:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

نحو انتحار معلوماتي

بسم الله الرحمن الرحيم
قبل ليال قليلة قرات خبرا في موقع أخبار الهكر يفيد ان (مارك بلجرم) مفقود و ان كل مواقعه و حساباته الشخصية في الشبكات الاجتماعية تم حذفها. فكان هناك نداء للبحث عن الرجل و ثار خلاف و جدل بين من يقول بأنها حرية شخصية يجب ان تحترم باعطاء الرجل شيئا من الخصوصية و بين من يقول انه لا توجد هناك وصية تقول لا تبحثوا عني !
و تم نشر الخبر في سلاشدوت ايضا و اللطيف في الامر ان احد اصدقائه على ما يبدو نشر "تغريدة" تفيد بأن الرجل موجود و انه منزعج من زيارة الشرطة للتأكد من سلامته !.
طيب ما هو المميز في هذا الرجل؟ لديه كتب مجانية على الانترنت معروفة و مشهورة جدا مثل "دايف انتو بايثون" و "دايف انتوhtml5 " و مدونة كثيرة الزيارة و غير ذلك من برامج و كتب . تجدون المزيد عنه هنا :
http://en.wikipedia.org/wiki/Mark_Pilgrim_%28software_developer%29
اللطيف في الموضوع ان الوصول الى اغلب منشوراته كان سهلا حيث ان البعض اعاد رفع منشوراته على مواقع اخرى و البعض استخدم ارشيف الويب المعروف للوصول الى بعض نتاجه. هنا نقطة جميلة نتعلمها من هذه الحادثة انه لا يمكن لك ان تحذف ما تشاء بعد ان تنشره على الانترنت ! فهو لم يعد ملكك !
هل يهمنا هذا الدرس ؟ اشك في ذلك فأغلبنا يعي هذه النقطة و لكن مع ذلك يضع صوره و صور عائلته و اصدقائه و معلوماته الشخصية على الويب ، ربما انت الان مقتنع بأنه امر جيد و لكن ماذا لو غيرت رايك بعد زمن و اردت ان تحذف بعض الصور الشخصية ؟ هل سيمكنك ذلك بسهولة !؟
ما لفت نظري في هذه القصة هو لماذا قرر مارك ان يحذف كل نتاجه و تعبه بعد ان امضى كل هذه الساعات ليبني له سمعة ذائعة الصيت ؟ لا احد يعلم ذلك الى الان بالرغم من الكثير من التكهنات مثل انه وجد هواية اخرى او انه يريد ان يمضي وقتا مع عائلته او انها مجرد محاولة للشهرة…الخ
ذكرتني هذه الحادثة (والتي بالمناسبة قد يطلق عليها مصطلح الانتحار المعلوماتي) بالعالم البريطاني الشهير السير اسحاق نيوتن و الذي يعتبره البعض اكبر عقلية علمية في تاريخ البشرية ، حيث انه امضى اخر سنوات عمره في دراسة الانجيل و بعض الامور الروحانية و اختفى عن الساحة العلمية ما ترك الكثير من علماء الغرب يتحسرون على هذه السنوات الضائعة التي كانت لتثمر عن فتوحات علمية لو انه استمر في مجاله كما يتخيلون.
هل ما حصل لبلجرم يشبه ما حصل لنيوتن ؟ هل هو احساس بعدم جدوى ما يعمله ؟ هل هو احساس بوجود اشياء اهم مما كان يفعله ؟ ام ان المسألة بكل بساطة في ان انجازاته لم تحقق ذاته ؟
قرات عن احد العلماء المسلمين ممن اتلف بعض كتبه بالحرق ! و يشبه ذلك العالم المسلم ذلك المفكر و الروائي العبقري فرانس كافكا حيث اوصى صديقه بإتلاف جميع ما كتبه و لكن صديقه لم ينفذ الوصية و ها نحن نستمتع و نتعلم مما كتبه هذا المفكر الانساني. هل كان يجب على صديقه ان يكرم وصية صاحبه بعدم نشر كتاباته ؟
هنا تبادر الى ذهني سؤال لماذا هذا السيناريو يتكرر مع اكثر من مفكر و مبدع ؟ عندما انظر الى حالنا ككتاب و اصحاب مشاريع على الانترنت ارى ان كثيرا من مشاريعنا ماتت و لم تصمد امام اختبار الزمن . مواقع و برامج و مشاريع عربية و اجنبية كثيرة قضت حياتها بسرعة . ما الذي جعلها تنتهي هكذا هل هو الملل ام الاحساس بعدم الجدوى ام انشغال اصحابها عنها؟ اين يذهب كل ذلك الحماس و الاستبشار وقت الاعلان ؟!
في الجهة المقابلة اتساءل عن سبب تمسكنا و اعتزازنا بانجازاتنا و هل هي بتصورنا ما يحقق الذات ؟ الكثير من الذين تعرفت عليهم من خلال الشبكة يعتزون كثيرا بما كتبوه سواء كان برنامجا او كتابا او مقالة و يذكرونها في كل فرصة و يتغنون بها في كل مناسبة و يتباهون بعدد مرات الزيارة و كأنما نتاجهم اصبح جزءا من هويتهم لا يستطيعون ان ينفكوا منه فهو بعبارة اخرى يملكهم ، فالشيء الذي لا نستطيع ان نتخلى عنه يملكنا و ليس العكس .اذا هل يمكن ان نقول ان ما حدث مع هؤلاء من مبدعين و مفكرين هو مظهر من مظاهر البحث عن الحرية و نزع كل تلك الاغلال و الارتباطات؟
لكن المشكلة هل هذه الحرية مطلوبة و ان كانت ستحرم الغير من النتاج الذي ربما يكون مفيدا كثيرا او قليلا. هل يحق للكاتب ان يسحب كتبه التي نشرها؟
هل يحق للمدون او المبرمج ان يتوقف فيحرم قراءه و مستخدميه من الاستفادة و الدعم ؟ في محاضرة جميلة قال احد المبرمجين انه لا زال يتلقى رسائل بخصوص برامج كتبها منذ سنوات و لم يعد يطورها ! هل يجب عليه ان يستمر في الاجابة و تحسين برامجه ام انه من حقه ان يلغي التزاماته بأي مشروع لم يعد يريد ان يواصل دعمه ؟
الحاصل تساءل الكثير من القراء عن جدوى كل هذه الساعات التي نقضيها على الانترنت و اهتمامنا المبالغ بالتكنولوجيا و عزم البعض على التقليل من كل هذه الارتباطات و بدورنا كشباب مسلم نؤمن بأننا محاسبون على اوقاتنا فيما امضيناها ، هل نشك في اننا بحاجة الى اعادة حساباتنا ؟
دمتم بلطف