:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

نحو قراءة افضل

بسم الله الرحمن الرحيم
هناك بعض الملاحظات التي ربما يغفل عنها حتى محبي القراءة ، لنستعرض بعضها بشكل سريع :
1- اول نقطة يغفل عنها الكثير او يتغافل عنها هي تجنب القناعات المسبقة او لنقل السلبية تجاه العمل و هذه النظرة معروفة عندما يكون الكاتب من حزب ، مذهب ، دين ..الخ مختلف عنا . و لكن يجب ان تكون هناك انفتاحية في تقبل الراي الاخر و لا يعني بالضرورة القبول به و لكن محاكمة النص نفسه و تفريعه الى قسم صحيح و قسم باطل عندها نأخذ القسم الاول و نترك القسم الثاني . هذا بدلا من رفض الاعمال الادبية او الفكرية لمفكرين ينتمون لمدارس مخالفة.
2- لا يمكن الاطمئنان الى الترجمة اطمئنانا كاملا، فهناك من يتعمد التزوير و هناك من يترجم باخلاص و لكن كون اللغة نفسها حمالة اوجه و كون بعض الكلمات و التراكيب ليس لها مقابل في اللغة الاخرى فهذا الامر قد يؤدي الى اختلاف الفكرة التي كان يريدها الكاتب الاصلي و الفكرة التي وصلت لنا. هذا للترجمة الحرفية اما ترجمة المضمون او دراسته او تلخيصه فهنا المشكلة قد تكون اكبر فاعتمادنا شبه كلي على فهم المترجم الذي قد تتدافعه اراؤه الشخصية و خلفياته فيفهم النص خلاف ما يريد الكاتب الاصلي.
3- الانتباه الى مصدر النص و الرجوع له ، فقد نقرا نصا في احد الكتب و يضع المصدر للنص الاصلي حينها يجب الرجوع للمصدر او احيانا يكون المصدر كتابا عربيا اخرا ينقل عن كتاب اجنبي فيجب تحري المصدر الاصلي للتأكد من ان النقل صحيح.
4- تعلم لغة حية فهي تفتح ابوابا و مصادر للمعرفة لا تحصى ، و في زماننا اللغة الانجليزية على الاقل واجبة التعلم ، لانه لا يمكننا تعلم كل اللغات الاخرى و لان اللغات الاخرى تترجم لهذه اللغة على الاقل . احيانا رايت كتابا مترجما عن الانجليزية عن الالمانية ، على الاقل عندما نعرف الانجليزية يمكننا تجاوز هذه الوساطة بيننا و بين المواد العلمية الاجنبية . بدون الانجليزية هذه الايام نحن تحت رحمة المترجمين و هذا بالنسبة لي كمن لا خيار له بل يقرا ما يختاره له غيره ، تخيل ان تذهب الى مكتبة و تقول هل توجد ترجمة لكتاب "والدن" ؟ فيقول لك لا ، و لكن لماذا لا تشتري و تقرا كتاب الحصن الرقمي فهو مترجم ؟! بعض الاجانب قد يتعلمون اليابانية لاجل مشاهدة الانيمي و قراءة المانجا ! فلماذا لا نتعلم الالمانية لقراءة اعمال امثال نيتشه و كافكا ، او الفارسية لنقرا لسعدي و حافظ و الفردوسي ؟!. النصوص الادبية خاصة الاشعار تفقد نسبة كبيرة من جمالها عندما تترجم .. فبما ان اللغة الانجليزية تأتي افتراضية هذه الايام فلا بأس بلغة اخرى مساعدة .
5- تعلم اللغة العربية ! التعمق في اللغة العربية يعطي قوة في فهم النصوص المكتوبة بهذه اللغة خاصة القديمة و ايضا يساعد على تعلم لغات اخرى . أتذكر ان مدرس اللغة الانجليزية عندما كنت في المرحلة الابتدائية قال لنا من يريد ان يتعلم الانجليزية بشكل جيد فليتعلم العربية ، و بعد سنوات قرات كلاما مشابها لـ "لاري وال" صاحب لغة البرمجة بيرل و الحقيقة انني تلمست هذه الحقيقة فقد سألني مرة احدهم عن سر تمكني من الكتابة بالانجليزية فقلت له لاني اعرف ان اكتب بالعربية ! واقعا اذا كنت لا تستطيع الكتابة باللغة الام ستكون هناك صعوبة اكبر كي تكتب بلغة اخرى هناك عناصر كثيرة متشابهة بين اللغات قد لا تكون واضحة للوهلة الاولى و لكن يمكن تقفيها مثل ما نراه من تشابه بين لغات البرمجة و ان كانت طرق الكتابة مختلفة جدا جدا . فلا يخفى ان التمكن من لغة يساعد على التمكن من لغة اخرى فلا بأس من قراءة بعض الكتب في اللغويات Linguistics.
6- تجنب الحكم على مفكر او كاتب من خلال جملة واحدة او اقتباس بل يجب النظر الى مجمل اعماله ، فمثلا كثير من الفلاسفة يقال عنهم انهم كفرة او ضد الدين من خلال مقتطفات من اقوالهم و لكن عندما ترجع لاعماله تجده في مواطن كثيرة يبرهن على وجود الله او يتركه كامر بديهي مسلم به و اما بخصوص الدين فاغلب هؤلاء المفكرين تجده في نص ما ينقد رجال الدين من ناحية معينة فيتم تعميم ذلك الى انه محارب للدين !
7- محاولة اسقاط النص على الواقع الشخصي اكبر قدر ممكن فهذا اولا يزيد من متعة القراءة و يجعلها اكثر عمقا و ثانيا هكذا قراءة هي التي فعلا يمكننا ان نتعلم منها و نرتبط بها . عندما نقرا في القران الكريم، الهاكم التكاثر .. فبدلا من ان نفهم الاية انها خطاب لقوم ذهبوا الى المقابر ليتكاثروا بموتاهم فقط ، يمكن ان نفهمها ايضا بنعم هي خطاب شخصي لي فقد الهاني التكاثر في جمع المال و الاسفار و الاجهزة الالكترونية و غير ذلك ، اذا و الحال هكذا ماذا علي ان افعل الان؟
8- و هذا يجرنا الى الكلام عن تأويل النص فاغلب الاعمال الادبية مكتوبة بلغة رمزية او في بيئات اسطورية علينا كقراء ان نربطها بالواقع ، فكمثال كتبت سابقا عن مزرعة الحيوان فكم هو طفولي النص الاصلي بالحيوانات من خنازير و طيور ، و لكن عندما نعرف ان هذا مجرد ستار على طبيعة بشرية تبدا الامور باخذ منعطف عميق ، و الاعمال التي كتبت بهذه الطريقة كثيرة جدا منها اعمال فولتير و فرانس كافكا ..الخ.
9- محاولة قراءة القراءة (بالمناسبة هناك مراجعة في المدونة لكتاب بهذا العنوان) ! اعني ان القليل من يأخذ من وقته للقراءة عن القراءة: فلسفتها ، طرقها ، اسرارها ، تنظيمها ، انواعها ..ألخ . بل ان اغلب الاشياء هكذا فالكثير من الناس هذه الايام تكتب على الانترنت ، و لكن كم منهم من قرا عن الكتابة نفسها: فنونها ، مدارسها ، فلسفتها ..الخ ، الان عندما اتذكر دراستي الجامعية مررنا على الكثير من المواد في مختلف التخصصات و لكن الان لا يوجد لدي كتاب من سنوات الدراسة الا كتاب واحد اقراه باستمرار (اخر مرة قبل اسبوع) كان الكتاب عن الدراسة ! على ان هذا الكتاب لم يكن من ضمن المواد اصلا بل كان مجرد كتاب اضافي للقراءة الحرة ، الا انه بالنسبة لي كان اهم كتاب عرفته في الجامعة .. و قد افتتح الكتاب بهذا السؤال: لماذا نقرا عن الدراسة ؟ او بعبارة اخرى لماذا دراسة الدراسة !.
10- النقطة السابقة تجرني للكلام عن التاريخ ، لماذا لا نقرا عن تاريخ ما نقرا ! اعني كم منا من انهى دراسته الجامعية في تخصص ما و لم يقرا تاريخ هذا العلم الذي يدرسه . مثلا علوم الحاسب الكل منغمس في تفاصيل تطبيقية او نظرية و لكن لا يوجد اهتمام بقراءة تاريخ علوم الحاسب ، هذه الدراسة ذات قيمة من جهات عديدة ربما من اهمها معرفة لماذا اخترع الشيء الفلاني مثلا ، اي مشكلة يحاول حلها و من قام بذلك و متى ؟ ربما هذا الشيء لا ينفعني الان لانه وجد لحل مشكلة مؤقته فقط ..الخ الخلاصة قراءة تاريخ الفن المعين يعطي تصورا شاملا للصورة الكاملة كيف بدا العلم و الى اين يتجه و اين يمكن ان اساهم فيه و من هم الذين ابدعوا فيه .
11- قراءة الكتب النقدية او الكتب التي تعطيك معايير للحكم و تقييم الاعمال المكتوبة ، فتعلم البلاغة و البيان و الاصول النقدية الادبية يضفي بعدا و متعة للنصوص الادبية و الوقوف على مواطن الابداع فيها . مرة اخرى الادب مثال و الا الامثلة لا تنتهي فقراءة الاعمال النقدية و المعايير يساعد حتى المبرمج على اختيار لغة برمجة او نموذج برمجي ، بعبارة اخرى لا يكفي ان تنظر الى كود برنامج و تفهمه بل يجب ان تكون لديك الاسس التي تمكنك من نقد البرنامج و تقييمه من ناحية الجودة و الكفاءة و الصحة بل حتى الجمال .
12- قراءة الاعمال الكلاسيكية ، سواء في الادب او حتى المقالات و الكتب العلمية لان الاعمال اللاحقة دائما ما تقوم بالاستشهاد بها او الاشارة اليها ، مثلا عندنا في البرمجة مجموعة من المقالات التي تصنف على انها “واجبة القراءة على اي مبرمج” يمكن ان تتجاهلها و لكن الفوائد التي ستخسرها كثيرة لا اقل من انك ستكون جاهلا باي استشهاد او اشارة اليها .. ثم ان الاعمال الكلاسيكية هي التي اجتازت اختبار الزمن و اثبتت علو مضمونها و جودته و في وقت كثرت فيه المواد المكتوبة فالاولى ان نبدا بالمهم و المفيد .
و الحمد لله رب العالمين
دمتم بود..