قراءة في قصة "فنان جوع"
بسم الله الرحمن الرحيم
في الفترة الأخيرة قرأت بعضا من الاعمال الادبية كان آخرها قصة قصيرة بعنوان "فنان جوع" للكاتب التشيكي الشهير فرانز كافكا . نشرت هذه القصة في حياة كافكا سنة 1922 م و من ثم تم اعادة نشرها مرة اخرى في مجموعة قصصية تحمل نفس العنوان . و يظهر أن عنوان الرواية تم ترجمته بأشكال مختلفة الى الانجليزية فإضافة الى "فنان جوع" ترجم العنوان الى "فنان تجويع" و "فنان صوم". يمكننا القول ان كافكا في هذه القصة يتناول ظاهرة قد اندثرت قبل عشرات السنين حيث ان من يعرفون بفناني الجوع كانوا يستعرضون موهبتهم في القرن الثامن عشر و التاسع عشر بل ان اول ظهور لهم يرجع الى القرن السابع عشر . و تذكر الموسوعة الحرة ان هذه الاستعراضات بلغت ذروتها في ثمانينيات القرن التاسع عشر و بملاحظة سنة كتابة القصة يمكننا القول ان الفترة الزمنية بين كتابة القصة و اندثار هذه الظاهرة ليست بالفترة الطويلة جدا حيث لا تتجاوز العقدين او الثلاثة في اطول التقادير و منه نعرف سر وصف كافكا اندثار الاهتمام بهذه الظاهرة بأنه كان بين ليلة و ضحاها . ان هذه القصة التي لا تتجاوز عشر صفحات يمكن تقسيمها الى اجزاء نستعرضها بشكل سريع لكي تكون بمثابة التمهيد لما سيأتي من دراسة لرموز و دلالات هذه القصة المؤثرة . بناءً على ذلك سنتكلم عن تفاصيل القصة الى نهايتها فمن يريد قراءة القصة اولا يمكنه التوقف الآن ثم العودة لاحقا لقراءة هذه المقالة .
الجزء الاول يبدأ بصوت القاص الذي يتكلم عن ظاهرة مندثرة من الماضي كانت تثير اهتمام الناس و بناءً على المقدمة السابقة يمكننا القول ان كافكا تقمص دور القاص بنفسه . و بعد استعراض سريع لمفهوم هذه الظاهرة بشكلها العام ينتقل القاص الى الكلام عن فنان جوع معين لم يذكر لنا اسمه الى نهاية القصة و كأنه نكرة بل هي اشارة واضحة الى مدى تهميش المجتمع لهؤلاء الفنانين كما سيأتي . ان هذا الفنان كان يعمل بإدارة منتج يقوم بتنسيق عملية الاستعراض و الاعلان عنها حيث يتنقل بهذا الفنان في المدن الاوروبية لاستعراض مهارات هذا الفنان الذي يصوم عن الأكل لفترات طويلة تصل الى الاربعين يوما. اما العملية نفسها فهي كما استعراض المسارح و السيرك و غيرها فالفنان موجود في قفص خال من الاثاث لا يوجد فيه الا القش و ساعة تشير الى الوقت و يقوم المنتج ببيع التذاكر على الناس حيث يستمتعون بمشاهدة هذا الفنان الذي يستعرض موهبته في عدم الاكل و تحمل الجوع . ان بعضا من المتفرجين يحضر يوميا للفرجة بل ان هناك مجموعة مختارة من المشاهدين يدعون بالمراقبين - من المفارقة انهم عادة مجموعة من القصابين - يتناوبون على حراسة القفص ليلا و نهارا لكي لا يغش الفنان و يأكل خلسة عندما يغفل عنه الناس. و قد كان المراقبون و الجمهور و بالرغم من كل هذه الاجراءات الوقائية يشكون بأن هناك خدعة في البين . و كان هذا الامر يزعج الفنان اشد الازعاج لأنه بمثابة الطعن في نزاهته و مهنيته و قد وصل الامر الى ان بعض المراقبين في الليل يتعمدون التظاهر بالانغماس في لعبة الورق لكي يعطوا الفنان فرصة للاكل إلا أنه كان يغني طوال الليل في محاولة يائسة لإقناعهم بأنه لم يكن ليأكل شيئا و فمه مشغول بالغناء . هذا و كان يؤذيه ايضا القيد المفروض عليه من ناحية الزمن فالمنتج لا يسمح له بتجاوز حاجز الاربعين يوما فقد كان الفنان يثور غاضبا و يتشبث بقضبان القفص ليهزها هزا عنيفا عندما يخبره احد المتفرجين بأنه يعاني من الاكتئاب و اليأس و لكن المنتج يسارع بالاعتذار للجمهور و يشير الى حقيقة ان هذه الثورات الغضبية انما هي نتيجة طبيعية لحالة النرفزة التي يعيشها الفنان من الجوع . و عندما يحاول الفنان ان يرد بأن ما يزعجه ليس الجوع و انما هذا القيد العشوائي الذي لا يسمح له ان يتجاوز رقمه القياسي ، يبدا المنتج بإظهار صور للفنان و هو في يوم الاربعين مسجى على الارض كما الميت .
وان بدا المنتج مهتما بسلامة الفنان الا ان هناك سببا آخر يجعله يكتفي بالاربعين حيث انه وجد ان اهتمام الناس يقل بعد الاربعين فلا جدوى تجارية من المتابعة. على كل حال في اليوم الاربعين يقام احتفال بحضور المشاهدين و فرقة موسيقية و اثنين من الاطباء لمعاينة حالة الفنان و من ثم تحتمله فتاتان الى طاولة الطعام حيث يجبر على تناول الأكل اكراها. و هكذا تمضي الايام إلا أنه و بعد فترة ليست بالطويلة يبدو ان هذه الظاهرة لم تعد تثير اهتمام الناس واصبح الناس يفضلون طرقا اخرى للتسلية و تمضية الوقت. هذا الامر أدّى الى انفصال المنتج و الممثل ما اضطر الاخير الى ان يلتحق بسيرك لكي يحاول ان يمارس موهبته الخاصة . و قد اختارت له ادارة السيرك مكانا بعيدا بالقرب من عربات الحيوانات ولكن المسكين لم يكن يملك خيار الاعتراض على هذا الأمر بل تقبل واقعه الجديد. وقد كان الناس في ساعات الدخول يهجمون أفواجا باتجاه عربته وكان ينشد الى قدومهم ولكنه ما لبث ان ادرك ان هذه الأفواج انما هي منطلقة نحو أقفاص الحيوانات المجاورة له . ولم يكن احد ليقف وينظر الى عربته بل ان من يريد ان يقف وسط هذه الافواج يعرقل المسير فيضطر ان يواصل مشيه ولكن قد يكون بين الفينة والاخرى أب يشير الى الفنان و يشرح لأطفاله حقيقة هذا النوع من الفن ولكنهم لم يكونوا يستوعبون هذا الامر اذ ان مدارسهم لم تهيئهم بالمقدمات المطلوبة لإدراك ماهية هذا العمل. اخيرا و بعد فترة طويلة لم يعد احد يكترث لهذا الفنان بل ان ادارة السيرك تركت مهمة تحديث الرقم الذي يشير الى عدد ايام الصيام بل ان الفنان نفسه لم يعد يحسب أيام صومه . في النهاية تساءل أحد المارة عن سر هذا القفص المهمل الذي لم يعد احد يذكر ما فائدته حتى ؟ و بعد جهد تذكروا بأنه قفص فنان الصوم فذهب الرجل برفقة العمال و فتشوا القش حيث كان الفنان المسكين مسجى كما الميت فحركه و سأله الى متى تنوي الاستمرار في الصوم ؟ و بعد حوار مختصر مثير للشفقة يعترف الفنان بأنه إنما كان يصوم لأنه لم يعثر على اي أكل يشتهيه و الا لكان أكل مثل بقية الناس . و قد كانت هذه اخر كلماته بعدها دفن الفنان و جاءت الادارة بفهد نشيط ليأخذ قفصه و عاد الناس للتجمهر و الاستمتاع بمشاهدة هذا الفهد الذي ينبض بالحياة و يأكل كل ما تشتهيه نفسه .
إن ظاهر هذه القصة يحكي عن فئة من الفنانين وجدت نفسها قد همشت من المجتمع و لم يعد لها اي موقع من الاعراب . هذه الظاهرة قد تنطبق على مهن و حرف كثيرة حيث يجد هؤلاء المساكين أنفسهم في موقف محرج فتضيع هويتهم بعد ان يستغني المجتمع عن خدماتهم او بعد ان تحل الآلة مكانهم و هذا ما يحصل بشكل ملحوظ عند انتقال المجتمعات من طور الى طور اخر مثل ما حدث ابان الثورة الصناعية و ما حدث لاحقا مع انتقال سواد الناس الى العمل في بيئة الكوربرت . لكن و كما بقية اعمال كافكا يجب ان تقرأ هذه القصة على انها تمثيل لشيء آخر فالاشياء في روايات كافكا دائما ليست كما تبدو و انما هي رموز لها دلالاتها الخاصة. نعم هناك الكثير من الامور المشتركة و هناك الكثير من الثيمات التي اشتهر بها كافكا من مثل رتابة البيروقراطية ، البطل المنبوذ من المجتمع ، الفساد الاخلاقي ، العزلة و الالم بل و السوداوية في قراءة الواقع الى غير ذلك من الامور التي اصبحت من تواقيع كافكا الا أننا يجب ان نبحث عن مراد كافكا الواقعي من كتابة مثل هذه القصة .
إن التفسير الأدبي الأقرب هو ما يذهب اليه جمهور النقاد من ذوي الخلفية الادبية فيقرأون هذه القصة على انها اشبه بتمثيل لواقع الكاتب نفسه خاصة ان الرواية كتبت قبل سنتين فقط من موت كافكا نفسه . فكأنما قصة الفنان الصائم انما هي قصة كافكا نفسه ذلك الكاتب الذي لم يجد طريقا الى جمهور يقدر و يفهم مراده فهو يعاني من ضياع تراثه وسط جمهور لا يقيم له الاعتبار المطلوب . أقول ان مثل هذا التفسير و ان كان محتملا الا انه يحتاج الى دراسة اعمق لسيرة حياة الكاتب و إلا قد يبدو من الاطلاع الأولي على سيرته الشخصية ان الرجل لم يكن يقيم اهتماما كبيرا لتراثه فكما هو معروف ان كافكا اوصى ماكس برود و دورا ديامالت بحرق كل ما تبقى من مسودات اعماله التي لم تنشر بعد موته مباشرة . الا انه يمكن الاعتراض على هذه القراءة أيضا بالقول أن الكاتب إنما فعل ذلك بعد اليأس من المجتمع فكأنما هذه محاولة انتقام اخيرة على طريقته الخاصة و لكن سيبقى الكلام بهذه الطريقة مجرد ظن لذلك قلت قد نحتاج لدراسة اكثر موضوعية في هذا الصدد و هذا بطبيعة الحال لا يتأتى لأمثالي . نعم ، يمكن التعميم و الارتقاء من القول بأن المعني هنا كافكا نفسه الى القول بأن البطل انما هو تمثيل لكل فنان لم يجد من يقدره من المشاهدين الا ان هذا التفسير سطحي و لا يقدم الكثير فهذا الامر ظاهر من القراءة الأولى حيث قلنا ان القصة كأنما تروي قصة فئة منبوذة تكررت بأشكال مختلفة على مر التاريخ فالتخصيص هنا بأن هذه الفئة هي فئة الكتاب او القصصيين انما هو ذكر مصداق من المصاديق الكثيرة و لا يقدم الكثير في تعميق فهم القصة . هذا و الإشارات الكثيرة الى الرموز الدينية تدل بوضوح على ان المقصود تفسير آخر .
إنّ البعض اتخذ من بعض الرموز كالصوم و اهمال الجسد و الاربعين يوما دليلا على ان شخصية الفنان انما هي رمز للرسول و المراقبين انما هم الكهنة في الديانة المسيحية . أقول إن هذا التفسير مقبول و قريب المنال و لكني لا اختار هذا القول لان تطبيق جميع رموز القصة و احداثها بناءً على هذا التفسير قد يواجه تحديات كثيرة فكيف يمكن مثلا توجيه العبارات و الاشارات الكثيرة المتضمنة معنى اليأس و عدم الرضا عن النفس و الاكتئاب و ما الى ذلك مما لا يناسب شخصية الرسول هذا ان فسرناه بمفهوم مسيحي و اما لو فسرناه بمفهوم يهودي فلا يستقيم التمثيل اساسا لما هو معروف من ان الرهبنة بهذا الشكل انما هي من مختصات المسيحية . لهذا المختار عندي ان كافكا انما ضرب لنا مثلا لكل انسان يحمل دعوة الى القيم و الفضيلة في اي مجتمع كان حيث التركيز هنا على الفضيلة نفسها لا على الداعي . بعبارة اخرى ان الشيء المهجور هنا هو الفضيلة و القيم فكافكا يرى ان الفضيلة و الاهتمام بالروح و الاخلاق انما كان شأن المجتمعات الماضية اما في هذا الوقت فالمادية قد احتلت مسرح الحياة بحيث تنحت الفضيلة جانبا كما رمز الى ذلك بتنحي الفنان الى عربة نائية بجوار مقطورات الحيوانات الى ان لقي حتفه . الآن و في ضوء هذا التفسير المختار لنقم بإعادة بناء و قراءة بعض رموز القصة و احداثها .
بداية لنتكلم عن الجزء الاول من القصة فنقول ان الفنان انما هو شخص روّض رغباته الحيوانية المتمثلة بشهوة الاكل عن طريق الصيام الذي هو شعار الاولياء على مر العصور هذا بخلاف المجتمع الذي كان يعيش فيه اذ نرى ان الجمهور و المراقبين الى نهاية المطاف لم يتقبلوا حتى فكرة امكانية الترفع عن شهوة الاكل فنراهم ينظرون بريبة و شك و يتحينون الفرص لكشف خداع هذا الرجل و هذا بطبيعة الحال يسبب الاذى النفسي الشديد للفنان اذ انه يدعو قومه الى لذة متعالية و لكنهم يأبون الا البقاء في مستنقع اللذات الجسدية . و قد اشرنا فيما سبق الى ان هذا المجتمع على الأقل يظهر اهتماما بهذا الفن اي أن الفضيلة كانت الى ذلك الزمان تثير اهتمام و فضول المجتمع بخلاف المجتمعات اللاحقة التي مات اهتمامها كليا . لكن و بالرغم من ذلك الا انه يمكن القول بأن المجتمع الذي كان يحضر للفنان انما كان مجتمعا منافقا بدلالة الشك المستمر و عدم القدرة على التصديق و تحين الفرص للتشهير بالاولياء . يؤيد هذا التفسير أن كافكا نفسه كان مهتما جدا باليهودية و تعاليمها و تاريخها و نحن نعرف مدى الاذى الذي لقيه موسى و هارون عليهما السلام من بني اسرائيل حيث كانوا يعجزون عن الايمان مع الكم الهائل من المعجزات التي اظهرها لهم موسى عليه السلام . و هنا يأتي تفسير الاربعين يوما ففي القصة نرى الفنان يتذمر دائما من عدم قدرة المشاهدين على الاستمرار بعد حاجز الاربعين و هذه برأيي اشارة صريحة الى قصة ميقات موسى عليه السلام اذ انه رجع بعد الاربعين و قد عبد قومه العجل ما يدل دلالة صريحة على ضيق قابلية ذلك المجتمع . و في القصة اشارة الى مسألة تناوب المراقبين على مراقبة الفنان و لكن في النهاية لم يستطع احد ان يتيقن عدم غش الفنان حيث ان دعوى مصداقيته لا دليل عليها الا الدليل الجمعي و عليه لا يستطيع احد ان يتيقن نزاهة الفنان واقعا إلا الفنان نفسه و هذه ايضا اشارة الى واقع الدعاة فهم فقط من يستطيعون ان يطمئنوا الى نزاهة مدعاهم لعلمهم الحضوري بذلك . لم يشرح كافكا الاسباب التي ادت الى تراجع الاهتمام بالفضيلة في المجتمع الا انه قال بأن هذا الامر كان لا بد منه بناءً على المعطيات التي لم ينتبه لها الفنان و المنتج الا انه على الاقل يمكن الاطمئنان الى ان توفر البدائل الترفيهية التي تخاطب شهوات الجمهور كانت من الاسباب المساعدة على اندثار الاهتمام بما يقدمه الفنان . بل ان المجتمع وصل الى مرحلة من التغوغل في الماديات و الشهوات الجسدية بحيث لم يعد يدرك معنى الصوم فضلا عن ما يمثله الصوم من قيم و اهداف و هذا ما نفهمه من مشهد الاب الذي يشير الى الفنان في محاولة يائسة كي يشرح لأولاده ما يفعله هذا المسكين . اذ ان كافكا هنا يعزو سبب عدم قدرة الاطفال على فهم هذا النوع من الفن الى النظام التعليمي الذي لا يعير اهتماما لمسائل القيم و الفضيلة الاخلاقية و انما يهتم بالعلوم البراغماتية و كأنما كافكا هنا يضرب المدارس بسوط النقد و يضع جدواها تحت السؤال اذ انها تفيد معلومات دنيوية و لكنها تغفل الاجابة عن التساؤلات الوجدانية المهمة فلذلك لا عجب إن كبر هؤلاء الاطفال و هم لا يعرفون الا المفهوم المادي للسعادة ، و هذا ما يفسر المشهد الاخير حيث نرى اهتمام الناس بالفهد الذي لا يجيد الا ان يلبي رغباته بالاكل و ربما بالجنس و كأنما هذا المجتمع لم يكن يحب ان يشاهد ذلك الفنان اذ ان مشاهدته تظهر لهم عيوبهم و الناس عامة لا يحبون ان يروا الانسان الكامل لانه يذكرهم بنقصهم و بهذا الفهم يمكن ان نفسر ما ذكره كافكا من ان الناس لم تعد تستطيع النظر الى هذا الفنان بسبب قساوة منظر جسده المجوع . اخيرا نعود الى ما قاله الفنان كآخر كلام له عندما قال انه لم يكن يجد الاكل الذي يشتهيه ، فما هو مغزى هذه الجملة ؟ ان الفنان و في مواضع مختلفة من القصة يذكر ان موضوع الصوم سهل جدا بل انه يستمتع به و كأنه يقول ان طريق اللذات المعنوية قد يبدو للناظر الاجنبي شاقا لانه مخالف لما هو دارج عند عامة الناس الا انه مع الممارسة يصبح عفويا و يصل الانسان الى لذائذ متعالية حينها تصبح اللذات الجسدية غير مثيرة بالنسبة له و لهذا نرى انه في نهاية المطاف يقول انه لم يجد الاكل الذي يشتهيه بمعنى انه لم يكن يعاني في ترك الاكل لأنه و ان حاول ان يأكل فإنه لا يجد ما يثير شهيته لان نفسه تعودت الالتذاذ باللذات المعنوية لا انه حين حان اجله ابدى ندما على عدم الاستمتاع بالمأكولات التي بين يدي الناس .
هذا و ان اردنا استقصاء كل نقطة في القصة سيطول بنا المقام فلنكتفي بهذا القدر و نترك ما تبقى من دلالات بل ما تبقى من قراءات مغايرة الى فرصة اوسع .
دمتم في الرضا ،
في الفترة الأخيرة قرأت بعضا من الاعمال الادبية كان آخرها قصة قصيرة بعنوان "فنان جوع" للكاتب التشيكي الشهير فرانز كافكا . نشرت هذه القصة في حياة كافكا سنة 1922 م و من ثم تم اعادة نشرها مرة اخرى في مجموعة قصصية تحمل نفس العنوان . و يظهر أن عنوان الرواية تم ترجمته بأشكال مختلفة الى الانجليزية فإضافة الى "فنان جوع" ترجم العنوان الى "فنان تجويع" و "فنان صوم". يمكننا القول ان كافكا في هذه القصة يتناول ظاهرة قد اندثرت قبل عشرات السنين حيث ان من يعرفون بفناني الجوع كانوا يستعرضون موهبتهم في القرن الثامن عشر و التاسع عشر بل ان اول ظهور لهم يرجع الى القرن السابع عشر . و تذكر الموسوعة الحرة ان هذه الاستعراضات بلغت ذروتها في ثمانينيات القرن التاسع عشر و بملاحظة سنة كتابة القصة يمكننا القول ان الفترة الزمنية بين كتابة القصة و اندثار هذه الظاهرة ليست بالفترة الطويلة جدا حيث لا تتجاوز العقدين او الثلاثة في اطول التقادير و منه نعرف سر وصف كافكا اندثار الاهتمام بهذه الظاهرة بأنه كان بين ليلة و ضحاها . ان هذه القصة التي لا تتجاوز عشر صفحات يمكن تقسيمها الى اجزاء نستعرضها بشكل سريع لكي تكون بمثابة التمهيد لما سيأتي من دراسة لرموز و دلالات هذه القصة المؤثرة . بناءً على ذلك سنتكلم عن تفاصيل القصة الى نهايتها فمن يريد قراءة القصة اولا يمكنه التوقف الآن ثم العودة لاحقا لقراءة هذه المقالة .
الجزء الاول يبدأ بصوت القاص الذي يتكلم عن ظاهرة مندثرة من الماضي كانت تثير اهتمام الناس و بناءً على المقدمة السابقة يمكننا القول ان كافكا تقمص دور القاص بنفسه . و بعد استعراض سريع لمفهوم هذه الظاهرة بشكلها العام ينتقل القاص الى الكلام عن فنان جوع معين لم يذكر لنا اسمه الى نهاية القصة و كأنه نكرة بل هي اشارة واضحة الى مدى تهميش المجتمع لهؤلاء الفنانين كما سيأتي . ان هذا الفنان كان يعمل بإدارة منتج يقوم بتنسيق عملية الاستعراض و الاعلان عنها حيث يتنقل بهذا الفنان في المدن الاوروبية لاستعراض مهارات هذا الفنان الذي يصوم عن الأكل لفترات طويلة تصل الى الاربعين يوما. اما العملية نفسها فهي كما استعراض المسارح و السيرك و غيرها فالفنان موجود في قفص خال من الاثاث لا يوجد فيه الا القش و ساعة تشير الى الوقت و يقوم المنتج ببيع التذاكر على الناس حيث يستمتعون بمشاهدة هذا الفنان الذي يستعرض موهبته في عدم الاكل و تحمل الجوع . ان بعضا من المتفرجين يحضر يوميا للفرجة بل ان هناك مجموعة مختارة من المشاهدين يدعون بالمراقبين - من المفارقة انهم عادة مجموعة من القصابين - يتناوبون على حراسة القفص ليلا و نهارا لكي لا يغش الفنان و يأكل خلسة عندما يغفل عنه الناس. و قد كان المراقبون و الجمهور و بالرغم من كل هذه الاجراءات الوقائية يشكون بأن هناك خدعة في البين . و كان هذا الامر يزعج الفنان اشد الازعاج لأنه بمثابة الطعن في نزاهته و مهنيته و قد وصل الامر الى ان بعض المراقبين في الليل يتعمدون التظاهر بالانغماس في لعبة الورق لكي يعطوا الفنان فرصة للاكل إلا أنه كان يغني طوال الليل في محاولة يائسة لإقناعهم بأنه لم يكن ليأكل شيئا و فمه مشغول بالغناء . هذا و كان يؤذيه ايضا القيد المفروض عليه من ناحية الزمن فالمنتج لا يسمح له بتجاوز حاجز الاربعين يوما فقد كان الفنان يثور غاضبا و يتشبث بقضبان القفص ليهزها هزا عنيفا عندما يخبره احد المتفرجين بأنه يعاني من الاكتئاب و اليأس و لكن المنتج يسارع بالاعتذار للجمهور و يشير الى حقيقة ان هذه الثورات الغضبية انما هي نتيجة طبيعية لحالة النرفزة التي يعيشها الفنان من الجوع . و عندما يحاول الفنان ان يرد بأن ما يزعجه ليس الجوع و انما هذا القيد العشوائي الذي لا يسمح له ان يتجاوز رقمه القياسي ، يبدا المنتج بإظهار صور للفنان و هو في يوم الاربعين مسجى على الارض كما الميت .
وان بدا المنتج مهتما بسلامة الفنان الا ان هناك سببا آخر يجعله يكتفي بالاربعين حيث انه وجد ان اهتمام الناس يقل بعد الاربعين فلا جدوى تجارية من المتابعة. على كل حال في اليوم الاربعين يقام احتفال بحضور المشاهدين و فرقة موسيقية و اثنين من الاطباء لمعاينة حالة الفنان و من ثم تحتمله فتاتان الى طاولة الطعام حيث يجبر على تناول الأكل اكراها. و هكذا تمضي الايام إلا أنه و بعد فترة ليست بالطويلة يبدو ان هذه الظاهرة لم تعد تثير اهتمام الناس واصبح الناس يفضلون طرقا اخرى للتسلية و تمضية الوقت. هذا الامر أدّى الى انفصال المنتج و الممثل ما اضطر الاخير الى ان يلتحق بسيرك لكي يحاول ان يمارس موهبته الخاصة . و قد اختارت له ادارة السيرك مكانا بعيدا بالقرب من عربات الحيوانات ولكن المسكين لم يكن يملك خيار الاعتراض على هذا الأمر بل تقبل واقعه الجديد. وقد كان الناس في ساعات الدخول يهجمون أفواجا باتجاه عربته وكان ينشد الى قدومهم ولكنه ما لبث ان ادرك ان هذه الأفواج انما هي منطلقة نحو أقفاص الحيوانات المجاورة له . ولم يكن احد ليقف وينظر الى عربته بل ان من يريد ان يقف وسط هذه الافواج يعرقل المسير فيضطر ان يواصل مشيه ولكن قد يكون بين الفينة والاخرى أب يشير الى الفنان و يشرح لأطفاله حقيقة هذا النوع من الفن ولكنهم لم يكونوا يستوعبون هذا الامر اذ ان مدارسهم لم تهيئهم بالمقدمات المطلوبة لإدراك ماهية هذا العمل. اخيرا و بعد فترة طويلة لم يعد احد يكترث لهذا الفنان بل ان ادارة السيرك تركت مهمة تحديث الرقم الذي يشير الى عدد ايام الصيام بل ان الفنان نفسه لم يعد يحسب أيام صومه . في النهاية تساءل أحد المارة عن سر هذا القفص المهمل الذي لم يعد احد يذكر ما فائدته حتى ؟ و بعد جهد تذكروا بأنه قفص فنان الصوم فذهب الرجل برفقة العمال و فتشوا القش حيث كان الفنان المسكين مسجى كما الميت فحركه و سأله الى متى تنوي الاستمرار في الصوم ؟ و بعد حوار مختصر مثير للشفقة يعترف الفنان بأنه إنما كان يصوم لأنه لم يعثر على اي أكل يشتهيه و الا لكان أكل مثل بقية الناس . و قد كانت هذه اخر كلماته بعدها دفن الفنان و جاءت الادارة بفهد نشيط ليأخذ قفصه و عاد الناس للتجمهر و الاستمتاع بمشاهدة هذا الفهد الذي ينبض بالحياة و يأكل كل ما تشتهيه نفسه .
إن ظاهر هذه القصة يحكي عن فئة من الفنانين وجدت نفسها قد همشت من المجتمع و لم يعد لها اي موقع من الاعراب . هذه الظاهرة قد تنطبق على مهن و حرف كثيرة حيث يجد هؤلاء المساكين أنفسهم في موقف محرج فتضيع هويتهم بعد ان يستغني المجتمع عن خدماتهم او بعد ان تحل الآلة مكانهم و هذا ما يحصل بشكل ملحوظ عند انتقال المجتمعات من طور الى طور اخر مثل ما حدث ابان الثورة الصناعية و ما حدث لاحقا مع انتقال سواد الناس الى العمل في بيئة الكوربرت . لكن و كما بقية اعمال كافكا يجب ان تقرأ هذه القصة على انها تمثيل لشيء آخر فالاشياء في روايات كافكا دائما ليست كما تبدو و انما هي رموز لها دلالاتها الخاصة. نعم هناك الكثير من الامور المشتركة و هناك الكثير من الثيمات التي اشتهر بها كافكا من مثل رتابة البيروقراطية ، البطل المنبوذ من المجتمع ، الفساد الاخلاقي ، العزلة و الالم بل و السوداوية في قراءة الواقع الى غير ذلك من الامور التي اصبحت من تواقيع كافكا الا أننا يجب ان نبحث عن مراد كافكا الواقعي من كتابة مثل هذه القصة .
إن التفسير الأدبي الأقرب هو ما يذهب اليه جمهور النقاد من ذوي الخلفية الادبية فيقرأون هذه القصة على انها اشبه بتمثيل لواقع الكاتب نفسه خاصة ان الرواية كتبت قبل سنتين فقط من موت كافكا نفسه . فكأنما قصة الفنان الصائم انما هي قصة كافكا نفسه ذلك الكاتب الذي لم يجد طريقا الى جمهور يقدر و يفهم مراده فهو يعاني من ضياع تراثه وسط جمهور لا يقيم له الاعتبار المطلوب . أقول ان مثل هذا التفسير و ان كان محتملا الا انه يحتاج الى دراسة اعمق لسيرة حياة الكاتب و إلا قد يبدو من الاطلاع الأولي على سيرته الشخصية ان الرجل لم يكن يقيم اهتماما كبيرا لتراثه فكما هو معروف ان كافكا اوصى ماكس برود و دورا ديامالت بحرق كل ما تبقى من مسودات اعماله التي لم تنشر بعد موته مباشرة . الا انه يمكن الاعتراض على هذه القراءة أيضا بالقول أن الكاتب إنما فعل ذلك بعد اليأس من المجتمع فكأنما هذه محاولة انتقام اخيرة على طريقته الخاصة و لكن سيبقى الكلام بهذه الطريقة مجرد ظن لذلك قلت قد نحتاج لدراسة اكثر موضوعية في هذا الصدد و هذا بطبيعة الحال لا يتأتى لأمثالي . نعم ، يمكن التعميم و الارتقاء من القول بأن المعني هنا كافكا نفسه الى القول بأن البطل انما هو تمثيل لكل فنان لم يجد من يقدره من المشاهدين الا ان هذا التفسير سطحي و لا يقدم الكثير فهذا الامر ظاهر من القراءة الأولى حيث قلنا ان القصة كأنما تروي قصة فئة منبوذة تكررت بأشكال مختلفة على مر التاريخ فالتخصيص هنا بأن هذه الفئة هي فئة الكتاب او القصصيين انما هو ذكر مصداق من المصاديق الكثيرة و لا يقدم الكثير في تعميق فهم القصة . هذا و الإشارات الكثيرة الى الرموز الدينية تدل بوضوح على ان المقصود تفسير آخر .
إنّ البعض اتخذ من بعض الرموز كالصوم و اهمال الجسد و الاربعين يوما دليلا على ان شخصية الفنان انما هي رمز للرسول و المراقبين انما هم الكهنة في الديانة المسيحية . أقول إن هذا التفسير مقبول و قريب المنال و لكني لا اختار هذا القول لان تطبيق جميع رموز القصة و احداثها بناءً على هذا التفسير قد يواجه تحديات كثيرة فكيف يمكن مثلا توجيه العبارات و الاشارات الكثيرة المتضمنة معنى اليأس و عدم الرضا عن النفس و الاكتئاب و ما الى ذلك مما لا يناسب شخصية الرسول هذا ان فسرناه بمفهوم مسيحي و اما لو فسرناه بمفهوم يهودي فلا يستقيم التمثيل اساسا لما هو معروف من ان الرهبنة بهذا الشكل انما هي من مختصات المسيحية . لهذا المختار عندي ان كافكا انما ضرب لنا مثلا لكل انسان يحمل دعوة الى القيم و الفضيلة في اي مجتمع كان حيث التركيز هنا على الفضيلة نفسها لا على الداعي . بعبارة اخرى ان الشيء المهجور هنا هو الفضيلة و القيم فكافكا يرى ان الفضيلة و الاهتمام بالروح و الاخلاق انما كان شأن المجتمعات الماضية اما في هذا الوقت فالمادية قد احتلت مسرح الحياة بحيث تنحت الفضيلة جانبا كما رمز الى ذلك بتنحي الفنان الى عربة نائية بجوار مقطورات الحيوانات الى ان لقي حتفه . الآن و في ضوء هذا التفسير المختار لنقم بإعادة بناء و قراءة بعض رموز القصة و احداثها .
بداية لنتكلم عن الجزء الاول من القصة فنقول ان الفنان انما هو شخص روّض رغباته الحيوانية المتمثلة بشهوة الاكل عن طريق الصيام الذي هو شعار الاولياء على مر العصور هذا بخلاف المجتمع الذي كان يعيش فيه اذ نرى ان الجمهور و المراقبين الى نهاية المطاف لم يتقبلوا حتى فكرة امكانية الترفع عن شهوة الاكل فنراهم ينظرون بريبة و شك و يتحينون الفرص لكشف خداع هذا الرجل و هذا بطبيعة الحال يسبب الاذى النفسي الشديد للفنان اذ انه يدعو قومه الى لذة متعالية و لكنهم يأبون الا البقاء في مستنقع اللذات الجسدية . و قد اشرنا فيما سبق الى ان هذا المجتمع على الأقل يظهر اهتماما بهذا الفن اي أن الفضيلة كانت الى ذلك الزمان تثير اهتمام و فضول المجتمع بخلاف المجتمعات اللاحقة التي مات اهتمامها كليا . لكن و بالرغم من ذلك الا انه يمكن القول بأن المجتمع الذي كان يحضر للفنان انما كان مجتمعا منافقا بدلالة الشك المستمر و عدم القدرة على التصديق و تحين الفرص للتشهير بالاولياء . يؤيد هذا التفسير أن كافكا نفسه كان مهتما جدا باليهودية و تعاليمها و تاريخها و نحن نعرف مدى الاذى الذي لقيه موسى و هارون عليهما السلام من بني اسرائيل حيث كانوا يعجزون عن الايمان مع الكم الهائل من المعجزات التي اظهرها لهم موسى عليه السلام . و هنا يأتي تفسير الاربعين يوما ففي القصة نرى الفنان يتذمر دائما من عدم قدرة المشاهدين على الاستمرار بعد حاجز الاربعين و هذه برأيي اشارة صريحة الى قصة ميقات موسى عليه السلام اذ انه رجع بعد الاربعين و قد عبد قومه العجل ما يدل دلالة صريحة على ضيق قابلية ذلك المجتمع . و في القصة اشارة الى مسألة تناوب المراقبين على مراقبة الفنان و لكن في النهاية لم يستطع احد ان يتيقن عدم غش الفنان حيث ان دعوى مصداقيته لا دليل عليها الا الدليل الجمعي و عليه لا يستطيع احد ان يتيقن نزاهة الفنان واقعا إلا الفنان نفسه و هذه ايضا اشارة الى واقع الدعاة فهم فقط من يستطيعون ان يطمئنوا الى نزاهة مدعاهم لعلمهم الحضوري بذلك . لم يشرح كافكا الاسباب التي ادت الى تراجع الاهتمام بالفضيلة في المجتمع الا انه قال بأن هذا الامر كان لا بد منه بناءً على المعطيات التي لم ينتبه لها الفنان و المنتج الا انه على الاقل يمكن الاطمئنان الى ان توفر البدائل الترفيهية التي تخاطب شهوات الجمهور كانت من الاسباب المساعدة على اندثار الاهتمام بما يقدمه الفنان . بل ان المجتمع وصل الى مرحلة من التغوغل في الماديات و الشهوات الجسدية بحيث لم يعد يدرك معنى الصوم فضلا عن ما يمثله الصوم من قيم و اهداف و هذا ما نفهمه من مشهد الاب الذي يشير الى الفنان في محاولة يائسة كي يشرح لأولاده ما يفعله هذا المسكين . اذ ان كافكا هنا يعزو سبب عدم قدرة الاطفال على فهم هذا النوع من الفن الى النظام التعليمي الذي لا يعير اهتماما لمسائل القيم و الفضيلة الاخلاقية و انما يهتم بالعلوم البراغماتية و كأنما كافكا هنا يضرب المدارس بسوط النقد و يضع جدواها تحت السؤال اذ انها تفيد معلومات دنيوية و لكنها تغفل الاجابة عن التساؤلات الوجدانية المهمة فلذلك لا عجب إن كبر هؤلاء الاطفال و هم لا يعرفون الا المفهوم المادي للسعادة ، و هذا ما يفسر المشهد الاخير حيث نرى اهتمام الناس بالفهد الذي لا يجيد الا ان يلبي رغباته بالاكل و ربما بالجنس و كأنما هذا المجتمع لم يكن يحب ان يشاهد ذلك الفنان اذ ان مشاهدته تظهر لهم عيوبهم و الناس عامة لا يحبون ان يروا الانسان الكامل لانه يذكرهم بنقصهم و بهذا الفهم يمكن ان نفسر ما ذكره كافكا من ان الناس لم تعد تستطيع النظر الى هذا الفنان بسبب قساوة منظر جسده المجوع . اخيرا نعود الى ما قاله الفنان كآخر كلام له عندما قال انه لم يكن يجد الاكل الذي يشتهيه ، فما هو مغزى هذه الجملة ؟ ان الفنان و في مواضع مختلفة من القصة يذكر ان موضوع الصوم سهل جدا بل انه يستمتع به و كأنه يقول ان طريق اللذات المعنوية قد يبدو للناظر الاجنبي شاقا لانه مخالف لما هو دارج عند عامة الناس الا انه مع الممارسة يصبح عفويا و يصل الانسان الى لذائذ متعالية حينها تصبح اللذات الجسدية غير مثيرة بالنسبة له و لهذا نرى انه في نهاية المطاف يقول انه لم يجد الاكل الذي يشتهيه بمعنى انه لم يكن يعاني في ترك الاكل لأنه و ان حاول ان يأكل فإنه لا يجد ما يثير شهيته لان نفسه تعودت الالتذاذ باللذات المعنوية لا انه حين حان اجله ابدى ندما على عدم الاستمتاع بالمأكولات التي بين يدي الناس .
هذا و ان اردنا استقصاء كل نقطة في القصة سيطول بنا المقام فلنكتفي بهذا القدر و نترك ما تبقى من دلالات بل ما تبقى من قراءات مغايرة الى فرصة اوسع .
دمتم في الرضا ،