:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

عن البعد الروحي في الحضارة الغربية

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشيخ نأخذ من الغرب العلوم التطبيقية فقط "فالحكمة ضالة المؤمن" ، طيب الحكمة اين توجد في العلوم النظرية ام العلوم التطبيقية ؟
هذه كانت "تغريدة" ارسلتها بعد ان قرات بعض الصفحات من كتاب احد المشايخ الذي تصدى لمهمة الرد على كتاب السر. كان لي موضوع بعد قراءة كتاب السر ارجع بعض خطوطه العريضة الى ما هو موجود في كتابنا الكريم ، و كذلك كتب البعض في مراجعاتهم للكتاب . مفاد مراجعتي ان الكتاب لم يأت بشيء جديد و لكن طريقة عرضه جذابة، و لكن الشيخ و من هو على طريقة تفكيره دائما يمارسون الارهاب الفكري و يضللون و يكفرون و يحملون النصوص ما لا تتحمل.
ليس دفاعا عن كتاب السر و لكن نقدا لهذه السلبية في التفكير ، أكتب هذه الاسطر. الكل يقر ان الغرب متقدم علينا بأشواط حتى الشيخ نفسه و لكن التقدم فقط في الجانب المادي او لنقل في العلوم التطبيقية هكذا يعتقد الكل. اذا يشجع الكثير على تعلم تقنيات و علوم الغرب و لا محظور في هذا ، و لكن المحظور هو الاستغراق في علومهم النظرية أقصد الدين و الفلسفة و الاخلاق و المنطق و الادب و غيرها . الغريب ان استشهاد الشيخ بالحديث كان حجة عليه فالحكمة هي المرتبطة بالعلوم في الشق الثاني فهل رايت يوما احدا يقول لمهندس انت حكيم؟ او هذا النجار لديه من الحكمة الشيء الكثير (باعتبار مهنته)؟ بل تكاد كلمة حكمة تكون مرادفة للفلسفة بشكل خاص. و جدلا لو قلنا ان الحكمة تعني العلم هنا فلا مفر من انها تشمل الشق الثاني لانها علوم.
يحتج بعضهم بأن في القران كفاية و اننا لسنا بحاجة لقراءة غيره ففيه تبيان كل شيء . و العجيب ان هذه الحجة استدل بها القرانييون ليسقطوا السنة فقالوا ان لا حاجة لنا بالحديث ففي القران كفاية ! و اخترع بعضهم منهجا كي نفسر القران بالقران مستدلا على ابطال السنة. و لكن هذه المنهجية تسقط بشكل مخز بإشكالات بسيطة خاصة فيما يتعلق بالاحكام الفقهية ، فلا يستطيع حتى ان يعرف عدد ركعات صلاة .
من هنا يتبين لنا اهمية دور الاحاديث الشريفة و من هذه الادوار هو تفصيل الموجز من القران ، و اذا كانت الاحاديث تفصل القران و يأتي العلماء ليشرحوا و يفصلوا في الاحاديث ، نعرف انه من الممكن ان تكون العلوم الغربية مفصلة لبعض هذه الجوانب هي بدورها ايضا.
ايضا من المفارقة هنا ان اول فتنة في الاسلام انطلقت من "حسبنا كتاب الله"! و في صفين رفعت المصاحف و قيل "لا حكم الا لله" !
و قد حدثت مشادة بيني و بين احدهم فعليا حيث قال ان في كتاب الله كفاية ففيه كل شيء قلت له تقول ان فيه كل شيء هلا تستخرج لي كل شيء؟
في واقع الامر انا اؤمن بأن في القران كل شيء و لكن المشكلة في كيف تستخرج كل شيء ، و من هو الذي يستطيع ان يستخرج كل شيء؟
عود مرة اخرى على الحكمة في الاديان و الملل الاخرى ، فكما قلت ان الاغلبية تنظر بنظرة ريبة لكل ما يتعلق بالدين و الاخلاق و الفلسفة عندما يتكلم بها من هو على غير ملتنا ، بل تصل الى رفضها حتى على مستوى المذاهب .
المشكلة تكمن في الرفض الكلي فلا يوجد حتى انتقائية او دراسة تحليلية فالكاتب الفلاني يهودي اذا على كتبه علامة اكس و كتبه كلها ضلال . نعم لا يوجد اي عمل بالمقولة "انظر الى ما قيل لا الى من قال".
و لكن المشكلة اننا لا نقرا اعمالهم و اذا قرانا فنقرا بقناعة مسبقة و سلبية ظاهرة فلا عجب ان ما نخرج به هو ان كتبهم كلها ضلال و عديمة الفائدة.
عندما كنت مشغولا بكتابة مقالتي الانجليزية المعنية بالرد على استدلالات عدم وجود الله ، وجدت دعوى بأن الهيئة العلمية الفلانية اعضاؤها كلهم ملاحدة مستدلين على ان العلم ينفي وجود الله ، و لكن لا اعلم عن اي علماء حمقى يتكلمون فأنا اقولها و بعد قراءة انني الى الان لم ار عالما بشرط ان يكون مفكرا له اعتباره لا يؤمن بوجود الله من الغرب . حتى فلاسفتهم و الكل يسمع عن الفلسفة المادية فالنسبة الاعظم و من يعتد بهم كفلاسفة معتبرين يؤمنون بالله و يستدلون باستدلالات قوية جدا لاثبات الله و الغيبيات، و لديهم كلمات و مقالات غاية في الروعة مثل الفيلسوف الكبير ديكارت. على ان هذا الاشكال سخيف جدا لدرجة انهم حتى كأنهم لم يسمعوا كبيرهم اينشتاين يقول " كلما زاد علمك اقتربت من الله ، و كلما زاد جهلك ابتعدت عن الله".
البعد الروحي ليس غائبا عن الحضارة الغربية كما يقول البعض و لكن نحن ننظر الى الجانب السلبي فقط و هذا ديدننا فبدلا من ان نأخذ الموسيقى الكلاسيكية اخذنا الراب و الفجور و قس على هذا . أعجبني احد المفكرين لا اذكر اسمه الان سئل عن الحضارة الغربية كيف وصلوا الى كل هذه النجاحات و هم لا يؤمنون بقيم و لا شيء من هذا القبيل فقال ان هناك فئة هي التي تصنع النجاح عند الغرب هذه الفئة هي التي تعمل بعشق . هؤلاء الاشخاص مثل جون ملتون و جنته الضائعة التي فيها من القيم و المثل ما يجعل الشاعر ويليام وردزورث ينعى غيابها في قصيدته لندن 1802. و ايضا السيدة ايميلي دكنسون و اشعارها العرفانية الصوفية الغيبية ، بل وصل البعد الروحي عند بعضهم كأحد شعراء بريطانيا بأن قال هذا ديواني يا الله فان كان فيه بيت لا يذكر اسمك فاحذفه من ديواني. و لو استقصيت هذه الشخصيات لاحتجت الى مجلدات في واقع الامر. اذا ما المانع مثلما انفتح المسلمون على فلاسفة الاغريق و علومهم ان ننفتح على فلاسفة الحضارة الغربية و علومها ؟ اذا هي دعوة لان نأخذ من الحضارة الغربية في ادبها (شعرها و روايتها)، فلسفتها ، اخلاقها ، اجتماعها …… مثل هذه النصوص التي اذكرها تيمنا:
جورج برنارد شو :
(لن تستطيع ان تؤمن بالله حتى تؤمن بنفسك)
(تساءل بشجاعة حتى عن وجود الله ، فلو كان موجودا لاحب الاستدلال العقلي بدلا من الخوف الاعمى)
(الصلاة لا تغير الله و لكن تغير المصلي)
(الدين هو من يمنع الفقير ان يقتل الغني)
(يوجد دين واحد فقط ، انما التعدد في النسخ)
(الدين هو في حقيقته فن و نظرية اعادة تكميل الانسان، لان الانسان مخلوق ناقص)
هرمان هسه :
(كل شيء فان، و لا يوجد امر في لحظة من اللحظات يخفى على الله)
(الايمان مثل العشق لا يدخل الى الانسان عن طريق العقل)
(معرفة الله تنبع من معرفة ذاتك و ليس من الكتب و المفاهيم)
(لا توجد حياة افضل من التي نقضيها في محاربة النفس و الشيطان)
(صرف الندم لا فائدة منه ، لا يمكن شراء الرحمة الالهية من خلال الندم بل هذه الرحمة لا تشترى)
او مقطوعة تي اس اليوت في قمة الروعة في وصف الله ، اذا لم تكن هذه حكمة فبئس الحكمة غيرها و اذا لم تكن شعرا فبئس الشعر غيرها:
for all things exist as seen by thee,
only as known by thee, all things exist
only in thy light and thy glory is declared
even in that which denies thee;
the darkness declares the glory of light.
Those who deny thee could not deny , if thou didst not exist;
and their denial is never complete,
for if it were so, they would not exist.
They affirm thee in living; all things affirm thee in living