:: كل المقالات ::

Sat, 17 Nov 2018

عن كتب تطوير الذات

بسم الله الرحمن الرحيم

تعتبر القراءة في كتب تطوير الذات (النفس) او ما يعرف بـ Self Development من اهم الطرق التي تساعد على تطوير المهارات المختلفة للفرد . و يعتبر سوق هذه الكتب من اهم اسواق الكتب اذ يكفي ان تزور اي مكتبة لترى ان القسم الاكبر هو من حظ هذه النوعية من الكتب . في هذه الاسطر سنحاول الاشارة الى بعض النقاط و المؤاخذات :

فخ الادمان

ان كتب تطوير الذات هي كتب عملية بطبيعتها و لكن الكثير منا يغفل هذا الجانب فيعتقد ان مجرد كثرة القراءة فيها يحقق الغاية و هذا خلاف الواقع . الامر اشبه بالقراءة في كتب البرمجة فقد يخيل للانسان انه عندما يقرأ و يقرأ في كتب البرمجة انه اصبح مبرمجا و لكن الحقيقة ان المبادئ البرمجية لا يمكن ان تفهم و تصبح ملكة الا بالممارسة المستمرة و التمرين و اما مجرد القراءة فيعطي احساسا وهميا بالمعرفة. اذاً القراءة عن الملكات النفسية شيء و التحقق بها شيء اخر فهي ليست من قبيل العبارات الادبية او المبادئ النظرية أو تخزين المعلومات. لهذا فلا تجدي كثرة القراءة في هذا الباب و انما المهم هو ما ننزله في حيز التطبيق . و لكن الواقع يحكي قصة مختلفة فالكثير من محبي القراءة يتسابقون في قراءة اكبر عدد ممكن من هذه الكتب و يكفي الاطلاع على بروفايلات بعضهم في جودريدز و يوتيوب و قد لا يلامون كثيرا فهناك شعور بالانجاز ينتاب القارئ عندما ينهي قراءة بعض الكتب.

الطول و التكرار

بخصوص التكرار الممل قد يهولك في بادئ الامر عدد الكتب التي تدرج تحت تصنيف كتب تطوير الذات و لكن جلها مجرد تكرار لنفس النقاط المعروفة بعد ان تقرا كتابا او كتابين في الباب المعني و لكن احيانا مثلا يغيرون العبارات و الامثلة و احيانا يركزون على جزئية معينة فيفصلون فيها . و كمثال نجد في باب تطوير مهارة الذاكرة هناك الكثير و الكثير من الكتب و لكن المبادئ المعروضة تكاد تكون متطابقة فيها جميعا مع اختلاف في الاخراج فقط. او خذ الكتب التي تتكلم عن ما يعرف بالـ Mindfulness الذي اصبح موضة العصر فأنا لا اكاد اصدق عدد الكتب التي كتبت و تكتب في هذا الباب من كتاب بوذيين و هندوسيين و يابانيين و غربيين و غيرهم و الحقيقة ان هذا المبدأ لا يحتاج الى شرح اساسا و انما الى تطبيق عملي و لكن بما ان الناس في هذا العصر تعاني من مشكلة التشتت فهناك سوق كبير لمثل هذه الكتب التي تدعو الى الحضور و التركيز وقت اداء الاعمال. الحاصل ان القارئ الحاذق لا يقرأ لمجرد القراءة و لا يضيع وقته بإعادة قراءة الفكرة مرات و مرات فهذا اشبه بتحصيل الحاصل . اما بخصوص التطويل فلا يخفى ان جل الافكار و المبادئ التي تعالج في هذه الكتب من الوضوح و البساطة بمكان - كما اشرت اعلاه الى مبدأ الـ Mindfulness أو مهارات ادارة الوقت و غير ذلك- و انما يتم التطويل بذكر القصص تلو القصص و الامثلة تلو الامثلة لغرض الوصول الى عدد الكلمات المطلوبة لطباعة كتاب.

مادية التوجه بطبيعتها

في هذه الايام حيث طغى الفكر الرأسمالي هناك دفع قوي باتجاه كسب المزيد من المال فلا احد يسأل نفسه لماذا كل هذا الجمع و لماذا طلب المزيد ؟ لقد وضعنا في دوامة لا تنتهي فكلما زاد المدخول زادت الاحتياجات و تكاثرت المتطلبات و هنا ايضا ننسى السؤال الاساسي : ما هو الفرق بين الحاجة و الرغبة ؟ لقد تسربت مفاهيم الرأسمالية الى فكرنا و مفهومنا عن المال و السعادة فأصبحنا في سباق للتكاثر ، لا يكفي ان يعيل الرجل بيته و لكن فجأة اصبح عمل المرأة ضرورة ملحة و اصبح الاعتماد على مصدر واحد للدخل فكرة غبية بل يجب تنويع مصادر الدخل و البحث عن اي فرصة لاكتساب المزيد. لقد بات الكثير منا لا يستطيع التقاعد مبكرا لانه لن يحصل على كامل مرتبه مع ان الناس كانت الى زمن قريب لا تعرف معنى المعاش التقاعدي ! الفكر المادي تغوغل في المجتمع لدرجة انه هذه الايام لا تكاد تجد بيتا واحدا الا و قد صمم على نظام الشقق و ان كان الرجل ليس في حاجة حقيقية الى مدخول هذه الشقق . هذه امثلة قليلة على تأثير الثقافة الغربية في التعامل مع المال و تعزيز النفسية التكاثرية و اذا اردنا ان نستقصي كل الامثلة سيطول بنا المقام فهناك مثلا الدورات التي تعطى في فن التعامل مع المال Money Management و هذه الدورات بوجهة نظري الشخصية تحتوي على الكثير من المفاهيم المستوردة من الغرب البعيدة عن روح تعاليم اهل البيت عليهم السلام.
نعم فجل كتب تطوير الذات تحاول تطوير الذات من خلال السعي الى تحقيق اهداف مادية بطبيعة الحال ابتداءً من كيف تنجح في وظيفتك مرورا بكيف تنمي ثروتك الى غير ذلك من المهارات التي تصب في نهاية المطاف في صالح فهم مادي للحياة عليه يقاس نجاح الشخص و نسبة تحقيقه لذاته . لهذا فهذه الكتب تغفل او تتغافل عن الاهداف الروحية و الاخلاق السامية التي تتناسب اكثر مع تحقيق الذات لان الذات معنوية بطبيعتها و لكن تناول هكذا معان سامية يخالف ذائقة المجتمع المتشرب بمذاق المادية و لن يحقق المبيعات العالية .

غربية القيم

تكلمنا في النقطة السابقة عن التوجه المادي و لكن التأثر بالفكر الغربي يتعدى هذه النقطة بكثير فهذه الكتب عندما تتحدث عن المال ، السعادة ، القوة ، النجاح ، المهارات الاجتماعية ، العلاقات الزوجية و حتى القيم الاخلاقية نجدها تعالج هذه الامور باسلوب براغماتي في احسن الاحوال . لنأخذ كتاب "48 قانونا للقوة (للسلطة)" لروبرت جريني كمثال فهذا الكتاب يستعرض 48 قانونا للوصول الى القوة و السلطة و سيظهر لنا جليا ان هذا الكاتب يتعامل مع مفهوم القوة بتعامل براغماتي بحت – بل ان منهجه لا يتوافق مع القيم الاخلاقية فضلا عن القيم الاسلامية - و اليك بعض الامثلة :
القانون 12 : استخدم الكرم و الصدق لخداع ضحيتك !
القانون 14 : تظاهر بالصداقة و اعمل كجاسوس !
القانون 15 : دمر عدوك كليا !
القانون 39 : عكر الماء لتصطاد السمك !
نعم قد يقال ان الكاتب يحاول توجيه و تبرير كل من هذه النقاط و ان الاكتفاء بذكر العناوين لا يعطي الصورة الكاملة و لكن الغاية لا تبرر الوسيلة عندنا على خلاف الذين تأثر بهم الكاتب من امثال ميكافيلي و هان فيتزه و غريثان. بل انني عندما كنت اقرا هذا الكتاب لم اتمالك الا ان اتذكر قول امير المؤمنين علي عليه السلام في معاوية " و الله ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر و يفجر . و لولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس و لكن كل غدرة فجرة و كل فجرة كفرة . ( و لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ) . و الله ما استغفل بالمكيدة و لا استغمز بالشديدة". و قوله عليه السلام في عمرو بن العاص " اما -و شر القول الكذب- انه ليقول فيكذب و يعد فيخلف و يسأل فيبخل و يسأل فيلحف و يخون العهد و يقطع الإل ... ". فسبحان الله كأنما الكاتب يدعو الى منهج امثال معاوية و ابن النابغة للوصول الى الرئاسة و السلطة .

عدم التوافقية

يجب الانتباه الى ان هذه الكتب خاصة المترجمة تحتوي على الكثير من المبادئ و النصائح الاجنبية عن مجتمعنا على الاقل الخليجي . فمن باب المثال يمكن الاشارة الى الكتب التي تتكلم عن طرق التقاعد المبكر فهي تنظر الى سن التقاعد في المجتماعات الغربية الذي هو اعلى بكثير من سن التقاعد عندنا فلا حاجة لممارسة أغلب التقنيات التي تدعو لها هذه الكتب . أيضا مسألة التعليم المنزلي كبديل للتعليم الحكومي و الجامعي فلا اعتقد انها نصيحة جيدة في هذا الزمن على خلاف ما يدعون. ايضا نصائح التقليليين برمي الكتب و الملابس و غيرها من الممتلكات للحصول على فضاء اوسع فلا ارى انها تنطبق على مجتمعاتنا فالبيوت و الشقق عندنا واسعة جدا و لا نحتاج الى مثل هذا التقشف . ايضا الكثير من النصائح المتعلقة بالمهارات الاجتماعية و الزوجية لا ارى انها متوافقة مع عاداتنا و تقاليدنا فضلا عن التوافق مع السنن الاسلامية الى غير ذلك من الامثلة .

الانتقائية

لاحظت ان الكثير من هذه الكتب انتقائي في اختيار الامثلة التي تدعم اطروحته . مثلا في كتاب " العمل العميق " يدعو الكاتب كال نيوبورت الى طريقة في العمل يسميها العمل العميق و يضعها في قبال العمل الضحل الذي تتصف به اغلب اعمالنا اليومية . و نجد ان كال يذهب بعيدا ليدعم رؤيته بأمثلة من شخصيات تاريخية مارست هذا النوع من العمل . و لكن هل يمكننا القول انه يتعمد تجاهل الشخصيات التاريخية الناجحة و المبدعة ممن لم يستخدموا هذه الطريقة بالذات في العمل ؟ قد اكون قاسيا في هذا المثال و لكن اعتقد ان الفكرة وصلت فالذي يأتي ليكتب عن خصال الناجحين و المشاهير على مر التاريخ بطبيعة الحال سيجد نماذجا يرى فيها ما يريد ان يراه سلفا .

الحل المقترح :

ان مجال تطوير الذات مجال ضخم جدا و لا يمكن ان ادعي انه يخلو من الفائدة و لكن اذا اخذنا النقاط السالفة بعين الاعتبار يمكن ان نصل الى طريقة وسطى للاستفادة المثلى من هذا المجال . فبدلا من قراءة الكتب المطولة في هذا الباب للحصول على الفائدة يمكننا اختصار المشوار و :
قراءة المقالات : هناك الكثير من المدونين الذين يكتبون مقالات في شتى مجالات تطوير الذات فبقراءة المقالات نحصل على النقاط الاساسية و المهمة خلوا من عناء القراءات المطولة .
قراءة ملخصات الكتب : فهناك الكثير من المدونين الذين يقرأون هذه الكتب و يكتبون ملخصات مركزة تغني عن قراءة الكتب بنسب كبيرة قد تصل الى 80% .
مشاهدة المحاضرات : بعض مؤلفي هذه الكتب و بعض القراء يعملون مقاطع فيديو و محاضرات تتناول محتوايات كتب تطوير الذات . هذه المقاطع عادة لا تتجاوز حاجز الربع ساعة و تتمتع باسلوب شيق و جذاب في العرض .


دمتم في الرضا ،