:: كل المقالات ::

Thu, 16 Nov 2017

نظر العارف (6) : خروج الروح من الجسد

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

يحكي احد المؤمنين عن احد اصحاب المعنى فيقول انني زرته و هو في المستشفى على سرير المرض و عندما حضر الطاقم الطبي اخبروه بأن النتائج مبشرة و انه سيتعافى قريبا باذن الله . يقول الرجل ان المريض عندما سمع قول الدكتور تمثل بهذا البيت :

در رفتن جان از بدن گویند هر نوعی سخن
من خود به چشم خویشتن دیدم که جانم می‌رود
و ما اتم كلمته الاخيرة الا و قد فارق الحياة ، و لكن ماذا يعني البيت ؟
تعددت الاقوال عن خروج الروح من الجسد
و انا بعيني رأيت كيف ان روحي ترحـــل

اي انه فارق الحياة بعد قوله " روحي ترحل" . طبعا ، هذا الرجل من اهل المعنى و يبدو انه قد راى خروج روحه من جسده سلفا عن طريق الرؤيا او المكاشفة او على الاقل انه عندما بدأ بمعاينة خروج روحه من جسده تدريجيا و كشف عن بصره تمثل بهذا البيت اخبارا للدكتور و الحضور بأنه لا فائدة من العلاج او الاستبشار فإن اجله قد حان.

الشاعر :
هذا البيت من قصيدة للشاعر و الحكيم الفارسي الذائع الصيت سعدي الشيرازي . و مطلع القصيدة :
اي ساربان آهسته ران كآرام جانم مى رود
و آن دل كه با خود داشتم با دلستانم مى رود

تريث يا حادي الركب فروحي تذهب ببطء
فالقلب الذي كان معي ترحل مع محبوبي

يذكرني بقول والدي حفظه الله :
ها هنا يا قلب تبقى و انا
راحل عنك فلا قلب لدي

و لكن يبدو ان القضية عكسية في ابيات أبي فهو المهاجر و القلب من سيبقى في المكان عند المحبوب .

المعنى الظاهري :
المريض تمثل البيت و اراد المعنى الحرفي و هو كما قلنا ان هناك اقوالا و نظريات متعددة عن خروج الروح من الجسد و لكن عند المعاينة قبيل المفارقة ستنكشف للمحتضر حقيقة ذهاب الروح من الجسد ، و مهما قدمنا من اقوال و تنظير للذة الماء عند العطشان فلن ندرك الحقيقة الا عندما نشرب الماء على عطش. لكن من الواضح ان سعدي لم يكن يريد هذا المعنى فمن يقرأ مطلع القصيدة و بقية الابيات الى هذا البيت يدرك بسهولة من السياق ان سعدي يريد المعنى الادبي و هو معنى مشهور و متداول. و المعنى الادبي هو ان سعدي عندما ذهب الركب و معهم محبوبه اخذوا قلبه معهم او ان شئت قلت اخذوا روحه معهم فهو جسد بلا روح . و بمناسبة الكلام عن المعنى الادبي لا بأس بذكر قصة سايجو الفتاة اليابانية و هي قصة من قصص"الكوان" كما هو معروف عند البوذية.
يحكى ان سايجو كانت طفلة يابانية جميلة و قد كانت وحيدة ابيها و كان متيما بها و دائما ما يداعبها فيقول انت اجمل فتاة في الوجود و لا يوجد من ينافسك في الجمال الا ابن عمك اوشو. و بعد سنوات كبر الطفلان و بدات قصة الحب و لكن من المؤسف ان احدهم تقدم لخطبة سايجو و وافق الاب على هذا الزواج . اوشو من وقع الصدمة بدأ يهيم كالمجنون ثم خرج من القرية فهو لم و لن يستطيع العيش بدون سايجو و لكن المفاجاة انها لحقت به و هو يمشي في الغابة . بعد حوار قصير قررا ان يهربا من القرية . و بعد مضي سنوات من الزاوج السعيد و انجاب الاطفال شعرت سايجو بالاسى على ابيها فقالت لاوشو انها تتأسى على ابيها فقال اوشو نعم يجب ان نعود لكي نطلب رضاه .عندما وصلا الى القرية ترك زوجته في القارب و ذهب هو ليقابل الوالد المسكين . وجد رجلا عجوزا جالسا عند عتبة الباب فقال له يا عم انا اوشو و قد اتيت لطلب العفو منك ؟
- و لماذا تطلب العفو ايها الشاب؟
- لما سببته لك من الام عندما هربت و ابنتك من القرية .
- اي ابنة تتكلم عنها ؟ قال متعجبا
- " سايجو " قالها و هو يعتقد ان العجوز فقد عقله كليا
- سايجو ؟ و لكن سايجو موجودة في المنزل !
- " سايجو معي تنتظرك عند النهر" قالها و قد ايقن ان العجوز فقد عقله .
- ايها الشاب المسكين منذ هربت من القرية مرضت سايجو و بقيت ممتنعة عن الكلام و لازمت فراشها !
- ماذا تقول ايها العجوز المتوهم سايجو معي و سأحضرها لك الان !
ذهب ايشو مسرعا ليأتي بسياجو الى ابيها و انطلق الاب الى الدار ليخرج ابنته الى حبيبها و عندما التقى ايشو و سايجو و الاب عند الباب اتحدت سايجو بروحها . الان من هي الروح و من هي سايجو ؟ يمكنكم ان تعيدوا صياغة السيناريو بطرق مختلفة لتحسس اقرب التفاسير المنطقية . الحاصل ان مسألة اخذ المحبوب للروح مسألة مشهورة في اللغة الادبية ، و لكن لنستكشف نظر العارف في البيت المذكور .

نظر العارف :
منذ القدم و مسألة الروح و هل هي موجودة ام لا و ما هي علاقتها بالجسد تحير الانسان و تستفز تفكيره . الم يسألوا رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم في قوله تعالى " و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " و يبدو ان الله سبحانه و تعالى اجابهم بجواب زادهم حيرة فهم كانوا يسألون عن الروح و الان وجدوا انفسهم امام مصطلح "الامر" و هو اكثر تعقيدا من مصطلح الروح بدليل "من" التي تفيد التبعيض . على كل حال هناك قصص و اساطير و اقوال و نظريات عن مسألة خروج الروح من الجسد لا يمكننا ان نستقصيها في هذا المختصر و لكن العارف يقول ان خروج الروح من الجسد المقصود في البيت هو ما يعرف بالموت الاختياري و هو قوله عليه السلام " موتوا قبل ان تموتوا " . قوله عليه السلام موتوا قبل ان تموتوا دل على ان هناك نوعان من الموت موت اختياري و موت اضطراري . الموت الاضطراري لا بد منه قوله تعالى " كل نفس ذائقة الموت " و لكن الموت الاختياري لا يحصل لكل فرد . الغريب ان مسألة الموت الاختياري ليست مختصة بالفكر الاسلامي و انما هي موجودة في الاديان الاخرى تحت مسميات مختلفة لكن هناك اتفاق على المفهوم الا و هو موت الانية . الانية هي الهوية التي يعيش بها الانسان في هذا العالم و بها يستطيع ان يمارس المشاغل الدنيوية و نحن عندما نتكلم عن موت الانية هنا فنحن نريد المعنى الحرفي فهناك من المرتاضين من اذا وصل الى هذه المرحلة لا يعود يدرك وجوده المادي و يبقى كوعي مطلق لا يرجع الى " أنا " محدودة . و قد وجد بعضهم مرميا في الغابات غائبا عن شعوره و تعتبر هذه الفترة من اصعب فترات السلوك اذ يحتاج السالك الى من يعيده من غيابه و الا قد يغيب ابدا . لكن من الواضح ان الذي يغيب ابدا و لا يرجع سيكون في حساب الموتى لذلك تعتبر هذه مرحلة في الرحلة الروحية و لا تعتبر غاية الرحلة . لهذا لا تجد احدا من المدارس المختلفة يقول بأن الغاية هي التجرد التام أو مفارقة الروح للجسد عن طريق الانتحار و ما شاكل.
الان ، في الروايات عبر عن الموت بأنه لقاء الله سبحانه و تعالى و لكن الله سبحانه و تعالى منزه عن الرؤية ، قال الصادق عليه السلام : "من زعم ان لله وجها كالوجوه فقد اشرك و من زعم ان لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ". اذن اين وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء ؟ هو قول الصادق عليه " نحن وجه الله " و قول سيد الساجدين " نحن الوجه الذي يؤتى الله منه " . لهذا نجد الجواب عند امير المؤمنين عليه السلام:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بنعته واسمه وما فعلا
فرؤية امير المؤمنين عليه السلام هي رؤية وجه الله سبحانه و تعالى ، بعبارة اخرى الموت هو لقاء امير المؤمنين عليه السلام .
في النهاية امير المؤمنين نفسه عليه السلام يصف لنا في خطبته المزلزلة عن سورة "التكاثر" صفة الموت و مقابلته ، فيقول :
"...و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات. جيران لا يتأنسون و احباء لا يتزاورون . بليت بينهم عرا التعارف و انقطعت منهم اسباب الاخاء ، فكلهم وحيد و هم جميع و بجانب الهجر و هم اخلاء لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء . اي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا شاهدوا من اخطار دارهم افظع مما خافوا و راوا من اياتها اعظم مما قدروا فكلتا الغايتين مدت لهم الى مباءة فاتت مبالغ الخوف و الرجاء . فلوا كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا .
... فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا ، و ترك الاحبة ، اذ عرض له عارض من غصصه فتحيرت نوافذ فطنته و يبست رطوبة لسانه . فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده و دعاء مؤلم بقلبه سمعه فتصام عنه من كبير كان يعظمه او صغير كان يرحمه ! و ان للموت لغمرات هي افظع من ان تستغرق بصفة او تعتدل على عقول اهل الدنيا . "

دمتم في الرضا