:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

عن التقليلية


بسم الله الرحمن الرحيم
اولا لنتفق على المصطلح هنا فالتقليلية اعني بها ما يعرف بالـ Minimalism و كصفة لشخص نقولMinimalist و هي مأخوذة من minimal اي الحد الادنى لذلك لم اعربها الى البساطة . على كل حال بعيدا عن مبحث الالفاظ لا اعرف حقيقة كيف انتهى بي الامر الى القراءة في مقالات و مواقع المهتمين بهذا الجانب و لكن بعد قراءة شبه جيدة رايت ان اكتب هذه المقالة.
كبداية يجب ان انوه انني لا اتكلم عن الحركة الفنية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية و انما اتكلم عن حركة حديثة يتبناها كتاب لهم وجود على الشبكة العنكبوتية يدعون فيها الى العودة الى بساطة العيش و التقليل ، و سنفصل الكلام ان شاء الله .
ربما اشهر شخص تقليلي هو ليو بابوتا صاحب موقع ZenHabits او عادات الزن و من الاسم نرى التأثر الواضح بالفكر البوذي خاصة ما يعرف بمدرسة الزن (شان بالصينية) التي ازدهرت في اليابان بعد ان تم استيرادها من الصين . هذا الموقع يلاقي نجاحا باهرا و هو عبارة عن تدوينات يكتبها ليو عن المواضيع المتعلقة بالتقليلية.اضافة الى ذلك لديه كتب و دورات عن هذا الموضوع و مدونة اخرى اسمها mnmlist. الغريب اني لم ار مدونته الا قريبا و لكنها جدا تشبه تصميم مدونتي الجديدة و لاحظت انه لا يسمح بالتعليقات على المواضيع مثل مدونتي ! و للمعلومية فقط فقد استوحيت شكل مدونتي من ثيم لمدونة على موقع التدوين المشهور Tumblr و ذلك اني رايت انها مناسبة للطباعة وليس لي اي علاقة او تأثر بالتقليلية.
نجاح هذا الشخص و غيره زاد من كثرة المدونين و المهتمين بهذا الموضوع و خاصة في عالم التقنية ارى اهتماما واضحا بالتقليلية ، لدرجة ان الموضوع اصبح اشبه ما يكون بالموضة. فأينما تولي وجهك تجد من يتكلم عن تقليليته و عن حياته البسيطة او على الاقل حياته الالكترونية البسيطة.

من أهم ما يدعون اليه :

- التقليل من الممتلكات و الاكتفاء بالضروري منها : أغلب مواضيعهم في هذا الجانب تتكلم عن كيف يمكنك الاستغناء عن كثير من ممتلكاتك . ايضا تحت هذا الباب يتكلمون مفصلا عن كيفية تنظيف و ترتيب البيت من حيث الاثاث و الديكور و التخلص من المواد المتراكمة و كيف نمنع تراكمها مستقبلا . و قد وصل احدهم الى مرحلة يدعي فيها انه لا يخرج من منزله الا كيس قمامة واحد شهريا لقلة الاستهلاك. من اهم ما يسعون اليه هنا هو مبدأ الفضاء الفارغ في غرف البيت .

- التقليل من الجهد المبذول في العمل : يتكلمون هنا عن تجنب التعددية في المهام و الاكتفاء بالتركيز على مهمة واحدة الى الانتهاء منها ، لانهم يرون ان التعددية مجرد تشتت و ان عقل الانسان لم يخلق للتعديدة و مع التركيز يمكننا ان نعمل بجودة اعلى . ايضا لديهم تقنيات للتعامل مع الضغط النفسي في بيئة العمل و ذلك من خلال التنفس العميق و التأمل و غير ذلك . تحت هذا الباب و غيره يتكلمون عن مسألة البطء في العمل و الحياة و عدم اللهث وراء الانجاز .

- التقليل من الاكل و يفضل التحول الى نظام غذائي نباتي : هنا يبحثون عن الاكلات الصحية و الكثير منهم يفضلون الانتقال الى نظام غذائي نباتي .

- التقليل من استخدام التقنية : يدرسون تأثيرها السلبي على التركيز الذهني و تضييع الوقت في مواقع التواصل الاجتماعي و ما الى ذلك من مواضيع.

- المحافظة على الصحة بممارسة التمارين و التأمل: التمارين الجسدية و جلسات التأمل و اليوغا تحظى بمكانة خاصة عند التقليليين لانها تساهم في زيادة السكون و الاستمتاع بالحياة نفسيا و جسديا.

- الدعوة الى العودة الى الطبيعة : بعض من يأخذون الموضوع جديا نراهم ينتقلون الى مناطق ريفية او الى مزرعة و منهم ليو صاحبنا السالف الذكر.

- الصوم : لفترات مختلفة عن اشياء مختلفة ، مثلا عن استخدام الجوال ، الانترنت ، اللحوم ، السكريات ..الخ
من اول نظرة قد نعجب بجميع النقاط السالفة الذكر لكن هناك اشكاليات لنستعرض بعضا منها …

- ذكرت لكم ان الموضوع عمليا اصبح موضة لذلك كثر مدعي الخبرة في هذا المجال فاصبح المحتوى مثل كتب تطوير الذات و دوراتها ، و عندما يصل الامر الى هذا المستوى فالصبغة التجارية و الترويجية تطغى على المحتوى الجيد فتفسد المادة المطروحة. هذه الاشكاليات تشمل التعميمات و المبالغات و الوعود و اخذ بعض الافكار الغير مبرهنة اخذ المسلمات الى اخره من التقنيات التي تستخدم لترويج المنتجات ( نعم حتى الافكار يمكن ان تصبح منتجات يسوق لها).

- التكرار الممل ، فالنقاط التي ذكرتها هي ملخص ما يدور حوله بحثهم و قد هالني في بادي الامر عدد المقالات في ارشيف موقع عادات الزن و لكن كلها مجرد تكرار بعد ان تقرا عشر مقالات على الاكثر : تمهل، قلل من الالتزامات و الممتلكات ، ركز ، تخلص من القلق و الضغط و لا تغضب ، مارس الرياضة و تناول وجبات صحية و تأمل .. و هكذا اعادة لنفس النقاط و لكن احيانا مثلا يغيرون العبارات و الامثلة و احيانا يركزون على جزئية معينة فيفصلون فيها .

- البعض منهم يأخذون الموضوع الى جانب الافراط في احيان كثيرة فهم مثلا يشجعون ما يسمى بـ unschooling و هي فكرة ان يخرجوا اطفالهم من المدرسة لفترات معينة او كليا بحجة ان النظام التعليمي غير جيد و انه بوسعهم تعليم اطفالهم بطرق افضل .

- من اهم عيوب هذا المنهج هو ان يصبح الامر غاية في نفسه فالكثير منهم يعتبر التقليلية انجازا و فخرا يرضي به غروره . مثلا في مسألة تقليل الممتلكات لا يرمون الاشياء الزائدة بل يتعدى الامر لرمي اي شيء لا يستخدم الا نادرا و كأنهم يرمون الاشياء لمجرد الرمي و ان يقولوا لا يوجد شيء في غرفة نومي الا فراشا و وسادة . فهم بذلك يعانون من هوس التقليل فتراه مثلا يحذف كل البرامج و المستندات من حاسبه هكذا لانه لا يرتاح لوجود ملفات في جهازه و الا مع السعات التخزينية الهائلة في حواسيبنا لا يوجد ضرر من ارشفة هذه الملفات و ركنها في مجلد مخفي ، فلماذا كل هذا الهوس بالتقليل ؟
يذكر احدهم "و هو مبرمج مواقع" فيقول انه تمكن من ان يبسط حياته فيعيش في سيارته فقط ! و لكنه يكتب لنا في نفس الموضوع عن بعض المعاناة في مسألة ايجاد مكان للاستحمام ! فهو يهرب من التعقيد على حد زعمه و لكنه يعقد مسألة بسيطة مثل الاستحمام ! مثال اخر احدى السيدات تقول انها لا تملك الا اربع تبديلات تقوم بلبسها مرارا و تكرارا .. ثم ماذا ؟! ما هذا الانجاز ؟ لماذا لا تشتري بضع ملابس اضافة الى هذه التبديلات ؟ هل خزانة الملابس ضيقة لهذه الدرجة ؟

- احدى السيدات التي تدعي انها تقليلية بطبيعتها اذ انها نشأت و ترعرعت في مزرعة و لم تستخدم التلفاز في حياتها كانت تتكلم عن التقليل العفوي و عن التقليل المصطنع الذي يدعون اليه فكان من جميل كلامها قولها :" المبالغة في التقليل و مقاطعة التلفاز و الانترنت و التخلص من الاثاث و البقاء في غرفة فارغة لا ينتهي الا الى الملل" .

- نأتي الى مسألة الصوم من الفيسبوك و من الانستجرام و من الانترنت و من السكريات و من استخدام بطاقات الائتمان ..ألخ . فلا ارى الفائدة المرجوة من مجرد مقاطعة هذه التقنيات و الاشياء لفترات معينة و من ثم العودة اليها او تركها نهائيا و انما يفترض ان تكون الدعوة الى الترشيد في الاستخدام و الاعتدال في ذلك. و الا هذه الاشياء و غيرها لها فوائد و هي جزء من حياتنا العصرية و مقاطعة التقنيات و المنتجات فقط من اجل التقليل و التجربة لا جدوى منه و انما يجب ان يكون المعيار هو مدى الحاجة .

- ايضا هم يشيرون احيانا الى الانشطة البديلة عندما تقوم بعملية الصوم فيقولون اقرا ، استمتع بالطبيعة و اجلس مع عائلتك . لكن في الواقع يمكن القيام بكل تلك الامور حتى بدون الصوم ، و الحقيقة التي لا يشيرون اليها هي انه رأينا من تجربة البعض ان مجرد الترك و توفير الوقت لا يعني بالضرورة استغلاله في الاشياء المفيدة . بعبارة اخرى مجرد تركك للتقنية مثلا لن يجعلك فجأة قارئا نهما ..

القول المختار :
التقليلية و البساطة في العيش شيء جميل و لكن ليس من الحكمة ان نجعل التقليل هدفا نسعى نحوه بتكلف و محورا تدور حوله حياتنا . البساطة في العيش يجب ان تكون عفوية و ربما نبتغيها كلما وجدنا الفرصة سانحة و لكن لا معنى من اقحامها اقحاما في حياتنا العصرية .


دمتم في الرضا ..