:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

سجدة التيملي الكوفي

بسم الله الرحمن الرحيم
من أحب هواياتي إلى قلبي القراءة في سير الأعلام فهناك الكثير من الحكمة ، المعرفة ، العجائب و الغرائب بل و حتى المتعة التي تنتظر من يكتشفها و يعيشها.
لذلك إلى جانب الكتب المخصصة لاستعراض حياة أشخاص معينين لدي بعض الموسوعات الرجالية (رجال الحديث) ، لكن أرجو أن لا يفهم أنني أدعي القراءة المتخصصة بل قراءتي لها إنما هي مجرد قراءة تاريخية ككل شخص يقرأ في كتب التاريخ للمتعة و المعرفة .
منذ فترة طويلة كنت قد قرأت في ترجمة أحد الأصحاب أنه كان أعجوبة زمانه في العبادة لدرجة أنه كان يخرج إلى الجبل فيهوي ساجدا فتجتمع عليه طيور الفلاة أنسا به.
الآن ، المشكلة هي أنني كلما أردت تذكر اسم هذا الرجل لم أستطع ، و كان لدي شوق كبير لمعرفة هذا الرجل و الاستزادة من سيرته ، خاصة أن أغلب من قرأت عنهم من الأصحاب تميزوا بالجانب الفقهي أو الولائي لكنني لدي اهتمام كبير بالجانب العبادي لتلك الشخصيات لأنه باعتقادي أن هذا الجانب يحكي الكثير عن همة الرجل و عزمه، بالإضافة إلى أنه لدي قراءة مقارنة جيدة في الصوفية و البوذية أو الرهبنة بشكل عام باختلاف تجلياتها بحسب الأديان و المذاهب.
طبعا البحث العشوائي لن يجدي نفعا لذلك في أحيان كثيرة أردت أن أسأل أهل التخصص و لكن إما أن أنسى الموضوع أو أتجاهل السؤال فعلى كل حال ليس لدي الكثير من المعلومات التي تصلح أن تكون خيوطا للتتبع ..
و لكن شاء الله أن أقع عليه صدفة قبل عدة أيام ، فقد كنت أقرأ في أحد الكتب و قد وضع ترجمات مختصرة لبعض الأصحاب فلفت نظري في منتصف الترجمة هذا الكلام :
" عن الفضل بن شاذان أنه قال كنت أدرس عند بعض القراء في أحد المساجد فرأيت قوما يتحدثون فقال أحدهم : في الجبل رجل يقال له ابن فضال و هو أعبد من رأيت من الناس يخرج إلى الفلاة و يخر ساجدا فتجتمع عليه طيور الفلاة و يقع على الأرض غائبا عن نفسه حتى ليظن من يراه من بعيد أنه ثوب أو خرقة مرمية و وحوش الفلاة ترتع حوله فلا تنفر منه لما تحس به عنده من غاية الأنس .
قال الفضل بن شاذان: بعد هذا الحديث خيل إلي أن هذه حال رجل من الزمان الماضي …..".
كلام الفضل بن شاذان يلفت نظرنا إلى عدة نقاط أوضحها أن ابن فضال وصل إلى مراحل عالية في العبادة، لكن أيضا قوله " ليظن من يراه من بعيد أنه ثوب أو خرقة مرمية " و ما أخبرنا به عن طول سجوده ، تذكرنا بالإمام موسى بن جعفر عليهما السلام و الجميل أننا عندما نقرأ بداية الترجمة نعرف أنه أدرك زمان الإمام موسى عليه السلام و كان من خاصة الرضا عليه السلام . و من خلال قراءة خفيفة أدركت أن أصحاب أبي الحسن الأول عليه السلام تأثروا بمسألة طول سجود الإمام و قلدوه في ذلك .
أيضا قوله "خيل إلي أن هذه حال رجل من الزمان الماضي " يتركني في حيرة من أمري فإذا كان الفضل بن شاذان يشتكي تغير الزمان و قلة العباد في زمانه حتى لكأنه يسمع قصة من الدهور السالفة فكيف به لو نظر إلى زماننا ؟!
المفاجأة كانت عندما قرأت قبيل نهاية الترجمة "كان مصلاه في جامع الكوفة عند أسطوانة يقال لها السابعة و أسطوانة إبراهيم عليه السلام و كان عمره يقول بإمامة عبدالله الأفطح لكنه في مرضه الذي توفي فيه رأى واقعة رجع بسببها عن تلك العقيدة إلى الحق رحمه الله" .
إلى الآن لم أعرف تفاصيل الواقعة المذكورة و لكنه شق علي أن يكون الرجل أفطحيا طرفا من عمره فقد قيل عنه " و كان من خاصته ( أي الرضا عليه السلام) جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته ". فكيف يكون بهذه الجلالة و من خاصة الإمام و هو أفطحي (وإن كان رجع في النهاية) لكن بعد السؤال تبين أن حاله تشابه الهروي الذي وإن كان من خاصة الإمام و من روى تفاصيل استشهاده إلا أنه ظاهرا من أهل الخلاف ، بعبارة أخرى لا تلازم بين الأمرين.
هذه النقطة الأخيرة جعلتني أفترض أنه هناك من هو أفضل وأعبد منه من الأصحاب ، حينها بدأت رحلة جديدة من السؤال و القراءة كان حديث أبطالها أغرب وأعجب .
خذ مثلا عن الكشي أن الفضل بن شاذان :
" أتى ابن أبي عمير و كان ساجدا و طالت سجدته فلما رفع رأسه و ذكر له طول سجدته تلك قال لو رأيتم سجود جميل بن دراج لما رأيتم سجودي طويلا و قال أتيت جميلا و كان يسجد السجدة الطويلة فلما رفع رأسه قلت له لقد أطلت سجودك قال لو رأيت طول سجدة معروف بن خربوذ لرأيت سجدتي سهلة ! "
و لتصور طول السجدة المعني هنا خذ ابن أبي عمير الذي ورد في أول الحديث ! و لنرَ ما هو طول سجدته؟!
عن الفضل " لما دخلت العراق رأيت شخصا يعاتب رفيقه و يقول أنت رجل ذو عيال و تحتاج إلى الكسب و العمل ثم تسجد هذا السجود الطويل؟ إني أخاف على عينيك أن تذهبا لطول سجودك فتضعف عن العمل ،إلى الكثير من قبيل هذا الكلام، فقال له رفيقه أخيرا : ما أكثر لومك لي ويلك لو أن طول السجود يبعث على العمى فحري بابن عمير أن يعمى فهو يسجد بعد صلاة الفجر سجدة الشكر فلا يرفع رأسه منها إلا عند الزوال !".
إلى غير ذلك مما ورد من عجيب أحوالهم في عباداتهم و الأهم منزلتهم عند ساداتهم فإنك تقرأ الحديث في ذلك فتتحسر على نفسك ، فنختم بما ورد من الناحية المقدسة خطابا لمحمد بن عثمان العمري و تعزية له في أبيه :
“…. ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا في ما يقربه إلى الله عز و جل وإليهم ، نضر الله وجهه و أقاله عثرته و أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء رزئت و رزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسره الله من منقلبه ….".
دمتم في الرضا ،