:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

مع المهاراجّي

بسم الله الرحمن الرحيم
كنت اقرا نقاشا عن موضوع الشخص المتنور و العلم الحديث أي هل يمكن اثبات ان هذا الشخص متنور حقا ام لا بالطرق العلمية الحديثة ففي القرن الماضي بدا الغرب بدراسة الرهبان من خلال دراسة العقل و تسجيل المتغيرات بالاجهزة الطبية الحديثة . عموما كان الموضوع يسير في اتجاه عدم امكانية معرفة هذا الامر الا ان احدهم اقترح اقتراحا فقال انه عند البوذية من يصل الى مرحلة التنوير يكون عقله في حالة لا يمكن التأثير عليها فلا يمكن ان يغيب عقله ، لذلك يمكن اختبار الشخص المتنور بإخضاعه لما يذهب عقله و رؤية ردة فعله . عمليا هناك شخص واحد خضع لهذه التجربة و قد نجح فيها فعلا و ذلك هو المهاراجي. اما القصة فيرويها "رام داس" تلميذه فيقول انه كان لديه نوعية قوية من حبوب "الالسدي" المعروفة بأن حبة واحدة كافية لان ترسل الانسان الى عوالم اخرى من الهلوسة لمدة ساعات طويلة ، فأشار المهاراجي برغبته في تناول هذه الحبوب و لكن رام داس كان متخوفا على المهاراجي لكبر سنه و لكن مع ذلك اختار المهاراجي بضعا من تلك الحبوب و تناولها ثم اخذ بقية الحبوب و تناولها جميعا . يقول رام داس بقيت اراقبه لساعات و لم يحدث اي شيء . حقا من يعرف تاريخ الالسدي سيعرف معنى هذه القصة . هذه ربما كانت اول مرة اسمع بها باسم الماهاراجي لاني حقيقة ابتعد عن القراءة في الهندوسية و البوذية التبتية لبعض التحفظات على رجالها و طقوسها.
لمعرفة المهاراجي او نيب كاروري بابا او نيم كارولي بابا كما يسميه تلامذته من الغرب نحتاج الى ان نعود الى الستينات من القرن الماضي تقريبا حيث كانت امريكا تعيش فترة من ضياع الهوية تجلت في حركات مختلفة مثل حركة المثاليين في حركتهم المعروفة بالثقافة المضادة ، في هذه الفترة هرب الكثير منهم الى دول شرق اسيا للبحث عن الروحانية و من هؤلاء كان برفسور هارفرد المشهور و الجدلي ريتشارد البيرت الذي كانت له صولات و جولات في عالم الالسدي مع صديقه تيمثي ليري انتهت بطردهما من الجامعة .
بعد طرده من الجامعة بقي فترة يمارس الالسدي مع جماعته الى ان اكتشف ان الالسدي لا تعطي تجربة حقيقية دائمة فهرب الى الهند بحثا عن البديل الحقيقي الى ان انتهى به المطاف الى الماهاراجي يقول عندما قدمنا عليه وجدته مستلقيا على بطنه و الكل يأتون ليتمسحوا بأقدامه كما هي عادة الهندوس في التبرك. يتابع رام داس فيقول ان المهاراجي اشار الي ثم قال (البارحة كنت تنظر الى السماء و تفكر في والدتك !) و قد كان رام داس فعلا يفكر في والدته المتوفاة قبل ستة شهور . بعد هذه الحادثة تحول ريتشارد البرت الى تلميذ للمهاراجي و لقبه المهاراجي برام داس اي "خادم رام" و بقي عنده ثم ألف كتابه المشهور جدا و الاكثر مبيعا " تذكر ، كن هنا الان " و قام باشهار استاذه في اوساط المجتمع الامريكي فازداد اعداد القادمين لزيارة المهاراجي من الغرب حتى ان ستيف جوبز صاحب شركة "أبل" سافر الى الهند لرؤية المهاراجي و لكن لم يسعفه الوقت اذ كان قد توفي المهاراجي قبل وصول ستيف جوبز الى الهند .
الماهاراجي شخصية مختلفة عن بقية رجالات الهندوس فلا يعرف عن ماضيه الا القليل و لكن بعد ان اشتهر امره كثر طلابه و كثرت المصنفات في قصصه و احداث حياته المتأخرة فالقصص المروية عن خوارقه كثيرة جدا فهي تشمل قراءة الافكار ، معرفة كل الاشياء ، الاختفاء عن الانظار ، الحضور في مكانين في آن واحد ..الخ. بعيدا عن هذه القصص هناك امور تجعل من الماهاراجي شخصية مميزة لا يمكن نسيانها مثلا في طريقة تعليمه فالرجل ليس لديه محاضرات او تصانيف او اوامر ممنهجة كما يفعل غيره و انما كان يشدد على ان الطريق الحقيقي للوصول هو الاخلاص و التفاني بالحب الشديد لله و هي طريقة الباكتي يوجا فاليوجا عندهم تقسم الى اربعة طرق ( هذا التقسيم ليس بشيء متفق عليه و قد تم التقسيم باشكال مختلفة عندهم) :
اليانا يوجا : طريق المعرفة و الحكمة و التعقل
الباكتي يوجا : طريق الحب و التفاني و الولاء
الكارما يوجا : طريق الافعال و الخدمة و الحضور
راجا يوجا : طريق التأمل و التعالي و الشهود
اذا الماهاراجي لم يكن يركز على التأمل و الرياضات الشاقة و انما على الاخلاص و التفاني و ان يستشعر الانسان وجود الله في كل سكناته و حركاته . كان يشدد على مسألة الحب لجميع الخلق و خدمتهم و ربما اشهر مقولة له هي (بصيغة الامر) " احب كل الناس ، اخدم كل الناس ، و تذكر الله ". و كان ما يجذب الناس اليه كما يقول من عاصره حب يفيض منه على من حوله و كان شديد الكرم في اطعام كل من يأتي لزيارته . و عندما اتاه احد الغربيين فسأله ان يعلمه تقنيات التأمل قال له اذهب و تأمل كما كان يتأمل المسيح ! و عندما سألوه و كيف كان يتأمل المسيح؟ اجاب بعد صمت طويل و بعد ان سقطت دمعته " كان يتأمل بالحب " .
في الهند الفواصل بين الاديان ضبابية فهناك رؤية منتشرة بأن الاديان واحدة و من اشهر من تبنوا هذه الطريقة شخص يدعى " سي بابا " حيث لم يعرف في النهاية هل هو هندوسي ام مسلم فقد كان يأمر اتباعه الهندوس بقراءة الباغفادغيتا و يأمر اتباعه من المسلمين بقراءة القران . و كان الماهراجي ممن يعتقدون بوحدة الاديان فيحكى انه ذات مرة دعاه احد المسلمين فلبى الدعوة و عندما حضر الماهارجي الى دار المسلم وجد ان هناك مشايخا يقراون القران و الاناشيد الصوفية لكنهم سكتوا عندما راوا الماهارجي حيث ادخله صاحب الدار و اجلسه في مكان الشرف فذهبوا لمعاتبة صاحب الدار لإتيانه بهذا الهندوسي حينها صرخ بهم الماهاراجي و زجرهم عن هذا الفعل و ضيق افقهم و اخبرهم بوحدة الاديان ثم طلب بعضا من الاكل فوزعه عليهم و فرق عليهم بعض المال و اخيرا انشد معهم لفترة طويلة " لا اله الا الله " .
كان شديد التعلق بهانومان لانه اثبت ولاءً و اخلاصا منقطع النظير في خدمة رام الذي يعتبر تجسدا لاله الهندوس المسؤول عن ادارة الخلق " فيشنو ". اما قصة موته فهي قصة عجيبة اذ يقال انه أصيب بغيبوبة ثم نقل الى المشفى و اثناء نقله قام بنزع قناع الاكسجين و ما كان مربوطا بذراعه و قال " لا فائدة -اي من هذا-" ثم طلب ماء من مائهم المقدس و لكن اتوه بالماء المعتاد لان الماء المقدس لم يكن متوفرا . ثم ردد مرارا و بصوت أخفض عند كل مرة " تقدس اله الكون " ثم قضى أجله.

نختم بمختارات من مقولاته :
" كل شيء زائل ، الا حب الله "
" من الافضل ان ترى الله في كل شيء بدلا من ان تسعى لفهمه "
" الصدق المطلق ضروري ، يجب ان تعيش ما تدعيه "
" الزوجة يجب ان تخدم الله بخدمة زوجها "
" اذا كان الزوج سعيدا ، فالله سعيد " قيل لي معنى السعادة هنا الرضا .
" المرأة افعى ، يجب الا تلمسها اصلا "
" المراة الطاهرة افضل من مائة راهب . النساء اكثر انفتاحا لحب الله "
" النساء افضل من الرهبان ان اخلصوا لازواجهن "
" الزواج مزيد من الانشغال . ستحتاج الى مزيد من الاخلاص و الاصرار لتتحد بالله "
" لا يهم ان كنت متزوجا ام لا ، المهم هو مقدار حبك لله "
" انما المعابد كومة احجار ، التعلقات هي من تقيدك "
" قم بتنظيف مرآة قلبك و سترى الله "
" من يعمل لله ستنجز اعماله تلقائيا "
" اخدم الفقراء و تذكر الله و ستتحد مع المسيح "
" عيون الولي تنظر دائما الى الذات الاعلى . في اللحظة التي ينتبه لنفسه يفقد الولاية . "
" بالتزام الصدق دائما " عندما سألوه عن طريقة تطهير القلب
" الشهوة ، الطمع ، الغضب ، التعلق كلها طرق للجحيم "
" اذا كنت تريد رؤية الله فاقتل كل الرغبات . الرغبات هي صنيعة العقل ، عندما ترغب بشيء لا تعمل بناء على الرغبة و ستزول الرغبة من تلقائها. "
" لرؤية الله ستحتاج الى عيون من نوع خاص و الا لن تتمكن من تحمل الصدمة "
" افضل طريقة لعبادة الله هي كل الطرق !"

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين