:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

.. : الأشيــاء : ..

بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت مقالة لبول غراهام عن "الاشياء" ، و يبدو اننا نتشارك الكثير من وجهات النظر فهو على مكانته التقنية الا انه يرفض ان يحمل معه جهازا يكون متصلا بالانترنت في كل مكان !.
في هذه المقالة تكلم غراهام عن الاشياء او لنقل انه تكلم عن حب التملك و حب التجميع او بعبارة اخرى قوله تعالى "الهاكم التكاثر" . يقول في الزمن السالف لم يكن لدينا اشياء كثيرة كما هو الوضع الان ، ففي منزلنا القديم الذي بني في العام 1876 لم يكن هناك دواليب (خزانات) لان الاغراض و الاشياء تكفيها الدروج المرفقة مع الاسرة كمخزن. في عالمنا العربي لا نحتاج الى ان نرجع سنوات بعيدة مثل غراهام لكي نرى الفرق فالبيوت الى حتى 20 سنة ماضية كانت شبه فارغة مقارنة مع بيوت هذه الايام . بل ان ما نمتلكه في شققنا من امتعة في اوائل سنوات الزواج يكفي لتأثيث بيوت كاملة في سنوات مضت و يقول غراهام ان زوجين لم يستطيعا الانتقال الى قرية اخرى لانهم لم يجدوا بيتا يسع كل امتعتهم في تلك القرية!

ما الذي تغير؟
اما ان الاشياء اصبحت اكثر رخصا او اننا اصبحنا اكثر غنى ! لكن و كما اشار غراهام المسألة في اصلها ربما ترجع الى القدرة الدعائية الفائقة التي نتعرض لها هذه الايام ، بل ان مجرد مسألة التسوق اصبحت نشاطا نقوم به للمتعة التي نشعر بها عند القيام به . الاعلام و الشركات الان اصبحت لديها القدرة على اقناعنا بكل سهولة و يسر اننا فعلا نحتاج هذا الجهاز و ذاك. مثلا ما نجده الان في عالم الاجهزة اللوحية فهناك مقاس 7 انش و هذه تسوق على انها خفيفة للحمل و التنقل و اجهزة مقاس 10 انش تسوق على انها لتصفح الانترنت و مشاهدة الافلام بشكل اكثر راحة و الشركات تقوم بالتسويق و الاعلان بحيث فعلا المستهلك يعتقد بحاجته لكلا الجهازين اضافة الى جواله الذكي طبعا !.
المسألة فعلا معقدة و ليست بسيطة و لربما يتم الغاء بعض المواصفات عمدا كي نحتاج جهازا اخر للقيام بهذه المهمة . فالشركات من جهة تدعي انها الغت الكثير من الاجهزة و الحاجات بتوفيرها في الجوال (الكاميرا ، المنبه ، البوصلة..ألخ) لكن في الجهة الاخرى اغرقت المستهلك باجهزة مختلفة من لابتوب و نت بوك و جهاز لوحي متعدد المقاسات و جوال و قاريء كتب و مشغل صوتيات ..الخ.

اذا كنت ممن يستخدم ما يشتريه باستمرار فهذا شيء جيد و الا البعض قد يشتري الاشياء فقط لانه راى عليها عرضا مثلا و لكنه ينسى انه لا اهمية للسعر الا اذا كنت تنوي بيع الجهاز لاحقا و الا شراء جهاز رخيص و لكن بدون استخدام ايضا يعتبر صفقة خاسرة . يذكر غراهام ان احد صديقاته كانت مدمنة شراء ملابس و لم تستطع ان تقلع عن هذه العادة الا عندما اصرت على نفسها انها لن تشتري اي فستان الا قبل ان تسأل نفسها هل فعلا سألبسه طوال الوقت ؟! كثرة الاستخدام ممكن ان يكون مؤشرا جيدا في الحكم على الاشياء كوننا نحتاجها فعلا او لا. مرة اخرى يذكر غراهام انه ذهب الى ايطاليا مدة سنة كاملة و لم ياخذ معه الا القليل من الامتعة و ترك البقية في امريكا و يضيف انه لم يفقد ايا من تلك الاغراض سوى بعض الكتب ! و بعد مضي بضع شهور لم يعد حتى يذكر تلك الاغراض . و لكن الغريب انه عندما عاد لم يستطع ان يتخلص من الاشياء التي في صندوق ! (لانه يتوقع انه سيحتاجها في وقت ما !)

مع هذا كله الا ان غراهام يستثني تجميع الكتب فهو الى الان يهتم بتجميعها و يقول ان الكتب شيء مختلف عن بقية الاشياء . السؤال الان هل فعلا الكتب شيء مختلف؟ بطبيعة الحال الجواب نعم ففي حالته هو كثير الاستخدام لها اي انه محتاج لها و ليست مجرد اشياء يشتريها لاجل شرائها ، اضافة الى كون الكتب بخلاف اكثر الاشياء تعتبر من الاشياء التي تضفي ترتيبا و اناقة للمنزل و ديكوره . الجدير بالذكر هنا ان ترتيب الاماكن يؤثر ايجابيا و سلبيا على نفسية الانسان فالاماكن المرتبة تشعر الانسان بانشراح الصدر . اما الاماكن المليئة بالاشياء خاصة بغير ترتيب تكون فيها المساحة جدا ضيقة و تؤثر سلبا على نفسية الانسان لان العقل يحتاج ان يفرز كل هذه التفاصيل ما يدعوه لاستهلاك جزء من الطاقة و الجهد .

اعجبني انه ختم المقالة بالاشارة الى انه لا يقول هذا الكلام من حالة انفصال عن المادة حدثت له على الطريقة البوذية ! نعم فالمسألة ليست دعوة للتخلص من اجل التخلص ، المسألة فقط دعوة الى وعي اكبر و تفكر قبل و حين تملك الاشياء . لا شك ان هناك اشخاصا تأتيهم ساعات يريدون فيها هكذا نوع من الزهد و كانما تخلصه من جواله مثلا يعطيه احساسا بالخفة و لكن كلها ساعات و يدرك ان هذا الجوال كان بالامكان ان يوفر عليه الكثير من الساعات في مواقف مختلف عند الحاجة. ان الاسلام كما هو معروف لا ينكر تملك الاشياء و لكن ينكر ان تمتلكك الاشياء . فرب شخص ليس لديه من الاشياء الا القليل و لكن القليل يملكه و رب شخص يملك الكثير و لكنه متحرر من عبوديتها يهديها و ينفقها اي وقت شاء . فعلا كم هو بائس من يشتري بعض الاشياء الغالية و يخاف ان يستخدمها لاحقا خوفا من ان تخدش او تعطل!. فيضعها مبروزة و محمية على احد الجدران او داخل الادراج ..
دمتم في الرضا