ملك الشعراء "بهــار"
عندما ولد محمد تقي لم تفرح به عائلته لان جده كان قد اتى لهم بنبأ الشؤم من عند احد المنجمين قائلا " هذا الولد لن يكون ابنا صالحا و لن تنفع معه التربية " . هذه المقولة جعلت الاب و الام يعيشان حالة خوف من هذا الطفل . و لكن الامر كان مخالفا للنبوءة فقد بدا الطفل دراسته من السنة الرابعة فقرا القران و الفارسية و حفظ الشاهنامه للفردوسي و تعلم الرسم و كتب اول بيت شعر له في السنة السابعة من عمره :
تهمتين ببوشيد ببر بيان —- بيامد به ميدان جو شير زيان
في السنة الثامنة عشرة من عمره حصل على لقب ملك الشعراء اللقب الذي كان يتوقع ان يكون من نصيب اديب الممالك الفراهاني.
عندها بدأ الحساد بالنميمة و التآمر عليه و اتهامه بسرقة الشعر فتم عقد مجلس كبير بحضور اكبر الادباء في المنطقة لاختبار الملك الصغير و كانت طريقة الاختبار ان يعطيه احد الحضور اربع كلمات غير مترابطة مثل (( وردة الرازقي , سيجارة , حمامة , هباء )) و على بهار ان يرتجل بيتين من الشعر تحوي هذه الكلمات . و بعد محاولات عديدة لم يفلح الحضور في افحام الشاعر الفتي الذي ارتجل ابياتا غاية في الروعة تدل على سرعة بداهة و طبع شعري فطري. بعد حصوله على لقب ملك الشعراء نشر مجلته بهار و التي تعني الربيع و شارك في النوادي الادبية و لكن لاسباب سياسية تم توقيف المجلة و بعد فترة عاد بمجلة اخرى اسماها "نو بهار" اي الربيع الجديد و التي هي الاخرى عانت من الانقطاع و الاستمرار مرات عديدة لظروف سياسية .
حياة ملك الشعراء بهار تختلف كثيرا عن شهريار الذي كتبت عنه سابقا فشهريار انسان رومنسي من القرى بعيد عن السياسة و الحياة الاجتماعية و لكن بهار عاش حياة سياسية مريرة شاهد فيها اصنافا عنيفة من التبعيد و السجن و قتل اصحابه لدرجة ان المخالفين قتلوا احد اصدقائه و قطعوا راسه علانية في اسواق طهران لشبهه الكبير بالشاعر بهار .
لن نتكلم كثيرا عن حياته السياسية و لا عن حياته الخاصة بل سنكتفي بالكلام قليلا عن حياته الادبية . و لكن قبل ان نبدا احببت ان اشير الى انه تزوج مرتين الاولى و هو صغير و كانت زوجته صغيرة محبة له و لكن توفيت بعد فترة قصيرة بسبب المرض و كانت اخر جلسة معها حزينة حيث كان بهار يقص عليها لينسيها الالم و لو قليلا و اذا به نام على تلك الحالة و عندما استيقظ وجدها فارقت الحياة بابتسامة ذابلة متوسدة حجره .
و اما الزوجة الثانية فلم تكن اقل حبا و اخلاصا له حيث انها وقفت معه في كل المحن و باعت من ممتلكاتها الكثير لكي ترسله الى سويسرا للعلاج في مرضه الذي مات منه .
حياة بهار الادبية غنية فهو كان في بعض الاحيان يدير سبع مجلات في نفس الوقت . له ديوان شعر كبير بقصائد رائعة مختلفة القوة حسب الترتيب الزمني فهي فعلا تقوى كلما شاخت. بشكل عام شعره على الطريقة او المدرسة القديمة و لكن بمحتوى مجدد مع وجود الكثير من القصائد على الطريقة الحديثة . من اهم قصائده التي نهج فيها منهج القدماء:
جبل دماوند، لزنية ، رسالة رستم ، سبيدرود ...
و لديه ايضا بعض القصائد للاطفال تدرس في المناهج الفارسية الان مثل المدرسة ، التعب و الكنز..
شعر الوعظ و الاخلاق و الحكم متوافر في شعره بكثرة و ربما يعزى هذا الى تربيته في عائلة متدينة محافظة . و من اروع هذه الاشعار قصيدته الاليمة المسماة " وعد الام " و التي تحكي عن حال ام قبل اعدام ولدها . اشعاره على الرغم من الامه تمتاز بالتفاؤل و الامل . من اروع قصائده رسالة رستم و التي يتابع فيها قصة رستم للفردوسي و لكن يعكس الاحوال الاجتماعية المعاصرة في ملحمة اسطورية .
على الرغم من تمسكه بالاسلوب القديم الا انه منفتح على الشعر الحديث و كتب قصيدته المشهورة دماوندية متأثرا بقصيدة الاسطورة ( افسانه ) للشاعر الحداثوي نيما يوشيج . من قصائده الحداثوية الجميلة قصيدة الحمام و يبدو ان بهار كان معجبا بالحمام جدا فقد كان يملك المئات منها:
اقفزي من على الشرفة — و تساقطي حولي كالثلج
الشعر الديني حاضر عنده كثيرا فهو يمدح الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و يشيد بالتراث و الادب الشرقي و يحذر من الانجراف خلف الغرب .
من قصائده الرومنسية ( طائر السحر ) و هي رائعة بحق :
طائر السحر ابدء بالنواح — زد شرارة المي اشتعالا
بعيدا عن اشعاره لديه كتاب ضخم باسم ( سبك شناسي ) او ( معرفة الاساليب ) و هذا الكتاب ذو اهمية قصوى في الادب الفارسي يفوق اهمية اشعاره حتى . فهو عبارة عن سرد و دراسة و نقد للادب الفارسي من زمن السامانيين القديم الى نهاية الدولة القاجارية . و اختم لكم بترجمة مقطوعة من كتابته عن الشعر و الشعراء :
" اي شعر لا يحرككم لا تسمعوه ! اي شعر لا يبكيكم و لا يضحككم ارموه جانبا ! اي نظم لا يعطيكم شيئا مفيدا لا تعتمدوا عليه . اذا لم يحرككم هيجان و شعور وحشي لا تتكلفوا الشعر !
اولا تفكروا في اي شيء يستحق ان تشعروا له ؟ هل تحبون احدا ؟ ..هل تكرهون احدا ؟.. لديكم امتنان ؟ … عندكم فكرة او نظرة فلسفية مفيدة ..؟ هل يستحق ان تشغلوا انفسكم به حتى تلبسوه ملابس الشعر ؟ و تعرضوه على الناس ؟ اذا كان كذلك فاعكسوه شعرا او نثرا بحقيقة و اخلاص .
الشاعر هو من يولد شاعرا ! لا يمكن ان تكون شاعرا بالتكلف و التصنع ! تقليد الالفاظ و المصطلحات و سرقة المفردات و المضامين و تركيبها مع بعض امر قبيح و غير لائق . الانسان الذي ليس لديه شعور شاعر و لم يولد شاعرا و لا يملك حسا رقيقا و عاطفة جياشة لا يمكن ان يكون شاعرا و لو كتب مئة الف بيت شعر كالقاني او " فتحعلي خان صبا " . الشاعر رودكــــي و فردوسي و خيام ، مسعود سعد سلمان و منوجهري و سعدي ! الشاعر فيكتور هيجو و ولتر الذين هم احياء في المشرق و المغرب هؤلاء الشعراء لا يمكن لدولتهم ان تختص بهم فلا الانجليز يمكن ان يختصوا بشكسبير و لا العرب يمكن ان يختصوا بالمعري ! بل هؤلاء شعراء الانسانية في مشارقها و مغاربها .."
دمتم في الرضا ،
تهمتين ببوشيد ببر بيان —- بيامد به ميدان جو شير زيان
في السنة الثامنة عشرة من عمره حصل على لقب ملك الشعراء اللقب الذي كان يتوقع ان يكون من نصيب اديب الممالك الفراهاني.
عندها بدأ الحساد بالنميمة و التآمر عليه و اتهامه بسرقة الشعر فتم عقد مجلس كبير بحضور اكبر الادباء في المنطقة لاختبار الملك الصغير و كانت طريقة الاختبار ان يعطيه احد الحضور اربع كلمات غير مترابطة مثل (( وردة الرازقي , سيجارة , حمامة , هباء )) و على بهار ان يرتجل بيتين من الشعر تحوي هذه الكلمات . و بعد محاولات عديدة لم يفلح الحضور في افحام الشاعر الفتي الذي ارتجل ابياتا غاية في الروعة تدل على سرعة بداهة و طبع شعري فطري. بعد حصوله على لقب ملك الشعراء نشر مجلته بهار و التي تعني الربيع و شارك في النوادي الادبية و لكن لاسباب سياسية تم توقيف المجلة و بعد فترة عاد بمجلة اخرى اسماها "نو بهار" اي الربيع الجديد و التي هي الاخرى عانت من الانقطاع و الاستمرار مرات عديدة لظروف سياسية .
حياة ملك الشعراء بهار تختلف كثيرا عن شهريار الذي كتبت عنه سابقا فشهريار انسان رومنسي من القرى بعيد عن السياسة و الحياة الاجتماعية و لكن بهار عاش حياة سياسية مريرة شاهد فيها اصنافا عنيفة من التبعيد و السجن و قتل اصحابه لدرجة ان المخالفين قتلوا احد اصدقائه و قطعوا راسه علانية في اسواق طهران لشبهه الكبير بالشاعر بهار .
لن نتكلم كثيرا عن حياته السياسية و لا عن حياته الخاصة بل سنكتفي بالكلام قليلا عن حياته الادبية . و لكن قبل ان نبدا احببت ان اشير الى انه تزوج مرتين الاولى و هو صغير و كانت زوجته صغيرة محبة له و لكن توفيت بعد فترة قصيرة بسبب المرض و كانت اخر جلسة معها حزينة حيث كان بهار يقص عليها لينسيها الالم و لو قليلا و اذا به نام على تلك الحالة و عندما استيقظ وجدها فارقت الحياة بابتسامة ذابلة متوسدة حجره .
و اما الزوجة الثانية فلم تكن اقل حبا و اخلاصا له حيث انها وقفت معه في كل المحن و باعت من ممتلكاتها الكثير لكي ترسله الى سويسرا للعلاج في مرضه الذي مات منه .
حياة بهار الادبية غنية فهو كان في بعض الاحيان يدير سبع مجلات في نفس الوقت . له ديوان شعر كبير بقصائد رائعة مختلفة القوة حسب الترتيب الزمني فهي فعلا تقوى كلما شاخت. بشكل عام شعره على الطريقة او المدرسة القديمة و لكن بمحتوى مجدد مع وجود الكثير من القصائد على الطريقة الحديثة . من اهم قصائده التي نهج فيها منهج القدماء:
جبل دماوند، لزنية ، رسالة رستم ، سبيدرود ...
و لديه ايضا بعض القصائد للاطفال تدرس في المناهج الفارسية الان مثل المدرسة ، التعب و الكنز..
شعر الوعظ و الاخلاق و الحكم متوافر في شعره بكثرة و ربما يعزى هذا الى تربيته في عائلة متدينة محافظة . و من اروع هذه الاشعار قصيدته الاليمة المسماة " وعد الام " و التي تحكي عن حال ام قبل اعدام ولدها . اشعاره على الرغم من الامه تمتاز بالتفاؤل و الامل . من اروع قصائده رسالة رستم و التي يتابع فيها قصة رستم للفردوسي و لكن يعكس الاحوال الاجتماعية المعاصرة في ملحمة اسطورية .
على الرغم من تمسكه بالاسلوب القديم الا انه منفتح على الشعر الحديث و كتب قصيدته المشهورة دماوندية متأثرا بقصيدة الاسطورة ( افسانه ) للشاعر الحداثوي نيما يوشيج . من قصائده الحداثوية الجميلة قصيدة الحمام و يبدو ان بهار كان معجبا بالحمام جدا فقد كان يملك المئات منها:
اقفزي من على الشرفة — و تساقطي حولي كالثلج
الشعر الديني حاضر عنده كثيرا فهو يمدح الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و يشيد بالتراث و الادب الشرقي و يحذر من الانجراف خلف الغرب .
من قصائده الرومنسية ( طائر السحر ) و هي رائعة بحق :
طائر السحر ابدء بالنواح — زد شرارة المي اشتعالا
بعيدا عن اشعاره لديه كتاب ضخم باسم ( سبك شناسي ) او ( معرفة الاساليب ) و هذا الكتاب ذو اهمية قصوى في الادب الفارسي يفوق اهمية اشعاره حتى . فهو عبارة عن سرد و دراسة و نقد للادب الفارسي من زمن السامانيين القديم الى نهاية الدولة القاجارية . و اختم لكم بترجمة مقطوعة من كتابته عن الشعر و الشعراء :
" اي شعر لا يحرككم لا تسمعوه ! اي شعر لا يبكيكم و لا يضحككم ارموه جانبا ! اي نظم لا يعطيكم شيئا مفيدا لا تعتمدوا عليه . اذا لم يحرككم هيجان و شعور وحشي لا تتكلفوا الشعر !
اولا تفكروا في اي شيء يستحق ان تشعروا له ؟ هل تحبون احدا ؟ ..هل تكرهون احدا ؟.. لديكم امتنان ؟ … عندكم فكرة او نظرة فلسفية مفيدة ..؟ هل يستحق ان تشغلوا انفسكم به حتى تلبسوه ملابس الشعر ؟ و تعرضوه على الناس ؟ اذا كان كذلك فاعكسوه شعرا او نثرا بحقيقة و اخلاص .
الشاعر هو من يولد شاعرا ! لا يمكن ان تكون شاعرا بالتكلف و التصنع ! تقليد الالفاظ و المصطلحات و سرقة المفردات و المضامين و تركيبها مع بعض امر قبيح و غير لائق . الانسان الذي ليس لديه شعور شاعر و لم يولد شاعرا و لا يملك حسا رقيقا و عاطفة جياشة لا يمكن ان يكون شاعرا و لو كتب مئة الف بيت شعر كالقاني او " فتحعلي خان صبا " . الشاعر رودكــــي و فردوسي و خيام ، مسعود سعد سلمان و منوجهري و سعدي ! الشاعر فيكتور هيجو و ولتر الذين هم احياء في المشرق و المغرب هؤلاء الشعراء لا يمكن لدولتهم ان تختص بهم فلا الانجليز يمكن ان يختصوا بشكسبير و لا العرب يمكن ان يختصوا بالمعري ! بل هؤلاء شعراء الانسانية في مشارقها و مغاربها .."
دمتم في الرضا ،