:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

هل ايماننا دوغماتي ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
دوغماتية أو دوغمائية: هي التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته أو كما هي لدى الإغريق الجمود الفكري. وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك.
تمثل الاستبدادية والمعصومية والدمغية أو اللا دحضية الزعم بأن قول معين غير قابل للدحض بتاتا والقبول الخانع من قبل الملتزمين، واللا شكية لب فكرة الدوغماتية.
الدوغماتات توجد في كثير من الأديان(على جميع المستويات)، مثل، المسيحية، الإسلام، واليهودية، والتي تلزم فيها الأديان أتباعها باعتناق أركان أو مبادئ بشكل دوغماتي. الدوغماتيات في الأديان يمكن أن يتم توضيحها وتبيينها أكثر ولكن ليس مناقضتها. يعتبر رفض الدوغماتية “هرطقة ” في بعض الأديان، وقد يقود إلى “التكفير” أو “إهدار الدم” من لدن معتنقي تلك الديانة.
جميل اعتقد ان التعريف اعلاه و ما تلاه من اقتباس من الويكيبيديا العربية كافي لرسم تصور عن هذا المصطلح .
اول نقطة جديرة بالتأمل هل الاعتقاد بان قول معين غير قابل للدحض بتاتا شيء منكر و قبيح في حد ذاته؟ بطبيعة الحال الجواب لا ، فهل هناك اشكالية عندما نقول بأن واحد + واحد يعطينا 2 حقيقة ثابتة ؟ و هكذا اي اعتقاد بمعلومة مؤكدة بالبراهين . اذا يمكن ان نقول بان الدوغماتية المذمومة هي فقط الايمان بدون دليل و اما ما ثبت له دليل و برهان قاطع فمن الاولى الالتزام به.
لا بأس باقتباس اخير من ويكيبيديا : لكن المطلع على نصوص القرآن باعتباره المصدر الأول للإسلام يجده لا يلزم اتباعه بقبول الافكار الجاهزة إلا إذا قام عليها الدليل بل يعطي الادلة حتى على الوحدانية بتقديم ادلة عقلية من مثل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا في إشارة إلى تناقض الارادات من نفس القوة ..انتهى
الان لو نتكلم عن الاسلام فهو بعيد فعلا عن الدوغماتية لانه بخلاف التعريف المذكور لا يلزم افراده بالايمان الدوغماتي بل على العكس اصول الدين لا يوجد فيها تقليد و على الانسان ان يصل الى قناعة بنفسه و بالادلة العقلية و اذا وصل الى صحة اصول الدين استطاع ان يعمل على فروع الدين بناء على اصوله .. فالاسلام لا يكتفي بالدعوة الى البحث عن البراهين فقط كقوله تعالى : قل هاتوا برهانكم ، بل يذهب الى ذم الجمود الفكري و السير على خطى الاولين بشكل اعمى في مواطن كثيرة منها قوله تعالى:
إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
و ليس الامر كما ذكر بأن الدين لا يقبل مناقشة افكاره (كنوع من التابو المحرم الخوض فيه) بل المفاهيم مطروحة للنقاش و توجد المصنفات الكثيرة في مناقشتها و اثباتها ابتداء بكتب علماء الدين و المتكلمين مرورا بالفلاسفة الى ما جرى و يجري من مناقشات و مناظرات. بل ان الانفتاحية في النقاش و الدعوة الى التفكر هي اكبر دليل على ان ايماننا ليس مجرد ايمان اعمى بل ايمان قائم على ادلة و براهين ، فليس لدينا اي هاجس و تخوف من المناقشة و الاخذ و الرد مع ايا كان.
الان الاسلام شيء و واقع المسلمين شيء اخر ، فاذا كان مجموعة من المسلمين دوغماتيين في ايمانهم فلا يعني ان الاسلام يدعو الى الدوغماتية مثلما لا يمكن ان يتهم الاسلام بالدعوة الى الارهاب من خلال تصرفات بعض من يدعون الانتماء له. لكن يجب ملاحظة حقيقة مهمة الا و هي ان البشر بطبيعة الحال لديهم استعدادات مختلفة و عقليات متفاوتة فلا يمكن تصور ان يكون كل الناس بذلك الوعي و المعرفة فالدوغماتية هنا ليست مذمومة ، لنأخذ مثالا ذكرناه في مقالة الفلسفة و البرمجة ، حيث قلنا ان الانسان لا يحتاج في كل الاحوال ان يعرف معنى كل كلمة ليصل الى المطلوب و لكن بما انه يرى النتيجة يمكنه محاكاة الكلمات لاطمئنانه بحصول النتيجة . هكذا ايضا محض التقليد المفضي الى نتيجة مطلوبة ليس عيبا اذا لم تتوفر لدى الشخص فرصة البحث الكامل بنفسه. الامر اشبه بمتابعة الدليل (الخبير في مجال ما) ليقودك الى بر الامان لخبرته في الطريق.
ما يقودنا الى الكلام عن المعصومية المذكورة في التعريف فلا شك ان لدى كل مسلم ايمان بمعصومية القران الكريم و كذا الرسل و ادلة هذا موجودة في مصادرها المعتبرة. الايمان بمعصومية الكتاب و صاحب الرسالة سترفع اشكالية ان القران و الاحاديث الشريفة لا تستدل على كل جزئية تطرحها ؟! لذلك الايمان الدوغماتي هنا ليس مجانبا للصواب و ان كان هناك افضلية للايمان الاستدلالي ..
هذا بخصوص القران و صاحب الرسالة و لكن المشكلة تظهر في ان الدوغماتية تسرت الى علماء و طوائف معينة حيث يمارس اتباعها الايمان الاعمى ، و لكن الحقيقة ان افكار و فتاوى العالم المسلم مهما وصلت تبقى مجرد فهمه للنصوص الشرعية لذلك لا يقبل فيها الدوغما ..
لكن مع الاسف ابتداء من اولياء الصوفية مرورا بمشايخ الوهابية و انتهاء ببعض علماء الشيعة نرى ان اتباعهم يعطونهم شبه عصمة ، تجعل اللادينين يخلطون بين دوغماتية الاسلام و دوغماتية طوائف المسلمين ..
اخيرا اشكالية الاخراج من الدين ، فبطبيعة الحال لكل شيء في الوجود معالم اساسية فبهذه المعالم يحدد وجوده او وجود غيره، فلا غرابة ان لا تبقى مسلما عندما ترفض اصل من اصوله الخمسة كما انك تخرج من التوحيد الى الكفر بانكارك اصل التوحيد، و تخرج من الالحاد عندما تؤمن باله. هذا كما قلنا موجود في كل شيء فأنت مثلا تخرج من دائرة البراغماتية عندما تؤمن بفلسفة معينة ، و قد تخرج من المدرسة الرومانسية في كتاباتك عندما تغير معالم نصوصك الى مدرسة اخرى ..الخ. فكيف يتصور ان يكون شيء من ضمن دائرة معينة و هو لا يتحلى بمعالمها الاساسية؟

دمتم في الرضا ،