:: كل المقالات ::

Mon, 17 Jun 2019

أصوات جديدة من اليابان

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الشهر الفضيل كنت قد استعرت كتابا عنوانه " اصوات جديدة من اليابان " حيث جمعت فيه الكاتبة "هيلين ميتسايس" او لنقل المحررة بعبارة ادق بعض الاعمال اليابانية المختصرة لبعض الكتاب الجدد حينها – الكتاب مطبوع في التسعينات -. عمل الكاتبة هنا هو فقط اختيار بعض القصص القصيرة و ارفاق مقدمة مختصرة جدا عن كل كاتب حيث لم تقدم الكاتبة اي اراء شخصية لها . البعض انتقد الكاتبة كونها اختارت القصص الغريبة التي لا تمثل الادب الياباني و لا ادري هل كانت اختياراتها الافضل ام لا و لكني اجزم ان بعض تلك الاختيارات واقعا موفقة. و هنا استعراض سريع لتلك القصص و انطباعي عنها :

شاب يافع من اصول يهودية – ماساهيكو شيمادا

هذه القصة القصيرة تتكلم عن فتى ياباني يعيش مرض انفصام الشخصية فيرسله اهله للعلاج في فرنسا حيث يعمل اخوه . و هناك يتعرف على رئيس اخيه في العمل و هو شخص يهودي له حظ من الفلسفة . في هذه الفترة يقضي الفتى وقته في امرين الاول في المناقشة الفلسفية مع اليهودي و الثاني في لعب لعبة مستوحاة من الكوميديا الالهية لدانتي . و من خلال هذين الامرين بالاضافة الى النزهات الطبيعية في ريف فرنسا يتشافى سريعا . واقعا لو لم يكن في هذه المجموعة الا هذه القصة لكفى فهي ممتازة جدا حوت الكوميديا و الافكار العميقة و اسماء الاعلام من المفكرين و غيرهم و كذا بعض اعلام فرنسا و الاديان و الفلسفات بل حتى ذكر فيها السيد الخميني مرتين ! فهي من القصص القصيرة التي تصلح لان تحول الى رواية بكل سهولة لغزارة المحتوى و تركيب القصة المتقن و الجديد. و لا يخفى تأثر الكاتب بالثقافة الغربية حيث يتجلى في نقاط مختلفة اوضحها شخصية اخي البطل الذي كان يمتعض من الاشياء اليابانية . كنت اتمنى ان اقرا المزيد من هذا الكاتب و لكن يبدو ان نتاجه قليل جدا حسب بحثي السريع .

عن مقابلة فتاة أحلامي في صبيحة يوم من أيام أبريل – موراكامي

قصة موراكامية بامتياز و لا تحتاج الى مزيد شرح لكل من قرأ شيئا من اعماله . ربما كان بالامكان اختيار قصة قصيرة و لكن اطول قليلا من هذه لكي يتجلى اسلوب موراكامي اكثر لمن هم جدد عليه . يبدو لي ان من كل الكتاب الذين ذكروا في هذه المجموعة موراكامي فقط هو من تحصل على شهرة عالمية واسعة.

الفراشات – شينا ماكاتو

او بترجمة ادق فراشات من نوعية ما يطلق عليها خطافية الذيل . قصة خفيفة تتكلم عن مشاكل طفل في المدرسة – عنف و سرقة - و ما يتبع ذلك من تساؤلات عند والديه بخصوص تربية ابنهما . قصة اشبه بالتحليل السايكولوجي او لنقل ان كاتبها طبيب نفسي . الايقاع في مثل هذه القصص بطيء و اصدق للاسلوب الفني الياباني المعتاد .

محاكاة لايبنز – جينيشيرو تاكاهاشي

قصة بدت لي واعدة عن لاعب بيسبول محترف يعاني من فترة فتور و يجد الحل في فلسفة لايبنز العالم الالماني المعروف . ماذا يمكن للاعب بيسبول ان يتعلم من فيلسوف و عالم مرموق مثل لايبنز ؟ هذا ما تحاول القصة استكشافه . القصة واقعا كانت واعدة و فيها لمسات جيدة و لكن يبدو لي ان الكاتب حاول فيها بشكل مبالغ فلم يوفق . اعتقد انها القصة الوحيدة التي قمت بتجاوز بعض صفحاتها لان تفاصيل لعبة البيسبول لم تستهوني و قد اسهب القاص فيها .

الحياة في متاهة – كيوجي كوباياشي

قصة رائعة جدا بخيال خلاق مع مشاهد سريالية كثيرة . واقعا ممتعة جدا و التأثر بفرانس كافكا واضح لدرجة ان الكاتب جعل اسم بطل القصة K كما في رواية المحاكمة لكافكا . حقيقة بدأت اتعجب من قوة تأثير كافكا على الادب الياباني الحديث فأينما تولي ترى بصمته. من يعجبه ادب كافكا سيستمتع بهذه القصة لا محالة . لو كنت سأرتب القصص حسب ذوقي لكانت هذه القصة في المرتبة الثانية بعد قصة شاب يافع من اصول يهودية .

عن ليلة بلا قمر – سي تاكيكاوا

هذه القصة غريبة فهي مزيج من الرعب و الخيال و فكرتها الاساسية بسيطة : امراة تحكي عن نقطة ضعفها الا و هي الحشرات ! قصة جيدة و ممتعة بشكل عام و لكن ليست من النوع الادبي العميق . في هذه القصة ايضا نلاحظ تأثر الكاتبة بكافكا.

الله سبحانه هنا - ايتوه سايكوه

هذه القصة مزعجة للمحتوى المرعب و لا اعني الرعب بمفهومه الهوليودي بل الرعب بمفهومه النفسي فالقصة تحكي كيف ان مجموعة من الاطفال و في محاولة لاثبات انفسهم قاموا بمحاولة ارعاب طفل في ليلة مظلمة و لكن الامور تصاعدت بسرعة لتنتهي بزهاق نفس بريئة . لا احب حتى مجرد التفكير في احداث هذه القصة .

مولي براون التي لا تغرق – تاميو كاغياما

يحكي هذه القصة مدرب سباحة عن امراة اربعينية جاءت لتعلم فن الغطس و لكن بسبب سمنتها لم تكن تستطيع الغوص على الرغم من تفوقها في فن السباحة . مع الوقت سنعرف سبب اصرار هذه المراة العجيب على تعلم هذا الفن . قصة غريبة و مشوقة تميزت باسلوب ساخر و خفيف استمتعت جدا بقراءتها .

نبيذ – ماريكو هاياشي

قصة غريبة اخرى بطلتها امراة صحفية كانت تستغرب بل تستهجن هوس البعض بالنبيذ الفاخر و نرى بعد ذلك كيف تحولت البطلة نفسها الى شخصية من تلك الشخصيات التي كانت تستهجنها في البداية . قصة قصيرة و لكن عميقة جدا و فيها تحد للوضع الاستهلاكي المعاصر في اليابان و تطرح الكثير من علامات الاستفهام.

بالاضافة الى ما ذكرته اعلاه هناك قصة قصيرة لكنها بمحتوى جنسي هابط تعمدت عدم ذكرها و هناك ايضا قصتان لم اقراهما الاولى مقطوعة مختارة من رواية مطبخ للكاتبة بنانا يوشيموتو و هي رواية مشهورة جدا كنت قد قراتها كاملة سابقا فلم اقراها هنا . اما العمل الثاني الذي تركته فهو بعنوان " يو هـي" ليانغ لي و هو ايضا مقطوعة من رواية كاملة و قد تركت قراءتها لانها مقطوعة و ليست قصة كاملة . هذه القصص بشكل سريع و اعتقد انها فعلا تعطي تصورا عاما عن الادب الياباني الحديث فالمواضيع و الاساليب الفنية في هذه القصص القصيرة نراها بشكل متقدم في الروايات المطولة . يبقى ان اشيد بالادب الياباني ككل و انه فعلا يتمتع بثراء و تنوع يميزه عن اغلب الاداب العالمية خاصة بعد ان تزاوج مع الادب الغربي. اخيرا لا ادري هل الحضور النسائي الكبير سواء ككاتبات او كبطلات للقصص يعكس حقيقة الامر في الادب الياباني المعاصر ام انه بسبب كون المحررة امراة فأحبت اظهار ادب المراة عندهم ؟


دمتم في الرضا ،