:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

نظرة خاطفة على " الامير الصغير"

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما اتصفح قوائم أهم الكتب العالمية و بالاخص الكتب الادبية دائما كان يمر علي كتاب بإسم الامير الصغير The Little Prince للكاتب الفرنسي " انتوان دي سانت اكزوبري " و هو كاتب معاصر عاش في القرن العشرين (1900 – 1944) و يعتبر رمزا قوميا في فرنسا. كان كاتبا و شاعرا و صحفيا و الاهم طيارا شارك في الطيران الفرنسي أيام الحرب العالمية الثانية و يعتقد انه توفي بعد اختفاء طائرته في اخر مهمة له - هناك نظريات مختلفة لتفاصيل الحادثة -.
عودة الى الرواية القصيرة فقد بقيتُ فترات من الزمن لا اعرف ما الذي يحويه هذا الكتاب الغريب فصورة الغلاف طفولية جدا فهل يعقل ان يوضع هذا الكتاب جنبا الى جنب في الارفف التي تحتوي على امثال اعمال تولستوي و تشارلز ديكنز و بقية عمالقة الفن ؟
و مضت الايام و اقتنيت هذا الكتاب و كان ضمن اول دفعة اشتريها من خلال " موقع جملون ". قد لا يجوز تسميت هذا العمل بالكتاب او الرواية فهو بالكاد يتجاوز الـ 100 صفحة من الحجم الصغير و نصف هذه الاوراق تقريبا رسومات بألوان مائية من ابداع الكاتب نفسه . و قد وجدتني اقرأه بنهمٍ فقد استحوذ علي كليا و قد كنت اقف عند كل فصل لأفكر في الذي قرأته و احاول فهم ما يريد الكاتب ان يصل اليه . لا ادعي اني احطت بكل لطائف هذا العمل من اول قراءة فالكتاب من تلك الكتب التي تقرأ لمرات و سأقراه مرات اخرى لاستزيد و ارى الامور من جهات جديدة. الكتاب على طريقة مزرعة الحيوان لجورج أرويل فيمكن ان نقرأ العمل كقصة طفولية عن حيوانات او يمكننا ان نعتبر هذه المخلوقات مجرد رموز و نحاول ان نصل الى المعنى الحقيقي الذي يريده الكاتب. مزرعة الحيوان و الامير الصغير هي ما اعتبره امثلة على الرمزية في أوجها لا بمعنى ان الاعمال مستغرقة في الرمزية و لكن بمعنى انها رمزية و لكن مع انها رمزية الا انها مفهومة و ينهل كل شخص بقدر طاقته . هذا بخلاف ما نراه في الاعمال الشعرية الرمزية الحديثة التي يستغرق الشاعر في رمزيته لينفصل عن الواقع فلا احد يعرف ماذا يقول الا هو و شرذمة على شاكلته تتظاهر بالمعرفة و التصفيق ، و اما عامة الناس فتكتفي بقول المعنى في قلب الشاعر !
نعم فالنص على الرغم من كونه رمزيا كليا بداية من الشخصيات مرورا بالاماكن و نهاية بالاحداث الا انك عندما تكتشف المرموز تجد ان القصة متناسقة كليا بالتفسير الجديد . غني عن الذكر ان الكاتب يحاول في هذا العمل ان ينتقد و يعالج مواضيع اجتماعية مختلفة و لكن بأسلوب رمزي يتخلله الكثير من السخرية فقد استطاع الكاتب ان يضحكني مرات عديدة . عبقرية هذا العمل بالنسبة لي ليست في المواضيع التي تناولها او الافكار التي اراد الكاتب ان يوصلها بل في قدرته الفائقة على رسم صور خيالية سريالية سواءً بفرشاته في اللوحات الفنية او بكلماته في اللوحات الخيالية . هذه القدرة العجيبة في قدرته على نقل القارئ الى عوالم سحرية ربما تنبع من قدرته على دغدغة ذكريات الطفولة و استرجاع تلك الروح الطفولية الشاعرة النائمة في كل فرد منا. أعرضتُ عامدا عن ذكر شيء من قصة الرواية و لكن يكفي ان اشير الى انها مستوحاة جزئيا من حادثة حقيقية وقعت للكاتب اذ ان طائرته تعطلت و سقطت به في صحراء شمال افريقيا -هو و صاحبه-، و استنقذهم البدو بعد صراع مع الموت في الصحراء لبضعة ايام.
قبل ان اصل الى الفقرة الختامية احببت فقط ان اشير الى مسألة الصحراء فقد لاحظت ان الكثير من الادباء يعشقون الصحراء و يجدون فيها مصدرا للابداع و الشاعرية و هذا ليس بغريب على الشعراء العرب بطبيعة الحال و لكن ان تكون الصحراء مؤثرة في كتاب من الغرب و الشرق فهذا شيء يستوقفني دائما. اخص بالذكر هنا الاستاذ الدكتور علي شريعتي فكثيرا ما كان يترنم بالصحراء لدرجة ان احد اهم اعماله ان لم يكن اهمها هو كتابه المعنون بـ "هبوط در كوير" اي الهبوط في الصحراء و قرأت كتابا عن سيرته الشخصية بعنوان " در كويرم " اي في صحرائي و من لديه اي اطلاع على اعمال الدكتور الادبية سيعرف حجم حضور الصحراء فيها. حقيقة لم اطلع بما فيه الكفاية على اعمال دي سانت اكزوبري و لكن قرأت ان احد اعماله التي حوت فلسفته تجاه الحياة معنون بحكمة الرمال فيه ايضا اختار الصحراء كبيئة لعمله الادبي و الفلسفي. لم اتعلق بالصحراء على كثرة ترددي في طرق صحراوية ليلا و نهارا و لا اجدها تثير حسي الادبي او العاطفي عندما اقرا عنها بل اجد ان هناك الكثير من البيئات أكثر شاعرية. و اجد ان هناك مبالغة واضحة في الرومانسية عندما يترنم الاديب بالبيئة الصحراوية بعواصفها الرملية و بأشعة الشمس الحارقة. ربما من الجميل الحديث عنها و لكن واقعا لا اعتقد ان احدا يحب ان يعيش فيها فالحرارة و الغبار و العطش تذكرني بقوله تعالى " تلفح وجوههم النار و هم فيها كالحون ".
بلى احبها عرضا لانها البيئة التي عاش فيها رسولنا الكريم "صلى الله عليه و اله و سلم" و اهل بيته عليهم السلام ، لكن هذا من باب :
و ما حب الديار شغفن قلبي … و لكن حب من سكن الديارا
بعد هذا كله هل الكتاب يستحق ان يكون رابع اكثر الكتب ترجمة في العالم ؟ شخصيا لا اعتقد ذلك و ان كان العمل عبقريا جدا فقد تم اختياره كأفضل كتاب فرنسي في القرن العشرين و بيع منه ملايين النسخ .

دمتم في الرضا ،