:: كل المقالات ::

Wed, 28 Mar 2018

سنة بدون (3) : ترك اللحوم

بسم الله الرحمن الرحيم

في التحدي الثالث غيرنا المسار قليلا و اتجهنا لترك شيء محسوس و ملموس الا و هو اللحم لمدة ثلاثة اسابيع . حقيقة ان يترك الانسان اكل اللحوم و ان يصبح نباتيا اصبح اليوم اشبه بالموضة . نعم في العصور السابقة كان هناك دعوة لترك اللحوم و لكن اغلبها تنبثق من تعاليم دينية كما في الجاينية و غيرها و لكن في هذه الايام اصبحت الدعوة تحمل شعار التعاطف مع المخلوقات الاخرى و شعارات اخرى كالصحة و الرشاقة و ما اشبه . بناءً على هذه المقدمة القصيرة لابد من ان اكتب بعض الاسطر عن مسألة النباتيين . النباتيون هذه الايام يقومون بنشاطات منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج افكارهم و لا يسعني ان استقصي كل حججهم و شعاراتهم في هذه المقالة و لكن اشير الى بعض منها :

اولا : الدافع الاخلاقي ، و يعتبر هذا الدافع اهم شعارات النباتيين ، فهم يرون ان صناعة اللحوم بكل مراحلها تعذيب للحيوانات و ان الانسان يستطيع ان يستغني عن اكل اللحوم و منتجاتها بل ان هذا واجب اخلاقي على كل انسان يحمل قيم التعاطف و الانسانية . طبعا هم يعرضون افلام وثائقية و حقائق عن تربية المواشي و صناعة اللحوم في عصرنا الحالي . و هذا الكلام ليس بجديد فهو موجود قبل حوالي 2500 سنة عند الجاينية التي حتى لا تقبل ان تقتل الحشرات و لو خطأ.

يرد عليه :
اولا ان النباتات ايضا لها نفس حية فلماذا لا ينادى لها بنفس النداءات الخاصة بالحيوانات ؟ يجيبون ان النباتات ليس لها جهاز عصبي فهي لا تشعر بالالم و هذا الجواب غريب فالمعيار هو الحياة و ازهاقها و ليست المسألة في الالم و الا يمكن تخدير الحيوان و انتزاع روحه بدون الشعور بألم .
ثانيا ان ما تتعرض له الحيوانات من تعذيب يجب ان يعالج على مستوى الشركات التي تقوم بهذه الممارسات .
ثالثا يجب ان نأخذ بعين الاعتبار انه ليس كل استحسان يصل الى مرتبة الالزام و ليس كل استقباح يصل الى مرتبة الحرمة و الا على هذا المنوال يجب و من نفس الدافع الاخلاقي ان لا نستخدم السيارات لانها تلوث البيئة و تقتل الكائنات الحية و على هذا فقس .
رابعا ان الفلسفات التي تقوم على مبدأ تساوي جميع المخلوقات في حق الحياة من مثل الطاوية التي لا ترى امتيازا للانسان فلسفات تقف على نقيض ما يتبناه الاسلام فهو القائل " و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" و قوله تعالى " و من كل تأكلون لحما طريا " و قوله تعالى " و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا " .
خامسا جرت سنة الحياة ان يتغذى بعض المخلوقات على بعض ابتداءً من الانسان مرورا بالحيوان و النباتات و الحشرات انتهاء بالطفيليات و ما دونها. فكأن الدعوة الى عدم أكل المخلوقات لبعضها البعض تقف في مواجهة السنن التكوينية .
سادسا كمسلمين لا يسعنا الا امتثال الاوامر الالهية فاذا كان خالق المخلوقات يبيح بل في احيان اخرى يوجب التضحية فلماذا نتكلف التحرج و اذا كان الرسول الاعظم صلى الله عليه و اله و سلم فعل ذلك فالاستنان بسنته احب الى القلب من مراعاة مشاعر مخلوق اخر.

ثانيا : الدافع الروحي ، و هو ما يدعو اليه الرهبان و المرتاضون ممن لديهم حضور فاعل على مواقع الانترنت و التلفاز خصوصا الهندوس . و ملخص دعواهم هي ان ترك اللحوم لازم او شبه لازم لمن يريد التطور الروحي و المعرفة الباطنية . و هذه الدعوى لها صدى في التراث المسيحي و الاسلامي و لكن بشكل مقنن يظهر في ما يعرف بالصيام الروحي و الاربعينيات و ما شابه . نعم هناك شبه اتفاق على ان الاكثار من اكل اللحم يثقل النشاط الروحي و لكن هناك اختلاف كبير في كمية الاكل المسموحة لمن لديه شغف الارتياض . و قد ظهرت موجة ترك اللحم عند المتزهدة في عصر الامام الباقر عليه السلام و قد تصدى لهذه الظاهرة و كان يأكل اللحم كما ورد عن ابنه الصادق عليه السلام انه قال كان ابي لحما لقد مات يوم مات و في كم أمُ ولده ثلاثون درهماً لللحم . و قد رد الصادق عليه السلام ما يروى من ان الله يكره البيت الذي يوجد فيه لحم و صرفه الى اكل لحم المؤمنين اي الغيبة . و في باب اللحم من كتاب طب الائمة تفصيل في فوائده و مضاره فمن شاء فليرجع اليه اما انا فسأكتفي بهذا الحديث الوارد في الكافي : اللحم ينبت اللحم و من تركه اربعين يوما ساء خلقه و من ساء خلقه فأذنوا في اذنه " .

ثالثا : الدافع الصحي و هنا ايضا من شاء فليراجع ما ورد من المأثور في هذا الموضوع اضافة الى الدراسات الحديثة ففيها التفصيل و لا اريد الاطالة عليكم هنا.

على كل حال لنرجع الى التجربة فقد قمت بترك اللحم لمدة ثلاثة اسابيع و لم اجد اي صعوبة تذكر في ذلك و انما الصعوبة فقط في المناسبات الاجتماعية فالمجتمع بأسره يتوقع منك ان تشارك في أكل اللحم و الاصعب عندما تريد ان تستضيف شخصا فكيف تولم له بدون ان تقدم له اللحم ؟
اما على الصعيد الجسدي فعانيت من الصداع في اول الايام و كنت احس بالجوع المستمر و لكن سرعان ما ذهبت هذه الحالة و لكن لم اجد النشاط الذي يتكلمون عنه فكثير من الكتاب رايتهم يذكرون ان النشاط في الجسم من جراء ترك اللحم امر ملموس و محسوس و لكني شخصيا لم اجد في نفسي شيئا من هذا النشاط المتوقع . هذا و اني اعاني من ارتفاع الكلسترول و يبدو لي ان التأثير كان ايجابيا و ان كنت لم اخذ قياسات دقيقة قبل و بعد التجربة . اما بخصوص الوزن فلم يتغير معي فترك اللحم تسبب في الاكثار من اكل المعجنات من خبز و غيره و هذه بتلك.
و اذا انتقلنا الى الجانب الروحي فيبدو لي ان التأثير أوضح فهناك نوع من الخفة ملموسة و هناك رقة في القلب محسوسة . و في هذا الزمان الذي كثر فيه اكل المطاعم و كثر فيه اكل الشبهة - أعني خصوص مسألة الذبح الاسلامي - كنت اشعر بالارتياح النفسي لمجرد الاحتياط و ان كان فيما ورد عن الامام الرضا عليه السلام تسلية لما نحن فيه من الابتلاء .

أخيرا استطيع ان اقول ان التجربة ايجابية و سأحاول الاستمرار في التقليل من اكل اللحوم خصوصا ما يتعلق بالمطاعم و ان كنت فعلا قليل الاكل منها .

التحدي الرابع لشهر أبريل " لم يتم الاعلان عنه بعد "

دمتم في الرضا ،