولكن اعتقد ان الابيات الكثيرة في ذم هذه الامة هي ما تجعل البعض يتحسس من هذه القصيدة .
كقوله :
ليس هذا لرسول الله يا = امة الطغيان و البغي جزا
غارس لم يأل في الغرس لهم= فاذاقوا اهله مر الجنى
جزروا جزر الاضاحي نسله = ثم ساقوا اهله سوق الاما
معجلات لا يوارين ضحى = سنن الاوجه او بيض الطلى
ادرك الكفر بهم ثاراته = و ازيل الغي منهم فاشتفى
و القصيدة مشهورة و سنتناولها بالشرح في الجزء الثاني ان شاء الله …
القصيدة الثانية هي القصيدة الذائعة الصيت في رثاء ابواسحاق الصابئ ، والجميل ان هذا الرجل ليس على اعتقاد الشريف الرضي ولكن نرى الشريف يقول عنه :
" الصديق الصادق والحميم الموافق أبي إسحق إبراهيم بن هلال الصابئ، فإنه كما لم يغير لي وده في حياته، رماني بالخطب الجليل من وفاته، وإنتزعه من يديَّ على حين إنضمامها على أخائه وتشبثهما بعقد صفائه، وحصوله أخا في المودة لصيقا ، ونسيبا في الفضل عريقا. والى الله أشكو دهرا حال دونه وقطع ما بيني وبينه، وأفردني عنه إفراد الأم عن جنينها والشمال عن يمينها.. إن فقده أعرى ظهري على كثرة حماتي وأنصاري، وأوحدني على أقاربي وعشائري.."
القصيدة الدالية الرائعة المشبعة بالصور و الخيالات المتحركة والمفعمة بالتراكيب البلاغية الخلابة مع عاطفة حراقة فهي بحق رثاء للعلم والفضيلة :
أعلمت من حملوا على الأعواد؟ = أرأيت كيف خبا ضياء النادي؟
جبل هوى لو خر في البحر اغتدى = من وقعه متتابع الأزباد
ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى= أن الثرى يعلو على الأطواد
بعدا ليومك في الزمان فإنه = اقذى العيون وفت في الأعضاد
لا ينفد الدمع الذي يبكي به= إن القلوب له من الامداد
كيف انمحي ذاك الجناب وعطلت = تلك الفجاج وضل ذاك الهادي
طاحت بتلك المكرمات طوائح = وعدت على ذاك الجلال عوادي ( العوادي – المصائب)
قالوا أطاع وقيد في شطن الردى = ايدي المنون ملكت أي قياد ( شطن- حبل )
من مصعب لو لم يقده إلهه = لقضائه ما كان بالمنقاد
وصف الموت والقبر و السفر :
هذا أبو إسحاق يغلق رهنه = هل ذا يد أو مانع أو فادي
لو كنت تفدى لافتدتك فوارس = مطروا بعارض كل يوم طراد
وإذا تالق بارق لوقيعة = والخيل تفحص بالرجال بداد ( بداد- متفرقة )
سلوا الدروع من العباب واقبلوا = يتحدبون على القنا المياد
لكن رماك مجبن الشجعان عن = إقدامهم ومضعضع الانجاد ( المقصود الموت )
كالليث يوهن بالتراب ويمتلي = غيظا على الاضغان والاحقاد
والدهر تدخل نافذات سهامه = مأوى الصلال ومربض الاساد ( مأوى الصلال = مأوى الحيات )
ألقي الجران على عنطنط حمير = فمضى ومد يدا لاحمر عاد ( عنطنط – طويل)
أعزز علي بأن اراك وقد خلت = من جانبيك مقاود العواد
اعزز علي بأن نزلت بمنزل = متشابه الامجاد والاوغاد ( يقصد القبر)
اعزز علي بأن يفارق ناظري = لمعان ذاك الكوكب الوقاد
في عصبة جنبوا الى آجالهم = والدهر يعجلهم عن الارواد ( الارواد – التمهل )
ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم = من غير اطناب ولا اعماد
ركب أناخوا لا يرجى منهم = قصد لاتهام ولا إنجاد
كرهوا النزول فأنزلتهم وقعة = للدهر باركة بكل مقاد
فتهافتوا عن رحل كل مذلل = وتطاوحوا عن سرج كل جواد
بادون في صور الجميع وإنهم = متفردون تفرد الاحاد
مما يطيل الهم أن أمامنا = طول الطريق وقلة الازواد
عود الى الرثاء و ذكر فضائله:
عمري! لقد اغمدت منك مهندا = في الترب كان ممزق الاغماد
قد كنت اهوى ان اشاطرك الردى = لكن اراد الله غير مرادي
ولقد كبا طرف الرقاد بناظري = منذ افتقدت فلا لعا لرقادي ( لعا – دعاء)
ثكلتك ارض لم تلد لك ثانيا = انى ومثلك معوذ الميلاد
من للبلاغة والفصاحة أن همى = ذاك الغمام وعب ذاك الوادي
من للملوك يجز في أعدائها = بظبى من القول البليغ حداد
من للممالك لا يزال يلمها = بسداد امر ضائع وسداد
من للجحافل يستزل رماحها = ويرد رعلتها بغير جلاد ( جلاد- قتال ، رعلتها – كثرتها)
من للموارق يسترق قلوبها = بزلازل الابراق والارعاد ( المارق – الخارج عن الدين)
وصحايف فيها الاراقم كمن = مرهوبة الاصدار والايراد
تدمى طوائعها إذا استعرضتها = من شدة التحذير والابعاد
حمر على نظر العدو كأنما = بدم يخط بهن لا بمداد
يقدمن إقدام الجيوش وباطل = أن يهزمن هزائم الاجناد
فقر بها تمسي الملوك فقيرة = ابدا الى مبدا لها ومعاد
وتكون سوطا للحرون إذا ونى= وعنان عنق الجامح المتمادي ( الحرون – البعير الذي يرفض الانقياد)
ترقي وتلدغ في القلوب وإن يشا = حط النجوم بها من الابعاد
ان الدموع عليك غير بخيلة = والقلب بالسلوان غير جواد
سودت ما بين الفضاء وناظري = وغسلت من عيني كل سواد
ري الخدود من المدامع شاهد = أن القلوب من الغليل صوادي
ما كنت أخشى أن تضن بلفظة = لتقوم بعدك لى مقام الزاد
ماذا الذي منع الفنيق هديره = من بعد صولته على الاذواد ( الفنيق –الفحل المكرم)
ماذا الذي حبس الجواد عن المدى = من بعد سبقته الى الاماد
ماذا الذي منع الهمام بوثبة = وعدا على دمه وكان العادي
قل للنوائب: عددي ايامه = يغني عن التعديد بالتعداد
حمال ألوية العلاء بنجدة = كالسيف يغني عن مناط نجاد
قلصت أظلة كل فضل بعده = وأمر مشربها على الوراد
لقضي لسانك ، مذ ذوت ثمراته = أن لا دوام لنضرة الاعواد
وقضى جنانك، مذ خبت وقداته = أن لا بقاء لقدح كل زناد
بقيت اعيجاز يضل تبيعها = ومضت هواد للرجال هوادي
وصف علاقتهما وحاله بعده :
يا ليت اني ما اقتنيتك صاحبا ! = كم قنية جلبت اسى لفؤادي
ان لم تسف الى التناسل نفسه = كفي الاسى بتفاقد الاوداد
برد القلوب لمن تحب بقاءه = مما يجر حرارة الاكباد
ليس الفجائع بالذخائر مثلها = بأماجد الاعيان والافراد
ويقول من لم يدر كنهك: إنهم = نقصوا به عددا من الاعداد
هيهات! ادرج بين برديك الردى = رجل الرجال وأوحد الاحاد
لا تطلبي يا نفس خلا بعده = فلمثله اعيا على المرتاد
فقدت ملائمة الشكول لفقده = وبقيت بين تباين الاضداد
ما مطعم الدنيا بحلو بعده = ابدا، ولا ماء الحيا ببراد
الفضل ناسب بيننا إذ لم يكن = شرفي مناسبه ولا ميلادي
إن لم تكن من اسرتي وعشيرتي = فلأنت اعلقهم يدا بودادي
لو لم يكن عالي الاصول فقد وفى = شرف الجدود بسؤدد الاجداد
لا در دري إن مطلتك ذمة = في باطن متغيب او باد
إن الوفاء كما اقترحت فلو يكن = حيا إذا ما كنت بالمزداد
ليس التنافث بيننا بمعاود = أبدا وليس زماننا بمعاد ( التنافث – المسارة و المخاطبة)
ضاقت علي الارض بعدك كلها = وتركت اضيقها علي بلادي
لك في الحشا قبر وإن لم تأوه = ومن الدموع روائح وغواد
سلوا من الابراد جسمك فانثنى = جسمي يسل عليك في الابراد
كم من طويل العمر بعد وفاته = بالذكر يصحب حاضرا او بادي
ما مات من جعل الزمان لسانه = يتلو مناقب عودا و بوادي
فاذهب كما ذهب الربيع وإثره = باق بكل خمايل ونجاد
لا تبعدن واين قربك بعدها = إن المنايا غاية الابعاد
صفح الثرى عن حر وجهك إنه = مغرى بطي محاسن الامجاد
وتماسكت تلك البنان فطالما = عبث البلى بأنامل الاجواد
وسقاك فضلك إنه أروى حيا = من رائع متعرس او غادي
جدث على أن لا نبات بأرضه = وقفت عليه مطالب الرواد
انتهى الجزء الاول و يتبع الجزء الثاني ان شاء الله …
لا شك في ان الرثاء من اروع اذا لم يكن اروع جانب من جوانب الشعر لما يتميز به من صدق العاطفة وحرارة المشاعر. والشعر العربي زاخر بقصائد بصدق تهيج الوجدان وتهز المشاعر من شدة لوعتها ، ربما اشهرها قصيدة ابي تمام في رثاء محمد ابن حميد :
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر = فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد = وأصبح في شغل عن السفر السفْر
وما كان إلا مال من قلّ ماله = وذخراً لمن أمسى وليس له ذخر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة = تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه = من الضرب واعْتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه = إليه الحفاظ المر والخُلق الوعر
ونفسٍ تخاف العار حتى كأنه = هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله = وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه = فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر
تردى ثياب الموت حمراً فما أتى = لها الليل إلا وهي في سندس خضر
فتى كان عذب الروح لا من غضاضة = ولكنّ كِبراً أن يقال: به كِبْر
لئن أُبغض الدهر الخؤون لفقده = لعهدي به ممن يحب به الدهر
سقى الغيث غيثاً وارت الأرض شخصه = وإن لم يكن فيه سحاب ولا قطر
مضى طاهر الأثواب لم تبق بقعة = غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى = ويعمر صرف الدهر نائله الغمر
….الخ
و قصيدة ابن الرومي في رثاء ولده :
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي= فجودا فقد أودى نظيركما عندي
ألا قاتل الله المنايا و رميها= من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي = فلله كيف اختار واسطة العقد
وغيرها من القصائد الرثائية الرائعة و الكثيرة و لكن في هذا الموضوع لا يعنيني الا الرثاء عند الشريف الرضي شاعر الهاشميين،هذا الشاعر العملاق الذي الى الان لم يلق حظه من الشهرة مع كونه ليس شاعر الهاشميين فقط بل شاعر الانسانية الكبير ،و لا بد لشاعر الانسانية ان يتميز في الجانب الرثائي و الحق ان ديوانه العملاق يزخر بروائع رثائية كثيرة لطالما ابكتني وتبكيني فهي نابعة من قلب يتحرق اسى على نوائب الدهر في احبائه … و سأحاول في هذا المختصر ان اضع بعض و فقط بعض القصائد التي قراتها مرارا وتكرارا من شعره رحمه الله في الرثاء …
طبعا سنستهل هذه القصائد برائعته الارتجالية في الحائر الحسيني يرثي جده عليه السلام :
كربلا لا زلت كربا وبلا = ما لقي عندك ال المصطفى
كم على تربك لما صرعوا = من دم سال ومن دمع جرى
كم حصان الذيل يروي دمعها = خدها عند قتيل بالظما ( حصان الذيل – طاهرة عفيفة )
تمسح الترب على اعجالها = عن طلى نحر رميل بالدما ( طلى- الاعناق ، رميل – ملطخ )
الى اخر القصيدة المشهورة والمثبتة في الديوان و لكن هناك من قال ان القصيدة ليست للشريف الرضي ( راجع ماذكره الدكتور عبدالفتاح الحلو في الشك في صحة نسبة هذه القصيدة ) اهمها هذه النقاط :
1- انها لم توجد في ديوانه ؟
2- انها لينة لا تشبه شعره
3- انها فيها من العقائد ما لا توائم نفس الشريف .
بالنسبة للنقطة الاولى احتاج للمزيد من التتبع اما النقطة الثانية فربما كون القصيدة ارتجالية و انها في موقف عظيم بالنسبة للشريف وطولها جعلها تبدو اضعف من بقية اشعاره رحمه الله وان كانت تميزت بالعاطفة الجياشة و الحزن و الاسى بدلا من الجانب البلاغي المحض . اما النقطة الثالثة فهي مجرد هراء ولكن اعتقد ان الابيات الكثيرة في ذم هذه الامة هي ما تجعل البعض يتحسس من هذه القصيدة .
كقوله :
ليس هذا لرسول الله يا = امة الطغيان و البغي جزا
غارس لم يأل في الغرس لهم= فاذاقوا اهله مر الجنى
جزروا جزر الاضاحي نسله = ثم ساقوا اهله سوق الاما
معجلات لا يوارين ضحى = سنن الاوجه او بيض الطلى
ادرك الكفر بهم ثاراته = و ازيل الغي منهم فاشتفى
و القصيدة مشهورة و سنتناولها بالشرح في الجزء الثاني ان شاء الله …
القصيدة الثانية هي القصيدة الذائعة الصيت في رثاء ابواسحاق الصابئ ، والجميل ان هذا الرجل ليس على اعتقاد الشريف الرضي ولكن نرى الشريف يقول عنه :
" الصديق الصادق والحميم الموافق أبي إسحق إبراهيم بن هلال الصابئ، فإنه كما لم يغير لي وده في حياته، رماني بالخطب الجليل من وفاته، وإنتزعه من يديَّ على حين إنضمامها على أخائه وتشبثهما بعقد صفائه، وحصوله أخا في المودة لصيقا ، ونسيبا في الفضل عريقا. والى الله أشكو دهرا حال دونه وقطع ما بيني وبينه، وأفردني عنه إفراد الأم عن جنينها والشمال عن يمينها.. إن فقده أعرى ظهري على كثرة حماتي وأنصاري، وأوحدني على أقاربي وعشائري.."
القصيدة الدالية الرائعة المشبعة بالصور و الخيالات المتحركة والمفعمة بالتراكيب البلاغية الخلابة مع عاطفة حراقة فهي بحق رثاء للعلم والفضيلة :
أعلمت من حملوا على الأعواد؟ = أرأيت كيف خبا ضياء النادي؟
جبل هوى لو خر في البحر اغتدى = من وقعه متتابع الأزباد
ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى= أن الثرى يعلو على الأطواد
بعدا ليومك في الزمان فإنه = اقذى العيون وفت في الأعضاد
لا ينفد الدمع الذي يبكي به= إن القلوب له من الامداد
كيف انمحي ذاك الجناب وعطلت = تلك الفجاج وضل ذاك الهادي
طاحت بتلك المكرمات طوائح = وعدت على ذاك الجلال عوادي ( العوادي – المصائب)
قالوا أطاع وقيد في شطن الردى = ايدي المنون ملكت أي قياد ( شطن- حبل )
من مصعب لو لم يقده إلهه = لقضائه ما كان بالمنقاد
وصف الموت والقبر و السفر :
هذا أبو إسحاق يغلق رهنه = هل ذا يد أو مانع أو فادي
لو كنت تفدى لافتدتك فوارس = مطروا بعارض كل يوم طراد
وإذا تالق بارق لوقيعة = والخيل تفحص بالرجال بداد ( بداد- متفرقة )
سلوا الدروع من العباب واقبلوا = يتحدبون على القنا المياد
لكن رماك مجبن الشجعان عن = إقدامهم ومضعضع الانجاد ( المقصود الموت )
كالليث يوهن بالتراب ويمتلي = غيظا على الاضغان والاحقاد
والدهر تدخل نافذات سهامه = مأوى الصلال ومربض الاساد ( مأوى الصلال = مأوى الحيات )
ألقي الجران على عنطنط حمير = فمضى ومد يدا لاحمر عاد ( عنطنط – طويل)
أعزز علي بأن اراك وقد خلت = من جانبيك مقاود العواد
اعزز علي بأن نزلت بمنزل = متشابه الامجاد والاوغاد ( يقصد القبر)
اعزز علي بأن يفارق ناظري = لمعان ذاك الكوكب الوقاد
في عصبة جنبوا الى آجالهم = والدهر يعجلهم عن الارواد ( الارواد – التمهل )
ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم = من غير اطناب ولا اعماد
ركب أناخوا لا يرجى منهم = قصد لاتهام ولا إنجاد
كرهوا النزول فأنزلتهم وقعة = للدهر باركة بكل مقاد
فتهافتوا عن رحل كل مذلل = وتطاوحوا عن سرج كل جواد
بادون في صور الجميع وإنهم = متفردون تفرد الاحاد
مما يطيل الهم أن أمامنا = طول الطريق وقلة الازواد
عود الى الرثاء و ذكر فضائله:
عمري! لقد اغمدت منك مهندا = في الترب كان ممزق الاغماد
قد كنت اهوى ان اشاطرك الردى = لكن اراد الله غير مرادي
ولقد كبا طرف الرقاد بناظري = منذ افتقدت فلا لعا لرقادي ( لعا – دعاء)
ثكلتك ارض لم تلد لك ثانيا = انى ومثلك معوذ الميلاد
من للبلاغة والفصاحة أن همى = ذاك الغمام وعب ذاك الوادي
من للملوك يجز في أعدائها = بظبى من القول البليغ حداد
من للممالك لا يزال يلمها = بسداد امر ضائع وسداد
من للجحافل يستزل رماحها = ويرد رعلتها بغير جلاد ( جلاد- قتال ، رعلتها – كثرتها)
من للموارق يسترق قلوبها = بزلازل الابراق والارعاد ( المارق – الخارج عن الدين)
وصحايف فيها الاراقم كمن = مرهوبة الاصدار والايراد
تدمى طوائعها إذا استعرضتها = من شدة التحذير والابعاد
حمر على نظر العدو كأنما = بدم يخط بهن لا بمداد
يقدمن إقدام الجيوش وباطل = أن يهزمن هزائم الاجناد
فقر بها تمسي الملوك فقيرة = ابدا الى مبدا لها ومعاد
وتكون سوطا للحرون إذا ونى= وعنان عنق الجامح المتمادي ( الحرون – البعير الذي يرفض الانقياد)
ترقي وتلدغ في القلوب وإن يشا = حط النجوم بها من الابعاد
ان الدموع عليك غير بخيلة = والقلب بالسلوان غير جواد
سودت ما بين الفضاء وناظري = وغسلت من عيني كل سواد
ري الخدود من المدامع شاهد = أن القلوب من الغليل صوادي
ما كنت أخشى أن تضن بلفظة = لتقوم بعدك لى مقام الزاد
ماذا الذي منع الفنيق هديره = من بعد صولته على الاذواد ( الفنيق –الفحل المكرم)
ماذا الذي حبس الجواد عن المدى = من بعد سبقته الى الاماد
ماذا الذي منع الهمام بوثبة = وعدا على دمه وكان العادي
قل للنوائب: عددي ايامه = يغني عن التعديد بالتعداد
حمال ألوية العلاء بنجدة = كالسيف يغني عن مناط نجاد
قلصت أظلة كل فضل بعده = وأمر مشربها على الوراد
لقضي لسانك ، مذ ذوت ثمراته = أن لا دوام لنضرة الاعواد
وقضى جنانك، مذ خبت وقداته = أن لا بقاء لقدح كل زناد
بقيت اعيجاز يضل تبيعها = ومضت هواد للرجال هوادي
وصف علاقتهما وحاله بعده :
يا ليت اني ما اقتنيتك صاحبا ! = كم قنية جلبت اسى لفؤادي
ان لم تسف الى التناسل نفسه = كفي الاسى بتفاقد الاوداد
برد القلوب لمن تحب بقاءه = مما يجر حرارة الاكباد
ليس الفجائع بالذخائر مثلها = بأماجد الاعيان والافراد
ويقول من لم يدر كنهك: إنهم = نقصوا به عددا من الاعداد
هيهات! ادرج بين برديك الردى = رجل الرجال وأوحد الاحاد
لا تطلبي يا نفس خلا بعده = فلمثله اعيا على المرتاد
فقدت ملائمة الشكول لفقده = وبقيت بين تباين الاضداد
ما مطعم الدنيا بحلو بعده = ابدا، ولا ماء الحيا ببراد
الفضل ناسب بيننا إذ لم يكن = شرفي مناسبه ولا ميلادي
إن لم تكن من اسرتي وعشيرتي = فلأنت اعلقهم يدا بودادي
لو لم يكن عالي الاصول فقد وفى = شرف الجدود بسؤدد الاجداد
لا در دري إن مطلتك ذمة = في باطن متغيب او باد
إن الوفاء كما اقترحت فلو يكن = حيا إذا ما كنت بالمزداد
ليس التنافث بيننا بمعاود = أبدا وليس زماننا بمعاد ( التنافث – المسارة و المخاطبة)
ضاقت علي الارض بعدك كلها = وتركت اضيقها علي بلادي
لك في الحشا قبر وإن لم تأوه = ومن الدموع روائح وغواد
سلوا من الابراد جسمك فانثنى = جسمي يسل عليك في الابراد
كم من طويل العمر بعد وفاته = بالذكر يصحب حاضرا او بادي
ما مات من جعل الزمان لسانه = يتلو مناقب عودا و بوادي
فاذهب كما ذهب الربيع وإثره = باق بكل خمايل ونجاد
لا تبعدن واين قربك بعدها = إن المنايا غاية الابعاد
صفح الثرى عن حر وجهك إنه = مغرى بطي محاسن الامجاد
وتماسكت تلك البنان فطالما = عبث البلى بأنامل الاجواد
وسقاك فضلك إنه أروى حيا = من رائع متعرس او غادي
جدث على أن لا نبات بأرضه = وقفت عليه مطالب الرواد
انتهى الجزء الاول و يتبع الجزء الثاني ان شاء الله …