:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

د. شريعتي : عن الوحدة و العزلة

بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة ، هل الوحدة ان نأخذ شخصا و نرمي به داخل زنزانة ؟ ام ان الوحدة ممكن ان تعاش في وسط فوضى الحياة ؟ هكذا افتتح علي شريعتي كلامه و كأنما الجملة و السؤال تفضح ما سيصل اليه الرجل في نهاية البحث ، و هو ما ورد في الاثر "صحبوا الدنيا بأرواح معلقة بالملا الاعلى" .
يقسم شريعتي الوحدة الى نوعين من الوحدة فالنوع الاول ما يصطلح عليه antisocialism اي كل نوع من الناس تلجأ الى العزلة لاسباب مختلفة منها الشعور بالنقص او الخوف من العالم بسبب تجربة سيئة مثل الاغتصاب او غيره ، و ايضا ما يعانيه الاطفال و المراهقون في بعض فترات حياتهم و كل هذه يعتبرها علي شريعتي تافهة و يسميها "بالوحدة المبتذلة" و لا يراها اهلا للبحث فيها .
النوع الاخر هو ما يصطلح عليه بـ الوحدة المتعالية ، و يرى ان هذه الحالة تنتج للفرد عندما ترتقي روحه و افكاره عن مستوى الحياة الرخيصة التي تحيط به .الانسان العادي عندما يتنفس الصباح الى ان يستره الليل مشغول بأمور الحياة غارق في افكار العمل و المال و العيال ، و لكن الانسان المتعالي لا يعيش هذه الهموم بل هو مشغول بالتفكر في ذاته ، اي انه كلما زاد التوجه الداخلي يقل التوجه الخارجي . و المحرك الرئيسي في هذه الحالة هو المعرفة و الوعي بالنفس .
مرة اخرى يستدرك شريعتي ليقول ان هناك نوعا ثالثا من الوحدة و هي ما يسميها بالوحدة المصنوعة او التحميلية. هذه الوحدة هي ان يعزل الانسان بالقوة و هي سياسة متبعة في السجون حيث ان اكبر عذاب ممكن ان يعذب الانسان هو ان يوضع في زنزانة لا يرى فيها ضوء الشمس و يعزل تماما عن الواقع و تدريجيا ينقطع عن كل التعلقات بحيث تصبح القيم و الاعتبارات الخارجية مجرد اوهام بل حتى الذكريات تصبح اشباحا حينها فقط يمكن لهم ان يروضوا نفسه التي لم تعد مرتبطة بمفاهيم سابقة .. حتى انهم لا يكلمونه و لو بكلام مهين او فاحش لان هذا يعيد تعلقه . فقال الوحدة المطلقة تصل الى السقوط المطلق .
الان ، حسب التجربة الاشخاص الانطوائيون يتحملون هذه الاوضاع لفترة اطول من الاشخاص الاجتماعيين لان الشخص الاجتماعي متعودة روحه على الاخذ و الرد بينها و بين الناس .
و ايضا التجربة اثبتت ان الشخص المتدين يقاوم لفترة اطول من الشخص اللاديني او المادي . البعض يحاول ان يتفكر في احبائه و ذكرياته لكي يملأ هذا الفراغ و لكن مع تعاقب الايام تنجلي هذه الاطياف من القلب بل من الذاكرة و يصبح من العسير جدا ان يجلس الرجل لساعات متفكرا في حبيبه مثلا .
طيب ، و ما هو الحل الذي ساعد امثال علي شريعتي للصمود في هذه الاوقات العصيبة ..؟ الجواب هو السلام في الصلاة .
لماذا السلام بالذات ؟ لان السلام بطبيعته مضاد للوحدة ، فالانسان عندما يسلم يستحضر شخصا ما في ذاته ، فاول عمل يقوم به السلام هو الاستحضار او الاحضار و هذا كما هو معروف ضد الوحدة .
في الصلاة لدينا ثلاث تسليمات ، ثلاثة محضرين ، ثلاثة مخاطبين . لا يحتاج ان نذكر ان قوة الاستحضار منبعثة من قوة الايمان .
السلام الاول على النبي (صلى الله عليه و اله و سلم)، و كم من الوحدة سيبقى عندما تزدان الزنزانة بحضور سيد الكونين ؟
السلام الثاني السلام علينا و على عباد الله الصالحين ، في الجزء الاول نرى ضمير الجمع "نا" اي مجموعة من الناس كثرت او قلت من ضمنهم المتكلم و في الجزء الثاني احضار لكل عباد الله الصالحين .
اذا الى الان استحضرنا الرسول الاكرم و حزبنا و عباد الله الصالحين ايا ما كانوا .
السلام الاخير السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و فيه نرتفع بالعلاقة الى ما بعد البشر و نقيم علاقة مع كل الوجود من جنسنا او لا ، من عالمنا او لا .
هذا ملخص نظرة علي شريعتي في كتيبه "تسليمات الصلاة"
دمتم في الرضا