روائع الرثاء في شعر الشريف الرضي - الجزء الثاني -
بسم الله الرحمن الرحيم
قصيدة : كربلا لا زلت كربا و بلا (من بحر الرمل)
ادب الطف هو الشعر الذي قيل في فاجعة كربلاء ، و الشريف الرضي كشاعر الشيعة له حظ وافر من القصائد في رثاء جده الامام الحسين بن علي عليهما سلام الله و تحياته. و من هذه القصائد قصيدة "كربلا لازلت كربا و بلا" ، و قد قالها و هو بالحاير الحسيني بدون عمامة لاطما راسه .
مطلعهـــا :-
كربلا لازلت كربا و بلا – ما لقي عندك آل المصطفى
اول ما يلاحظ في القصيدة القافية الممدودة ، فهي من حسن الاختيار لان صوت الاهات و النحيب دائما ممدود فهو لا يخرج بسرعة من اللسان بل من صميم القلب. و صدر المطلع فيه جناس ، و تفريع كلمة كربلا الى كرب و بلا ، قد اخذه من قول الامام الحسين عليه السلام "ارض كرب و بلاء" . و الاستفهام في العجز اما استفهام استنكاري كقولك ما هذا الذي اراه منك ؟ او استفهام مبالغة في التعجب بمعنى اي مصاب عظيم هذا الذي وقع عندك . و نسبة الال الى المصطفى تشريف لهم و اختيار لقب المصطفى من بين القاب الرسول الاعظم كلها للاشارة الى كون هؤلاء اهل بيت من اصطفاه (اختاره) الله من كافة خلقه ليلحظ عظم المصاب. نلاحظ ايضا ان الشاعر يستنطق الجماد بمخاطبته جريا على عادة الشعراء و لربما فيه اشارة الى عظم المصاب الذي يستنطق الجماد لو كان متكلما.
كم على تربك لما صرعوا – من دم سال و من دمع جرى
السؤال بكم و الشّدّة في صرعوا للتكثير ، و هناك موازنة بين ما جرى على الرجال من قتل و بين ما جرى على النساء و الاطفال من ترويع و سبي ، و كأنه يقول ان اعظم من قطرات دمائكم ما جرى على خدود اطفالكم و نسائكم من دموع . و اختيار سال لوصف خروج الدم لبيان الشدة و الكثرة و الاندفاع .
كم حصان الذيل يروي دمعها – خدها عند قتيل بالظما
مرة اخرى السؤال بكم و هذه المرة عن حرم اهل بيت النبوة و قوله "حصان الذيل" كناية عن الطاهرة العفيفة ، و الصورة الشعرية في كون الدموع المنهمرة تروي عطش الخدين ، و عطش الخدين من الحرارة و العطش و الضعف. و القتيل بالظما هو الامام الحسين عليه السلام كونه قتل عطشانا فالبيت تصوير لواحدة من اعظم مصائب يوم الطف ، الا و هي التجاء حريم الرسالة بجسد مولاهن الحسين و بكائهن عنده و هو ملقى على التراب.
تمسح الترب على اعجالها – عن طلى نحر رميل بالدما
مواصلة لرسم اللوحة في البيت السابق ، يقول بالرغم من اعجال القوم للنساء و ترويعهن و زجرهن و الحث على العجلة الا انهن منشغلات بازالة التراب عن نحر سيدهن و مولاهن ذاك النحر الملطخ بالدماء و فيه اشارة ضمنية الى كون الجسد بدون راس و الا لانشغلت النساء بمسح الوجه الطاهر ، فلعنة الله على قاطعه .
و ضيوف لفلاة قفرة – نزلوا فيها على غير قرى
الضيوف يقصد بهم عسكر الامام الحسين عليه السلام و الفلاة الصحراء و القفرة الخالية و القرى الضيافة. فتصويره لهم بانهم ضيوف نزلوا قفرة اظهار للمفارقة و اشارة الى ما جرى عليهم من منع حتى الماء من قبل عدوهم و فيه اثبات لدناءة عدوهم الذي يفتقر لادنى خصال المروءة.
الى قوله :
و تنوش الوحش من اجسادهم – ارجل السبق و ايمان الندى
تنوش من اجسادهم بمعنى تتناولها و تمسكها ، و ارجل السبق يقصد تلك الارجل التي كانت سباقة الى مواطن طاعة الله و سباقة الى الجهاد في سبيله. و اما الايمان فهي جمع اليد اليمنى و هي تلك الايادي الطاهرة التي اشتهرت بالكرم و العطاء و المسح على رؤوس اليتامى. و في البيت اشارة الى كون جوارحهم جميعا في مرضاة الله .
و وجوه كالمصابيح فمن – قمر غاب و نجم قد هوى
في البيت تشبيه وجوه اهل و اصحاب الحسين بالمصابيح و ذلك لما عرف عنهم من شدة العبادة و السهر في قيام الليل الامر الذي يورث جمالا و نورا ظاهرا على الوجه كما نص الحديث الشريف. فهم في قتلهم كالاقمار المغيبة و النجوم الهاوية . و ان كان السياق يذهب الى العموم في قوله قمر غاب الا انه لا يستبعد ان يكون المقصود خصوص قمر العشيرة العباس ابن علي عليهما السلام. و نلاحظ التضمين الجزئي لقوله تعالى "و النجم اذا هوى".
يا رسول الله لو عاينتهم – و هم ما بين قتل و سبا
يتحول الشاعر الى خطاب الرسول الاعظم المعزى بهذا المصاب ، و يحاول ان يخبره بما جرى لاهل بيته من مصائب قسمتهم الى فريق قتلى و فريق سباء . و نلاحظ ان الشاعر يكثر خطاب الرسول في بقية القصيدة بل يتكلم على لسانه في الابيات الختامية و كل هذا تذكير بأن المصاب هو مصاب رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم .
من رميض يمنع الظل و من – عاطش يسقى انابيب القنى
يبدا بالتفصيل في رسم الصورة التي بداها في البيت السابق فيقول ان منهم من هو مصاب بشدة الحر ملقى على التراب يمنع الظل مع ما به من عطش و منهم من هو عطشان يسقى بدلا من انابيب الماء انابيب الرماح المشتعلة نارا من حرارة الشمس و من حرارة الضرب.
و مسوق عاثر يسعى به – خلف محمول على غير وطا
ايضا مواصلة للصورة السابقة ، و لكن هذه المرة يقول ان منهم من هو يساق خلف محمول (قتيل). نلاحظ قوله عاثر في اشارة الى عنفهم في الزجر و الاخذ بالقوة و الاستعجال و لربما المقصود هنا بالمسوق الاطفال و النساء لانه الانسب للسياق. و اما المحمول على غير وطا فالوطا المقصود الفراش الموطا و الممهد و فيه اظهار لاستخفاف القوم بالمحمول.
اكتفي بهذا القدر ، لعن الله قتلة الحسين عليه السلام .
قصيدة : كربلا لا زلت كربا و بلا (من بحر الرمل)
ادب الطف هو الشعر الذي قيل في فاجعة كربلاء ، و الشريف الرضي كشاعر الشيعة له حظ وافر من القصائد في رثاء جده الامام الحسين بن علي عليهما سلام الله و تحياته. و من هذه القصائد قصيدة "كربلا لازلت كربا و بلا" ، و قد قالها و هو بالحاير الحسيني بدون عمامة لاطما راسه .
مطلعهـــا :-
كربلا لازلت كربا و بلا – ما لقي عندك آل المصطفى
اول ما يلاحظ في القصيدة القافية الممدودة ، فهي من حسن الاختيار لان صوت الاهات و النحيب دائما ممدود فهو لا يخرج بسرعة من اللسان بل من صميم القلب. و صدر المطلع فيه جناس ، و تفريع كلمة كربلا الى كرب و بلا ، قد اخذه من قول الامام الحسين عليه السلام "ارض كرب و بلاء" . و الاستفهام في العجز اما استفهام استنكاري كقولك ما هذا الذي اراه منك ؟ او استفهام مبالغة في التعجب بمعنى اي مصاب عظيم هذا الذي وقع عندك . و نسبة الال الى المصطفى تشريف لهم و اختيار لقب المصطفى من بين القاب الرسول الاعظم كلها للاشارة الى كون هؤلاء اهل بيت من اصطفاه (اختاره) الله من كافة خلقه ليلحظ عظم المصاب. نلاحظ ايضا ان الشاعر يستنطق الجماد بمخاطبته جريا على عادة الشعراء و لربما فيه اشارة الى عظم المصاب الذي يستنطق الجماد لو كان متكلما.
كم على تربك لما صرعوا – من دم سال و من دمع جرى
السؤال بكم و الشّدّة في صرعوا للتكثير ، و هناك موازنة بين ما جرى على الرجال من قتل و بين ما جرى على النساء و الاطفال من ترويع و سبي ، و كأنه يقول ان اعظم من قطرات دمائكم ما جرى على خدود اطفالكم و نسائكم من دموع . و اختيار سال لوصف خروج الدم لبيان الشدة و الكثرة و الاندفاع .
كم حصان الذيل يروي دمعها – خدها عند قتيل بالظما
مرة اخرى السؤال بكم و هذه المرة عن حرم اهل بيت النبوة و قوله "حصان الذيل" كناية عن الطاهرة العفيفة ، و الصورة الشعرية في كون الدموع المنهمرة تروي عطش الخدين ، و عطش الخدين من الحرارة و العطش و الضعف. و القتيل بالظما هو الامام الحسين عليه السلام كونه قتل عطشانا فالبيت تصوير لواحدة من اعظم مصائب يوم الطف ، الا و هي التجاء حريم الرسالة بجسد مولاهن الحسين و بكائهن عنده و هو ملقى على التراب.
تمسح الترب على اعجالها – عن طلى نحر رميل بالدما
مواصلة لرسم اللوحة في البيت السابق ، يقول بالرغم من اعجال القوم للنساء و ترويعهن و زجرهن و الحث على العجلة الا انهن منشغلات بازالة التراب عن نحر سيدهن و مولاهن ذاك النحر الملطخ بالدماء و فيه اشارة ضمنية الى كون الجسد بدون راس و الا لانشغلت النساء بمسح الوجه الطاهر ، فلعنة الله على قاطعه .
و ضيوف لفلاة قفرة – نزلوا فيها على غير قرى
الضيوف يقصد بهم عسكر الامام الحسين عليه السلام و الفلاة الصحراء و القفرة الخالية و القرى الضيافة. فتصويره لهم بانهم ضيوف نزلوا قفرة اظهار للمفارقة و اشارة الى ما جرى عليهم من منع حتى الماء من قبل عدوهم و فيه اثبات لدناءة عدوهم الذي يفتقر لادنى خصال المروءة.
الى قوله :
و تنوش الوحش من اجسادهم – ارجل السبق و ايمان الندى
تنوش من اجسادهم بمعنى تتناولها و تمسكها ، و ارجل السبق يقصد تلك الارجل التي كانت سباقة الى مواطن طاعة الله و سباقة الى الجهاد في سبيله. و اما الايمان فهي جمع اليد اليمنى و هي تلك الايادي الطاهرة التي اشتهرت بالكرم و العطاء و المسح على رؤوس اليتامى. و في البيت اشارة الى كون جوارحهم جميعا في مرضاة الله .
و وجوه كالمصابيح فمن – قمر غاب و نجم قد هوى
في البيت تشبيه وجوه اهل و اصحاب الحسين بالمصابيح و ذلك لما عرف عنهم من شدة العبادة و السهر في قيام الليل الامر الذي يورث جمالا و نورا ظاهرا على الوجه كما نص الحديث الشريف. فهم في قتلهم كالاقمار المغيبة و النجوم الهاوية . و ان كان السياق يذهب الى العموم في قوله قمر غاب الا انه لا يستبعد ان يكون المقصود خصوص قمر العشيرة العباس ابن علي عليهما السلام. و نلاحظ التضمين الجزئي لقوله تعالى "و النجم اذا هوى".
يا رسول الله لو عاينتهم – و هم ما بين قتل و سبا
يتحول الشاعر الى خطاب الرسول الاعظم المعزى بهذا المصاب ، و يحاول ان يخبره بما جرى لاهل بيته من مصائب قسمتهم الى فريق قتلى و فريق سباء . و نلاحظ ان الشاعر يكثر خطاب الرسول في بقية القصيدة بل يتكلم على لسانه في الابيات الختامية و كل هذا تذكير بأن المصاب هو مصاب رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم .
من رميض يمنع الظل و من – عاطش يسقى انابيب القنى
يبدا بالتفصيل في رسم الصورة التي بداها في البيت السابق فيقول ان منهم من هو مصاب بشدة الحر ملقى على التراب يمنع الظل مع ما به من عطش و منهم من هو عطشان يسقى بدلا من انابيب الماء انابيب الرماح المشتعلة نارا من حرارة الشمس و من حرارة الضرب.
و مسوق عاثر يسعى به – خلف محمول على غير وطا
ايضا مواصلة للصورة السابقة ، و لكن هذه المرة يقول ان منهم من هو يساق خلف محمول (قتيل). نلاحظ قوله عاثر في اشارة الى عنفهم في الزجر و الاخذ بالقوة و الاستعجال و لربما المقصود هنا بالمسوق الاطفال و النساء لانه الانسب للسياق. و اما المحمول على غير وطا فالوطا المقصود الفراش الموطا و الممهد و فيه اظهار لاستخفاف القوم بالمحمول.
اكتفي بهذا القدر ، لعن الله قتلة الحسين عليه السلام .