:: كل المقالات ::

Thu, 05 Dec 2019

قواعد العشق الاربعون لإيلف شفق


بسم الله الرحمن الرحيم

قرأت رواية "قواعد العشق الاربعون" للكاتبة التركية "إيلف شفق" و هذه الرواية تعتبر اول عمل اقرأه لها و من الواضح انه سيكون آخرها. لا ادري بالضبط ما الذي دفعني لقراءة هذه الرواية فقد كنت قرأت ملخصها سابقا و لم انجذب لها كثيرا و لكن ربما الذي دفعني لقراءتها في هذا الوقت بالذات اني وجدتها في مكتبة الشركة فاستعرتها. الرواية باختصار تحكي قصة امرأة امريكية "ايلا" و التي تعيش حياة خاوية و رتيبة كربة منزل و تكتشف بعد عشرين سنة من الزواج انها لم تعد تحب زوجها  - الذي يخونها كما هو المعتاد ! - . في هذه الفترة تتعرف على رواية بعنوان "الكفر الحلو" تتحدث عن قواعد العشق الاربعون للصوفي الشهير شمس التبريزي و عندها تقوم بمراسلة كاتب الرواية "عزيز" لتنطلق القصة في اتجاهين:
الاول : ما يحدث في زماننا بين ايلا و عزيز.
الثاني : ما يحدث في زمن شمس التبريزي.
فنيا لا يوجد الكثير لنتحدث عنه و لا اعتقد ان مثل هذه الرواية  تسعى للابداع الادبي و انما الاهتمام كله منصب على المضمون فالكاتبة تركية و عاشقة للفكر الصوفي التركي فاتخذت من قالب الرواية طريقا لترويج الفكر الصوفي لشمس و مولانا الرومي . يبقى فقط ان نذكر في هذا الباب ان الكاتبة استخدمت اسلوب التنقل بين شخصيات الرواية و جعل الشخصيات نفسها هي التي تحكي القصة و بذلك نتحصل على رؤى مختلفة لاحداث واحدة و هذا الاسلوب و ان كان مميزا الا انك تعرف انه ليس من ابتكاراتها بل هو معروف و مستخدم كثيرا في ادب الروايات .
نأتي الى المضمون و هنا زبدة المطلب فالرواية ما هي الا حجة لاستعراض قصة "شمس و مولانا" هذه القصة المعروفة و لكن السؤال الاول هو عن نسبة الخيال الى الحقيقة ، و الذي يظهر لي ان الكاتبة الى حد كبير كانت امينة في المحتوى التاريخي فاللمسات الفنية كانت في امور هامشية . اغلب الشخصيات المهمة كانت شخصيات حقيقية مثل "علاء الدين" و "سلطان ولد" و لربما الاستثناء الوحيد هو شخصية "كيميا" و الذي اعتقد انه اضعف اتجاهات الرواية بل لا ابالغ ان قلت ان نهاية القصة في هذا الاتجاه كانت جريمة في حق شمس بل في حق كل امراة ، فمن الغريب ان تصدر مثل هذه الهفوة من كاتبة تُنسب الى منظمات حقوق المرأة.
قبل الاسترسال احب ان اشير الى مسألة التسمية فاستخدام كلمة قواعد لا اراه مناسبا فالذي يفهم من كلمة "القواعد" نوع من الاوامر الارشادية التي يفضل او يجب اتباعها لا صرف الاخبار كما نرى في كثير من "قواعد" هذه الرواية ، خذ كمثال "إن الماضي تفسير والمستقبل وهم. إن العالم لا يتحرك عبر الزمن وكأنه خط مستقيم، يمضي من الماضي إلى المستقبل. بل إن الزمن يتحرك من خلالنا وفي داخلنا، في لوالب لا نهاية لها. إن السرمدية لا تعني الزمن المطلق بل تعني الخلود." فمثل هكذا جمل اخبارية قد لا يناسب ان تسمى بالقواعد فهي اقرب الى الحقائق أو المعلومات بل ربما الافضل ان نتجاوز الى كلمات تشمل القسمين و اكثر فنقول مثلا اسرار الحب الاربعون.
بطل القصة شمس التبريزي شخصية أشبه بالاسطورية و لا يعرف عنها الا القليل جدا و لكن الكاتبة حاولت ان تملأ الفراغات و تكمل رسم هذه الشخصية الغامضة . مع الاسف يمكنني القول انها فشلت في رسم صورة محببة لهذه الشخصية – طبعا بالنسبة لي على الاقل- فهي بدأت بداية جيدة برسم شخصية درويش لا يستقر تحت سقف لليلتين متتابعتين . هذا الدرويش مشتعل بنار الحب الالهي و يتمتع بالكرامات الباهرة من مثل الاخبار بالمغيبات و النظر من وراء الجدران . و من باب الاسترسال اذكر ان الايرانيين يقيمون حفلات لاحياء ذكراه عند القبر المنسوب اليه بل وجدت ان احدهم كتب مقالة في احدى الصحف الرسمية يحاول ان يثبت فيها ان شمس هذا ليس الا الامام صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف . و الاغرب ان الشيخ حسن الميلاني انبرى للرد على هذه الدعوى الواهية في مقالة مطولة و كأنها تستحق عناء الرد . أقول يكفي ان نذكر هذه المفارقة اللطيفة في المقام حيث إن هناك مقولة منسوبة الى شمس يقول فيها ان سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام مجرد زاهدة لا عارفة و الدليل على ذلك انها كانت لا تسأل الرسول صلى الله عليه و اله الا عن النار و مخاوف القيامة. هذا من جهته و من جهتنا يقول امامنا الصادق عليه السلام انه على معرفتها دارت القرون الاولى بمعنى ان هذه السيدة لا توصف بأنها عارفة و انما هي المعرفة المنشودة و لهذا ورد عنه عليه السلام انه قال من عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر.  قبل ان نطوي هذه النقطة قرأت للشوشتري ان شمس هذا شيعي و ينتهي نسبه الى الامام الصادق عليه السلام و انه شيّع تلميذه مولانا و كذا زوجته و ابنه سلطان ولد ثم أمره بالتقية . و ذهب الى تشيع مولانا جمع منهم السيد القاضي و صاحب مجالس المؤمنين و مدحه الشيخ البهائي بأبيات شعرية و قد استدل الشوشتري بأبيات كثيرة تدل على الاعتقاد الشيعي عند مولانا لكن مثل هذه الامور لا تدرس في مثل هذه العجالة . على كل حال شخصية شمس شخصية محبوبة في التراث الصوفي و محبوبة جدا عند الغرب من المهتمين بالصوفية و الروحانيات لكن المشكلة ظهرت في الفصول الاخيرة حيث نرى ان هذا الدرويش يتحول الى شخصية تنشر الحقد و الكراهية بقدر ما تنشر الحب في اوساط المجتمع . صحيح ان شمس اشعل فتيل الحب في قلب الرومي و لكن في المقابل اشعل فتيل الكراهية في قلوب الكثير من الناس و ذلك من خلال تصرفات ساذجة و انانية بل في احيان اخرى فظة كان يمكن تجاوزها . طبعا ان بعض تلك المواقف مجرد خيال من نسج الكاتبة الموقرة لاضفاء القليل من التوابل الدرامية و لكن يبدو لي انه فعلا هناك الكثير من المواقف التي تنسب في كتب السير اليه لا يمكن حملها الا على الفظاظة و المبرر في ذلك هو ان هذا الرجل بما انه ولي فله ان يمتحننا بما شاء كما فعل الخضر مع موسى عليهما السلام . طبعا هذه الامتحانات –بناءً على ما يروى- وصلت الى مواصيل سخيفة و قد نجح مولانا في كل هذه الاختبارات بتسليمه المطلق لشمس. و لتوضيح معنى "سخيفة" نورد مثالين ففي احدى الاختبارات يطلب شمس من مولانا ان يذهب الى الحانة و يأتي بالخمر و يشرب معه و في اختبار اخر يقول لمولانا لا ينقصنا الان الا "شاهد – بمعنى معشوق" فيقترح مولانا ان يأتي بزوجته فيأبى شمس فيقترح مولانا ابنه "سلطان ولد" فيأبى شمس ثانية بحجة ان "سلطان ولد" بمثابة ابن له. الموضوع لا يحتاج الى مزيد تعليق فقط قارن اختبارات الخضر عليه السلام الواردة في القران الكريم و مثل هذه الاختبارات ، التي طبعا تنسب الى شمس و لا طريق الى الجزم و لكن نحن في صدد نقد شخصية شمس كما ذكرها التاريخ لا واقع شمس الذي لا يعلم به الا الله سبحانه. ثم ان من الامور الغير محببة في هذه الشخصية انه يعظ الناس بالحب المطلق للخلق لانهم عيال الله و هو لا يكف عن اختبارهم و تقييمهم في مواقف مختلفة من الرواية . اضف الى ذلك ان مسألة الحب المطلق للخلق من المثاليات التي يتشدق بها الصوفية و البوذية و الهندوس و يعيرون بها غيرهم بمعنى انهم هم فقط من يملكون قلبا يسع الجميع اما بقية تابعي الاديان السماوية يحصرون الحب لمن هم على ملتهم . فمثلا نرى ان غاندي يقول " ان مبدأ العين بالعين سوف يترك الجميع عميانا " و يقول آجابرام البوذي في محاضراته " ان المجتمعات يجب ان تتخلى عن عقوبات السجن لانها لا تحل المشكلة عند المجرمين بل يجب اعادة تأهيلهم" و بهذا يكون صار مثاليا اكثر من الذين يدعون الى الغاء عقوبة الاعدام . هذه الكلمات و الشعارات جميلة و رومانسية و لكن الحياة ليست مكان الرومانسيات المثالية و لهذا ورد في الاخبار انه "لا بد للرعية من امام بر او فاجر". و اما مبدأ النضال السلمي و ما يقال من ان العنف لا يولد الا العنف و غيرها من الشعارات فهي و ان نفعت في بعض الازمنة فمن الواضح انها فشلت اضعاف نجاحاتها يشهد على ذلك التاريخ. عودا لشمس و مدرسته فهم يجعلون من الحب معيارا اوحدا لمرتبة الانسان الروحية و قربه من الله سبحانه و قد استغلت الكاتبة هذه النقطة استغلالا تاما في الهجوم على المتشرعة و هذه الطريقة في التفكير تذكرنا ببعض المسلمين عندما يتمسك بأحاديث "الدين المعاملة" و غيرها ليميع عدم التزامه التام بالاوامر الشرعية . نعم نحن لا ننكر ان الدين المعاملة و الدين الحب و لكن هذه كما غيرها من القيم يجب ان تؤخذ جميعا لا ان تنتقى و يتم التركيز على نقطة واحدة و تهمش بقية الامور بل تميع بها الاوامر و الحدود . واقعا هم في جعلهم الاهمية للحب و سلامة القلب لا يختلفون عمن قالوا بأن الاهمية للايمان و اما العمل فالامر فيه يسير.
اشرت في بداية المقالة الى ان الكاتبة كانت الى حد كبير امينة في سرد الوقائع التاريخية و لكن مع ذلك لاحظت اخطاءً كثيرة من حيث اسناد المقولات الى اصحابها او اسناد القصص الى ابطالها بل حتى هناك تصرفات في المحتوى فمثلا تروي لنا قصة امير المؤمنين علي عليه السلام مع "عمرو بن عبد ود" فتغير القصة الى ان هذا الاخير -الذي لم تذكر اسمه- أسلم بعد ان رأى موقف امير المؤمنين عليه السلام منه مع ان هكذا امر لم يحصل و الامر مشهور و معروف في كتب الاحاديث و السير. هذه النوعية من الاخطاء كثيرة و لا اعلم هل الكاتبة ضعيفة في البحث التاريخي ام انها تنقل من ذاكرتها او من مصادر غير دقيقة.
في النهاية هل الرواية تستحق القراءة ؟ اذا كنت مهتما بقراءة قواعد الحب فيمكن اختصار المشوار و قراءتها مباشرة من صفحة الرواية في الويكيبيديا العربية و ان كنت مهتما بسيرة حياة مولانا او شمس فيمكن اختصار المشوار و قراءة الصفحات القليلة فيما يصح من سيرتهما في كتب السير. اخيرا ان كنت مهتما بتعاليم هذه المدرسة الصوفية فأيضا هناك مصادر افضل من هذه الرواية و لكن يجب الحذر في هذا الباب فباعتقادي ان شمس و مولانا اصبحا مثل مجنون و ليلى بمعنى ان ما ينسب اليهما من القصص في غالبه مجرد خيال.


دمتم في الرضا،