:: كل المقالات ::

Thu, 16 Mar 2017

كتب غير موفقة أو وقفة مع الغزالي

بسم الله الرحمن الرحيم

في الفترة الاخيرة قرأت العديد من الكتب و لكن لفت نظري ان في هذه الفترة كثرت الكتب التي لم اوفق في اختيارها و قد تكون الكتب جيدة و لكن بالنسبة لي لم تكن خيارات موفقة لاسباب مختلفة منها التكرار في الافكار فقد يكون القارئ جديدا على هذه الكتب فيعجب بأفكارها و لكن بالنسبة لي وجدت كثيرا من التكرار و الملل لانني قرأت بعض الكتب بنفس المحتوى تقريبا . و اليك مجموعة من تلك الكتب التي اتكلم عنها :

The Abide Guide
هذا الكتاب غريب جدا فهو يتكلم عن ديانة جديدة و لكن ستزداد حيرتنا عندما نعلم ان هذه الديانة الجديدة مستوحاة من فيلم امريكي يدعى ليبوسكي الكبير . بطل هذا الفيلم هو الممثل الكبير جف بريجز و في الفيلم يعرف بلقب " The dude " و هو شخصية لا اجد افضل من مصطلحنا الدارج " رايق " لوصفها . خلاصة الكتاب انه يزعم ان هناك الكثير من الذين اعتنقوا هذه الديانة الجديدة اعني Dudeism و هو في هذا العمل انما يعرفنا على ملامح هذه الديانة الجديدة . المشكلة في الكتاب انك لا تعرف هل الموضوع مجرد دعابة ام ماذا ؟! قد يقول البعض ان هذه مجرد دعابة و لكن من يعرف الغرب لا يستغرب مثل هذه الامور فأنا شخصيا اذكر ان احد المبرمجين في عالم بيرل اخترع لنفسه ديانة لا اذكر اسمها الان . على كل حال اعتقد انهم قد لا يعنون المعنى الحرفي لكلمة ديانة و لكن ربما يريدون المعنى الاعم اي استيحاء نمط معيشة بناءً على الخطوط العريضة التي رسمت في ذلك الفيلم . خلاصة الكلام ان هذا الكتاب لهواة ذلك الفيلم و اما القيم العامة التي اشير اليها اعتقد ان بالامكان الوصول اليها بشكل افضل من خلال قراءة "الداو دي جنغ" كتاب الطاوية المقدس .

Taking the Leap: Freeing Ourselves from Old Habits and Fears
هذا الكتاب للكاتبة بيما شودرون و هي من الكاتبات المعاصرات و المعروفات في عالم البوذية . باختصار يتكلم الكتاب عن مفهوم الشينمبا " shenpa" و الذي ينص على ان العقل لديه عادات متكررة تجرنا لا اراديا الى حالات من الغضب و الادمان ...الخ .و تقترح الكاتبة ثلاثة خصائص موجودة في النفس البشرية للتغلب على تلك العادات و هذه الخصال هي : الذكاء الطبيعي ، الدفء الطبيعي ، الانفتاح الطبيعي . لا يوجد شيء جديد هنا فالكاتبة كما بقية كتّاب هذه الايام من البوذيين يدعون الى لحظات تأمل تكفي بزعمهم لحل المشكلات اليومية . ما تقوله الكاتبة باختصار هو ان ننتبه لعادات العقل التي تجرنا الى افعال لا ارادية ثم ماذا ؟ تأخذ نفسا عميقا و بهذا تفقد تلك العادات قوتها فقط بمجرد الملاحظة . هكذا بكل بساطة اذا اردت ان تقلع عن الهيروين او التدخين او المشروبات الغازية او اي شيء فقط بكل بساطة لاحظ الرغبة ثم خذ نفسا عميقا و انتهى الموضوع ... حظا موفقا !
لا استطيع ان آخذ هذه الكاتبة على محمل الجد و هي ذكرت كيف انها انفجرت في وجه احدى زميلاتها و قالت لها اشياء مريعة ثم ندمت عليها لاحقا حدث هذا و هي اذا لم تخني الذاكرة في الستينات من عمرها . كان من الاولى ان تأخذ نفسا عميقا و ينتهي كل شيء ...

كيمياء السعادة و المنقذ من الضلال للغزالي
لم اكن مهتما بالغزالي يوما و لكن بطبيعة الحال وجدتني في فترة من الفترات اقرا كتابه احياء علوم الدين اليس هو ذلك الكتاب الذي يقترحونه لكل مهتم بالاخلاق ؟ حقيقة منذ زمن و انا ابحث عن سر اعجاب الناس بهذه الشخصية فلو كان الاعجاب من طائفته فقط لما استغربت الامر و لكن هناك من طائفتنا من يمتدح الرجل و يقدمه على انه شخصية عملاقة من شخصيات الفكر الاسلامي . و الاغرب ان السلفية ايضا - الذين لا يعجبهم احد - لا يهاجمونه على انه ينتصر للصوفية في مصنفاته و لكن اذا عرف السبب بطل العجب ! نعم فالسلفية يعرضون عن التهجم عليه نكاية بالفلاسفة و الباطنية. و جماعة من اصحابنا من اعداء الفلسفة ايضا وجدوا فيه بطلا يتشدقون به في الازراء بالخط الفلسفي عندنا . هذا و الحال انه بعد قراءة المنقذ من الضلال تعرف مستوى الرجل فبربك هل سمعت بشخص يدعي انه ناقش الشيعة و انهم كانوا يحيلونه الى الامام الغائب ؟! من خلال كلامه عن الشيعة تخال انك تسمع من بعض ما يسمى بعلماء هذه الايام من الذين يرصفون الخرافات و يلزقونها بالشيعة زورا و بهتانا فلا تملك الا ان تضحك على جهلهم . اما بخصوص ما يتعلق بالفلسفة فيكفيك اعترافه على نفسه انه لم يتتلمذ على يد اي فيلسوف خبير في هذا الفن ، فمن هذا حاله كيف يُطمئن لعلمه ؟ و الحال انك ترى انه في علوم الظاهر من نحو و فقه و اصول لا تجد العلماء يقبلون بأي شخص يدعي انه تعلم العلوم بدون اي استاذ ؟ ثم اذا عرفت ان موضوع الفلسفة هو البحث عن الموجود بما هو موجود يحق لك ان تعجب من الذين يحاربون الفلسفة جملة و تفصيلا . نعم غاية ما يمكنهم الوصول اليه هو ان فلان من الفلاسفة اخطأ في النظرية الفلانية و لكن هل هذا يلغي الفلسفة بما هي فلسفة ؟! اذا كان الامر كذلك لنلغي الشريعة بناءً على اخطاء بعض المتشرعة بل لماذا لا يلغي المعرفة الشهودية بناءً على اخطاء بعض العرفاء؟ و من الغريب ان تقرأ لاحد المستشرقين عندما يتكلم عن عبقرية الغزالي فيذكر من مزياته الكلام عن المعرفة الشهودية و كأن لديه قصب السبق في هذا المضمار ؟ مع ان هذا الطريق للمعرفة موجود و معروف قبل ان يخلق الغزالي بآلاف السنين عند فلاسفة الشرق و الغرب بل ربما استطيع القول ان المعرفة الشهودية أقدم من المعرفة الاكتسابية لان آدم ابو البشر معرفته معرفة شهودية بل ان كل انسان معرفته شهودية قبل ان تكون اكتسابية الا ترى انه يعرف نفسه اولا ثم يعرف العالم ثانيا ؟
عودا على كتاب الاحياء فقد قام الفيض الكاشاني رحمه الله مشكورا بتهذيبه في كتابه المعروف بالمحجة البيضاء و ان كان قد يؤخذ على الفيض انه اقام اعتبارا لهذا الكتاب و مؤلفه . و قد يكفيك في اسقاط هذا الكتاب -اعني الاحياء- عن الاعتبار ان صاحبه ذكر في آفات اللسان اللعن و لم يقبل بلعن يزيد لعنه الله و زعم انه لم يثبت انه قتله او امر بذلك بل انه لم يقبل بلعن المباشر في قتل الحسين عليه السلام بحجة انه ربما تاب ! و الغريب ان الفيض رحمه الله اكتفى بالاعراض عن كلام الغزالي في هذا الموطن .
أخيرا عن كتاب كيمياء السعادة فيبدو ان النسخة التي قرأتها على جهاز الكندل ناقصة لذلك لن اتسرع في الحكم على الكتاب . و اختم بكلام كنت قد قرأته قبل زمن لاحد المستشرقين حيث قال بأن بداية التخلف في الحضارة الاسلامية كانت عندما تراجع النشاط العقلي الفلسفي بظهور كتاب تهافت الفلاسفة . ثم اضاف ان بداية احياء الحضارة الغربية كانت عندما نقلت و ترجمت كتب ابن رشد الفلسفية الى اوربا.

دمتم في الرضا ،