:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

المحاضـــرة الاخيرة – نظرة اخرى

بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد تقليد في بعض الجامعات الامريكية يعرف باسم المحاضرة الاخيرة حيث يلقي البرفسور خلاصة ما تعلمه من الحياة و ما يود ان ينقله الى الطلاب من تجارب قبل موته .
قبل سنة توفي البرفسور راندي باوش ، محاضر في جامعة كارنيجي ميلون، تخصص علوم الحاسب.و قد القى محاضرته الاخيرة قبل شهور قليلة من وفاته اثر مصارعة عنيفة مع مرض السرطان. هذه المحاضرة التي حضرها اكثر من 500 شخص و شاهدها الملايين عبر اليوتيوب و مواقع الفيديو الاخرى ، اثارت ضجة كبيرة و تأثر بها الكثير جدا من الناس . طبعا يوجد كتاب باسم المحاضرة الاخيرة ايضا قام بنشره البرفسور و هو كتاب صغير عن محاضرته الاخيرة المعنونة بـ كيف تحقق احلام الطفولة ؟
قبل ان اتكلم قليلا عن المحاضرة الاخيرة ارى من المهم الاشارة الى ان اول رؤية لي للكتاب كانت في مكتبة جرير حيث يوجد كتاب صغير من النوع الفخم جدا من ناحية الطباعة و التغليف معنون بالمحاضرة الاخيرة و قد شد انتباهي و قرات ما تقوله المكتبة من ان هذا الكتاب وصفة سحرية لمن يريد ان يحقق احلامه و ان الكاتب حقق احلامه و اراد لابنائه ان يتعلموا كيف يحققوا احلامهم و يضيف الناشر "فاذا كنت تريد تحقيق احلامك فيجب عليك قراءة هذا الكتاب" .
طبعا هذه مجرد حركات اعلامية تسويقية كما فعلوا لكثير من الكتب من ضمنها الســر . فالحقيقة ان المحاضرة الاخيرة كما شاهدتها انا ليست وصفة سحرية لتحقيق الاحلام لهذا نجحت في اكتساب الملايين من القراء و المشاهدين ! كما يحب ان يركز الناشر بل هي المحاضرة الاخيرة تكسب اهميتها من البرفسور راندي و وضعه الصحي و عدم استسلامه لليأس.
هذا لا يعني اني اقلل من اهمية نصائح البرفسور فهي نصائح قيمة و جديرة بالتأمل و خاصة انها نابعة من شخص ناجح فعلا في تحقيق ما يريد ، و لكن احب الاشارة الى انها بعيدة كل البعد عن ان تكون وصفة سحرية بل هي خلاصة تجربة و ما احلى النصيحة عندما تأتيك من شخص ناجح.
لنأخذ مثالا بسيطا ، لو اني الان كتبت النصائح التي قالها البرفسور في شكل كتيب لما اقام احد لها اعتبارا لانني شخص غير معروف في المجتمع بالنجاح او المكانة الاجتماعية المرموقة و لكن لو قالها غيري لنقل عالم حائز على جائزة نوبل لشد انتباه الجمهور و لاراد الكل ان يسمع تلك النصائح.
فقيمة المحاضرة ليست في مضمونها بقدر ما هي في محاضرها . الحقيقة اني بعد مشاهدة المحاضرة الاخيرة ذهلت كما ذهل الكثير غيري فالدروس الحقيقية لم تكن فيما قاله البرفسور بل فيما عمله البرفسور في المحاضرة . القيمة لم تكن في اقواله الجميلة مثل" الخبرة هي ما ستكسبه في حال الفشل في الوصول لهدفك" بل في حيويته و هو يعلم انه سيموت خلال 3 الى 8 اشهر ..
القيمة كانت في نشاطه في استمتاعه بما بقي من لحظات عمره كما استمتع بطفولته .
القيمة في قدرته على اضحاك الجمهور بدلا من السعي نحو اكتساب تعاطفهم.
و طبعا افضل ما رايت في هذه المحاضرة هو عندما قال السعادة ان تسعد غيرك و ادخل كيكة عيد الميلاد و انشد الحضور كلهم "هابي بيرث دي تو يو" لزوجته المخلصة ،، هذا موقف جميل جدا جدير بالتأمل …
و اخيرا عندما انهى المحاضرة بقوله ان المحاضرة لم تكن لكم يا حضور بل كانت لابنائي الثلاثة كي يروا المحاضرة و يحققوا احلامهم كما حققها ابوهم !
لهذا كله انصح بمشاهدة المحاضرة بدلا من اقتناء الكتاب و التعلم من قيمها لا ان تتعلم من نصائحها النظرية كما يريد الناشرون !
المحاضرة الاخيرة :
http://www.youtube.com/watch?v=ji5_MqicxSo
ايضا محاضرة جميلة في ادارة الوقت اعتقد انها كانت بعد المحاضرة الاخيرة :
http://www.youtube.com/watch?v=oTugjssqOT0