:: كل المقالات ::

Mon, 26 Feb 2018

سنة بدون (2) : ترك القراءة الالكترونية

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرت في المقالة السابقة الخطوط العريضة للتحدي الثاني فكتبت "القراءة الالكترونية من اقوى انواع الادمان عندي و اقضي ساعات طويلة في القراءة خاصة خلال ساعات العمل الرسمي . هذه العادة و ان كانت ذات فوائد جمة الا انها لا تخلو من السلبيات التي سأتطرق لها في التقرير المفصل. أهم الاشياء التي سأتركها في هذا الشهر : الكتب الالكترونية ، برنامج بوكت الذي يحتوي على المقالات المطولة التي احتفظ بها للقراءة على الجوال، مواقع الاخبار، Ycombinator ، جميع المدونات و المقالات و كل اشكال تصفح الانترنت للقراءة Web surfing ."
حسنا يجب ان اعترف ان هذا التحدي كان اصعب مما تصورت خاصة في ساعات العمل الرسمي فأنا اجلس امام الشاشة لساعات طويلة و القراءة الالكترونية من افضل سبل تمضية الوقت . اعتقد ان حالتي و انا جالس امام الشاشة و لا استطيع الدخول الى اي شيء من الانترنت تشبه حالة مدخن يترك في غرفة للانتظار فترة طويلة و توضع امامه سيجارة و لكن يمنع ان يشعلها .
البعض استغرب هذا التحدي فما فائدة ترك القراءة الالكترونية اساسا ؟ قد نتفق على ان القراءة في مواقع التواصل الاجتماعي و مجرد تصفح الانترنت بلا هدف لا فائدة منها او على الاقل سلبياتها تغلب مردودها الايجابي و لكن القراءة الالكترونية الهادفة او قراءة الكتب الالكترونية لماذا نتركها ؟!
النقطة الاولى التي يجب الانتباه اليها و التي ظهرت واضحة جلية في ايام تركي للقراءة الالكترونية هي ان هذه العادة سواءً كانت مفيدة ام لا فهي ادمان و لن نعرف حجم الادمان هذا الا عندما فعلا نخوض تجربة الترك . هذه الحالة من عدم الاستقرار و عدم القدرة على الجلوس بدون الذهاب الى هذا الموقع او تلك المقالة قد يكون مؤشرا واضحا على امرين :
الاول : ان عقل الانسان هذه الايام متحفز بشكل مبالغ over-stimulated و العقل الذي يكون هذا حاله لا يستطيع السكون و لو للحظات فهو يحتاج الى مزيد من المحفزات و كل مرة يحتاج الى محفز اقوى او بكمية اكثر .
الثاني : ان عقل الانسان هذه الايام و لانه متحفز كثيرا فإنه يعتاد على التشتت و لا يستطيع التركيز على الامور المهمة او المملة لفترات طويلة ، فالانتباه ينطلق سريعا - و ربما لا اراديا - باتجاه اقرب مُشتت فالذي يريد ان يقرا مقالة مطولة لا يلبث الا ان يترك القراءة لرؤية التنبيهات القادمة من البرامج الاخرى او حتى في نفس المقالة قد يقاطع القراءة بمتابعة رابط معروض في المقالة او ينتقل الى الويكيبيديا لمعرفة المزيد عن اسم اثار فضوله في المقالة ..الخ.
هذه الحالة من التحفز الشديد و التشتت قد لا تكون مشكلة كبيرة بالنسبة الى اغلب الناس و لكننا بذلك نتجاهل اهمية السكون و الاستقرار العقلي و الذي ينعكس على الصحة النفسية و الجسدية ، فالمجهود العقلي المستمر مثل المجهود الجسدي المستمر. هذا من جهة و من جهة اخرى ذكروا ان التشتت هو من وسائل الهروب من الواقع فالانسان بدلا من ان يواجه مشاكله النفسية من مثل الحزن و الغضب يلجأ الى التلفاز او الانترنت لكي يقضي الوقت و يشغل نفسه فلا تظهر هذه المشاعر على السطح. و طبعا قد يكون التشتت و تمضية الوقت هنا و هناك هو مجرد وسيلة للهروب عن انجاز مهمة معينة و المقالات في هذا المجال كثيرة فلا اطيل و لكن قد يكفي ان اذكر انني الان تنتظرني اكثر من مهمة و لكنني هربت لكتابة هذه المقالة بدلا من الشروع في المهمات التي تنتظرني !
فالسؤال الذي ينبغي ان يطرح هنا هو : نعم قراءة الويكيبيديا او تلك المقالة التقنية قد تكون مفيدة و لكن هذه الساعات هل كان بالامكان استغلالها في امور اكثر اهمية ؟ مثلا تلك الرواية التي تفكر في كتابتها و تؤجلها باستمرار او تلك المهارة التي تريد التدريب عليها و تزعم انك لم تجد الوقت الكافي لها .
اضف الى ذلك ان هذا الادمان يجعلنا نعتمد على امور خارجية للحصول على الرضا و السعادة و لمزيد عن هذه النقطة يرجى الرجوع الى مقالتي السابقة المعنونة بـ " الحال المكتسب من الامور الخارجية لا يعول عليه " .
اما ما يخص الجانب العملي من التجربة فقد قمت بحذف برنامج Pocket و هو برنامج جيد يقوم بمزامنة مقالاتك المطولة للقراءة على الحاسب و الجوال بشكل سهل و جميل . عادة اقرا في هذا البرنامج في ساعات العمل او قبل النوم اذا كنت سأنام في محل العمل و يبدو لي ان حذف هذا البرنامج كان له اثر جيد في سرعة النوم فهو من ناحية يبث اشعاعات من شاشة الجوال و من ناحية اخرى القراءة نفسها تحفز التفكير و التفكير يؤخر النوم . المواقع الاكثر زيارة بالنسبة لي كانت روسيا اليوم للاخبار و وايكمبونيتر لاخبار التقنية و لم اجد صعوبة تذكر في تركهما بل لم اشتق اليهما البتة و لم اجد انني فقدت الكثير بتركهما ، هذا و ابتداءً انا لم اكن ازورهما الا في ساعات العمل غالبا. عموما اصعب الفترات هي الفترات التي كنت ارغب في قراءة معلومات عن موضوعات معينة في ويكيبيديا او غيرها من المواقع او عندما كنت ابحث عن اجابة لاسئلة معينة او عندما يرسل لي احد الاصدقاء مقالة لاقراها.
الان لنتكلم عن نتيجة التجربة فقد كان شعار هذه التجربة limit the stream حيث ان الهدف اولا و اخيرا كان في تقليص هذا الكم المعلوماتي الذي استقبله يوميا و قد كان بودي ان اقول ان هذه التجربة كانت ذات نتائج ايجابية محضة و لكن الحقيقة كانت مغايرة . بداية هذا التحدي يغاير التحدي الاول فالتحدي الاول الا و هو عدم النظر الى النساء كان سهلا من ناحية التبرير المنطقي اعني ان العقل لا يجد صعوبة في الامتناع فانا اعرف ان النظر الى النساء اما حرام او غير مطلوب و لا يستطيع العقل ان يبرر بأي طريقة منطقية النظر الى النساء و لكن في هذا التحدي كنت اعاني من التبرير فعقلي كان في صراع دائم معي بتمرير تبريرات منطقية للقراءة الالكترونية فقد كان يتمرد و يناقشني كثيرا فيقول :
ما جدوى هذه التجربة ؟ كيف يكون الفراغ افضل من القراءة ؟ يجب ان تستغل الوقت و ما هو الافضل من القراءة ؟ انت موجود في العمل على كل حال لماذا لا تقضي الوقت في القراءة ؟
هذا الشد و الجذب عكر صفو التجربة الى حد ما خاصة انني لم المس الاثار الايجابية بالشكل المطلوب فقد لاحظت سكونا نسبيا في النشاط العقلي في اول الايام و لكن لم ألحظ ذلك التغير الكبير . الغريب انني كنت اعول على هذه التجربة في تحسن الصداع و الام العيون و الرقبة الاعراض التي عادة ترافق القراءة الالكترونية المطولة و لكن حتى في هذه لم ألحظ النتائج المطلوبة فقد عانيت الصداع و جفاف العيون اكثر من مرة و اما الام الرقبة و الظهر فاكتشفت ان سببها الرئيسي هو نمط الحياة عموما من ساعات طويلة على كرسي المكتب و السيارة و غير ذلك .
الامر الغريب الاخر انني كنت اعتقد ان ترك القراءة الالكترونية سينعكس ايجابيا على قراءة الكتب الورقية و لكن حتى في هذه لم اجدني اقرا اكثر و اكتشفت ان القراءة الالكترونية في الغالب لا تأخذ من حيز وقتي الكثير الا في اوقات العمل و هذه الاوقات تعتبر اوقاتا ميتة في عمومها اعني انها قصيرة و متفرقة و لا تساعد على القراءة الجادة او المطولة على كل حال . و لكن لا يمكنني تجاهل الظروف الصحية و النفسية التي مررت بها في هذا الشهر و الذي قد يكون له التأثير الابرز على قلة كمية القراءة الورقية . هذا الخمول في المزاج اضافة الى موضوع ترك القراءة الالكترونية سبب لدي ادمانا اخر الا و هو استهلاك المزيد من المقاطع المرئية فأصبحت احتال على موضوع القراءة بمشاهدة مقاطع مرئية عن الموضوع المعين ، لا تستطيع القراءة عن الشخصية الفلانية لا بأس شاهد مقطعا مرئيا عنه في يوتيوب !
في النهاية مشاعري تجاه التجربة متضاربة و اعتقد ان توقيتها لم يكن مناسبا كما اشرت لصعوبة الظروف الشخصية و لوجودي على راس العمل ، فباعتقادي ان اعادة هذه التجربة في شهر يكون فيه الانسان مرتاحا او في اجازة عن العمل سيكون له مردود افضل .

التحدي القادم : لنغير قليلا و نترك اللحوم لمدة ثلاثة اسابيع او لنقل 21 يوما على عدد الاربعين الصغير .


دمتم في الرضا ،،