:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

قليل من حياة " المجلسي "

بسم الله الرحمن الرحيم
محمد باقر المجلسـي المعروف بصاحب البحار، كنت اقرا شيئا من سيرة حياته الشريفة منها :
جاء رجلان من الحراس و اخبروا المجلسي بأن السلطان سليمان جاء بنفسه الى صحن المسجد و ينتظر ان يدخل عليه بعد ان يصرف جموع السائلين الملتفين حوله فأجاب المجلسي لن اصرف احدا من الحضور الا بعد ان اجيب على سؤاله فاخبروا السلطان بان عليه الانتظار او ان يأتي الان و يسأل مع جموع السائلين !
لكن السلطان ابى الا ان ينتظر و بعد طول انتظار دخل على المجلسي و اخبره بأنه يريد ان يكون المجلسي شيخ الاسلام و يذهب معه الى العاصمة ليتولى القضاء . الغريب ان المجلسي وافق على طلب السلطان و لكن بشرط ان يعطى الصلاحية الكاملة و لا يتدخل في عمله احد و لا يشفع في مسائله مشفع!
و ما كان من السلطان سليمان الذي كان يريد ان يستتب الامر للدولة الصفوية الا ان يقبل بشرط المجلسي .
كلنا نعرف من قراءة مختصرة في التاريخ ان العالم اذا قبل ان يكون عالم البلاط فإنه عادة ما سوف يتنازل في بعض الامور تلبية لرضى السلاطين و ربما زاد بعضهم ليفتي على هوى تلك الحكومة .
لا ليس المجلسي ! و مع الاسف اننا نقرا هذه الايام لبعض الكتاب الاتهامات و الاجتراء على نزاهة هذا العالم الجليل . و لكي نعرف انه ما قبل بهذا المكان الا لينتصف من الظالم و ياخذ بحق المظلوم اذ كان من سلسلة اعماله عند توليه المنصب :
بدأ بإحضار كل الاوباش و العرابدة من انحاء البلاد و اقام عليهم الحدود ليستتب الامن في البلاد، مع ان الوزير الاعظم حينها كان معارضا لان هؤلاء الاوباش لطالما قاتلوا مع جيوش السلطان .
ثم جاءه جماعات الصوفية لياخذ لهم بحقوقهم على حد زعمهم و لكنه حكم بأن الحق للمزارعين و لم يكتف بذلك بل ضيق عليهم و ابان ضلالتهم و كسر شوكتهم مع ما كانت لهم من المزايا و الحظوة عند الناس و السلطان . طبعا المجلسي أكثر من ذم طريقتهم و بيان ضلالتهم في مجالس كثيرة و ايضا اثبتها في كتبه .
بعدها اراد ان يهدم اصنام جماعة من الهنود الساكنين في ايران و ان يخرب معابدهم . فما كان منهم الا ان التجؤا الى السلطان و قدموا له صندوقا كاملا من المجوهرات و الذهب كي يشفع لهم امام المجلسي ، فجاء السلطان الى المجلسي و قال له ان يتنازل عن تخريب اصنامهم و لكن المجلسي رد على السلطان بان رضى الله اولى من رضاه ! فخرج السلطان متأسفا و لم ينل مراده .
و بلغت الامور ذروة التصعيد عندما اقام الحد على اربعة من اصحاب خزنة السلطان لشربهم الخمر ، و لم يقبل شفاعة الوزير الاعظم فيهم فما كان من السلطان الا ان خلعهم عن مناصبهم فثار غضب الوزير فقال للسلطان ان الاوان آن لخلع المجلسي عن منصبه فهو بدا يتعدى حدوده الى رجالات الدولة و لكن السلطان سليمان لم يسمع منه و اجابه ان الدولة باقية ببركات هذا العالم !
في اخر ايام حياة السلطان دخل المجلسي على الوزير الاعظم ثاني رجال الدولة و هدده انه سيرسل رجالا ليبحثوا عن رجال مفقودين من الصوفية فان ثبت ان الرجال قتلوا بامر الوزير فان المجلسي سيقتص منه . فثارت ثائرة الوزير و ذهب الى اخت السلطان و اخبرها الخبر فقالت له ان السلطان ينازع الموت و ان المجلسي لن يستطيع ان يفعل له شيئا .
رحم الله السلطان سليمان فقد كان يطلب من المجلسي ان يقرا عليه القران اخر ايام حياته و تاب قبل وفاته فصلى عليه المجلسي و دعى الله ان لا يحاسبه مع الظالمين من حاشيته . يقال ان السلطان اوصى بان يكون ابنه الاصغر سلطانا للبلاد و لكن اخت السلطان استخدمت نفوذها لتنصب ابنه الاكبر سلطانا .
و مع هذا السلطان تنحى المجلسي ليكمل كتبه قبل ان توافيه المنية بفترة ليست بالطويلة . عندما دخل المجلسي على السلطان حسين و هو محمر العينين من الشراب نهره و انبأه بكيفية نهاية دولته فما كان من السلطان الا ان قال اني احترمك لاحترام ابي لك فاخرج و لا تعكر صفو حياتنا .
و انتهت دولة هذا السلطان كما قال المجلسي بهجوم الافغان على ايران .
من الاشياء التي تلفت النظر في حياته :
- شجاعته الكبيرة و كونه مصداقا رائعا لـ "لا تأخذهم في الله لومة لائم"
- على كثرة مشاغله و اهتمامه بقضاء حوائج الناس ، لديه اكثر من مائة مجلد في شتى الفنون و العلوم .
- رحمته بتلاميذه و اهتمامه بتربيتهم و ايضا وصيته قبل مماته بلحظات الى زوج ابنته بأن يراف على ابنته .
- ابنته كتبت البحار بخط يدها .
- رفضه القاطع لمنهج الصوفية و نفوره من ضلالاتهم .
- ولادته كانت اجابة لدعاء والده بان يرزقه الله ولدا ينشر المذهب.
- طول فكره و تأمله حتى ليروى انه ظل يتأمل تفاحة سقطت في البستان و بعد سؤاله عن سر طول تأمله اجاب انها لم تطق الانتظار! ثم شرح معنى كلامه شرحا عرفانيا.
- حرصه الشديد على وقته مع زهده و تقواه المنقطع النظير.
- قال عنه استاذه وددت تقبيل يدي المجلسي فاليدين التي خطت بحار الانوار تقبلها الملائكة.

دمتم في الرضا ،