:: كل المقالات ::

Tue, 18 Apr 2017

نظر العارف (5) : وقت السحر

بسم الله الرحمن الرحيم

الشاعر :
لسان الغيب حافظ الشيرازي ، شاعر الفارسية الاول و الاخير غني عن التعريف ربما نتطرق الى ذكر شيء من عبقريته في مقالة منفصلة .

الابيات بالفارسية :
دوش وقت سحر از غصه نجاتم دادند ... و اندر آن ظلمت اب حياتم دادند
بيخود از شعشعه پرتو ذاتم كردند باده از جام تجلي صفاتم دادند
چه مبارك سحري بود و چه فرخنده شبي آن شب قدر كه اين تازه براتم دادند
بعد از اين روي من و آينه وصف جمال که در آنجا خبر از جلوه ذاتم دادند
من اگر كامروا گشتم و خوشدل چه عجب مستحق بودم و اينها به زكاتم دادند
هاتف آن روز به من مژده اين دولت داد که بدان جور و جفا صبر و ثباتم دادند
اين همه شهد و شكر كز سخنم مي ريزد اجر صبري است كز آن شاخ نباتم دادند
همت حافظ و انفاس سحرخيزان بود که ز بند غم ايام نجاتم دادند
المعنى اللغوي للابيات محل الشرح:
البارحة عند وقت السحر انقذوني من الهم ... و في تلك الظلمة سقوني ماء الحياة
و من شعشة الذات غبت عن ذاتي ... حيث سقوني من كأس تجلي الصفات
تبارك ذلك السحر و تباركت تلك الليلة ...تلك ليلة القدر حيث اُعطيت صك البرآءة
نظر العارف :

في البيت الاول يقول الشاعر انه البارحة و في وقت السحر انقذوه من الهم و الغم و ذلك انهم في تلك الظلمة سقوه من ماء الحياة . يستفاد من هذا البيت و من غيره من اشعار حافظ التي تحوم حول مفردة السحر ان الشاعر كان من القوامين في الليل "قم الليل الا قليلا " و ينتظر الفرج في وقت السحر و لكن لماذا ذكر كلمة الوقت هنا ؟ كان يكفي ان يقول السحر فالسحر اشارة الى وقت معين من الليل ؟ لكن كلمة الوقت هنا اشارة الى معناها العرفاني اي ما يصطلح عليه وقت المكاشفة و هو وقت خارج عن اطار الوقت المعروف . لا نحتاج الى ان نذهب بعيدا لفهم الوقت بهذا المعنى فقصة معراج الرسول صلى الله عليه و اله و سلم خير شاهد على هكذا نوعية من الوقت الذي لم يستغرق شيئا يذكر في عالمنا و لكن الله سبحانه و تعالى فقط يعلم ما حصل لرسول الله صلى الله عليه و اله و سلم في تلك الفترة . ايضا فترة تلقي رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم الوحي فترة خارجة عن الوقت المتعارف و انما عملية ترجمة هذا الوحي الى كلام يفهمه البشر هو ما استغرق وقتا و سنوات . هذا عن الوقت اما السحر فهو موعد العشاق اما ترى قوله تعالى " و بالاسحار هم يستغفرون " و قد ورد في الاثر في تفسير قوله تعالى " قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي " انه عليه السلام أخرهم الى السحر . فالسحر له خصوصية عند اهل المعنى و قد كان الدكتور الهي قمشئي يحكي عن والده فيقول انه كان يوقظنا قبيل الفجر و يقول اخرجوا و انظروا الى السماء ربما ترون لمعة من ابتسامة ثغر الحبيب . و الجلوس في وقت السحر هو كما يشير الشاعر في البيت الاخير بالاضافة الى الهمة العالية سبب الوصول الى تلك المرحلة من الشهود التي حررته من قيود الايام . و يواصل الشاعر في الشطر الثاني من البيت الاول بيان كيفية نجاته من الغم في وقت السحر فيقول انهم سقوه في تلك الظلمات ماء الحياة و ماء الحياة كما هو معروف رمز للعلم فالعلم حياة و الجهل موت لذلك العلم رمز الحياة . و لربما يستفاد من كلمة الظلمة هنا ان ماء الحياة دائما يوصف بأنه في الظلمات اي انه لا يمكن الوصول اليه الا بعد جهد مضاعف و تحمل للعقبات و قد اشار الشاعر في البيت السادس الى شدة الصعوبة و الجفاء التي لاقاها في هذا الطريق حيث زُلزل زلزالا عظيما فلم يثبت الا بفضل البشارة التي سمعها من هاتف الغيب في وقت سابق .
اما البيت الثاني فيذكر الشاعر انه دهش و غاب عن ذاته عندما راى شعشعة انوار الذات الالهية و لربما هي اشارة الى صعق نبي الله موسى عليه السلام عندما تجلى ربه سبحانه للجبل فجعله دكا و خر موسى عليه السلام . و يواصل الشاعر فيقول انه بعد الافاقة سقوه من كأس تجلي الصفات الالهية شربة سيبقى مخمورا منها الى الابد . طبعا البيت اشارة انواع التجليات التي تحدث للسالك الى الله فهي على تقسيم من الادنى الى الاعلى مرتبة : تجلي الافعال ، تجلي الصفات ، تجلي الذات . على هذا يكون البيت الثاني شارحا لكيفية سقياه ماء الحياة الوارد في البيت الاول . و لا نطيل بشرح معنى التوحيد الافعالي و الصفاتي و الذاتي و لكن يهمنا الجانب العملي فالانسان يبدا العمل من باب الافعال ثم يترقى الى الصفات و في النهاية الذات .
في البيت الثالث يستلذ الشاعر بتذكر تلك الليلة و ذاك السحر فلا يملك الا ان يقول تباركت من ليلة و تبارك من سحر ، و قد اسلفنا الكلام عن السحر و لكن الليل ايضا هنا له خصوصيته "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " و ان كانت الذروة عند السحر فالليل عند العرفاء رمز الغيب الذي تتنزل فيه الاسرار و هو قوله تعالى " تنزل الملائكة و الروح فيها " و قوله تعالى " سلام هي حتى مطلع الفجر " . فهذه الليلة كما ليلة القدر كتب لشاعرنا فيها البراءة من اغلال الحياة و عذاباتها فإن عند العرفاء كل ليلة يصل الانسان فيها الى لقاء المحبوب هي ليلة قدر له و لا يحتاج ان ينتظر مثل سائر الناس سنة كاملة لبلوغ تلك الليلة المباركة. الامر اشبه بالصلاة فهناك من ينتظر الاذان ليقوم الى الصلاة و هناك من هم على صلاتهم دائمون فهم في صلاة متصلة ، كما يقول بابا طاهر :
خوشا آنانکه الله یارشان بی ... بحمد و قل هو الله کارشان بی
خوشا آنانکه دایم در نمازند ... بهشت جاودان بازارشان بی
و بالعربية :
هنيئا لمن كان الله صاحبهم ... و شغلهم الحمد و قل هو الله
هنيئا لمن كانوا في صلاة دائمة ... جنة الخلد غدت تجارتهم


دمتم في الرضا ،