:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

الثورة المعلوماتية لا تزيد من ذكاء الجنس البشري

بسم الله الرحمن الرحيم
منذ ظهور الحاسوب الشخصي و بالاخص مع انتشار الشبكة العنكبوتية و نحن نسمع بمصطلحات واعدة كالثورة المعلوماتية و ظهر علماء يحاولون قراءة المستقبل و يرسمون صورا و رؤى انعكست حتى في قالب الروايات العلمية و الخيالية و الافلام .
الانترنت وفرت لنا كما هائلا من المعلومات .. ربما اهم مظاهرها :
1-التعليم المفتوح : عن طريق الدراسة في الجامعات المفتوحة او الجامعات التي تتيح الدراسة عبر الانترنت ، اضافة الى الكورسات الحرة مثل ما يقدمه يوتيوب و غيره و لكن دون شهادة اعتماد.
2-مواقع الموسوعات : و اهمها ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
3-المنتديات التعليمية : و هي كثيرة فلكل منتج او تخصص منتدى .
4-مواقع الاخبار و التدوين : التي قللت من شان الطريقة التقليدية في الاخبار و الكتابة.
5-المكتبات : مثل كتب جوجل و امازون و غيرها.
و لكن الشيء المهم و الذي يجب الانتباه اليه هو ان كل هذا انما شيء يسير و جزء صغير من هذه الثورة المعلوماتية !
فمما لا شك فيه ان اغلب الترافيك و الزيارات و المشاركات يختص باجزاء اخرى من هذه الثورة بدءاً من المواقع الجنسية و المحتوى الضخم الذي يشكله على الانترنت و الملايين من الرواد ! مرورا بمواقع الموضة و فضائح الممثلين و سفاسف الامور و انتهاءً بمواقع الدردشة و التعارف و الشبكات الاجتماعية التي تلعب الدور الاساسي في محتوى الانترنت هذه الايام .
الان السؤال المهم اي من الكفتين ترجح ؟ بالطبع الكفة الثانية فلا توجد اي مقارنة لا من حيث الكم و لا من حيث الزوار ..
عليه هل يمكن ان نتنبأ بان الاي كيو ( مستوى الذكاء ) بالنسبة للجنس البشري في عملية ازدياد او انحدار؟
دائما كانت الاجابة متفائلة خاصة عند من يكتبون عن الثورة المعلوماتية و تقدم التكنولوجيا ..
و لكن لماذا لا ننظر الى جانب اخر و هو ان التكنولوجيا لا تزيد من وعي و ذكاء الفرد بل ربما تزيد من غبائه !..
هل فعلا وجود كل هذه المصادر الضخمة في متناول كف الفرد يعطيه ذكاءً و معرفة اكثر ام انه فقط خدعة نخدع بها انفسنا باننا نعرف الكثير ! خذ مثلا ظاهرة نقل البحوث و الواجبات من ويكيبيديا و غيرها بشكل الي ! هل فعلا تزيد من الكم المعرفي لدى الفرد اما انها بطريقة اخرى تزيد من غبائه و انخداعه بمدى معرفته !
هل سيكون الجيل الجديد مجرد مستمتع بفيديو كليبات يوتيوب و افلام هوليود و ربما افلام الجنس و الدردشة لساعات بلا فائدة و اذا شد همته فتح له حسابا في الشبكات الاجتماعية و ارسل الكثير من الهراء عبر تويتر ؟ او قضى نصف نهاره على المسنجر؟ و على جهة التحصيل الاكاديمي مجرد ناسخ من مصادر الانترنت ؟
منذ زمن رايت فيلما و ان كان كوميديا الا انه يطرح هذه النبوءة بجراة و خلافا لكل ما يشاع في ان الذكاء و المعرفة في ازدياد ..
يتصور هذا الفيلم مستقبلا بعيدا 2500 و يرى انه رغم التطور الهائل في التكنولوجيا و ان كل شيء الكتروني الا ان المجتمع الانساني في قمة الغباء على كل الاصعدة لان العلماء بدلا من ان يقوموا بحل المشكلات الاساسية انهمكوا في صالح الشركات التجارية و ان الشعب انهمك في الابتذال فلم يعد للذكاء مجال ..
ربما لن يكون المستقبل بهذا السوء و لكن لو نظرنا فعليا و راينا هموم الناس و طريقة تعاملهم مع الثورة المعلوماتية لا اعتقد اننا سنفرح كثيرا ..
هل يمكن ان نقول عن التكنولوجيا انها وصلت غايتها و ان الذي نراه الان مجرد ترف ؟
كان هناك تدوين فاصبح هناك ميني تدوين !
كان هناك البريد الالكتروني فاصبح هناك الماسنجر ثم اصبح هناك واتس آب
كان هناك شيء اسمه العلاقات الاجتماعية فاصبح هناك شيء اسمه الشبكات الاجتماعية !
كان هناك شيء اسمه حاسب الي فاصبح هناك لابتوب ثم نيت بوك ثم ميني نت بوك !
كان هناك شيء اسمه الدخول الى الانترنت عبر الحاسب فاصبح هناك الدخول الى الانترنت عبر النت بوك ثم الجوال ثم التلفاز و اخيرا ربما نسمع عن طريق الميكرويف !
ثم لماذا كل هذا الاهتمام بحشر كل شيء في جيبي ! كل يوم اعلان الانترنت في جيبك ، اخر الاخبار في جيبك ، ويكيبيديا في جيبك ، اخر الافلام في جيبك ، اخر الفضائح في جيبك ، مكتبك في جيبك ، خرائطك في جيبك ، كاميرتك ، حاسبك ، مرشدك ، تويتر، اغانيك و محاضراتك و كل شيء في جيبك! في حقيقة الامر سينقضي عمري و لم اطلع على جزء يسير من هذه الاشياء التي في جيبي !
هل مجرد وضع المكتبات العامة على الانترنت سيؤدي الى ازدياد المعرفة ؟ اليست المكتبات موجودة الان و لكن اين القراء؟
هل ظهور القراءة الالكترونية و اجهزتها الالكترونية فعلا سيحبب الناس في القراءة ؟ في واقع الامر لم نر توجها قويا نحو هذه الكتب الالكترونية الا ممن هم فعليا يحبون القراءة و يريدون حلا لنقل كتبهم معهم عند السفر !..
هل تعلم بان اكثر الكتب الالكترونية مبيعا على هذه الاجهزة هي الروايات ثم القصص المصورة فكتب القصص الجنسية ؟
هل قارنت بين عدد زوار مواقع الجامعات على يوتيوب و بين زوار المقاطع الاخرى و مواقع الفيديو الجنسية ؟
التدوين الذي اتاح فرصة جميلة للاقلام الواعدة اصبح مجرد ابتذال و فضائح و اذا ارتفع فهو مجرد خواطر كان من الاحرى ان تبقى في دفتر اليوميات !.
اضافة الى ان المنتديات على كثرتها يمكن تلخيصها في عدد قليل من المنتديات فالبقية مجرد تكرار و اعادة نسخ و لصق..
ناهيك عن مواقع التعارف و الشبكات الاجتماعية و مواقع الالعاب السخيفة ..
الشاهد ان رغم كل ما يقال عن تطور التكنولوجيا و ازدياد مصادر المعرفة الا اننا لا نرى انعكاسا مناسبا على مدى فهم و وعي و ذكاء الافراد .
اخيرا اشارة الى الذكاء الاصطناعي الموعود ..
سمعنا مؤخرا عن برامج لتصحيح اوراق الاختبارات و لكن لم تغن عن مراجع بشري يراجع وراءها !
و لكن يبدو ان كل هذا الذي نراه من تفاؤل بخصوص الروبوتات و الذكاء الاصطناعي و محاكاة العقل البشري لن يكون قريبا كما يحاول البعض ايهامنا به ..
الى الان و اعتى البرامج لا تستطيع حتى كتابة بيت شعر واحد ! و لا تستطيع ان تسوق السيارة اليا و لا تستطيع الروبتات ان تفعل شيئا بذكائها و انما كل ما في الامر امر و استجابة ..
بل نلاحظ ان في مجال الذكاء الاصطناعي لا يوجد اي تقدم ملحوظ .. و لا يغرنكم ترف التكنولوجيا !
ثورة المعلومات فقط سهلت عملية التظاهر بالمعرفة كالشيخ الذي يدخل كلمة الطهارة لتظهر له كل الاحاديث التي يحتاجها لخطبته !
او كالكاتب العلمي الذي يجمع كلاما من هنا و هناك ليخرج لنا موضوعا ننبهر بطوله !
و لكن ستبقى هذه الثورة و الى امد بعيد بكل برامجها و قواها عاجزة ان تأتي ببيت شعر بهذه البساطة و الجمال:
ها هنا يا قلب تبقـــــــــــى و انا
راحل عنــــــك فلا قلــــب لدي
اجرع الاحزان كأسا قاتــــــــلا
و تعاني من سهاد مقلتــــــــــي