:: كل المقالات ::

Sun, 24 Jun 2018

نظر العارف (7) : بالفسق و العشق يعيرني الفضولي

بسم الله الرحمن الرحيم

الشعر الفارسي :

مرا به رندی و عشق آن فضول عیب کند که اعتراض بر اسرار علم غیب کند
کمال سر محبت ببین نه نقص گناه که هر که بی‌هنر افتد نظر به عیب کند
ز عطر حور بهشت آن نفس برآید بوی که خاک میکده ما عبیر جیب کند
چنان زند ره اسلام غمزه ساقی که اجتناب ز صهبا مگر صهیب کند
کلید گنج سعادت قبول اهل دل است مباد آن که در این نکته شک و ریب کند
شبان وادی ایمن گهی رسد به مراد که چند سال به جان خدمت شعیب کند
ز دیده خون بچکاند فسانه حافظ چو یاد وقت زمان شباب و شیب کند

الترجمة النثرية :

بالفسق و العشق يعيرني الفضولي ... معترضا على اسرار علم الغيب
انظر الى كمال سر المحبة لا نقص الذنب ... اذ لا ينظر الى العيب الا من لا كمال له
فعطر حور الجنان لا تذيع له رائحة ... الا اذا وضعت في جيبها شيئا من تربة حانتنا
قطعت علينا طريق التدين غمزة الساقي ... فلا يقدر على اجتناب الصهباء الا صهيب
مفتاح كنز السعادة ان تكون مقبولا عند اهل المعنى .. فلا يخالطنك في هذه الحقيقة شك و ريب
فما وصل الراعي في الوادي الايمن الى المراد ... الا بعد ان قضى سنواته في خدمة شعيب
تدمع العين دما حكاية حافظ ... كلما تذكر وقت الشباب و زمان الشيب


الشاعر : حافظ الشيرازي و قد تقدم الكلام عنه في المقالات السابقة .

المعنى الادبي :

يقول الشاعر ان هناك من يعيب عليه انغماسه في العشق و ما يظهر منه انه نوع من التفلت من القيود الدينية ، و لكنه يرد على هذا الكلام بأنه نوع من انواع الاعتراض على الله سبحانه و تعالى لان لله في خلقه شؤونا و اسرارا . و مخاطبة العذال كثيرة عند الشعراء العرب و العجم و نرى اختلافا بين تعامل كل شاعر مع عذاله قارن بين رد حافظ و رد ابي نواس في مطلع قصيدته المشهورة :

دع عنك لومي فإن اللوم اغراء ... و داوني بالتي كانت هي الداء

او مطلع قصيدة لي قلت فيها :

أعطني الناي و قل شعر الغزل ... و دع الرد لمن رام العذل

فحافظ يرد على العاذل باسلوب الاحتجاج و ابو نواس يعاند العاذل فيقول ان اكثارك من العتاب انما هو اغراء لي بالاكثار من الشراب و اما البيت الاخير فاخترت مجرد تجاهل العاذل و مواصلة ما انا فيه .
ثم في البيت الثاني يلفت نظر المخاطب الى انه يجب عليه ان ينظر الى الكمال المتحصل من المحبة لا ان يركز على النقائص المتحصلة من الذنب فالانسان ذو الكمالات و المواهب لا ينظر الى نقائص الناس و عيوبهم فهذا شأن المساكين و الحساد ممن ليس لديهم كمالات و لا مواهب فيحاولون ان يرفعوا من شأنهم من خلال استنقاص الغير و هذا منبعث من حالة النقص و الدونية التي يعيشونها في انفسهم . بعد هذا ينتقل الشاعر الى وصف ما تسبب في ادمانه العشق و ما يتبعه من حالات لا تروق للمتزهدين فيبدأ بالحانة التي يرتادها فيقول ان السر في طيب رائحة الحور العين هو انهن يضعن قليلا من تربة الحانة في جيوبهن فيذيع منهن عطر زكي الرائحة. ثم يتكلم عن جانب اخر من جوانب الحانة فيقول كيف يمكن له ان يكون متدينا و هو يشاهد الساقي الجميل بقوامه الفتان و وجهه الصبوح و هو يغمز له بتلاعب و فتنة ، انه حقا امر صعب لا يقدر على اجتنابه الا امثال صهيب من الزهاد . اخيرا يترك الشاعر الكلام عن الحانة ليعطينا نصيحة مهمة لا يشوبها شك و لا ريب و هي ان من يريد كنز السعادة يجب عليه ان يتحصل على المفتاح و ما ذاك الا ان يقبلك احد اصحاب المعنى (الاولياء). ثم يعضد هذا الكلام بقصة النبي موسى عليه السلام فهذا الراعي لم يصل الى مقام النبوة الا بعد ان خدم عند نبي من انبياء الله سنوات و سنوات . و يختم انه كلما تذكر ايام شبابه ثم قارنها بأيام شيخوخته اصابه حزن شديد و لكأن الدموع التي تنزل منه بحرارتها تنزل كما الدم و منه نعلم ان القصيدة قالها الشاعر في اواخر عمره.

نظر العارف :

في الابيات نقاط عرفانية كثيرة يمكن الاشارة الى بعض منها فنقول :
السعادة الحقيقية هي ان تكون مقبولا عند أهل المعنى :
السعادة ضالة البشر فالكل يبحث عنها فمنهم من يبحث عنها في الماديات من مال و نساء و منهم من يبحث عنها في الوجاهة الاجتماعية و السيادة و منهم من يبحث عنها في العلم فيكرس نفسه للعلم و منهم من يبحث عنها في الروحانيات و قد قال تعالى " قل كل يعمل على شاكلته ". و بعد طول البحث و الجهد عادة يكتشف الانسان ان ما كان يسعى اليه لم يوصله الى السعادة المنشودة فلا المال و لا الوجاهة و لا النساء و لا المنصب و لا الشهادة و الاسفار و لا غيرها لم تعط سعادة دائمة و لا رضا ، الا تلك النفس المطمئنة فالله سبحانه و تعالى يقول "يا ايتها النفس المطنئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية" ، فتلك النفس وصلت الى مرحلة الاطمئنان و السعادة في هذه الدنيا و لكن كيف وصلت ؟
يبدو ان كل شيء في هذه الدنيا يفنى و ليس له قيمة واقعية تبقى الا ما يتعلق بإرضاء الله سبحانه و تعالى و التقرب منه بامثتال اوامره و اجتناب نواهيه او قل بالتوصل الى حقيقة العبودية و لله سبحانه و تعالى رسل و اولياء يمثلونه فمفتاح الكنز هو الحصول على رضا هؤلاء النخبة المصطفاة و الذين من خلالهم يتوصل الانسان الى رضا الله سبحانه و تعالى لان رضاهم من رضا الله سبحانه و تعالى . فالانسان المتقد الواعي يضع همته في البحث عن هؤلاء الاولياء ليأخذوا بيده " و اجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم " ثم ليستجلب رضاهم و بالنتيجة رضا ربه ، " من اراد الله بدأ بكم و من وحده قبل عنكم " .
الحاجة الى مرشد لسلوك الطريق : من المعروف ان من يريد ان يتعلم فنا او حرفة او علما يحتاج الى استاذ يعلمه ذلك و هذا شيء بديهي لا يختلف عليه احد الا ان البعض يستثني السلوك و التجربة الروحية فيقول انه لا حاجة الى استاذ فالطريق واضح و بين . و قد يقال انه فعلا بالامكان لاي شخص اذا كان ذكيا و متوقدا ان يتعلم اي فن يريده و الامثلة في التاريخ كثيرة . نقول نعم نظريا يمكن و لا توجد استحالة عقلية هنا و لكن هذا الاستثناء و تبقى القاعدة العامة فمن يريد ان يتعلم شيئا في غالب الامر لا يستطيع الا بالتعلم من استاذ بل انه عقليا يجب عليه اختيار الاستاذ لكي يختصر له المشوار و لكي لا يخاطر فيتعلم خطأ و يورد نفسه و غيره التهلكة في كثير من المجالات ، فلا اعتقد ان الكثير من الناس سيقبلون ان يجري عليهم طبيب عملية جراحية اذا علموا بأنه تعلم بنفسه من خلال الكتب و القراءة بدون ان يتتلمذ و يكون تحت اشراف جامعة و اطباء مهرة. كذلك التجربة الروحية عندما تتطور تحتاج الى مرشد حاذق يعرف خبايا النفس و ملتويات الطريق و الا قد يصل الانسان الى حالات من الانفصال عن الواقع او يضل عن الجادة المستقيمة . و اما عندما يشير بعض الاولياء في مقولات كثيرة الى انه لا حاجة الى معلم في هذا الباب فالكلام من ناحية الاساسيات فعامة الناس لا تعمل بالاساسيات الواضحة المعروفة لكل عامي و يريدون القفز الى مرحلة الكرامة و الاذكار و المكاشفات فالولي هنا يعيد السائل الى الواقع فيقول له انت لم تعمل بما تعلمته فلماذا تريد ان تزيد المعلوم على حساب العمل ؟ الامر اشبه بمن يريد تعلم الرياضيات في مستوى الجامعة عند البرفيسور الفلاني و هو لا يعرف العمليات الاربع و الاساسيات فننصحه فنقول انت الان لا تحتاج الى البرفيسور الفلاني فقط عليك اولا ان تتعلم المستوى الاول و تمارس التمارين حتى يصبح ملكة عندك و تظهر الجد في التعلم حتى نعطيك المستوى الثاني و الثالث الى ان تصبح مؤهلا ان يأتي البرفسور المتخصص فيدرسك المستويات العليا . هذا حالنا فنحن لم نتعلم و لم نلتزم بألف باء الفقه من خلال سؤال المشايخ و العلماء و نريد ان يأتي مرشد موسى عليه السلام ليأخذ بأيدينا . و قد قالوا اذا أصبح الطالب جاهزا سيأتي الاستاذ ، ففي هذا الطريق الاستاذ هو من يبحث عن الطالب و لكن كما قال شاعرهم "الطبيب موجود و لكن اين المرضى ؟".
فائدة عن صهيب : في البيت الرابع يقول الشاعر ان طريق التدين صعب بل قل مستحيل فكيف يمكن لشخص ان يقاوم فتنة غمزة الساقي؟ حقا هذا لا يمكن الا لامثال صهيب . و صهيب هنا هو صهيب بن سنان المعروف بالرومي من اوائل صحابة رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم . الواضح هنا ان الشاعر انما اختار صهيبا لاجل الوزن و طلب الجناس مع الصهباء و الا لا خصوصية لصهيب هنا و لم يكن معروفا بشدة التقوى او على الاقل قل ان هناك من الصحابة الكثير ممن هو اتقى منه . قال الشارح الفارسي ان رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم قال ان عفة صهيب ذاتية و ليست خوفا من النار او طمعا في الجنة و لكني لم اجد الحديث بعد بحث مختصر ، نعم ذكر في سير اعلام النبلاء " كان فاضلاً وافر الحُرمة ..... موصوفًا بالكرم والسماحة ". هذا عند العامة و الا عندنا ذكر الكشي في رجاله حديثا في ترجمة بلال عن ابي عبدالله عليه السلام ان صهيبا كان عبد سوء كان يبكي على عمر . و قد قدمه عمر للصلاة بالناس بعد ان طعن الى ان تنتهي مسألة اختيار الخليفة بعده و لكن ذكروا حديثا يعيب فيه عمر على صهيب بعض خصال . الحاصل ان صهيبا هذا ليس بشيء فليس له مواقف مشرفة وقت الفتنة بل كما يبدو ان له علاقة اقوى مع الطرف المقابل . و هل يستدل على تسنن حافظ باختياره صهيبا كمثل للتقوى و الزهد ؟ كلا ، فحافظ مفروغ من امر تشيعه و انما اورد صهيبا متماشيا مع ما كان متعارفا وقتها في مجتمعه كما لو شبهت بحاتم في الكرم على فرض اني لا اعتقد به او اني ارى الكثير ممن هم اعلى منه ، فلا ينافي البلاغة هنا التشبيه به بل ربما هو المطلوب .

هناك نقاط اخرى قد نتركها لجزء ثان فقد تجاوزنا حاجز الـ 1600 كلمة هنا .


دمتم في الرضا ،