:: كل المقالات ::

Tue, 29 Jan 2019

و لماذا لا تقرأ لعلي بن الجهم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

" علامة اكس على هذا الكاتب ايضا و لا كرامة " قلتها و انا اقرأ مقالة للمدون المشهور ليو بابوتا ، و عندما سألتني زوجتي عن الامر أخبرتها انني لن اقرا لهذا الكاتب مرة اخرى لأنه تجاسر على فكرة الخالق . ما بقي في ذاكرتي انها لم تتلق وجهة نظري بذلك القبول حيث انه باعتقادها يمكن الفصل بين اعتقاد الاشخاص و بين الاستفادة من كلامهم . هل كنت حقا مبالغا في ردة فعلي ؟ فالكاتب انما جاء بنقطة هامشية استرسالا في مقالة من بين مئات المقالات التي كتبها و ليس هو من الذين يعلنون افتخارهم بالالحاد كما يفعل آخرون سيأتي ذكرهم تباعا.
هل أعتبر طائفيا اذا كنت من الذين يكرهون علي بن الجهم بشغف فقط لانه ناصبي - الناصبي من يبغض عليا عليه السلام - ؟ أعني على ميزان السيدة الفاضلة يمكن الفصل بين أعمال علي بن الجهم الادبية و بين اعتقاداته او ممارساته الشخصية لذلك لماذا لا نتغنى بـ "عيون المها بين الرصافة و الجسر ،،، جلبن الهوى من حيث ادري و لا ادري" ، و نتناسى حقيقة ان قائل البيت ناصبي نجس . فلتعذرني السيدة الجليلة و ليعذرني القراء الكرام فأنا لا استطيع ان استمتع بأبيات خرجت من فم هكذا شاعر و انا اعلم انه من جهة اخرى كان يلعن اباه لانه اسماه عليا . و قس على هذا غيره فبئسا لكتب اخلاقية يكون كاتبها مترفعا عن لعن يزيد قاتل الحسين عليه السلام و لا حاجة لي بأشعار يدعى انها عرفانية و صاحبها يكتب قصيدة للدفاع عن يزيد لعنه الله . لا يقال هنا انت تروج للعن يزيد لعنه الله فأنت تناقض نفسك و عليك الالتزام بمراعاة مشاعر من يحبه فأنا هنا لست في مقام الابتداء و انما في مقام الدفاع و هكذا فقس الى نهاية المقالة.
قبل سنوات ربما تربو على العشر كنت استخدم توزيعة من توزيعات لينكس باسم سلاكس و كانت لها مزايا اظهرها الخفة و لكن سرعان ما تركتها و بدأت بالترويج ضد استخدامها لان مبرمجها وضع توقيعا في اسفل الموقع يفتخر بأنه ملحد او شيء من هذا القبيل . فهنا الامر واضح فلا يقال يمكن الفصل بين العمل التقني و الاعتقاد الشخصي فالرجل لم يستطع ان يبقى مهنيا محترفا بل مزج موضوع التقنية بالدين . من الامثلة الاخرى في عالم التقنية ريتشارد ستولمان مؤسس حركة البرمجيات الحرة فهناك الكثير من المعجبين به حتى من العرب المسلمين ففيهم من ترك قراءة مقالة لي عندما رآني اصف ستولمان بالشيوعي ! و في الوهلة الاولى لماذا لا نحب شخصا يدعو الى حرية المستخدم و حرية البرمجيات و ما الى ذلك من الشعارات البراقة؟ الجواب هو ان هذا الرجل كما الرجل السابق لم يستطع ان يبقى تقنيا صرفا و يتحلى بالذوق و الاحترافية اللبقة فنراه يستغل مكانته في ترويج افكار شخصية مناهضة للدين من مثل الدعوة الى عدم الانجاب و ما الى ذلك و قد وصل به التمادي الى ان يرتدي زرا كتب عليه " اقيموا دعوة ضد الله " (1) و هو بذلك يحاول ان يروج لالحاده مستغلا نجاحه التقني و تعاطف الجمهور معه. مرة اخرى قد يشكل على هذه المدونة ففيها مقالات دينية و مقالات تقنية و لكن الحق انني لا اخلط هذه بتلك فالمدونة مجرد ارشيف و لا يوجد في العنوان ما يدل على انها مختصة بالدين او بالتقنية فكل مقالة تحت بند واضح و صريح فالقارئ يمكنه قراءة المقالات التقنية بدون قراءة سطر واحد من المقالات المتعلقة بالدين و لولا صعوبة تحديث مدونتين منفصلتين لاخترت فصل المدونة الى مدونتين . هذا فضلا عن ان مقالاتي المتعقلة بالاديان و الفلسفات الاخرى غالبا لا تحتوي الا على العرض التاريخي و ذكر الايجابيات فأنا من هذه الناحية على حد الخوف من وقوع محذور الترويج لا الخوف من الوقوع في التوهين الغير مبرر للاديان و الاعتقادات الاخرى . هذا بخلاف المثال المذكور فالرجل يذهب الى اجتماعات تقنية مرتديا شعارات ضد الدين اضافة الى التلميحات المتكررة كما يفعل عندما يرتدي زي الراهب بشكل ساخر و تهكمي كل ذلك في محاضرات يفترض ان تكون تقنية صرفة.
و اذا تركنا الجانب التقني و انتقلنا الى جوانب اخرى فهناك شخصيات كثيرة متواجدة على شبكة الانترنت تدس السم في العسل هذا فضلا عن الشخصيات التي لا تدس شيئا و انما هي هكذا اخذت على نفسها عهدا ان تسخر نفسها لمحاربة الله سبحانه و تعالى من مثل داوكنز و سام هارس و غيرهما من رموز الالحاد الذين يحاربون الدين باسم العلم و ما الى ذلك من الترهات . هذه الفئة الاخيرة لا تحتاج الى مزيد من التنبيه فهي معروفة لكل مسلم و ارى ان كل مسلم عاقل يدرك ان وقته اثمن من ان يضيعه في قراءة او مشاهدة اعمالهم .
عودة الى الفئة الاولى - فئة من يدس السم في العسل - يمكن الاشارة الى بعض الشخصيات على سبيل المثال و ليس الاستقصاء فأقول ان اليوتيوب مليء بشخصيات تدعي انها وصلت الى مراحل متقدمة من التنوير على الطريقة البوذية او الهندوسية و لكن الغريب انها تستغل ادنى فرصة للنيل من الاعتقاد بوجود الله سبحانه و تعالى . فمثلا هناك شخص يدعى يوتادامو بيكو و هو راهب بوذي من اصل كندي يحظى بشعبية كبيرة على اليوتيوب كنت اتابع له بعض المقاطع و كان يعجبني فيه عدم المساومة و الصراحة الكبيرة عندما يجيب على الاسئلة فتراه مثلا ينتقد الدراسة الاكاديمية على الطريقة الغربية و يشير الى حقيقة خواء الترفيه المعتمد على الاعلام الغربي و يعيب على حياة موظفي الشركات - الكوربرت - و لا يقبل بالمساومة على القيم الاخلاقية و ما الى ذلك و لكن مع كل ذلك تراه في اكثر من مقطع مرئي ينتقد المتدينين و ينكر وجود الله سبحانه صراحة مع ان بوذا نفسه لم ينكر وجود الله سبحانه رأسا فهو بذلك يحرف النظرة البوذية و يلويها لكي تتوافق مع معتقدات الغرب الحديثة كما فعل البعض و حاول ان يستنتج عدم ممانعة بوذا فيما يخص الممارسات الجنسية الشاذة. و قد رأيت له مقطعا مؤخرا يخلص فيه الى ان المعرفة الحقيقية للواقع كما يتوصل الى ذلك من خلال المعرفة العقلية التأملية لا تبقي مجالا للايمان بالله سبحانه و تعالى . فهنا نرى ان هذا الراهب يحاول ان يدس السم في العسل فهو من جهة يدعو الى القيم الاخلاقية و الى معرفة النفس و لكن من جهة اخرى يحاول تمرير رؤيته قسرا على متابعيه ، فالذي أعرفه من خلال اطلاعي على المدارس البوذية ان الممارسات التأملية و الرياضات ليس لها علاقة باعتقادات الاشخاص الدينية فلذلك تجدهم يستقبلون و برحابة صدر اليهودي و المسيحي و المسلم و غيرهم في دوراتهم و صومعاتهم و يبقى كل على اعتقاده في الرؤية الكونية لكن هذا الرجل و بكل صلافة ينفي وجود الله سبحانه و يعتبره مناقضا للمعرفة الواقعية بالوجود.
اما في الجانب الهندوسي نرى اهتماما كبيرا بمسألة الايمان بالله سبحانه و تعالى و ان كان على اشكال مختلفة بل لا ابالغ ان قلت ان الكثير من معتنقي الهندوسية يحارب الالحاد الغربي باستدلالات عقلية . اعلام الهندوسية ايضا يقبلون بكل الاشخاص مع احتفاظ كل شخص بدينه و اعتقاده لان الهندوسية تعتقد ان كل شيء واحد فالاسلام بالنتيجة شيء واحد مع الهندوسية ، لكن هنا ايضا من يدس السم في العسل و الامثلة كثيرة و اترفع عن ذكر بعض الاسماء لان اصحابها تمادوا جدا في غيهم لدرجة التطاول الصريح على الذات الالهية و الانبياء عليهم السلام .
نعم ، هكذا دأبي مع كل من استمعت له او قرات له مهما كانت مرتبته و مهما كانت قيمة نتاجه العلمي او الادبي فأي خلط يعني تسقيط هذا الشخص و رميه في المزبلة كما رميت ابن خلدون و مقدمته قبلها. هذه الطريقة في التفكير ربما قد تصنف على انها عنصرية، طائفية او تشددية متطرفة بل ربما يقال انها تخالف التعاليم الدينية التي تحث على اخذ الحكمة من اي كان و تحث على النظر الى ما قيل لا الى من قال . جوابا على هذه الاشكالات المتوقعة اقول :
ان القضية ليست من العنصرية و التشدد في شيء لان البادئ اظلم فالذي يبدا بدس السم في العسل و يروج لعناوين طائفية او عنصرية او لا يستطيع ان يحترم مشاعر الملايين من البشر فهو اولى بأن يوصف بالعنصري او الطائفي المتشدد لانه فعلا وقع فيما يحذر الناس منه فهو يحاول ان يفرض ايديولوجية معينة على غيره و ان كانت في نظره انما هي ثورة على الايديولوجيات الحاكمة . اما ما ورد من الترغيب في طلب الحكمة في كل مكان و طلب العلم في الصين و النظر الى ما قيل لا الى من قال و غيرها من الاخبار فهي مقيدة بنصوص اخرى مثل قوله تعالى "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" و معلوم ان الحب و المودة درجات من مظاهرها القراءة و الترويج لاعمال و رموز من يحارب الله و رسوله و حفظ مقولاتهم او العمل بها او وضع بوسترات لهم او شراء منتجاتهم ، بل حتى المشاهدة البريئة لمقاطعهم تدخل عليهم مدخولا ماديا أو على الاقل تحسب زيارة تكثر زيارات منصاتهم فتحسب الزيارة نوعا من انواع تكثير السواد ، فهذه و غيرها كلها تصب في طرف مودة و نصرة من حاد الله و ان كان بغير قصد. و من الاخبار ما ورد عن ابي جعفر الثاني عليه السلام "من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس " فالتنبيه هنا ظاهر بوجوب التريث و عدم السماع لكل ناطق و من الوضوح بمكان ان العالم الاجنبي عندما يتكلم في موضوع علمي فهو في المنطقة المحايدة و لكن عندما يصل من علومه الى نتائج تناقض مسألة الايمان فهو بلا شك ينطق عن الشيطان فيكون الاستمرار في سماع او قراءة نتاجه و الكتابة عنها و ترجمتها نوعا من انواع الترويج لرمز من رموز الالحاد هذا فضلا عن التأثير السلبي على نفسية المتلقي. و قد سمعت مؤخرا و قرات ايضا ان من اسباب تأخر المسلمين تحفظهم عن طلب العلم من الملحد و اليهودي و اصحاب الديانات الاخرى ، فلا يشكل هذا الاشكال هنا لانني لست في صدد الدعوة الى عدم الاخذ من الكفار رأسا و انما ادعو الى ترك الاخذ من المجاهر في الانكار او المحارب فان العلوم و التقنيات في هذا الزمان ليست منحصرة في اشخاص بعينهم بل حتى ليست في شركات او دول بعينها حتى لا يكون امامنا الا الاخذ او التخلف . و لا يخفى ان الاخذ من هذه الاشكال فيه توهين للمسلم الذي اعزه الله سبحانه فلماذا اوهن نفسي و البديل موجود ؟ هذا و الحال انك تجد ان من يتحلى بأدنى حس وطني لا يقبل ان يأخذ او يتعامل مع شخص صرح باحتقار وطنه او قوميته فما بالك بمن يهين ما هو اغلى من الوطن و القومية ؟



---
(1) نص العبارة في صفحته الشخصية على ويكيبيديا:

Stallman has said that he is "an atheist of Jewish ancestry"[8] and often wears a button that reads "Impeach God".[14][104]

دمتم في الرضا ،