:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

عن استغلال الوقت

بسم الله الرحمن الرحيم
كنت اقرا مدونة لشخص يدعى "مات مايت" دكتور في جامعة يوتاه و لديه مقالات جيدة عن البرمجة و علوم الحاسب و بعض المواضيع العامة مثل زيادة الانتاجية و كتب للقراءة و استغلال الوقت …ألخ. سأضع لكم رابط المدونة في نهاية المقالة لمن يحب ان يطلع على المزيد.
لفت نظري في احدى مقالاته اذ كان يتكلم عن الانتاجية و فيها ذكر كلفة الوقت ، يقصد منها انه كلما ارتفعت كلفة الوقت قلت الانتاجية، مثلا لو انا موظف و الطابعة في دور مختلف عن الدور الذي اتواجد فيه فسيكون هناك وقتا ضائعا كثيرا لمجرد الذهاب الى الطابعة و الاياب من عندها . و هكذا قس على بقية الاشياء لذلك هو يذهب الى وضع نسخ مكررة في كل دور مثلا، بل في احيان كثيرة في كل غرفة و على كل طاولة اذا كانت كلفة التكرار عملية و منطقية و لا ترفع كلفة المساحة ! فمثلا قد لا يضع في كل دور مكينة تنظيف لانها تحتل مساحة كبيرة .. اذا هو يدعو الى موازنة بين التكلفات و لكنه في النهاية يشدد على ان توفير الاشياء في الاماكن المعتادة سيقلل كثيرا من الوقت الضائع في البحث عنها او الذهاب اليها. بل انه يذهب الى ان تكلفة الوقت لها دور رئيسي في تكوين العادات فكلما قلت التكلفة سهلت العادة و العكس صحيح. مثلا التدخين ادمانه سهل لانه لا ياخذ وقتا و جهدا اذ انه في متناول اليد بخلاف مثلا الذهاب الى النادي الرياضي فهو يحتاج الى تبديل الملابس ثم الذهاب بالسيارة ثم التمرين لمدة معينة ثم العودة ثم الاستحمام لذلك نرى ان كثيرا من الاشخاص لا يستطيع الالتزام بالاشتراكات الرياضية من ناحية ان الوقت فعلا مكلف. ما الحل اذا؟! كما قلنا سابقا بتقليل تكلفة الوقت ففي هذه الحالة نقوم بتوفير مواد رياضية في المنزل فهنا تكون احتمالية انشاء العادة اسهل بكثير لانها الان لا تحتاج الى 3 ساعات متواصلة للذهاب و الاياب من النادي ، بل فترات متقطعة في البيت و لفترات قصيرة و ربما استغلال للاوقات الضائعة في الانتظار .. و بالعكس يمكن الاقلاع او التقليل من عادة سيئة برفع تكلفة الوقت مثلا اذا كنت اريد ان اقلل من عدد مرات دخولي الى الفيسبوك فبامكاني ان اقوم بازالة برنامج الفيسبوك من على الهاتف الجوال او الجهاز اللوحي عندئذ سيكون علي ان اذهب الى جهاز الحاسب كل مرة اريد ان افتح الفيسبوك ، و بهذا على كل حال سيقل عدد مرات الدخول الى فيسبوك فيما لو كان متواجدا معي في كل مكان …
هذا شيء ملاحظ فعلا فلماذا نحن ندمن على برنامج مثل الواتساب لدرجة ان من لم يستخدموا التقنية سابقا الان مدمنون عليه ؟! لان الجوال الان دائما في اليد فعملية الاطلاع على الواتساب لا تاخذ غير دقائق معدودة و احيانا مجرد ثوان..
على كل حال شدني ذكره في نقطة انه يضع سلكين لشحن حاسوبه المحمول احدهما في العمل و الاخر في البيت و يقول ان نقل الشاحن معه كل يوم لا معنى له و ان استخراجه يكلف ثوان ضائعة يوميا تجتمع لتكون 45 دقيقة سنويا (على ما اذكر) !.. هنا فعلا اتساءل هل نحن نتكلم عن وسائل رفع الانتاجية ام هوس الانتاجية ! على هذا الفرض يجب ان يكون كل شيء مجهزا لان فتح الكتاب سيضيع ثوان من عمرنا! و اغلاق حنفية الماء سيضيع ثوان من عمرنا .. ثم في مثاله بالذات لا ارى معنى في اختصاص السلك بتضييع الثواني فهو اولا و اخيرا سيحتاج ان يفتح حقيبة اللابتوب و يستخرجه فلماذا اعتبر استخراج السلك هو مضيعة الوقت!
هذا يذكرني بشيء يعرف عندنا في عالم البرمجة بـ micro optimization (التحسينات الميكروسكوبية!) اي ان شخصا ما يحاول ان يحسن سرعة اداء برنامج ما و لكن بدلا من ان يعالج المناطق المهمة في اكواد البرنامج التي تعديلها يمكن ان يضاعف سرعة البرنامج (مثلا كلفة الاتصال بقاعدة البيانات) يبدا بمعالجة اجزاء تحسينها لا يفيد البرنامج الا اجزاءً من اجزاء الثانية !.
هذا يجرني للحديث عن مغزى هذا الموضوع و هو التساؤل عن جدوى مثل هذه التحسينات في حياتنا و الانشغال بها عن المناطق الاكثر اهمية و التي فعلا تحتاج الى تحسين ، لكن نمط الحياة هذه الايام فعلا يساعد على الانخراط في التفصيل و الالتهاء عن العام . هناك مثال معروف لمثل هذه الظاهرة الا و هي مسألة الذين ينهمكون في النوافل بهدف الارتقاء الروحي بدون تأسيس اخلاقي او فقهي فالتحسين و الجهد يجب ان يكون بداية في جانب الفقه كي تقع العبادات بالشكل الصحيح و من بعده يهذب اخلاقه و يتحلى بمكارم الاخلاق و يترفع عن رذائلها و الا سيكون كل جهده على خطر عدم الصحة أساسا ، او ان يعمل من جهة و يهدم من جهات اخرى لذلك قالوا التخلية قبل التحلية ..
اعود لمسألة الوقت مرة اخيرة ، فهناك هوس استغلال الوقت و رفع الانتاجية و لكن احيانا على الانسان ان يتوقف قليلا و يأخذ نفسا عميقا فهناك الكثير من الانشطة التي تبدو انها مضيعة للوقت و لكن في الحقيقة انها من اهم اشكال الاستفادة من الوقت بعضها واضحة الى حد ما مثل مجرد الاستمتاع المباح و الاسترخاء و بعضها اقل وضوحا مثل الجلوس بدون تحرك جسدي او ذهني لمدة معينة ..! هناك فعلا مشكلة تواجه من لديهم هوس الانتاجية فهم في حركة دائمة لا يعرفون الاستقرار يصل الامر بهم الى التوتر و القلق خوفا من عدم استغلال الوقت..
لكن في النهاية قد يعيب خطابي من يقول انك تخاطب مجتمعا غلب عليه تضييع الوقت بدلا من الهوس باستغلاله …
رابط مدونة مات :
http://matt.might.net
سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين ،