:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

ستيفن هوكنج "الثقوب السوداء و الاكوان الوليدة "

بسم الله الرحمن الرحيم
اولا انا لم اعرف عن هذا الرجل الا عن طريق اشارة من فيلم سينمائي ! و هذا يفيد شيئين :
انه يوجد بعض الافلام المفيدة ، بعكس ما يشاع من ان الافلام مجرد تضييع وقت و تسلية !
اني لن اتباهى بمعرفتي للرجل و اعيب على الاخرين كيف لم يسمعوا عنه على عظم انجازاته ! فأنا ايضا لم اعرف عنه الا صدفة .
امم ، ليست صدفة بمعنى صدفة فبعد ان تعرفت عليه باشارة من الفيلم السينمائي و بعد قراءة موجزة عنه و في مقالاته تذكرت ان احد اساتذتي في الصف الاول المتوسط تكلم عن اينشتاين و هايزنبرغ و تطرق الى ستيفن هوكينج و اشار الى انه يتربع على كرسي السير اسحاق نيوتن في جامعة كمبريدج ، و انه من عجائب القدر ان يكون اكبر عالم فيزيائي في الوقت الحاضر معاقا كليا !.
قبل ان نتكلم بعمق اكثر عن الرجل احببت الاشارة الى ان شخصية ستيفن هوكنج كعالم معاق او لنقل عبقري مقعد اصبحت متداولة في الاعلام الغربي سواء بالمباشرة او بالتلميح المبطن هذا فضلا عن ظهوره شخصيا في اكثر من مناسبة كمشاركته في البرنامج البريطاني المشهور "اسطوانات الجزيرة المهجورة" و التي هي موجودة بشكل نصي في كتابنا الذي سنتكلم عنه اليوم . ايضا ، ظهرت شخصية العالم المعاق في سمبسونز و فاملي جاي و اكثر سخرية في سوبر هيرو موفي. هذا بعض من اشكال اندماج ستيفن هوكنج مع الاعلام الغربي.
حسنـــا ، بعد كل هذا الذي رايته و قراته على صفحات الانترنت قررت اخيرا تزيين مكتبتي بكتاب من تصنيفه و كنت محظوظا اني عثرت على اخر نسخة موجودة في مكتبة جرير بعنوان "الثقوب السوداء و الاكوان الوليدة و مقالات اخرى" ان صحت ترجمتي ، جميل! هنا نقطة يجب ان اشير اليها قبل ان نستمر الا و هي اني لا اعرف ما هي المصطلحات العلمية العربية المرادفة للمصطلحات الغربية ، لهذا في موضوعي هذا ستكون الترجمة اجتهادية لا غير .
العنوان الانجليزي :
Black Holes and Baby Universes and other essays
بدون مجاملات هذا الكتاب يعتبر افضل مدخل الى عالم هوكنج لانه بمثابة سيرة ذاتية اضافة الى كونه مدخل الى افكار هذا الرجل و نظرياته . المتن موزع على 161 صفحة يستهلها الناشر بادراج شيء مما قيل عن الكتاب و الكاتب . الكتاب مكون من 13 مقال اضافة الى ملحق للمقابلة الانفة الذكر . و هنا تقابلنا المشكلة الاولى حيث ان المقالات كتبت في فترات متراوحة بين 1976 الى 1992 و هذا يجعلها نوعا ما قديمة حيث ان الناشر يضع نقاطا توضيحية للارقام و الاحصائيات التي تغيرت . ايضا هناك مشكلة ثانية : بما ان المقالات اغلبها عبارة عن كلمات القاها المؤلف في سنوات مختلفة و في مناسبات مختلفة فيوجد شيء من التكرار في المحتوى ، و قد اقر المؤلف بهذا الشيء و نص على انه حاول جهده ان يقلل من التكرار و لكن يبقى بعض التكرار موجود هنا و هناك .
سأدرج عناوين المقالات الان :
الطفولة
اكسفورد و كمبريدج
تجربتي مع مرض التصلب الجانبي
ردة فعل العامة تجاه العلم
تاريخ مختصر لتاريخ مختصر
رؤيتي
حلم اينشتاين
بداية الكون
ميكانيكا الكم للثقوب السوداء
الثقوب السوداء و الاكوان الوليدة
هل كل شيء مسيير؟ ( الجبرية )
مستقبل الكون
المقابلة
اول ثلاث مقالات نستطيع ان نقول انها سيرة ذاتية فهي تصف ستيفن الطفل الذي ولد لاب طالما سافر الى افريقيا ليمارس هوايته في دراسة امراض الحشرات !. يعجبني اسلوبه الساخر في افتتاح المقدمة في الكلام عن سنة ولادته في العام 1942 التي تصادف 300 عام من وفاة جاليلو ! و كلامه عن مدى سعادته بانه ولد في اكسفورد لان الالمان و الانجليز اتفقوا في الحرب العالمية على عدم تفجير مناطق الجامعات ! شيء حضاري ! لو انه شمل كل المناطق اليس كذلك ؟
و يستمر في الكلام عن طفولته و اخوته و يطنب حتى في وصف انتقالاتهم من بيت الى اخر و يصف دراسته التي تميز في الجانب النظري منها خاصة عند الاختبارات ! بعض التفاصيل كانت مملة نوعا ما و لكن لا بأس فالمقالات ليست طويلة على كل حال ينتقل بعدها للكلام عن اكسفورد و من ثم كمبريدج و كيف بدا المرض معه قبل ان ينهي رسالته . هنا نقطة وقوف !
اولا المرض بدا يأخذ منه بشكل سريع جدا و قد قال له الاطباء انه لن يحيى طويلا ، و لكن مع الاصرار و التحدي عاش هوكنج سنوات و سنوات و الى الان لا يزال يعيش و ينجز !
انهزامه امام المرض و عدم رغبته لمواصلة رسالته خوفا من الموت تحول الى فوز ساحق نتج عنه اكبر عالم فيزيائي اليوم و الفضل كله يعود الى فتاة ! نعم ، فتاة هي من احبها و احبته فأعطته دافعا للبقاء و دافعا للعمل و الحصول على وظيفة لكي يؤمن زواجهما !
يجب التنويه هنا ان المؤلف يقول ان حياته كانت عابثة قبل المرض فكان من جيل ما بعد الحرب حيث لا يوجد شيء لنحيى لاجله ! و لكن بعد المرض يقول عرفت ان هناك الكثير في الحياة لاستمتع به و لاتعلمه – اذا رب ضارة نافعة !
هذا لا يعني ان حالته الصحية تحسنت بل تدهورت و مع الزمن لم يعد يستطيع التحرك و اخيرا ذهب صوته تماما ، و لكن مبرمج امريكي استطاع ان ينقذ صاحبنا بجهاز برمجه في الاصل لامه التي تعاني من نفس المشكلة ، هذا البرنامج يساعد ستيفن هوكنج للتواصل مع الناس و كتابة المحاضرات و الاجابة عن الاسئلة بعد ان كان يعاني كثيرا بالطريقة الصعبة حيث يشير الى الاحرف التي يريدها .
لا يجب ان اقول ان الرجل لا يستطيع استخدام يديه مما يعني انه يقوم بالمعادلات و النظريات في عقله!
حسنا كفانا كلاما عن الرجل و معاناته لنتكلم عن الكتاب .. ماذا يريد ان يقول ؟
هوكنج ليس عالم فيزياء نظرية عالي المستوى بل كاتب ناجح يتمتع بحس فكاهي ! كتبه حطمت الارقام القياسية في موسوعة جينيس و تصدرت قائمة اعلى الكتب مبيعا .. طيب لماذا ؟ لماذا الناس قد تهتم لكتب علمية مثل مختصر التاريخ؟
فعلا شيء محير في بداية الامر و لكن عندما نعرف ان الرجل هدفه ان يشارك عامة الناس بمنجزات العلم في السنوات الاخيرة سيذهب العجب.
لن تحتاج الا للغة انجليزية متوسطة لتفهم كتاباته فلا يوجد معادلات و لا توجد مصطلحات غريبة ، مجرد سرد بسيط و استدلال منطقي ، فالكاتب يخفي التفاصيل المملة عن القاريء و يترك له الاشياء المفيدة و الخلاصات .
في النهاية ماذا يقدم هذا الكاتب ؟
اضافة الى دخولك الى عالم هوكنج الشخصي فسوف تتعلم عن النظرية النسبية العامة و الخاصة و مبدا التشكيك و ستعرف انجازات العلم في القرن الاخير اضافة الى معرفة اجمالية بالثـقوب السوداء و سيتغير مفهومك عن الوقت و الفضاء و يطرح لنا مسألة الوقت التخيلي و لتوضيح هذا الشيء الذي يصعب فهمه تخيل ان الوقت له اتجاهين الى الخلف الماضي و الى الامام المستقبل حسنا الان تخيل اتجاها الى اعلى و اتجاها الى اسفل للوقت فسيكون الاول الوقت الحقيقي و الاخير الوقت التخيلي .ستعرف الكثير عن انجازات هوكنج خاصة مع الثقوب السوداء و انها ليست كاملة السواد عندها ستعرف اشعاع هوكنج . في النهاية سنتعرف على محاولات هوكنج للتوفيق بين نظرية النسبية العامة و نظرية مكانيكا الكم للوصول الى النظرية الموحدة او ما يؤمل ان يكون نظرية الكل شيء ! حيث ستفسر جميع الظواهر الطبيعية بالقوانين الصرفة. من الاشياء التي لم استسغها كثيرا منطلقا من خلفيتي الدينية كلامه عن الجبر اجمالا و ليس تماما و ايضا كلامه عن نظرية التطور لداروين حيث حاول ان يعكسها على الواقع و يفسرها تفسيرا علميا محاولا تفادي مشكلة الصدفة . في الجهة المقابلة اعجبني كلامه عن بداية الكون و كلامه عن الله سبحانه و تعالى مع انه يوحي بالقليل من التفويضية . اعجبني توفيقه بين مقولة اينشتاين الشهيرة " ان الله لا يلعب النرد " و بين مبدا التشكيك ، اعجبني اعجابه باينشتاين و نقده و الوقوف على اخطائه .. اعجبني تواضعه شغفه و اصراره ! اعجبني حبه لزوجته و ابنائه .. ادهشني بانجازاته كل هذا من رجل مقعد لا يستطيع الحراك و لا الكلام !. يحتاج رعاية على مدار الساعة !
اعجبني وقوفه موقف المحايد من المسألة الجدلية بين طرفي الرفاهية البشرية ، و احترامه لعامة الناس بأن لهم حق المعرفة و حق الاختيار .
دمتم في الرضا..